أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - العقل المُثْخَن بجراح -التعصُّب-!















المزيد.....

العقل المُثْخَن بجراح -التعصُّب-!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 3573 - 2011 / 12 / 11 - 16:08
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    




"العصبية القبلية" هي، على ما يَعْلَم عَرَب القرن الحادي والعشرين جميعاً، ومنهم أولئك الذين لم يتحرَّروا منها بَعْد، هي من أخصِّ خواص "الجاهلية"، أي ما كان عليه العرب من جهالة، ومن أحوال سيئة أخرى قبل الإسلام.

"العصبية"، على وجه العموم، من "العُصْبَة"، وهي "الجماعة" من الناس، أو الحيوان، أو الطير.. "إذْ قَالُوا ليُوسُفُ وأخُوهُ أحَبُّ إلَى أبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةُ إِنَّ أبَانَا لَفِي ضلاَلٍ مُبينٍ".

أمَّا معناها فهو تمادي ومغالاة وإفراط المرء في الميل والانحياز والانتصار لعُصْبَته، أي للجماعة البشرية التي ينتمي إليها بالدم، أو بغيره؛ وهذا "التعصُّب" هو كالتعصُّب العشائري والقبلي، والتعصُّب الديني، والتعصُّب القومي.

"التعصُّب" مذموم، ولو كان من قبيل تعصُّب المرء لأفكاره، فالمرء المتعصِّب (المتعنِّت) لأفكاره، التي هي عادة، أو على وجه العموم، ليست من صُنْعه هو، يبدي دائماً إعجاباً شديداً بها، لا يتنازل عنها ولو ثَبُت لديه بالدليل القاطع بطلانها؛ إنَّه من مدرسة "عنزة ولو طارت"!

وإيَّاكم أن تظنُّوا أنَّ "الآخر" لا وجود له حيث تسود وتزدهر "العصبية" و"التعصُّب"؛ إنَّه موجود دائماً؛ ولكن على هيئة "عدوٍّ لدود"، أو "شيطان رجيم"؛ وبعض المتعصِّبين قد يوظِّفون "السماء" في "شيطنة" هذا "الآخر"، حتى يَسْهُل عليهم تحرير "الطاقة الإيمانية الدينية" لدى أتباعهم في معركة "القضاء على الآخر".

وإيَّاكم أن تظنُّوا أيضاً أنَّ مجتمعاً تستبدُّ بأبنائه عصبية عشائرية، أو قبلية، أو دينية، أو قومية، ويَنْظُر إلى "الآخر"، ويعامله، على أنَّه "عدوٌّ مبين"، أو "محتَمَل"، يمكن أن يُنْجِب أشخاصاً من أمثال القائل "قد أخالفكَ الرأي؛ لكنني مستعدٌّ للموت (أو للقتال) في سبيل حقِّكَ في التعبير الحُرِّ عن رأيكَ"؛ فمجتمع كهذا لا يُنْجِب إلاَّ من هم على شاكلة القائل "مَنْ ليس مِنَّا ومعنا، فهو ضدَّنا وعلينا".

أيُّها الإنسان، اعْرَف نفسك.. اعْرَف مَنْ أنتَ؛ وإنِّي لمتأكِّدٌ أنَّ قِلَّة قليلة من الناس يحقُّ لهم أن يزعموا أنَّهم يَعْرِفون حقَّاً من هُم.

إنَّها "الهوية"، التي لم نفهمها بَعْد بما يؤكِّد أنَّنا أبناء، أو نصلح لأن نكون أبناء، القرن الحادي والعشرين.

مِنَ "الأنا"، أو "الأنا المضخَّمة"، نصعد في "سُلَّم الهوية"، فنبلغ "التعصُّب العائلي"، ثمَّ "التعصُّب العشائري"، ثمَّ "التعصُّب القبلي"، ثمَّ "التعصُّب القومي"، ثمَّ "التعصُّب الديني"؛ وأخيراً، نبلغ، أو قد نبلغ، الدرجة العليا، وهي الشعور، وقوَّة الشعور، بالانتماء الإنساني؛ ومع بلوغها يَفْقِد "التعصُّب" معناه.

ذات يوم، وفي بيروت، كنتُ جالساً مع أصدقاء، بعضهم لبنانيون، فحدَّثني أحدهم (وهو سنِّي بيروتي) عن شخص، فامتدحه قائلاً: "مع أنَّه شيعي، فهو على خُلُقٍ قويم"!

صديق ثانٍ، في عمَّان، يبغض هذا اللون من العصبية والتعصُّب؛ لكنَّه شرع يحدِّثني عن مناقب ومزايا وفضائل عشيرته حتى كدتُ أظن أنَّهم من أبناء السماء، فسألته "لماذا أنتَ متعصِّب لعشيرتك هذا التعصُّب؟"، فأجابني على البديهة قائلاً "وكيف لي ألاَّ أتعصَّب لها، فهي الدم الذي يسري في عروقي.. والدم لا يصبح ماءً"!

لقد حِرْتُ في أمرهما، فصديقي اللبناني المتعصِّب لطائفته الدينية (السنة) لا يُصلِّي ولا يصوم، ولا يعرف شيئاً من التديُّن الإسلامي؛ أكان سنياً أم شيعياً؛ فهل من صلة سببية بين التعصُّب الديني، أو التعصُّب الطائفي الديني، وبين "قِلَّة التديُّن"؟

أمَّا صديقي الذي يتصوَّر العالم كله على أنَّه مؤلَّف من فسطاطين اثنين لا غير، هما عشيرته، وسائر العالم، فقد أقنعني بأنَّ "الجهل" و"التعصُّب" صنوان.

"العُصْبَة"، التي تدين بديانة "الدم"، هي الجهل بعينه، ففي زماننا ليس من جماعة بشرية يمكنها، أو يحقُّ لها، أن تدَّعي "النقاء العرقي"، فـ "العرق النقي" أقرب إلى الخرافة منه إلى الواقع، وإلى الوهم منه إلى الحقيقة.

لو كان ممكناً ألاَّ تكون العصبية معميةً للأبصار والبصائر، وممحاة للمنطق والعقل من رؤوس الذين تستبدُّ بهم، لجادلناهم بالتي هي أحسن، ومن غير أن نشعر بأننا مطالَبون بالإتيان بدليل على وجود النهار، فالمطالِبون بذلك كُثْر، ولا يصحُّ في الإفهام شيء إذا احتاج النهار إلى دليل!

للقائلين بـ "الدم" صلةً لا تفوقها صلةً في قوَّتها وأهميتها وقِدَمها، أقول: لو نظر أحدكم إلى جسده بعينين علميتين واقعيتين لا تغشاهما أوهام العصبية والتعصُّب لَوَجَد أنَّ بعضاً من مكوِّنات وعناصر جسده يزيد عُمْرها عن 13 ألف مليون سنة!

إنَّكَ من "ذرَّات"؛ والذرَّات من "بروتونات" و"نيوترونات" و"إلكترونات"؛ والبروتونات من "كواركات"؛ وإنَّ كثيراً من هذه الجسيمات، التي منها يتألف جسدكَ الآن، يزيد عُمرها عن عُمْر كوكب الأرض، وحتى عن عُمْر الشمس، و"النظام الشمسي".

إنَّ تلك الأشياء، التي منها يتألَّف جسدكَ الآن، هي من المنتجات الأوَّلية لـ "الانفجار الكبير"Big Bang !

وأنتَ المتعصِّب لِمَا تتوهَّم أنَّه العنصر الأقدم في جسمكَ، وهو "الدم"، الذي انتقل إليكَ من آبائكَ وأجدادكَ، هل تَعْلَم أنَّ تلكَ الجسيمات (التي منها يتألَّف جسمكَ الآن) قد استقرَّت فيكَ بعد نحو 13 بليون سنة من حلها وترحالها، وأنَّها أتتكَ من نجم عملاق انفجر قديماً، ناشراً في الفضاء تلك الجسيمات، التي فيها تَضْرِب جذوركَ عميقاً؟!

مِنْ أين أتيتَ؟ قد تَفْهَم هذا السؤال بما يَحْملكَ على أن تجيب قائلاً: "من بطن، أو رحم، أُمِّي"؛ وقد تَفْهَمَهُ بما يَحْملكَ على أن تجيب قائلاً: "جِئْتُ من تراب هذه الأرض، أي من الكوكب الأرضي"؛ ولكن، مَهْلاً، فالإجابة ليست بهذه السهولة، فـ "أُمُّكَ الحقيقية" إنَّما هي "أُمُّكَ الكونية"، فأنتَ إنَّما جِئْتَ من "رماد النجوم".

إنَّكَ يكفي أن تعي ذلك حتى تعي أنَّكَ لا تعرف نفسك، وتجهل حقيقتها الكونية العظمى، فأنتَ لستَ بابن العشيرة، أو القبيلة، أو غيرهما من الجماعات البشرية؛ بل أنتَ لست بابن كوكب الأرض. إنَّكَ ابن السماء، ومن رحم نجم عملاق جئتَ!

العصبية، ومهما كان نوعها، هي أفيون الناس، والفقراء منهم على وجه الخصوص. إنَّها تعمي البصر والبصيرة، تلغي العقل، وتغتال فينا المنطق والحكمة، تُصوِّر لنا "الآخر" على أنَّه شيطان رجيم، وعدوٌّ مبين، فنتوحَّش في صراعه، وكأننا لا نعيش، ولا يمكننا أن نعيش، إلاَّ في الحرب، وبالحرب، ضده.



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -الدكتاتور المثالي- في -مرافعته الإعلامية-!
- الجريدة اليومية في عصر جديد!
- حضارة الجوع!
- -رودوس- التي تتحدَّى -الإسلام السياسي-!
- -الإسلاميون- و-الدولة المدنية-
- -نبوءة- مبارك!
- حقيقة الموقف الإسرائيلي من -الربيع العربي-
- وفي الشتاء.. عادت الثورة المصرية إلى ربيعها!
- قراءة في -فنجان بشار-!
- في -الإصلاح- في الأردن.. هكذا يُفَكِّر الملك!
- وللجيوش العربية نصيبها من -الربيع العربي-!
- عرب 1916 وعرب 2011
- بديل بشَّار.. نصفه فولتير ونصفه بيسمارك!
- إيران.. هل أزِفَت ساعة ضربها؟
- كيف تفهم الولايات المتحدة -الربيع العربي-؟
- اكتشفوا أنَّ -الربيع العربي- ليس -ثورة-!
- أردوغان التونسي!
- -البحرين- بميزان -الربيع العربي-!
- -الحركة الطبيعية- و-الثلاثية الهيجلية-!
- رسالتان متزامنتان!


المزيد.....




- فيديو ما قاله ترامب لولي عهد البحرين عن الـ700 مليار.. إعادة ...
- الصين تطلق مناورات عسكرية واسعة النطاق في مضيق تايوان
- الخوف والأمل يجتمعان في قلب الخرطوم المدمّرة
- -إدفع يورو واحدا واشتر منزلا-... إقبال عالمي على عرض مغر لبل ...
- مصر تتجه للاستحواذ على سلاح استراتيجي وسط توتر متزايد مع إسر ...
- الدفاعات الروسية تسقط 93 مسيرة أوكرانية غربي البلاد
- سيناتور ديمقراطي يلقي أطول خطاب في تاريخ مجلس الشيوخ الأمريك ...
- -2 أبريل 2025 يوم التحرر الأميركي-.. ماذا يقصد ترامب؟
- مصر.. فيديو صادم لشخصين يجلسان فوق شاحنة يثير تفاعلا
- مصر.. سيارة تلاحق دراجة والنهاية طلقة بالرأس.. تفاصيل جريمة ...


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - العقل المُثْخَن بجراح -التعصُّب-!