محمود الرشيدي
الحوار المتمدن-العدد: 3573 - 2011 / 12 / 11 - 18:00
المحور:
الادب والفن
عندما أَسلَم رأسه للوسادة وهو لايزال يقظا،بدأت تتراكم أمامه الكلمات وتتدحرج كالحطب، بأحجام متعددة وأشكال غريبة ،حتى غطى بعضها البعض.
كان بوده أن يحرقها ،لأنها كحظه التعس،يغيب في المحطات الحاسمة ،لتحُل مكانه الخيبة . وكذلك الكلمات والألفاض،تهجره كلما تأبطت أصابعه قلما وافترشت يده ورقة عذراء، لتبدأ عملية القنص والمطاردة ؛عندما تظهر المعنى يغيب اللفظ ،وعندما يظهر اللفظ لا يتلائم مع المعنى، وغالبا ما تكون الجولة خاسرة، يكمم فيها قلمه ويقوم متوترا .
توتره هذا يمكن قياس درجته من سلوكه؛ فإذا خبط الورقة بكفه ،وأصابعه متفرقة ومنشورة فوقها ،ثم سحبها بشكل تلقائي من جميع حواشيها نحو مركز كفه، وبدأ في تكويرها بيديه الإثنتين حتى تصبح بحجم كُلّة ، ثم رميها بلامبالاة .فهذا يعتبر مؤشرا على علو درجة توتره .
أما عندما يكون أقل توترا ، فيتناول الورقة من طرف واحد، ويطويها عرضا ثم طولا ويبدأ في تمزيقها الى قطع وأجزاء صغيرة ، وكأنه ينفد ثأرا قديما بهت فيه الحقد بعامل الزمن .
انشد تفكيره بقوة إلى هذا الموضوع بالدات [الكلمات والمعاني] بدأ يتخيل الكلمات والألفاظ وكأنها أجسام وربما حية ، ومعانيها أبناء وبنات لها.
منها ما هومن صلبها ومنها المتبنى ، فيها القديم البكر ، وفيها المتوسط ، والصغير الحديث العهد ،فيها الخجول وعديمه ، فيها الفضولي والرزين ، فيها الغائب والحاضر،فيها من هو ميؤوس من عودته ،وفيها من مات ، فيها حتى الجميل والقبيح، فيها من يشبه الكلمة نفسها . وبالمناسبة وعلى إثر الشبه استوقفته كلمة [دويّ] فلاحظ أن المعنى لهذا اللفظ هو ترجمة حرفية لوقع الصوت على الملتقط وهنا هو:الأذن .
في هذه اللحظة بالضبط ،راوده إحساس يكاد يكون يقينا بأن مزاجه رائق لصياغة افكاره ،وتوليف الكلمات حسب تناغم وانسجام معانيها ،وكأن له كامل القدرة على تزويج هذه من هذا ،وذاك من هته ،وكذلك باستطاعته أن يختار فريقا للعبته .
وبدون تردد ،قفزمن على سريره ، وامتطى كرسيه ، واندفع في حضن مكتبه ، ونزع القبعة لقلمه واستهل مشروعه ب :عندما أسلم رأسه للوسادة ،وهو لا يزال يقظا......
#محمود_الرشيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟