فاطمة الفلاحي
(Fatima Alfalahi)
الحوار المتمدن-العدد: 3575 - 2011 / 12 / 13 - 01:11
المحور:
الادب والفن
"انما فخر الحياة في اقتحامها لا في استهلاك الشيء ولا في تملكه"
"الإنسان يرسم ظله على قارعة طريق البشرية. ودخان الإنسان فوق السقوف وحركته دائبة على الطريق..إنه لأمل مبذور بالعيون، وربما لم يعهده الناس من قبل، ونضوج مفاجيء لعالم آخر في أوج ظهيرة ليلنا.. وكل الذهب المكدس في مصارفكم وفي خزائن الدولة لا يكفي لشراء مثل هذا الصيد".
" ألا ترون فجأة أن كل شيء يتدانى ،
- كل ما يزن المركب وكل ما يجهزه والقلاع جميعا تحجب وجهنا
- وكأنها شقة كبرى من الإيمان الميت
- وكأنها شقة كبرى من ثوب العبث ومن غشاء الزيف
- وأن الأوان قد آن لنمسك بالفأس فوق سطح المركب؟"
ضيقة هي المراكب
ضيق سريرنا
ليدخل البحر من النوافذ
للبحر وحده سنقول
كم كنا غرباء
في أعياد المدينة.
أعاصير الرغبة زاحفة
والبرق يحشد
من كلِّ صوب
نبوءاته
"مما قاله سان جون بيرس "
• على الفلاسفة أن يتعلموا من الشعراء
• لقد نصبنا في الأعالي فخاخنا للسعادة.
• لقد راحت خواطرنا تعسكر تحت أسوار أخرى.
• كل مكان عديم الجدوى ماسخ الطعم يضطجع فيه مذاق العظمة.
• كل أنواع البشر في دروبهم وأساليبهم: آكلي الحشرات وثمار الماء.
• الوحدة في قلب الإنسان. يا له من إنسـان غريب بلا شاطيء، يعيش بجوار امرأة تعيش على الشاطيء.
• يجب أن نقدر مصير هذا النهر الشاحب الذي لا معنى له،شاحب بلون الجراد وقد سحق في لحائه.
• " أيتها اللغة تقفين كالشجرة الباسقة . أنت أيضاً الهمس المغمغم لفرد وحيد , أكمة يتجول في متاهات المعرفة ."
• الكتب قد قرأناها والأحلام انتهت، أهذا كل ما في الأمر؟ أين هو الحظ إذن وأين المخرج؟.. إن العرافة قد كذبت !
• وأنت، يا بحاراً كنت تقرأين الأحلام الأكثر اتساعاً، هل ستتركيننا ذات مساء إلى منابر المدينة، بين الساحة العامة وقضبان البرونز؟
• دهون! أنفاس مسترجعه، وبخر جمهور مريب
– لأن كل مدينة تحتضن أوساخها فوق منور الحانوت – فوق قمامات ،
الملاجئ – فوق شذا النبيذ الأزرق في حي البحارة
– فوق النافورة المنتحبة ،في فناء مركز الشرطة
– فوق التماثيل الحجرية النخرة وفوق الكلاب الضالة
– فوق الصبي الذي يصفر بفمه، والمتسول بخديّة المرتجفتين على فكّيه الغائرين
• دهون!ورائحة رجال مستعجلين، ماسخة كرائحة مجزر!حموضة أجساد النساء تحت التنورات! يالك من مدينة فوق السماء!
"كرنولوجيا أليكسيس ليجيه - سان جون بيرس "
ليجيه :الشاعر والمواطن - من المواطنين البيض - الذي شغله شاغل الهوية ،السياسية والمجتمعية ،الضاغطة على تفكير الإنتلجنسيا الأنتيلية ، وهوية المواطنة الحقة فيما قاله : هل نحن سود فرنسيون أم ترانا أفارقة أنتيليين؟
• في عام 1887، ولد أليكسيس سان ليجي - سان جون بيرس - في "جزيرة الغوادولوب" التي تشكل, بمعية جزيرة المارتينيك وحفنة من الجزر الصغيرة المتناثرة, إقليما فرنسيا لما وراء البحار يسمى بجزر الأنتيل الفرنسية, حيث انتماؤه الفعلي, تعايش مع أحفاد العبيد الأفارقة الذين تم استقدامهم مكرهين, في غضون موجة التهجير الرهيبة والمشينة التي شهدتها القرون الماضية القريبة لتولي أعمال السخرة في العالم الجديد.
• في عام 1898 ،انتقل إلى فرنسا لدراسة الحقوق بمدينة بوردو.
• في عام 1911، أصدر المجموعة الشعرية ،ذائعة الصيت " مدائح " .موقع باسمه المستعار "سان جون بيرس "
• في عام 1912 سجل انقطاعه ، لمدة ثلاثة عشر سنة عن الوسط الشعري الفرنسي باستثناء صديقيه الشاعر بول كلوديل، والكاتب فكتور سيغالين .
• في عام 1914 إلتحق بوزارة الخارجية حيث تولى عدّة مناصب دبلوماسيّة في بيكين وواشنطن حتى ترقى إلى منصب السكرتير العام لوزارة الخارجيّة.
• في سنوات العشرينات دعا جون بيرس الدبلوماسي لـل"مصالحة الفرنسية- الألمانية من أجل ضمان فرنسا ثم أوروبا".
• في عام 1923 أصدر مجموعته الشعرية الثانية "صداقة الأمير" بتوقيع سان جون بيرس.
• في عام 1924 نشر قصيدته "آناباز".من خلالها ارتقى عالميا. ، حيث انهمك عدد من كبار شعراء العالم، في ترجمة قصيدته "آناباز- تعبير إغريقي قديم يعني -رحلة الى داخل الذات " إلى لغاتهم، فنقلها ت. اس. إليوت الى الإنكليزية، وبرنارد غروتويزن بالتعاون مع والتر بنجامين الى الألمانية، وشاعر ايطاليا اونغاريتي الى الإيطالية.
• في عام 1924, أصدر المجموعة الشعرية "سفرة استكشافية صوب الدخيلة"
• في عام 1925 سجل انقطاعه الثاني ، لمدة ثمانية عشر سنة
• شغل ولمدة ست سنوات ، منصب سكرتير السفارة الفرنسية في بكين
• ثم قضى بعض الوقت في الولايات المتحدة مشاركاً في مؤتمر عالمي لنزع التسلح.
• في عام 1936 ، كان كمستشار لـ "ليون بلوم" عندما وصل إلى رئاسة الحكومة الفرنسية في عهد "الجبهة الشعبية" كان يستشيره حول العديد من المواضيع.
• في عام 1938 شارك ديبلوماسياً في مؤتمر ميونيخ ، رفع صوته احتجاجاً على ضم تشيكوسلوفاكيا الى ألمانيا، ما دفع حكومة فيشي بعد ذلك بسنتين الى طرده من وظيفته وسحب جواز سفره الفرنسي. لكنه كان في ذلك الحين هاجر الى الولايات المتحدة.
• في عام 1940 جرّد "بول رينو- وزير خارجية فرنسا " سان جون بيرس من مهامه في الوزارة فاعتبر ذلك إهانة له ورفض الوظيفة المقترحة عليه وقرر أن يرحل إلى الولايات، متخذا ـ" درب المنافي "
• في عام 1942 نشر قصيدته "منفى "بالتوازي في ثلاث مدن كوسموبوليتيّة هي: شيكاغو وبوينس إيريس ومرسيليا- كما ظهرت بباريس في طبعة سريّة.
• في عام 1943 نشر "قصائد إلى الغريبة "
• في عام 1944 نشر قصيدته "أمطار"
• في عام 1944 نشر قصيدة "ثلوج"
• في عام 1946 نشر قصيدة رياح
• في عام 1948 كان حلمه الأكبر أن تنشر صورته على الصفحة الأولى من "النيويورك تايمز"، وهذا ما حصل .
• في عام 1953 جمع كل قصائدة الطويلة في كتاب مفرد عنوانه أعمال شعرية.
• في عام 1956 أصدر قصيدة "ضيّقة هي المراكب"
• في عام 1957 أصدر مجموعته الشعرية "منارات"
• في عام 1960، حاز على جائزة نوبل للآداب ، كتتويج عالمي لجهده الإبداعي الاستثنائي.
• في عام 1960 أصدر مجموعة " شعر"
• في عام 1962، أصدر المجموعة الشعرية " طيور"
• في عام 1968، نشر قصيدته "أنشدته التي كانت هنا "
• في عام 1971، أصدر المجموعة الشعرية " نشيد من أجل ربيع رائق"
• في عام 1972 قبيل وفاته، و كمجازاة لألمعيته الشعرية، قامت منشورات غاليمار الفرنسية بإدراج أعماله، على الغرار من آثار فطاحلة الأدب الفرنسي و نابغيه، في سلسلتها النخبويّة و التّشريفية الضيقة "لابليّاد"
• في عام 1973 نشر قصيدته "ليليّة"
• في عام 1974 نشر قصيدته "يباب"
• له العديد من الدراسات والمترجمات والمقابلات الصحفية والمراسلات فائقة القيمة.
• في عام 1975، مات الدبلوماسي اللامع سان جون بيرس ، وأحد كبار الشعراء الفرنسيين في الجنوب الفرنسي بجزيرة جيين. أليكسيس ليجيه , وريث التقاليد الأرستقراطية المفطور على زبدة النبالة الفكرية والأخلاقية الفرنسية, رجل الدبلوماسية المتأنق, المحنك, واللبق, ، الدبلوماسي الرفيع - الأمين العام لوزارة الخارجية الفرنسية- حرك سياستها الخارجية لسنوات عدة ، فاستبعده الماريشال بيتان ، والسائح النبيه في أمصار المعمورة, يُعَلم آثارها وشواهدها القارّة بعظمة الانسان، المعروف في الأوساط الشعرية والثقافية باسم الشهرة " سان جون بيرس " ليكتب به الشعر على أنه " عصر ازدواج الإنسان"!
• في عام 1980 تم أصدار طبعة ثانية من "لابليّاد" .
"أليكسيس ليجيه و.. "
"ديغول"
مرّ سان جون بيرس بطريقه إلى أميركا، بلندن ،حيث لم يتصل أبدا بالجنرال ديغول الذي كان يعتبره "فاقدا للشرعية" رغم أن نظام فيشي، المتعاون مع الألمان، جرّده من جنسيته الفرنسية وحذف اسمه من قائمة الحائزين على "ميدالية الشرف". حاول الجنرال ديغول كسب ليجيه إلى جانبه لكنه رفض تماما، الأمر الذي لم يغفره له الجنرال أبدا. هذا إلى درجة أنه رفض تهنئته عندما حصل عام 1960 على جائزة نوبل للأدب.
الشاعرة والناقدة الأميركية "كاترين بيدل" قالت عنه:
• في عام 1944 أعلنت كاترين بيدل تولي ،أسفها الصريح لاحقا لـ"ميل سان جون بيرس إلى الكذب". والحديث عن "الضيق" الذي كان يسبب سلوكه لها أحيانا. فقد كتبت عام 1951 ما مفاده: "لقد أرغمني على البقاء واقفة بجوار الهاتف 45 دقيقة". وتذكر أيضا "ميله الفرنسي للتحدث دون توقف". علماً بأنها هي من "عبأت شبكات معارفها"، كي يحصل سان جون بيرس على وظيفة "مستشار" في مكتبة الكونغرس الأميركي. كما كانت وراء منحه مساعدات من العديد من المؤسسات الأميركية، وهي التي قامت بتمويل المنزل الذي اشتراه الشاعر.
"وقالت عنه في كتابها"
اليكسيس ليجيه،" الرجل الغامض " الدبلوماسي الفرنسي لدى وزارة الخارجية الفرنسية ،معروفا عنه "حدّة خطابه" و"حبه للسر"، قادر على أن يُظهر "صورة مختلفة عنه" لكل متحدث. هذا على خلفية نوع من "التحليل النفساني" الذي يقوم به وقدرته على "جذب الآخرين وما يمتلكه من قوة سحرية". ويتوّج ذلك كله بمهارة عالية في "إخفاء ما يدور بداخله من أفكار".
فقد كانت تعرفه "من الداخل" تؤكّد أنه كان رجلا "مسكونا بخدمة مساره الأدبي وشديد الاهتمام بأبسط مقال يُكتب عنه وهدفه كان الشهرة". لقد كان يريد أن يعطي عن نفسه صورة شاعر لا يهمه سوى فنّه، وأنه لا يريد نشر أعماله بينما كان "يرسل مخطوطاته" سرا "لناشرين أو لمجلات أدبية مختصّة. باختصار "كان يسعى إلى النشر دون إعطاء الانطباع بذلك"..
"أدونيس ":
- نَفسه ملحمي ،يتدفق في لغة غنائية كونية، ينصهر فيها الحِسُّ والذهن، الواقع والمخيلة، المرئي واللامرئي، الشعور والفكر، المجرد والمحسوس، على نحو مُدهش. وللمناسبة، لا يحبه الشعراء الفرنسيون الشبان، ولا الشعراء المتأثرون بالشعر الأميركي الراهن. يكاد أن يكون معروفاً في الشعر العربي، أكثر منه في أي شعر آخر، راهن، ولا أستثني الشعر الفرنسي الراهن ذاته.
"في سيرة حياته كتب ألكسيس سان ليجيه، عن جاكلين كنيدي":
"في نيويورك كانت السيدة جاكلين كينيدي, بما أنها كانت في عين المكان, تشاهد ما تبقى من مزرعة عائلة الشاعر في جزيرة الغوادولوب, من إقامة جوزيفين التي طو ح بها الإعصار الأخير, وتكو ن انطباعات شخصية غائرة الأثر ستحملها معها عند عودتها"
واعتمادا على العاطفة الرقيقة وآداب اللياقة الممكنة التي أبانت عنها جاكلين كينيدي وهي تقف على ذلك الدمار المهول فإنها ستفاجأ عند سماعها سان جون بيرس وهو يقول بصوت مسموع: "هذا أفضل حالا! لم يعد يهمني أي شيء! مصير الأشياء هو أن تذهب دوما مع الريح! ".
"قراءات "
• ليجيه :هو أحد مرتبي أوزان الشعراء الرمزيين وأرقاهم في النصف الأول من القرن العشرين.
• يمتاز شعر سان جون بيرس بغنائيّة وبملحميّة لا نظير لها بين معاصريه. على المستوى التقني نجده يستعيض عن البيت الشعري بالمقطع الشعري؛ أي أنّه يستبدل بحور الشعر الفرنسي التقليديّة مثل السكندري ذي الإيقاعات الإثناعشريةّ بإيقاعات متتالية، إيقاعات قد تتجاوز في طولها البيت التقليدي وقد تقصر عنه، بيد أنها تقدّم و في كل الحالات إيقاعه الخاص، موسيقاه الخاصّة.
• ليجيه :أشد المجترحين عزيمة في السجلات اللغوية الباذخة وطرق الموضوعات العصية وابتكار الأخيلة البعيدة الشأن.
• يحفل شعره بالقلق الأنطولوجي الموجع,وبالرغبة العارمة في التجذر الكياني في أرض شعرية ، رمزية بعيدة المنال.
• قصيدته محصورة, من منظوره, بين حدين اثنين متكاملين هما: تمجيد الكينونة الإنسانية وتبجيلها ثم التعرية عن دواخلها وإنارة عتماتها.
• في غالبية مقاطع ديوان "مدائح", هناك تحويرات تمس صيغ التلفظ - إحلال ضمير المتكلم محل ضمير المخاطب - مما سيؤدي إلى تغيير في مواقع بعض الترصيفات اللغوية.
• ليجيه : تسمو خبرته الشعرية بقدر عال من التراكب والتعقيد؛وأن كان ذلك على صعيد التوسل الأدائي ،أو من حيث كيفية بناء الاستبصارات وتدبير شأنها الشعري, فإننا نلفيها ذات قرابة ملموسة بمجموعة من الشعريات المتقدمة: فهي تتماس مع الأفق الشعري الذي انضوى إليه نداه الرمزيان الشهيران, جان بول فاليري وبول كلوديل.
• ليجيه ، ذا ذهنية شعرية تضاهي ذهنية الشاعر الأمريكي عزرا باوند ، مفتوحة على التيارات العقدية والفكرية الكونية ، في إلتقاطه النبض الحي لروحية الشرق الأقصى العتيق ويدمجه في صلب قصيدته,التي تنضح بالخلفية الإيمانية المسيحية ،والثقافة الإغريقية - اللاتينية ، جاعلا منها كالمطهر الرمزي للذوات والأشياء والأزمنة ومصائرها .. وبمثابة نشيد نشوان ، يبدد كثافة ليل العالم ووحشته المطبقة.
• تخطت سمعة ليجيه الشعرية النطاق الفرنسي المحدود ، واخترق صوته الشعري الكثير من الآداب الوطنية الحديثة, الأوروبية والأمريكية واليابانية والزنجية - الإفريقية والعربية -كتأثيره الكبير على الشاعر والناقد أدونيس .
• كان مهتما بثقافات وحضارات الشعوب ولا سيما ثقافة الشعب الصيني وحضارته، وحين كتب " آناباز" جاء في أخيلته صورة الشعب الصيني وهم يأتون إلى السهوب، كبدو جوالين، منطلقين نحو شواطئ البحار. فوقع على القصيدة باسمه المستعار "سان جون بيرس"، وليس أسمه الحقيقي والدبلوماسي.
• كان يهرب من المدن الضخمة ،متأبطا حلمه الذي يعبّر عنه بقوة في القصيدة، حيث لايوجد أي ارتباط للإنسان بالقوانين أو بالنشاطات البشرية المعتادة: حلم هو اشبه بتنفس يدفع الحالم الى استنشاق هواء البحار وهواء الهضاب العالية ذات الوجود السابق على أي فعل تأسيسي. ومن الواضح ان هذا الحلم يبتعد بأقصى ما يمكنه عن كل عاداتنا وقوانين حياتنا الحضارية.
• وكان لايهتم بــ" الحلم الغرائبي" لإنسان المدينة، حتى وإن كان حلماً يدفعه الى كراهية هذه المدينة. ما يهمه هو اللاوعي، هو التوق الى البعيد وإلى الالتحام بالطبيعة المتنوعة وعناصرها.
" قراءة غليسان في "صداقة الأمير "، قال :
" إن العمل الإبداعي البيرسي ينشأ عنه زمن يشارك في موسيقية النص المندغمة في بنيته, دليل هذا الجدوى السردية الناتجة أصلا عن مسرحة الأصوات الراجحة وتمريرها عبر طبقات بوليفونية بغاية إعادة بناء المصير السديمي للشخصية الروائية الأساسية. إن هذه الممارسات النصية, التي تعمد, وذلك على أكثر من صعيد, إلى سحب النص الأول من مهاده الأصلي, يبدو أن شاغلها الفعلي هو إدماج مقاطع شعرية في لب نصوص روائية ونقدية وتحطيم, بالتالي, الحدود الفاصلة بين الأجناس الأدبية, إنها, وهي تعد ل المعنى الأول لصالح معنى النص الثاني, إنما تدخل, من حيث تعي أو لا تعي, تحويرات جسيمة على حمولة شعر سان جون بيرس, بما هو شعر معد لإسناد أمل كوني نذر له الشاعر نفسه, وتنحشر, بفعل هذا وخلافا له في نفس الآن, في هيئة مقطعية تسخر لإسناد قيم الثانوي, الجزئي, المحلي, أو المختلف في كلمة جامعة, وتغذية جماليتها. وبالمناسبة فإن هذه النقطة بالذات, الوثيقة الصلة بتطبيقات التهجين النصي, تلوح بمثابة تدريب على/ إعادة تكوين, صفتها الشمول والإطلاقية, لرؤية الشاعر للعالم التي لا تند , كغيرها, عن التأويل, وغير المعصومة, بأي حال, من العيوب, وبالأساس عيب مفارقتها التاريخية, بحيث سيجمع كتاب الإنسية البيضاء الأنتيلية كون الشاعر لم يحاول إيجاد تناغم بين تشذرات المختلف وظل, على امتداد حياته الحزينة, المنكسرة, متعلقا بالمافوق, بالأمور المتسامية, مغلقا عليه الباب بكتابة استهامها كلمات مأهولة بالبشر«.
"الخطابات الأنتيلية ":
هو التزاوج بين الكتابات النقدية والتلقينية التي أنتجها كتاب جزر الأنتيل: دراسات, مقالات, وأنطولوجيات, وبأخذنا في الحسبان درجة الانفجار التي عرفتها الأجناس التقليدية المرفوع سهمها من لدن غليسان متبوعا بكل من شاموازو وكونفيان يغدو في مكنتنا إدراج كل التضمينات المتسربة إلى النصوص الخيالية والمقاطع التلقينية, التي تعالج موضوعا بعينه وتعمل في نفس الوقت على تطويره منهجيا, بمقولة الخطاب.
فالخطاب الأنتيلي يضع نصب عينيه, وبطريقة لا مراء فيها, سمة الشاعر الأنتيلية, الشاعر الذي يمتنع عن التصنيف والموزع بين محاولتين تسعيان إلى اختزاله وتنميطه: تلك التي تود اجتثاثه من تربته الأم (هو المترحل العميق), والأخرى المتحمسة لإبراء ذمته من انتمائه إلى الإنسية البيضاء.
هنا يجب الإشارة إلى أن مختلف الخطابات الأنتيلية تكاد تتساوى في ولائها لما يصح نعته بقضية الرفض والاختلاف في إطار وضعية فرانكفونية محلية معطاة.
وبمنأى عن أي انبهار سافر يعمد غليسان إلى تسليط الضوء على مجموعة من الاختلافات, المختلفين ضمنيا, جاعلا منها موضوع تأمل ناضج وحصيف باعتبارها مجموعة من الانزياحات الدالة على بناء خطاب أنتيلي مسخر لخدمة شعرية مخصوصة.
علما بأن غليسان لا يشاطر تماما فكرة الانطلاق الأدبي رأسا نحو الأفق الكوني.
"مناوئي فكرة الجوهرية :"
يشترطون أن تكون هناك نزعة أنتيلية وأخرى تعبر عن الإنسية البيضاء الأنتيلية فإن الحركتين كلتيهما - والثانية بوجه أخص - تحكمهما, بما يكفي من الوضوح, تطلعات ملموسة إلى مواراة الأبنية المعاد تشييدها, هذه الأبنية التي تقترح, مرات كثيرة, مجموعة من الترسيمات التحديدية الملزمة بوصفها منجزات أو قيما لا غبار عليها مع أن الحاجة الموضوعية تقتضي وضعها, من قبلنا في أضعف الأحوال, موضع تدقيق واختبار.
" شعر سان جون بيرس الإبداعي بين مؤيد ورافض "
" الناقدة البنيوية والسيميائية الفرنسية جويل تامين"، تقول :
"حول ماهية النص الأدبي الأنتيلي وموجوديته وحدوده.. صفائه وهجنته.. طرائق التشييد النصي وتقنيات الإعمال التخييلي.. أو لنقل حول زوايا النظر المتباينة إلى هذا النص, وضمنيا بصدد علاقة كتاب جزر الأنتيل بنص سان جون بيرس: محطات هذا التعالق وتمفصلاته البارزة, مفاعيل النص البيرسي في النسيج الشامل للمتن الأدبي الأنتيلي.. وفي كلمة واحدة حول مناحي تدبر ما يمكن دعوته بعقدة سان جون بيرس في الوعي الأدبي الأنتيلي الراهن"
"الروائية والكاتبة ماري غالاغير" قالت عنه :
"إن إنسية الشاعر البيضاء الأنتيلية, الأنتيلية القحة, ما فتئتا تطرحان أكثر من إشكال وإلا كيف يمكننا تبرير الحضور المكرور لتمظهرات بيرسية شتى في الأدب الأنتيلي الجديد? وأيضا كيف نستطيع حصر الشعريات التي تجعل من هذه التمظهرات قرينة رمزية لها؟"
"بيرنابي, شاموازو, وكونفيان"، اتفقوا على أن:
" لا وجود لأدب أنتيلي بعد, فنحن ما زلنا في وضعية ما قبل أدبية, نعني وضعية إنتاج كتابي يفتقر إلى متلقين في عين المكان, أي محليين, يمكنهم الإسهام في معادلة المؤلفين / القراء الكفيلة بإنضاج أيما أدب".
" شاموازو وكونفيان "
سعا الى اختلاق مصادفة بين العمل الشعري لبيرس وبين سيرته الحياتية ما دام كل ديوان من دواوينه الشعرية يختص بتصوير فترة معينة من حياته. طفولة الشاعر الأنتيلية ثم فترة النفي والاغتراب ، لكنهما أغضا طرفهما عن حرمان الشاعر من حقوقه الوطنية في عهد حكومة فيشي, الشيء الذي يشوه النصوص يلحق بها ضررا فادحا ويسيء, كما لا يخفى, إلى صاحبها إساءة بليغة.
" باتريك شاموازو, رافائيل كونفيان، قالا:
" لم يلبث بيرس أن غدا مصدر عظمة ومثار إعجاب في الجانب الذي يسميه غليسان بالعلاقة الكونية, أو الجذبة المتعالية للعالم. إن مساره الذي كان خطيا خلال مشروعه الأولي (على شاكلة مسار التطور الأوروبي- الغربي) سوف لن يتأخر عن اتخاذ صبغة دائرية, وذلك بإيقاع متدرج, أم ا الشاعر فسيأخذ, مثله مثل نحلة أنوفة, في ادخار ما هو مختلف والاقتيات عليه" .
" ماريز كوندي "
قدمت دراسة في ديوانه " مدائح " :
تستهل, وعلى نحو مفارق, بتصريح بالنوايا يمركز سجية رفض مطلق قالت :
"كنت أبغض دوما غطرسة المنتصرين, سواء كانت حقيقية أو متوهمة, وأمقتها, فهي محض كلمات صادرة عن أرستقراطي وديبلوماسي, كلمات محشوة بكثير من الرياء والمداهنة مما لا يشذ عن موضوعات سان جون بيرس وذلك منذ كتاباته الباكرة, كلمات هو من صمم, إن توخيت الدقة, على إبقائها على مبعدة مني"
وأيضا :
"إن ما يبديه بعض المارتينيكيين من عناية بسان جون بيرس يظهر لي بمثابة لفتة مفتعلة نحوه, أو سلوكا ماكرا يراد منهما التعتيم على سيزير, الصنم الشعري الأشم في ذلك الأوان .. لقد استخلصت, من خلال ما أمدني به بعضهم من إفادات, أنه عاد مؤخرا إلى الوسط الأدبي وهو ما أعده مبعث قلق, واغتياظ كذلك, بالنسبة لي".
"ريجين روبان ":
وعن تصريح من يشكك بوجود الادب الأنتيلي، لم يتقاعس ريجين عن الجزم بحيوية استحصال استقلالية ما وتحقيقها بإزاء أدب مرجعي ذي طبيعة هيمنية يلزم الأدب الوليد أن ينضوي على علاقة فرعية, مرتضاة أو محترز عليها لا فرق, مع الأسلاف الأدبيين, ومن هنا, ومثلما نص على ذلك الكتاب والمبدعون المحسوبون على الإنسية البيضاء الأنتيلية, فلا مفر لهذا الأخير من استحداث أسلافه الخاصين والعمل, أحيانا, على قولبتهم ضمن شعاريته. وعندما يهم الأمر الثقافة الخالصة المسماة إمبريالية فإن كافة الأشياء تتخذ لبوسا تخريبيا, وتصبح مادة تستوجب الإبقاء على مسافة واقية منها, لكن حالما نقوم بالنبش في ثقافة الآخرين, أولئك الذين لا يتوانون عن هدم ما هو خيالي تشرع كل الفرضيات ذات الصلة بجوهرية الاختلاف في تلمس فضاء يسنح لها, في آخر المطاف, بإبداء التقدير, التام غير المنقوص, للثقافات المغايرة .
"الكاتب الفرنسي أدوار غليسان"
كتب في مصنفه عام 1969،" الانتواء الشعري" ؛يعد سان جون بيرس الأكثر أهمية من بين الشعراء الأحياء ، الذي يسربل شعرية العلاقة بروح رسولية. وأنه شاعر الجوهر وخاتمة نوابغ تحرير الأعمدة الصحفية .
يدشن غليسان, من حيث يقصد أو لا يقصد, منحى لم يتوقف, في غضون العقود الموالية, على التوسع والتجذر في نسيج الآداب الأنتيلية. ولعلهم قلة, الكتاب الكاريبيون ممن يكتبون باللغة الفرنسية ولا يحيلون, بهذه الكيفية أو تلك, على سان جون بيرس (اسمه الحقيقي أليكسيس سان ليجه) الذي سوف يتمتع, وإن رمزيا, بمواطنة مسقط الرأس. فقد جرى الانعطاف به عن منبع إبداعه الأصلي وبقدر ما يلازم نثره ،نثر كثيرين أتوا بعده لم تكف لغته الشعرية, من جهتها, عن تغذية جملة من الكتابات"
وقال أيضاً:
-إن الانسلاخ عن الجذور لا يستهويني.
-إن حلم هيا ننصرف لا يليق برجل مثلي.
لكنه سوف لن ينثني عن مغالبة فكرة الكونية الحاملة, وفقا لتحليله, لمطبات الشمولية والتعميم. ثم إن وثوقه من هويته الأنتيلية المتنورة سيمنحه حصانة ضد استشعار ذاته مختزلة في ترسيمات غربية تقع في منزلة بين المجرد والمدرك ويحفزه على مسائلة الأسس الاجتماعية - العرقية لشعرية سان جون بيرس.
ويقايس المسافة التي يخمنها فاصلة بينه وبين بيرس, بل ويقر, دونما تحرج, بانتسابه إلى أولئك الذين يجسدون, في ديوان "مدائح" :الديكور البشري لطفولة الملك الصغير: أنا لست غير واحد من تلك الوجوه الخامدة الطنين, المطلية بلون العنب الهندي وبالحزن.
" وصرح أيضا":
"هذا المكان مكانهم, سان جون بيرس وكامو حملاه معهما كما لو أنه ينبوع حزين وراعش. وإن ديوان "مدائح" ونص "زفاف في تيبازا" مغموران بشعرية فائقة, ويتسمان ببعدهما التجريدي داخل وضعية مغايرة, بعد الانجلاء المسنن كرأس حسام واعتدال المزاج الكوني"
"من الآثار الكاملة منشورات جامعة بروفانس"
عن العمل الابداعي لبيرس
- "إن البعد الكوني لعمله الإبداعي هو ما يفسر تساميه بالانتماءات تفسيره لإمكانية قراءته خارج الأطر المكانية والزمنية التي رافقت ولادته, وكل قراءة أو استعمال, مابعد حداثيين, لهذا العمل لا محيد لهما, بقوة الأشياء, عن الاصطدام, من جانب, بحدودهما الضمنية الحاجزة إن هما صرفا نظرهما عن هذا البعد المتحصل بدعوى خلفيته التآمرية على ما هو ثانوي, جزئي, محلي, أو مختلف, والخلوص, من جانب آخر, إلى الاقتناع بأن القيمة الكونية الوحيدة قد تكمن في انتفاء أي ما نزعة كونية, ودرء مجازفة اختزال "
-" كل مرة وحين إلى مجرد لازمة موسيقية تنزع, باستمرار, عنوة من مناخها الأصلي من أجل توطينها في مناخ مغاير خدمة لمقصدية لم تخامر قط تفكير الشاعر."
"أما الكتاب المارتينيكيين" :
ما لبثوا يغذون علاقة أكثر استقامة وصفاء مع الشاعر سان في حين يتسم موقف نظرائهم الغوادولوبيين بعزوفهم عن بيرس, بل والاعتراض المتطرف عليه ملحين على نسبه العرقي - الاجتماعي, لكن في الحالتين معا يظهر أنه من العسير الآن الاستنكاف عن اتخاذ موقف, في الجوهر, من تراث رهن التوصيف والبناء المتلازمين.
"معكم ماراق لي من روائع سان جون بيرس " أليكسيس ليجيه"
• من ديوان "مدائح":
"كانت خادمتي خلاسية لها حساسية شديدة تجاه زيت الخروع, ولطالما رأيت حبات من عرق متلألئ تنعقد فوق جبينها, وحوالي عينيها, كانت, وهي تحاذي الغدير عند الظهيرة, دافئة, يفوح من ثغرها أريج التفاح المورد"
• وأيضا :
أيّها اللازورد، بهائمنا غصّتهم صرخة.
أستيقظُ، حالماً بالفاكهة السوداء لشجر الأنيب العطر بقِمعه المبتور المتثألل... سراطين البحر أتت على كل الشجرة ذات الثمر الرخي. وشجرة أخرى مملوءة بالندوب، أزهارُها كانت تنمو، ريّانة، عند الجذع. وأخرى، لا يمكننا مسَ يدها، كما نفعل مع شاهد، من دون أن تبكي من الذباب والألوان! نساء يضحكن وحدهن في حقل من شوك الغنم، هذه الأزهار الصفراء المبقع أسفلها بالأسود والبنفسجي، التي نستخدمها لوقف إسهال البهائم ذات القرن. والعضو طيب الرائحة. العرق يتفتح طريقاً منعشاً، رَجلٌ وحيد سيضع أنفه في ثنية ذراعه. الأنهار هذه تنتفخ، تتهاوى تحت طبقات من حشرات ذوات أعراس غير منطقية. تَبرعمَ المجداف في يد المجدّف. كلب يعيش على طرف الناب أفضل طُعم لسمك القرش...
- أستيقظُ حالماً بالفاكهة السوداء لشجر الأنيب، بأزهارٍ في علب تحت إبط الأوراق.
• من قصيدة "آناباز"
- تعبير إغريقي قديم يعني -رحلة الى داخل الذات "
عند سان جون بيرس : هي تلك الرحلة في الداخل،وفي الخارج، وليس لفرد واحد بل لجماعة من الناس. لشعب، لـ «كل أنواع البشر في دروبهم وأساليبهم: آكلي الحشرات وثمار الماء».
" تحكي القصيدة منشدة ذلك الصعود نحو الأراضي المرتفعة الذي يقوم به شعب بدوي جوّال يحركه حلم لا يمكن تحديده أو تعريفه. حلم يدفع ذلك الشعب دائماً وأبداً للذهاب أبعد وأبعد، حتى اللحظة التي يقيّض فيها للشعب ان يؤسس مدينة او امبراطورية. والذي يحصل حين تؤسس هذه الحاضرة (بصرف النظر عن حجمها أو اسمها) هو ان عملية التأسيس والاستقرار نفسها تعاش، من جانب الشعب، كلحظة حنين الى ما مضى... لحظة حنين الى زمن التجوال «حيث كان من المستحيل على أي شيء ان يتعفن، كل شيء كان مثل السماء والريح والنور والعطور والليل والطيور». إذاً، فالمدينة هنا إشارة الى انهيار الأحلام الخالدة... المدينة هي هنا «زمن الأشياء العابرة واللامجدية، زمن المهن التي تحول الإنسان الى اعتبارات تافهة ووظائف".
• "أنشدته التي كانت هنا"
أيّها الحبُّ آه ياحبّي، لا نهائيّا كان اللّيل، ولا نهائيا كان سهرنا.
حيث وجود كثير تَلفَ.
أكون لك المرأة، وبدلالة كبيرة، في ظلمات قلب الرّجل.
ليل الصّيف يستضيء في خصاص شبابيكنا المغلقة، والعنب الأسود يزرقّ. في الأرياف، ونبات الكَبر على حوافّ الطرق يُظهر لحمه الوردي، وشذى النّهار يستيقظ في أشجاركم ذات الرّاتنج.
أكون لكَ المرأة، آه يا حبّي، في صموت قلب الرّجل.والأرض، لحظة يقظتها، إهتزاز حشرات تحت الأوراق :
فهي إبرٌ ونبالٌ تحت كل الأوراق...
وأنا أصغي، آه ياحبّي، لكل الأشياء تمضي إلى نهايتها: بومة بالاس الصغيرة
تُسمع زقزقتها في شجرة السّرو، وسيريس ذات اليدين الرقيقتين تفتح لنا ثمار شجرة الرّمان وجوز كيرسي، والفُرنب الصّغير يبني عشه في أيك شجرة كبيرة، والجراد الحاج ينبش التراب حتى قبر إبراهيم.
أكون لك المرأة - حلم كبير في كل مجال قلب الرّجل :
بيت منفتح على الأبد، وخيمة منصوبة على عتبتكم، واستقبال حفيّ وانحناء لكلّ
وعود العجائب.
مراكب السماء تهبط التّلال، وصيّادوا الوعول كسروا أسيجتنا، وأنا أصغي فوق رمل
الممشى إلى ضجيجَ محاور الإله الذهبيّة التي تعبر سياجنا ... آه ياحبي ياذا الحلم الكبير، كم صلوات أقيمت على عتبات بواباتنا ! وكم أقدام عارية عبرت فوق جليزنا وفوق قرميدنا!...
أيّها الملوك الكبار الرّاقدون داخل توابيتكم الخشبيّة تحت البلاطات البرونزية،
هاهو، هاهو بعض من قرباننا لأوراحكم المتمرّدة :
إنحسار الحياة في كل الأخاديد، ورجال منتصبون فوق كل بلاط، والحياة تسترجع
كل الأشياء تحت جنحها!
شعوبكم المبادة تنبثق من العدم، ومليكاتكم الطعينات يتحوّلن إلى يمامات في العاصفة، في اقليم الصواب عاش آخر فرسان القرون الوسطى، ورجال العنف ينتعلون المهاميز لأجل العلم. وبكتابات التاريخ الهجائية تلتحق نحلة الصّحراء، وعزلات الشرق تمتلئ بالخرافات. والموت ذو القناع الإسبيداجي يغسل يديه في ينابيعنا.
• " سيد النجوم و الملاحة" من "منارات ":
"سموني الغامض، وكان حديثي عن البحر.
السنة التي أتحدث عتها أن هي السنة العظمى : البحر حيص سأل هو البحر الأعظم.
الخشوع لشاطئك ، أيها الجنون، يا بحر اللذة الأعظم
الحال بائس على الأرض، لكن ملكي هائل على البحار،
وغنيمتي على موائد ماوراء البحار لا تحصى.
المساء المزروع بالأنواع المضيئة
يبقينا على شاطئ المياه المتموجة كما تبقينا آكلة الخبازي على طرف غارها.
تلك التي اعتاد الربابنة الشيوخ الذين يرتدون ثيابا من الجلد الأبيض
ورجالهم الكبار المحظوظين حاملو الأدوات الحربية و الكتابات،
أن يحيوها بهتاف، عندما يقتربون من الصخر الأسود المزين بالقباب.
هل سأتبعكم، أيها المحاسبون، يا أساتذة الرقم و أتبعك، أنت يا ألوهات خفية و ماكرة أكثر مما هي، قبيل الفجر، قرصنة البحر؟
تجارة الأوراق المالية البحريون ينخرطون بغبطة في المضاربات البعيدة،
المراكز تفتح، عديدة، في نار الخطوط العمودية
أكثر من السنة الشمسية المفتوحة على آلاف آلافها.
يحيط بي البحر الشامل. الهاوية الملعونة نعيمٌ لي، و الانغماس فيها الهي.
و النجمة التي لا وطن لها تشق طريقها في مرتفعات العصر الأخضر.
وامتيازي في البحار هو أن أحلم لكم هذا الحلم عن طريق الواقع..
سموني الغامض وكنت أسكن البرق"
• "ابتهال"
وأنت، يا بحار..
وأنتِ ، يا بحاراً، كنتِ تقرأين الأحلامَ الأكثر اتساعاً، هل
ستتركيننا ذات مساءٍ إلى منابر المدينة، بين الساحة العامة،
وعناقيد البرونز؟
أكثرُ رحابةً، أيها الحشد، مجلسُنا على هذا المنحدر من
عصرٍ بلا انحدار: البحر، هائلاً وأخضرَ كفجرٍ في شرق البشر،
البحر معيّداً على أدراجه كأنشودةٍ من الحجر: بَيْرمَونُ وعيدٌ
على تخومنا، صخبٌ وعيدٌ بعلوِّ البشَر - البحر نفسه سَهرُنا،
كأنّه إيذانٌ إلهيّ...
عبير الوردة المأتميُّ لن يحيط بعد بسياج القبر؛ الساعة
الحية في النخيل لن تُسكتَ بعد روحها الغريبة.. وشفاهنا الحية هل
كانت أبداً، مرةً؟
في نيران اللجّ رأيت الشيء الكبير المعيِّد يبتسم: البحر
محتفلاً بأحلامنا، فِصْحاً من العشب الأخضر وعيداً يُعيّد،
البحر كله يُعيِّدُ عيد التخوم، تحت مصقرتهِ من الغيوم الكثيفة
البيضِ ، كمنطقةِ عبورٍ وكأرضٍ موقوفة، كإقليم عشبٍ مجنونٍ
قُومِرَ به...
اغمز، أيها النسيم، ولادتي! ولتتّجْه رعايتي إلى ملعب
الحدقاتِ الأكثر اتساعاً! حراب الظهيرة تتمايل عند أبواب
الفرح. طبول العدم تنحني لمزامير الضوء. والمحيط، من كلّ
صوبٍ ، يَدُوسُ عبثه من الورود الميّتة،
وفوق شُرُفاتنا الكلسيّة يرفع رأسه الوالي!
• "المدينة "
الإردواز يغطي سقوفهم، أو القرميد
حيث ينمو الطحلب
وعبر أنابيب المداخن تتسرّب أنفاسهم
دهون!
ورائحة رجال مستعجلين، ماسخة كرائحة مجزر!
حموضة أجساد النساء تحت التنورات!
يالك من مدينة فوق السماء!
دهون! أنفاس مسترجعه، وبخر جمهور
مريب – لأن كل مدينة تحتضن
أوساخها فوق منور الحانوت – فوق قمامات
الملاجىء – فوق شذا النبيذ الأزرق
في حي البحارة – فوق النافورة المنتحبة
في فناء مركز الشرطة – فوق التماثيل الحجرية
النخرة وفوق الكلاب الضالة – فوق الصبي
الذي يصفر بفمه، والمتسول بخديّة المرتجفتين
على فكّيه الغائرين،
فوق القطة المريضة بجبهتها ذات الغصون الثلاثة.
يهبط المساء على أبخرة البشر
- المدينة خلال النهر تسيل في اتجاه البحر
كدمل…
كروزو!- في هذا المساء، بالقرب من جزيرتك،
ستأتي السّماء لتلقي مدائحها للبحر، والصمت
سيضاعف من تعجبات النجوم المتوحّدة.
أنزل الستائر، ولا تشعل الضوء:
إنه المساء فوق جزيرتك ومن حولها، هنا وهناك،
في كل مكان حيث يستدير إناء البحر استدارة تامة،
إنه المساء لون الأجفان، فوق الدروب
المنسوجة من سماء وبحر
الكل مالح، الكل لزج وثقيل
كدم حي،
الطائر يتهدهد في ريشه تحت حلم زيتي
الفاكهة المنخورة تسقط في ماء الخلجان
نابشة ضجتها، ومن قلبها تندفع الحشرات.
الجزيرة تغفو في خليج المياه الواسعة،
مغسولة بالتيارات الحارة، وبالغدد الدسمة
لذكور السمك، في تآلف مع الأوحال المزهوة.
تحت الشجيرات المائية التي اتسعت بها
الجزيرة، يتكاثر في الحمأة السائلة
سمك بطيء مبقع كالزواحف، يسهر الليل – الأوحال
ملقحة – أسمع اصطكاك الحيوات الجوفية
في قواقعها- هناك فوق طرف
من السماء الخضراء دخان يتحرك
إنه رف مرتبك من البعوض- الجراد
تحت أوراق الشجر يتنادى بخفوت- ودويبات
أخرى عذبة، يقظى في المساء، تغني غناء أصفى
من تباشير المطر: تلك هي اللآلئ في أصدافها
تزدرد صافرة بحنجرتها الذهبية.
صرخة الميلاد تنبعث من دوامات المياه الساطعة!
تويجات، أفواه توتياء، لون الحداد الذي
يظهر نقطاً ثم ينتشر! إنها أزاهير تتحرك
في السفر، أزاهير تحيا الى الأبد، ولن
تتوقف عن النمو عبر العالم
ياللون النسائم الدوارة فوق المياه الساجية،
سعفات النخيل التي تخفق!
وليس من نباح كلب بعيد يدل على الكوخ، والدخان
المسائي والصخرات الثلاث السوداء القابعة تحت
شذى الفلفل.
لكن الوطاويط تمزق المساء القهوائي بالصرخات الصغيرة.
الفرح! أيها الفرح الناحل في ارتفاعات السماء!
كروزو! أنت هنا ووجهك قربان لإشارات
الليل، ككف مقلوبة.
• وفي آه كلّ الأشياء القديمة آه! كل الأشياء التي عرفناها، وكل الأشياء التي عشناها، وكل ما يجمعه خارج الحلم زمنُ ليل الإنسان، ليكُنْ قبل النّهار نهبًا وعيدا ونار جمر لرماد المساء!
أعماله الإبداعية للتحميل :
• سان جون بيرس - الأعمال الكاملة ترجمة أدونيس.
http://www.4shared.com/file/26258984/f0f6c338/___-____.html?dirPwdVerified=9635ac8b
• 1960 منارات
ومن أهم عناوين هذا العمل الأدبي نذكر: اللغة التي كأنتها الشاعرة، وهذه الأنثى عند الكهان، أيها الغريب، يا من شراعه، يا بحر البعل، يا بحر مأمون، الجنوب، وحوشه، مجاعاته، من سيد النجوم، والملاحة، مدن عالية كانت تستضيء على امتداد وجهها البحري.
http://www.4shared-china.com/document/59MsOzBx/1960_____.html
أو
http://www.4shared.com/document/-xOR7V-5/_-___.html
سيرته وأعماله
http://www.answers.com/topic/saint-l-ger
عندما سُئل سان جون بيرس: من هو أعظم شاعر في فرنسا الآن؟ أجاب: «إنه فيكتور هيجو مع الأسف»!
___________________________
الأدب العالمي - المكتبة الإلكترونية
المصادر :
سيرته وأعماله
http://www.answers.com/topic/saint-l-ger
http://pippoetry.blogspot.com/2010/06/saint-john-perse-alexis-saint-leger.html
حياته
http://www.liberation.fr/livres/0101306404-la-vie-revee-d-alexis-leger
صفحة سان جون بيرس الشخصية
"أنشدته التي كانت هنا " - قصيدة سان جون بيرس- تقديم ترجمة : خالد النّجار-مجلة ايلاف
سان جون بيرس من الداخل - يوميات غير منشورة لصديقة أميركية 1940-1970
"آناباز" لسان جون بيرس: حنين الى البداوة - ابراهيم العريس
حوار أدونيس مع عبده وازن ,الحلقة الرابعة,2-8-2010
سيد النجوم و الملاحة، ابتهال: ترجمة أدونيس
كتاب جزر الأنتيل ونص سان جون بيرس ألاعيب البناء والتحري عن شجرة النسب - الكاتب
فيرونيك بوني - ترجمة بنعيسى بوحمالة مترجم وكاتب من المغرب
المدينة - سان جون بيرس - ترجمة: أحمد عبدالمعطي حجازي
#فاطمة_الفلاحي (هاشتاغ)
Fatima_Alfalahi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟