صبري هاشم
الحوار المتمدن-العدد: 3581 - 2011 / 12 / 19 - 11:23
المحور:
الادب والفن
ليلٌ ارْتَدى ثيابَ المُسافرِ وعادَ خفيفاً كي يأسرَك .
في المدارِ
حيثُ يرتعُ الإِوَزُّ المهاجرُ
يُطوِّقُكَ ماءٌ زلالٌ .
ومِن الجوارِ
عليكَ تهبُّ رائحةُ وردٍ فاجرٍ أحمر .
وخارج الأسوارِ
يتزاحمُ البرديُّ المولعُ بالغناءِ
يُنشِدُك تاريخاً طويلاً مُخضّباً بالحسراتِ .
وتُطيبُكَ أنفاسُ نجمٍ مِن أقصى المسافاتِ تأتي .
مِن حولكَ بشرٌ كثيرون
وقليلٌ مِن الناسِ حولي
إنْ شئتَ غنِّ
وإنْ شئتَ فاجهشْ بالبكاءِ .
أطلقَ البنّاءُ هاجِساً وارتحل .
فيما التوتُ المشبوبُ المُعتلي صهوةَ ساقيةٍ
يتعرّى عندَ هبوبِ الرِّيحِ .
مَن يجلبُ ورقاً لوقارِ شجرٍ عارٍ
ولو مِن سُمرةِ جسدِ وطنٍ ما عاد يسترُ عورتَهُ ؟
مَن يُضيءُ برداً في عيونٍ أرّقَتْها الرّؤيا
أو حطبتْها دهشةُ الأشياء ؟
إذاً فاترُكِ النسيمَ يُداعب هامةَ العاشقِ
فهذا المكانُ الغادرُ بهيُّ المَنْظرِ
وهذا زمانٌ عابرٌ
فيه تطيرُ أسرابٌ مِن حمامِ الفجيعةِ
فوقَ وجهِ اليمِّ تحومُ .
أيُّها البنّاءُ
هل شيّدتَ قصوراً لمَنْ لا يعرفُ كيفَ يسكنُها
وسكنتَ بيتاً مِن بيوتِ الطينِ المُلوّحِ بالعذابِ ؟
أيُّها البنّاءُ
هل سألتَ القصبَ عن عُمرِ أحزانِهِ ؟
ظلَّ البرديُّ الضاحكُ يُسوِّرُنا
والماءُ يجفِلُنا
ونحن نستجلبُ ضوءاً لوجهِ قمرٍ يُزهرُ في عيونِ ساهرٍ منّا
يرقبُ نزواتِ نجمٍ مشاكسٍ بالأنفاسِ يرفِدُنا .
نزرعُ وردةً فوقَ رصيفِ التيهِ
لعلّ غريباً منها يستنشقُ
مِن بعد تجْوالٍ حين يستريح.
نملأ كؤوسَ الليلِ بَرَداً
لعاشقةٍ دبَّ في جسمِها الجمرُ .
وللشرفاتِ التي غدرتْ بها الشموسُ
دفئاً نختزنُ .
وأنتَ في داخلِكَ تتقاتلُ الرّغباتُ
تدخلُ المساءَ المُضاءَ بالندى
هو الليلُ بثيابي يتعثّرُ
وأنا أجمعُ الآهاتِ المنسكبةَ مِن على جسدِ التوتِ
وأنثرُ في السواقي الضاحكةِ ابتهالاتِ الزّهرِ
على وجهِ قمرٍ يتنزّهُ على ظهرِ موجةٍ أنثرُهُ .
هو الليلُ يتعقّبُني
يتعقبُ ظلِّي وأنا أُصافحُ الرّطبَ المتعففَ على الضفافِ
يقولُ الرّطبُ :
أَنْزَلَني سِحْرُ صوتِ العابرِ في الليلِ .
هو الليلُ يتقمّصُني
وأنا أحفظُ تراتيلَ البنّاءِ
عن ظهرِ قلبٍ أحفظُها :
لقد رَحَلَ البنّاءُ
الليلُ مازال يأسرُنا
الماءُ زلالٌ
النجمُ يَبعثُ أنفاساً
الوردُ فاجرٌ أحمر
وأنتَ أيُّها البرديُّ ألا ترحل ؟
#صبري_هاشم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟