أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نبيل عبد الأمير الربيعي - المثقف في زمن الأنظمة الشمولية















المزيد.....

المثقف في زمن الأنظمة الشمولية


نبيل عبد الأمير الربيعي
كاتب. وباحث

(Nabeel Abd Al- Ameer Alrubaiy)


الحوار المتمدن-العدد: 3573 - 2011 / 12 / 11 - 18:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



((إنهُ يمكن اعتبار الناس جميعهم مثقفين , كل ضمن اختصاصه, إلا انهُ لا أحد منهم يلعب دور المثقف باستثناء المثقف المعرفي , ولا يلعب المروج لأفكار جاهزة خدمة لقومية أو هوية جغرافية , بقدر ما يكون دورهُ أرحب إنسانياً بحيث يتعذر على أي جهاز سلطوي استيعابه أو امتصاصه)) المفكر الايطالي غرامشي
مر العراق بعدة أنظمة وراثية دكتاتورية شمولية , ولكن هذه الأنظمة لم تتمكن أن تصمد في مجتمع ما لم يكن هنالك من يدعمها سواء من المؤيدين أو من الأدباء والمثقفين , لكن بعض المثقفين أو أشباههم قد انخرطوا بشكل جدي في سلك النظام للمنصب أو للمصلحة , مما نتج عن سلطة ثانية تضغط بشكل مباشر أو غير مباشر على الوسط الثقافي لأنها أكثر تغطرساً في هذا الوسط, فيخافها المثقف أكثر مما يخاف السلطة نفسها, وقد عمدت الأنظمة الشمولية لتشجيع هذا النمط لإدراكها بأنهم أكثر فائدة من مخبرها السريّ.
لقد أشاعوا ثقافة الخوف , وقد أمسكوا بتلابيب المثقف والأديب الفذ الرافض لسياستهم , مما وضع في قائمتهم السوداء, وتركوا أفواجاً من المزورين والمهرجين والمدًاحين ,دون أن نسمع شيئاً ضدهم , ومن رفض سلوكيات النظام وحروبهُ العبثية ركن في بيته ورفض كل الاتصالات وتوقف عن إنتاجهُ الأدبي والشعري ليبعد عيون أشباه الأدباء والمثقفين عنهُ ليتخلص من المشاركات والمهرجانات التي تقدس السلطة ودكتاتورها.
لكن المثقف والأديب المبدع أصبح بحد ذاته جريمة لدى السلطة ويجب معاقبتهُ, فكيف بالرأي المعارض وهو في داخل هذا الجحيم , فقد تعرضت الثقافة والمثقفين في العراق بسبب الواقع السياسي الخانق وكبتّ الحريات وتسخير الكلمة لأغراض الحاكم مما أرتدّ الإبداع للخلف وارتدى وجه القناع للخلاص من الرقابة السائدة , ولكن هنالك أسماء قد سارت بركب الطاغية تستحق القسوة في النقد لأنها شوهت المشهد الثقافي في العراق بممارساته الموغلة بالدم والعنف والرعب والموت في زمن الظالم الذي لم يستطيع المثقف والأديب الهروب منهُ إلا تمجيده وتمجيد حروبهُ العبثية.
أما الرقيب فكان لهُ اليد الطولى في الموافقة على طبع النتاجات الثقافية والأدبية وقد ذكر الكاتب والشاعر عدنان الصائغ في كتابه(المثقف والاغتيال)ص596: ( عندما قدمت ديواني "العصافير لا تحب الرصاص" إلى دائرة الشؤون الثقافية العامة لطبعه , تمت إحالتهُ إلى خبير الدار الذي قرأهُ ثم أوصى بمنعه ... ثم كتبت اعتراض إلى مدير عام الدار د. محسن الموسوي , فأحال الديوان مرة ثانية إلى خبير آخر هو الشاعر يوسف الصائغ, الذي كان يشغل وقتها منصب مدير عام دائرة السينما والمسرح , وقد أعجب بالديوان وأجازهُ كله بلا حذف), كانت هذه تصرفات المؤسسات الثقافية في النظام الشمولي السابق.
وأنا أتسائل بدوري, للجلاد قسوة ضد الضحية ولكن لماذا عند رحيل الجلاد يقلد الضحية جلادهُ المتسلط, لماذا يصبح الضحية وحشاً مفترساً ويقلد الجلاد من خلال إلغاءه كل المجالات الثقافية من مسرح وسينما وفنون وغناء ومحاربة الفنون التشكيلية والنحت , كنا سابقاً نعيش ثقافة الخوف والرعب وحلمنا أن تختفي من حياتنا إلى الأبد باختفاء الجلاد والقتلة , يقول الشاعر فاضل العزاوي : (تجربتي في الاعتقال وخبرتي في السياسة و بالناس علمتني أن ثمة جلاداً مؤجلاً ينتظر فرصة , يتخفى غالباً في عذاب الضحية نفسها . ستقلد الضحية جلادها بدل أن تدرك بؤسه . وهنا المأساة), ونلاحظ المتصدين للثقافة في الوقت الراهن يستخدمون نفس أسلوب الجلاد مع الضحية,لكن وهج الإبداع الثقافي والأدبي لن يطفئهُ الطغاة ولا الغزاة .. هكذا علمتنا تأريخ الشعوب الحية , وكما يقول ماركس في الثامن عشر من برومير بونابرت: ( التأريخ يجري مرة على نحو تراجيدي ومرة أخرى على نحو مسخره, فالتأريخ لا يعيد نفسه) .
هكذا نرى بأُم أعيننا فورة الإبداع في شرايين الأجيال الجديدة في العراق رغم كابوس الطغاة , ويذكر التأريخ أن عمالقة الفكر العربي ( ابن خلدون وابن بطوطة وابن منظور) قد زامنوا الانحطاط والعصور المظلمة أيام دخول المغول بغداد , ولكن مستقبل الثقافة والآداب القادم لا ينفصل عن وضع مستقبل الإنسان , وإن مهمة المثقف كبيرة جداً.
وللمثقف والأديب دور في بناء المجتمع والإنسان الحالي من خلال رفع الوعي والإدراك وحبهُ وتمسكهُ لوطنه , ثم الإبداع والتحرر من الجهل والتخلف والخوف والجبن والتردد والتوجه للعمل لإزالة من ذهنهُ الأجواء الكابوسية و البوليسية التي عاناها, والتعامل مع الحياة بروحية عالية من التفهم والحوار.
كان النظام يزج الصحف والمجلات بمواد في المدح من خلال الضغط على الأدباء والشعراء بكتابة قصائدهم بحب القائد , وتلك لا علاقة لها بالثقافة والأدب , فكان شاعرهم (رعد بندر) شاعر أم المعارك يدفع بالشعراء والأدباء بكتابة النصوص الشعرية في مدح القائد ومعاركه العبثية, فالبعض كان يستجيب والآخر قد اعتزل الشعر والبعض هاجر إلى المنفى للحفاظ على مبادئهُ وماء الوجه, إذ يصف الشاعر سعدي يوسف هذا الوضع:( أنت غير قادر على تحريك العين هكذا , لهذه الحرية لم تمنحنا الجماعة ولا الطبيعة , إنها ليست حرية متاحة . أنتَ اكتسبتها بالدرجة والشظف والمقايسة والنقد) , ما من جيل في العالم عاش ما مرّ به العراقي من مثقف وأديب ومفكر منذ أن خلقنا فلم نذق متعة الحياة والقراءة والحب والسفر, لقد تفاجئنا عند السفر إلى أحد دول الجوار من عناوين للكتب والمجلات التي تدعم ,والأدب والفن والفكر بعيداً عن الرقيب من أنظمتها , أي طوفان أسود يغطينا جميعاً وزرع فينا هذا الخراب والاضطراب, وكانت أمانينا برحيل هذا النظام سوف يحل البناء لذات الإنسان بالدعم مؤسسات الثقافية للجانب الثقافي , إلا أن هذا الجانب أهمل كما أهملت الجوانب الفنية الأخرى , أصبحنا جرحى وعيوننا المحدقة في الفراغ تتطلع لأرواحنا التي قد تزهق يوماً ما بدون تحقيق أحلامنا.
لقد مررّ الأدباء الجادون والمثقفين النصوص المستترة إدانة للحرب والنظام لكي لا يصبحوا أبواق للنظام, مررها الأدباء من بين مقص وعيون الرقيب وقد نجحوا , ولكن هنالك من كان خارج الوطن يصف الجميع من كان في الداخل قد أصبح يهادن السلطة ويزمر ويصفق لها في كتاباتهُ بطواعية , ونحن نعلم هنالك من كان مع الطغيان والاستبداد ولكن ليس الجميع ونرفض التخوين وجلد الذات والتهميش , فإذا لم ننتصر على القمع في داخلنا, هذا يعني إننا سنكون جسور ممهدة لوصول طاغية جديد.
في الوقت الراهن نحتاج إلى الحوار والتفاهم المشبع بالعقلانية والحضارة واحترام حرية الرأي في الاختلاف لنفرق بين العمل الآن والنظام البائد,ذلك النظام الذي سخر الشؤون الثقافية لأجله , وقد عاش المثقف الملتزم الصادق مع نظام لا يفهم معنى حرية الرأي ولا يقدر حق الاختلاف, فليس كل من عمل في المؤسسة الثقافية هو ابن النظام , لقد كانت مسرحيات سارتر تمثل على مسرح النازية وهو في الضد تماماً , فقد عانى العراقيون بكافة شرائحهم من الألم والقسوة والجحيم الذي كانوا يعيشونه في داخل مؤسسات النظام, وأصبح ما يصدر من مجلات وصحف هزيلة بعد أن حجب عنها ما يصدر في الخارج , ولكن كانت المجلات والكتب والقصائد المهربة تستنسخ بأجهزة الاستنساخ لدى بعض المكاتب المعروفة وبالعلاقات الشخصية وبأسعار باهظة, وكان هدف الأنظمة الشمولية حجب الحقيقة عن عيون المواطنين لضمان استسلام المثقف والتلويح لهُ بالمعتقلات وحبال المشنقة , كما حدث لبعض الكتاب والشعراء لاعتقادهم إن النظام يؤمن بالحوار والنقد والتطلعات الديمقراطية, كما حدث مع الكاتب والصحفي ضرغام هاشم بسبب مقال يرد فيه على مستشار الطاغية (عبد الجبار محسن), والقاص الذي هرب من الحرب العراقية الإيرانية حاكم محمد حسين وأعدم رغم توسلات المثقفين والأدباء,أو ما حصل مع المفكر عزيز السيد جاسم بكتابه(علي بن أبي طالب , سلطة الحق) مما سبب اعتقاله عام 1991 وتعذيبه وإجباره على تأليف ثلاثة كتب بحق الخلفاء الراشدين وآخر بحق خليفة العراق(صدام حسين عملاق الرافدين) ثم طبعت بأسرع ما يمكن ووزعت وخرج الكاتب من المعتقل شاحب الوجه متأثراً بجرعة مادة الثاليوم.
كل هذا والمثقف يستمر بمواجهة الأنظمة ليصل صوتهُ وسطوع إبداعه رغم ضجيج التصفيق الإعلامي وأضوائهُ من لدن أشباه المثقفين والأدباء العراقيين والعرب ممن كان يسترزق من أموال السلطة لمد النظام ورمزهُ الدكتاتوري.
وفي الوقت الحالي عليك الكتابة والنقد ولكن لا تخص جهة معينة وإنما لغة العموم لكي تسلم من الدعوة القضائية , أو يتضمن اسمك قائمة الغير مرغوب بهم , وهذا ما يذكرني بقوائم ابن الطاغية عدي صدام حسين حين أصدر ثلاثة قوائم تطالب بتصفيتهم من الكتاب والأدباء العراقيين المعادين للنظام, ونفس الأسماء أصبحوا الآن غير مرغوب بهم متهمين بميولهم للنظام السابق أو معادين للعملية السياسية.



#نبيل_عبد_الأمير_الربيعي (هاشتاغ)       Nabeel_Abd_Al-_Ameer_Alrubaiy#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل يغلبونا هؤلاء الأجلاف
- بدون الكتاب يصمت الضمير وتنام العدالة
- إذا لم يضع المواطن نهاية للحرب ..ستضع الحرب نهاية للمواطن ال ...
- طارق معروف الفنان الذي غرس يداه في غرين الفرات الممتد في مدي ...
- أهمية المكتبة العامة والمكتبة المدرسية في وعي الفرد العراقي
- نصب اللاعنف....( المسدس المعقوف )للفنان السويدي كارل فريدريك ...
- الفنان التشكيلي سعد الطائي.. دمج أكثر من أسلوب فني في أسلوب ...
- إبراهيم عوبديا... شاعر بغدادي النشأة والهوى
- كوكب الباحث الفلكي العراقي الدكتور عبد العظيم السبتي
- شالوم درويش..القاص العراقي الذي تميزت قصصهُ بالواقعية
- الروائي الراحل غائب طعمه فرمان.. جسد في الغربة وفكر ووجدان ف ...
- عصابات الجريمة في العراق و تجارة الرقيق الأبيض(الجسد النسائي ...
- يهود كردستان العراق بين السبيً الآشوري والتهجيًر القسري
- صالح وداود الكويتي .......ملحنا الأغنية العراقية الأصيلة
- الأديب والشاعر اليهودي العراقي شمؤيل سامي موريه
- إلى شهيد الحرية ..هادي المهدي
- من ذاكرة الديوانية...شخصيات خدمة المدينة(الشيخ جعفر الأسدي)
- الباحث الاقتصادي والاديب والصحفي مير بصري
- من ذاكرة الديوانية.... شخصيات خدمة المدينة( 2)
- من ذاكرة الديوانية.... شخصيات خدمة المدينة(الشيخ سلمان الجبا ...


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نبيل عبد الأمير الربيعي - المثقف في زمن الأنظمة الشمولية