عبدالوهاب حميد رشيد
الحوار المتمدن-العدد: 3571 - 2011 / 12 / 9 - 22:09
المحور:
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
عبد العليم دعنا - Abdel-Alim Da’na زعيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين PFLP / أستاذ الديمقراطية وحقوق الانسان والتاريخ الفلسطيني في جامعة العلوم التطبيقية -Polytechnic University الخليل- فلسطين. أمضى عقوداً في تنظيم الجبهة اليسارية للمقاومة الفلسطينية. كان سجيناً سياسياً في سجون إسرائيل على مدى (17) عاماً، منها أربع سنوات قضاها في سجن مشترك مع أحمد سعيدات زعيم الجبهة PFLP في سجن طولكرم.
وعلى مر السنين، أنجز العديد من الكتب باللغة العربية بشأن سوء معاملة السجناء الفلسطينيين من قبل الجهات الرسمية الإسرائيلية. قابله في منزله في الخليل بتاريخ 8 نوفمبر 2011 بن روبر Ben Lorber- مساهم في الانتفاضة الإلكترونية.
بن روبر: ما هي الفترة التي قضيتها في السجن؟
عبد العليم دعنا : قضيت 17 عاما في السجون الإسرائيلية. في العام 1972 أمضيت أكثر من سنة واحدة. وفي العام 1975 حٌكمت بسبع عشرة سنة ونصف السنة. تم أطلاق سراحي العام 1985 من خلال تبادل للأسرى بين منظمة التحرير الفلسطينية واسرائيل بعد أن أمضيت عشر سنوات وشهرين. ثم ألقوا القبض علي في الانتفاضة الأولى، وأمضيت أربع سنوات من دون محاكمة- معتقل إداري.. وفي العام 2004 قضيت سنة ونصف السنة.
بن روبر: كيف عوملتَ داخل السجن؟
عبدالعليم: إن الإدارة الإسرائيلية داخل السجون صعبة للغاية.. العشرات داخل السجون صاروا مجانين.. لاحظتُ العديد بلغوا الجنون بسبب الظروف السيئة داخل السجن. أكثر من مائتي شخص ماتوا داخل السجون. كتبت العديد من الكتب والمقالات بخصوص ظروف السجناء. كتبت كتاباً بشأن موت 94 من السجناء. وأنا متجه لمواصلة الكتابة عن غيرهم من الرجال الذين ماتوا داخل السجون بسبب قتل بعضهم في عمليات الاستجواب، كما لم يحصل البعض الآخر منهم على العلاج المناسب. في الاستجوابات قضيتُ أكثر من مائة يوم داخل زنزانة انفرادية. استخدموا كل أشكال التعذيب للحصول على المعلومات. لم تقتصر هذه المعاملة بالنسبة لي فقط بل العديد من المحكومين والمعتقلين.
عليك أن تصدقني بأن الوضع صعب جداً. صعب جداً لأننا داخل السجون، حيث يصادرون كل شيء، بما في ذلك حريتنا.. ولا يٌقدم إلينا ما يكفي من الغذاء.. ولا يمكن لعائلاتنا زيارتنا داخل السجن بحرية، بل وتتلقى عائلاتنا الكثير من الإساءة عند زيارتهم لنا.
س: كيف يٌقاوم السجناء سلطات الاحتلال داخل السجون؟
ج: قمنا بالعديد من الإضرابات عن الطعام بغية جعل حياتنا ممكنة.. على سبيل المثال، كان الإضراب الأول العام 1970، لوضع حد لسوء المعاملة الإسرائيلية لأسرانا.. عندما كان الحرس أو البوليس الإسرائيلي ينادي على أحدنا، يقوم بضربه.. لماذا؟ "لآني لا أحبه".. وعندما يتحدث أحدهم مع الحارس، عليه أن يقول: من فضلك يا سيدي.. طيب يا سيدي.. وأيضاء مع انحناء رأسه.. رأينا أنهم يعاملوننا بطريقة بشعة جداً جداً.. وكان هذا الإضراب الأول عن الطعام.. ونجحنا بوضع حد لسوء معاملة الحراس للسجناء..
ثم طالبنا بالسماح لإدخال الصحف.. في البداية جاؤونا بصحف مكتوبة من قبل المخابرات الإسرائيلية Shabak -Shin Bet. طالبنا بتغييرها.. انفجر إضراب كبير في سجن عسقلان Ashkelon.. استمر هذا الإضراب لمدة ثمانية وأربعون يوماً بغية أن يوفروا لنا المجلات والصحف والكتب العربية. وافق الإسرائيليون على جلب الكتب، واعتبرنا هذه الخطوة مهمة جداً بالنسبة للسجناء بحيث غيرت حياتنا..
لم تتوفر لنا أجهزة البث الإذاعي.. كنا نعمل على توفير أجهزة الراديو الترانزستور عن طريق التهريب.. لكن السلطات الإسرائيلية كانت تعتبرها في غاية الخطورة. واصلنا اسلوبنا في ممارسة الإضراب، وبدأنا في سبتمر العام 1985 الإضراب عن الطعام على مدى ثلاثة عشر يوماً. حضر وزير الشرطة لمعرفة سبب الإضراب. قابله ستة ممثلين عن السجناء كنتُ واحداً منهم.. وناقشنا مطالبنا.. حصلنا على الموافقة بالسماح لاستخدامنا هذه الأجهزة.. كانت هذه الخطوة بمثابة ثورة داخل السجن.
س: كيف تمكنتم تنظيم وتثقيف أنفسكم داخل السجن؟
ج: كل تنظيم سياسي يطبق نظامه وقانونه على أعضائه. في الثمانيات كانت تتواجد ثلاثة تنظيمات كبرى: حركة فتح Fatah.. الجبهة الشعبية PFLP.. والجبهة الديمقراطية DFLP.. كافة التنظيمات بذلت قصارى جهدها للعثور على الكتب المناسبة. في البداية لم تكن عندنا الكتب، الصحف، ولا الورق والأقلام لنكتب.. وبواسطة التهريب حصّلنا على الكثير من هذه الأدوات.. وحالما هربنا الورق والأقلام، بدأنا باستنساخ الكتب باليد لتوزيعها على الزملاء. على كل فرد يدخل السجن أن يتعلم القراءة والكتابة و/ أو الاستمرار بالدراسة،، عند دخول البعض ممن لا يقرأ أو يكتب، كنا نعلمه القراءة والكتابة. بعضهم صار ذات شهرة عاليةً جداً الآن: صحفيون، شعراء، كتاب صحف، باحثون.. وهم حالياً أعضاء محترمون جداً في قطاع الثقافة الفلسطينية.. رجال في السلطة الفلسطينية وكتاب في مختلف الحقول..
س: ماذا درَّستم للسجناء؟
ج: نفذّنا العديد من البرامج التعليمية داخل السجن. على سبيل المثال، كانت البرامج التعليمية لدى المنظمات اليسارية- الجبهة الشعبية أو الجبهة الديمقراطية- برامج في الفلسفة، الاقتصاد السياسي، كتب لينين، وجميع النصوص الماركسية اللينينية، باعتبارها جزءً من ثقافتنا..
كان معدل التعليم داخل السجون عال جداً. هذا صحيح بالنسبة لكافة أبناء الشعب الفلسطيني. نحن شعب متعلم بدرجة عالية. ونحن فخورون بذلك. ونبذل جهودنا لوضع نهاية للأمية illiteracy. حالياً، ووفق تقارير الأمم المتحدة، يعتبر الشعب الفلسطيني أحد الشعوب المتعلمة بدرجة رفيعة. بلغ معدل انتشار التعليم 90% بين الشعب الفلسطيني. وهذا معدل يفوق أي بلد عربي والعديد من البلدان في آسيا وأفريقيا. وهذا ما يجعلنا فخورين بشعبنا.
س: ما هي الكتب الماركسية اللينية التي درّستها الجبهة الشعبية لتعليم السجناء؟
ج: جدلية الفلسفة.. كافة كتب لينين.. رأس المال.
س: كافة أجزاء كتاب رأس المال؟
ج: نعم، كانت كبيرة وصعبة للغاية. وكان علينا تدريسها، لأننا درّسنا الاقتصاد السياسي، وكنا نعتمد عليها. إنجلز: أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة.. شرحت هذا الكتاب أكثر من عشر مرات. أنا معجب بهذا الكتاب. كذلك الكتابات اليدوية لـ: غرامشي في السجن.. وقرأنا لـ: تشي غيفارا.. وللكثيرين من المنظرين الماركسيين اللينينيين. كانت لدينا كذلك مجلات مكتوبة يدوياً تصدر من داخل السجن. على سبيل المثال، كانت لحركة فتح مجلة أو مجلتين داخل السجن. وكذلك للجبهة الشعبية- مجلة الهدف. كنا نكتب هذه المجلات باليد. وساهم عدد من السجناء بقصائد وقصص قصيرة في هذه المجلات اليدوية.
س: هل كتبتم كذلك عن النظرية السياسية والفلسفة في هذه المجلات؟
ج: نعم بالطبع. كتبنا حول النظرية السياسية، الفلسفة، الاقتصاد السياسي، والعديد من المقالات الماركسية واللينينية داخل هذه المجلات. علاوة على مناقشات بشأن أوضاعنا داخل السجون. وكذلك الأخبار وعلاقاتنا مع المنظمات الأخرى.
س: سياسة إسرائيل تنفيذ أسلوب السجن الجماعي والتعذيب، هي محاولة لكسر شوكة المقاومة وإرادة الشعب الفلسطيني، لكن الحياة في السجن تُزيد المقاومة السياسية والإرادة الثورية!؟
ج: تستطيع إسرائيل اعتقال مئات الناس، بل آلاف الفلسطينيين، ولكن رغم ذلك، لا تستطيع وضع نهاية للثورة والمقاومة الفلسطينية. منذ العام 1967 تمارس إسرائيل اعتقال الناس، لكنها غير قادرة على وضع حد للمقاومة. أساءت إسرائيل معاملة جميع الأسرى والمعتقلين، ولكن لدينا روح المقاومة، نحن لا ندخل السجن بسبب السرقة أو الاغتصاب، بل لأننا نقاوم سلطة الاحتلال.. لأننا نقاوم الإجراءات الإسرائيلية ضد شعبنا.
س: عندما يتعلم السجناء عن المقاومة والثورة في الماضي وفي بلدان أخرى، هل هذا يساعد على فهم كيف أن المقاومة الفلسطينية تشكل جزءً من الثورة في كافة أنحاء العالم؟
ج: نعم.. نحن نعتبر أنفسنا جزءً من الثورة العالمية. علاقاتنا مع الثورة العالمية لم تكن قائمة ونحن داخل السجن، لكننا مع أية حركة تناضل من أجل حريتها.. من أجل تحررها.. ونؤيد جميع الحركات التي تعمل على إمتلاك قرارات شعوبها بأنفسها.
س: بالحديث عن الثورة العالمية، كيف تتواصل حركات الربيع العربي مع نضال الشعب الفلسطيني؟
ج: جوابي أنها جيدة جداً. وهذا يعكس أن الشعب العربي يريد أن يعيش في دولة ديمقراطية مثل غيره من الشعوب في كافة أنحاء العالم، ينتخب ممثليه ويعزلهم. وبذلك نحن، العرب، نؤكد ذاتنا.
نحن لا نرى أنفسنا فقط فلسطينيين بل عرباً.. نتكلم جميعاً اللغة العربية، من المغرب إلى عمان، والإسلام هو ثقافتنا. نتعاون مع بعضنا البعض في مجالات كثيرة. لدينا نفس الثقافة، نفس المشاعر.. الإمبريالية تعمل على تشرذمنا، لأنها الطريق لاستغلالنا وثرواتنا.. كل العرب مع فلسطين، لأنهم يعلمون أننا تحت الاحتلال. كافة الثورات العربية تدعو إلى طرد إسرائيل من الأراضي المحتلة. والانتفاضات الشعبية تؤمن بالثورة الفلسطينية. وقناعتهم أن إسرائيل لم تنشأ ضد فلسطين، فحسب، بل لإضعاف وتجزئة الوطن العربي، وعلى نحو يؤمن للرأسمالية الإمبريالية استغلال كافة ثروات الوطن العربي. من هنا المزيد من محاولات تمزيق الوطن العربي وإبعادها عن تحقيق مصلحتها في بناء اتحاد عربي شامل.
س: ولكن في النضال ضد الإمبريالية، أصبح للدين في المقاومة الفلسطينية نفوذ كبير منذ التسعينات.. الآن لديك الكثير من الناس تحولوا إلى الاصولية- حماس- بدلاً من الجبهة الشعبية اليسارية العلمانية. لماذا؟
ج: كما ترى، فشلت النظرية الماركسية اللينينية. ليس لأنها غير صحيحة، ولكن بسبب فشل تطبيقاتها. على سبيل المثال، فشل الاتحاد السوفياتي تطبيق هذه النظرية. وهذا أثر في العديد من المنظمات اليسارية. الناس يريدون البحث عن إيديولوجيات أخرى لتفسير العالم والنضال ضد الإمبريالية والاستعمار، وبالطبع إسرائيل. وبالنسبة لهم، تخدم الإيديولوجية الدينية شرح جميع الصعوبات التي يواجهونها.
س: كيف تشعر الجبهة الشعبية حيال حماس؟
ج: إنها تعتبر حماس منظمة وطنية تناضل ضد الاحتلال. ولكن لدينا الكثير من الخلافات معها، لأن حماس يفسر العالم والحالات على نحو مختلف لتفسيرنا. حماس ليس منظمة مقاومة تاريخية، إذ بدأ العام 1987، في حين لدينا منظمات وطنية يسارية بدأت قبل نحو نصف قرن.
س: ما رأيك في "صفقة حماس للأسرى"؟
ج: نعم.. نحن نٌقدر هذه الصفقة.
س: لكن الجبهة كانت وراءإاضراب كبير عن الطعام في نفس الوقت.
ج: عندما بدأنا الاضراب عن الطعام، لم نكن نعلم بمحاولات عقد صفقة بين حماس والسلطة الاسرائيلية، (لأن ذلك ليس في مصلحة المضربين عن الطعام.) لو علموا بذلك، لما بدأوا الإضراب. ومع ذلك لم يكن الإضراب سيئاً، بل وانتهى إلى إلغاء الحبس الانفرادي.
س: لماذا أنتَ اٌعتقلت؟
ج: اعتقلت بسبب مقاومتي للاحتلال.. في العام 1972 قمت بتنظيم الطلاب لمقاومة الاحتلال.. ورتبت الاتصال بين المنظمة العربية والإسرائيلية لمقاومة الاحتلال، حيث تم القبض على بعضهم من الجانب الآخر، وهرب بعضهم إلى الخارج.
س: هل تقصد المنظمة السياسية Matzpen الاشتراكية المعادية للصهيونية؟
ج: ليست ماتسبن، بل الفهود السود في إسرائيل. Israeli Black Panthers ساعدنا بعضنا البعض ونظمنا التعاون بيننا في العديد من المجالات ضد الاحتلال. أيضا مع بعض المتدينين وبعض رجال الدين الذين يعتقدون أن غاية إقامة دولة يهودية هي ضد إرادة الله. كما أنهم يعتبرون الصهيونية ضد اليهودية وضد إرادة الله- جماعة ناطوري كارتا Neturei Karta وغيرها من المنظمات. لإثبات أنهم كانوا معنا، على سبيل المثال، جلبوا لنا أسلحة لمقاومة الاحتلال، رغم أني لم أكن أعرف استعمالها. تعاونا معها في العديد من فروع النضال. جلبوا لنا أدوات للضغط على المجلات. وكذلك مجموعة أغاني الفهود السود.. منها أغنية تقول: "ذهبت إلى مكتب العمل، للحصول على فرصة عمل.. سألوني: من أين أنت؟ قلت: من المغرب.. قالوا: أخرج .. ذهبت إلى مكتب العمل.. للحصول على فرصة عمل.. سألوني: من أين أنت؟.. قلت: من بولندا! ..قالوا: آه.. نعم! أحضر له المشروبات الباردة!
ممممممممممممممممممممممممـ
Former prisoner, PFLP leader: hunger strike "made revolution in the prisons",Ben Lorber, uruknet, nfo, December 7, 2011.
Ben Lorber is an activist with the International Solidarity Movement in Nablus. He is also a journalist with the Alternative Information Center in Bethlehem. He blogs at
ترجمة: عبدالوهاب حميد رشيد
#عبدالوهاب_حميد_رشيد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟