|
مأساة الممثل محمد آل رشي
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 3576 - 2011 / 12 / 14 - 09:42
المحور:
الادب والفن
1 في خبر عابر، مقتضب، أفيدَ بأنّ الأمن السوري اعتقل مؤخراً الممثل محمد آل رشي، على خلفية اشتراكه النشط في الاحتجاجات المناوئة للنظام؛ والتي تمثلت خصوصاً في كونه الفنان الجسور، الأول، المُجاهر بالهتاف على الملأ: " عاشت سورية ويسقط بشار الأسد ". ثمّ تبع ذلك، على الأثر، خبرٌ آخر يخصّ هذه المرة والده، الفنان عبد الرحمن آل رشي، الذي امتدحَ فيه ـ كذا ـ " الأسلوبَ الحضاريّ " لرجال الأمن، حينما داهموا منزل ابنه واعتقلوه أمام أسرته. وإذ استطرد الأبّ، بحسَب الخبر نفسه، قائلاً أن اشتراك ابنه في المظاهرات هوَ " مجرّد نزوة "، فإننا لا نشكّ لحظة بأن ذلك لا يُعبّر عن حقيقة مشاعره الأبوية أو الشخصية. إذ سبق لعبد الرحمن آل رشي، كما هو معروف، أن كذبَ ما فبركه أبواق التشبيح الإعلامي، من مزاعم تبرئه من ابنه الوحيد، بعدما ظهر هذا الأخير في فيديوهات الثورة السورية وهوَ يُنادي بإسقاط النظام ورأسه. لا غروَ أن الأبّ، في المرة التالية، كان مَحَط ضغطٍ شديد، أرعن، من لدُن أفراد الأجهزة الأمنية؛ هم الذين فاقت فرعنتهم ووحشيتهم وساديتهم حدودَ العبث واللا معقول. لقد قدّرَ لهذا المُبدع، المُقترب من إكمال الحلقة السابعة من عمره، أن يعيشَ مأساة كلّ أبّ سوريّ ابتليَ بفقدان أحد أولاده، اعتقالاً أو قتلاً أو اختطافا أو تشريداً.
2 ملامحُ محمد آل رشي، الهوميروسية، كما صوته الرنان، تنتمي لشخصيات الأساطير. في عينيه الغائرتيْن، الشبيهتيْن بعيون الشراكسة ( جدّته لأبيه، تنتمي لهذه الملة الكريمة )، بريقٌ أسوَد كأنما هوَ مستلّ من لمعة العنبر. أما لحيته، المتخلل فيها بياضُ المشيب، فلا يمكن أن تليق سوى بنبيّ أو ناسك. ولكن الصوت القويّ، والرخيم في آن، نعرفُ أنه من ميراث الأبّ؛ الممثل العظيم، المخضرم، عبد الرحمن آل رشي. وعن هذا الأبّ، ولا ريب، أخذ الابن الوحيدُ الشغفَ بالفن، وصولاً إلى احترافه. بالرغم من أصالة موهبة محمد آل رشي، الفنية، بيْدَ أنه لم تتح له تجسيدها بشكل يتناسب مع مقدرتها وزخمها. سببٌ أساس، يكمن وراءَ قلة أدوار ممثلنا، وهامشيتها: ألا وهوَ سياسة الإقصاء، العنصرية ـ الطائفية، التي ذهبَ رأسُ النظام في انتهاجها، مذ لحظة وراثته الحكم من أبيه؛ الديكتاتور الدمويّ، المقبور. منذئذٍ، صرنا نتابعُ أفراخ الطائفة، المُدللين، وهم يتنفجون على وسائل الإعلام المحلية والعربية، بعدما أتيحت لهم أمكانية امتلاك شركات الإنتاج، ومن ثمّ ضمان أدوار البطولة المطلقة في الدراما والسينما. بالمقابل، وفي الوقت عينه، كان كثيرٌ من الفنانين، من جيل محمد المبخوس الحظ، يلهثون خلف لقمة الخبز، الحاف. بل حتى جيل المخضرمين، المنتمي إليهم الأبّ عبد الرحمن آل رشي، عانى من تلك السياسة المقيتة، المَوْصوفة: لقد كانت الممثلة الكبيرة، سلوى سعيد، من الفاقة والبؤس أنه لم يكن بالإمكان الصرف على جنازتها، لولا مساعدة مطلقها؛ الفنان القدير طلحت حمدي. وقل الأمر نفسه، فيما يتعلق بنهاية زميلتها في الإبداع، هالة شوكت. فقد صرّحت هذه، قبيل وفاتها في ملجأ للعجزة، خلال مقابلة تلفزيونية: " تمنيتُ أن أخرجَ مرة واحدة في حياتي إلى نور الشمس؛ أنا من أقيمُ عمراً في قبو للإيجار ". وتبلغ المأساة ولوغها القاسي، حينما يعلم المرءُ بأن كلا الفنانتيْن، الراحلتيْن، كانتا من جيل الرواد وتركتا لمساتٍ لا تمحى في كتاب الإبداع، الخالد، سواءً بسواء أكان في بلدهما الأصل أو في القاهرة، عاصمة الفن؛ حينما قامتا بأدوار البطولة الأولى في الأفلام السينمائية خلال الخمسينات من القرن المنصرم جنباً لجنب مع مشاهير الممثلين المصريين ـ كعمر الشريف وأحمد رمزي وشكري سرحان وعماد حمدي.
3 شخصياً، كان من حسن فألي أن أحظى بمعرفة أسرة الفنان عبد الرحمن آل رشي. طفلاً وصبياً، كنتُ مع أولاد الحارَة على موعدٍ دائم مع إطلالة الممثل المعروف، حينما يكون برفقة بناته وابنه، الوحيد؛ خصوصاً في أيام الأعياد، حيث كان يجول بهم بين مرافق اللهو والتسلية، الممتدة على الطريق السلطاني بين جامع سعيد باشا ومدخل الكيكية. وكما سبق وفصّلتُ في سيرتي الذاتية، المنشورة الكترونياً، فإن منزل الوجيه محمد شريف ـ والد عبد الرحمن ـ الكائن في منتصف زقاق آل رشي، كان ملكاً لجدّي لأمي، قبل بيعه للأول. ثمة، في مقابل المنزل ذاك، كانت دارة الجدّ الفارهة، المتميّزة ليس بالفخامة حسب، بل وأيضاً بحديقتها الغناء وفسحتها السماوية وبركتها المستديرة. أولاد محمد شريف، غالب ورياض ومأمون وحيدر، فضلا عن الابنة الوحيدة، كانوا جميعاً آنذاك يبشرون بمستقبل علميّ، زاهر. إلا أوسطهم، عبد الرحمن، فقد بدا كأنه مُشكل العائلة. لقد اندفعَ " بعنو " ( بالباء الفارسية، وتعني: المربوع القامة )، في دربٍ آخر تماماً لا يمتّ للعلم الرصين وأهله؛ عندما امتحن على ما يبدو قدرات صوته القويّ، العذب. عندئذٍ، ما كان لشيء أن يقف في وجه عبد الرحمن، ولا حتى سلطة والده المُحافظ، القاسي، وهوَ يمضي ليلاً إلى حفلات الأعراس وما شابهها، مؤدياً فيها الأغاني الكردية والعربية على حسب الطلب. والدتي، كانت تقصّ علينا ما كان من شأن جارها، الفنان الفتى الصاعد، حينما كان يتصاعد صوتُ أبيه الغاضب من دارهم، المجاورة. " ستكون أنتَ بالوعة هذه العائلة "، هكذا صرخ يوماً الوالدُ بابنه ذاك، المغضوب، وكما لو أنه يُقرنه عبرَ ذاك المثل، المشنوع، بأخوته الآخرين، المتعقلين. وما لم يكن ليتوقعه الأبّ، بطبيعة الحال، أن " بعنو " سيصبحُ ليس فقط أهمّ مَنْ في العائلة اسماً، بل ومَنْ في الحارَة كلها. من النافل التنويه، بأنّ فنانين كبار من أكراد دمشق، مثل نهاد قلعي وطلحت حمدي وخالد تاجا وغيرهم، أضحى لكلّ منهم شأواً مهماً في عالم السينما والدراما. غيرَ أنّ اسم عبد الرحمن آل رشي، كان الأكثر سطوعاً بين جيله من الفنانين، سواءً على مستوى القطر أو على مستوى المشرق بأسره. بدوره، كان محمد آل رشي على خطى شهرة أبيه، وربما أبعدَ بما أننا اليوم في عصر الفضائيات والنت. لولا أنّ المقدورَ، الغاشم، شاءَ أن تمتحن سورية وشعبها بحاكم آخر من آل الأسد، الدمويين الفاسدين، ممن شاءَ مُفاقمة سوءَ سلفه بفيض غيرَ مسبوق من الطائفية والعنصرية. المفردة الأخيرة، لا تميّز مسلك هذا النظام حسب، وإنما أيضاً بعض أشقائه، اللدودين. وعلى سبيل المثال، ففي الخبر الذي نشرته صحيفة كبرى، بحجم " الشرق الوسط " السعودية، تمّ إهمال اسم محمد آل رشي من بين الفنانين المعتقلين مؤخراً. الأكثر فداحة في هذه المأساة، أن تتجاهل معظمُ مواقع النت، الكردية السورية، مصيرَ فناننا نفسه، الشجاع؛ هوَ من كان، كما نوهنا آنفا، أول أنداده من المُبدعين، الصارخين بالحاكم المستبدّ بضرورة التنحي والرحيل.
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لا فتى إلا علي فرزات
-
حكايتي مع حزب الله واغتيال الحريري
-
الجراثيم تتحدّى الطبيب الفاشل
-
ديّوس، ولو علقوا بذيله فانوس
-
عن العلويين والأخوان المسلمين والراعي الكذاب
-
جمعة الحرامي رامي مخلوف
-
السلفيون يحملون صورَ سيادته
-
جواب السيّد الديّوس على رسالة أدونيس
-
من سيدفن الأمة العربية، الميتة ؟
-
يا أبا حافظ
-
أسد وأفعى وعقرب
-
كتائب الإعلام الشبيحي
-
جيش الإسلام العلوشي
-
طريق بشار إلى الحوار
-
أحمد بياسي؛ حكاية كلّ شهيدٍ حيّ
-
أحمد البياسي؛ المسيح يصلب مجدداً
-
آزادي، هذه المفردة المفقودة
-
واحة للحرية اسمها ركن الدين
-
طريق تل أبيب عبر تل كلخ
-
السيّدة الأولى تنصح سيادته
المزيد.....
-
العراق ينعى المخرج محمـد شكــري جميــل
-
لماذا قد يتطلب فيلم السيرة الذاتية لمايكل جاكسون إعادة التصو
...
-
مهرجان -سورفا- في بلغاريا: احتفالات تقليدية تجمع بين الثقافة
...
-
الأردن.. عرض فيلم -ضخم- عن الجزائر أثار ضجة كبيرة ومنعت السل
...
-
محمد شكري جميل.. أيقونة السينما العراقية يرحل تاركا إرثا خال
...
-
إخلاء سبيل المخرج المصري عمر زهران في قضية خيانة
-
صيحات استهجان ضد وزيرة الثقافة في مهرجان يوتيبوري السينمائي
...
-
جائزة الكتاب العربي تحكّم الأعمال المشاركة بدورتها الثانية
-
للكلاب فقط.. عرض سينمائي يستضيف عشرات الحيوانات على مقاعد حم
...
-
أغنية روسية تدفع البرلمان الأوروبي للتحرك!
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|