خليل خوري
الحوار المتمدن-العدد: 3564 - 2011 / 12 / 2 - 23:36
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
شهدت الساحة الصينية قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية حربا اهلية دارت رحاها ولعدة سنوات بين الميلشيات المسلحة التابعة للحزب الشيوعي الصيني الذي كان يتزعمه انذاك ماوتسي تونغ وبين مقاتلي حزب الكومنتاج الذي كان يتزعمه الجنرال شاي كان تشيك وحيث سعى كل طرف الى استئصال الاخر استنادا الى التوجهات المتناقضة والمتصادمة لكل طرف وكان خلالها قيادة الحزب الشيوعي والجيش الاحمر يحثون كوادرهم وانصارهم من الفلاحين المعدمين ومن العمال الكادحين الى خوض نضال لا هوادة فيه ضد جماعة الكومنتاج كون هذا الحزب يشكل الذراع الضارب للسلطة الاقطاعية الراسمالية القائمة ولا سبيل لانتصار الجيش الاحمر واستلام الحزب الشيوعي لمقاليد السلطة الا بالحاق الهزيمة بالكومنتاج واجتثاثه من الجذور من الساحة السياسية وعلى النقيض لهذه التوجهات فقد سعى حزب الكومنتاج الى دعم السلطة الاقطاعية الراسمالية القائمة عبر تصفية الحزب الشيوعى واعتقال كوادره المتقدمة لانه كان بنظره يشكل تهديدا للسلطة . ظلت هذه الحرب الطاحنة مستعرة و لم تتخللها اية هدنة سواء لالتقاط الانفاس واعادة تجميع القوى او لاخلاء قتلى وجرحى الطرفين من ساحات المعارك كما لم يبذل أي طرف فيها كما نقول هنا في العالم العربي " مساع حميد ة" لوضع نهاية لها رغم ضخامة الخسائر المادية والبشرية الناجمة عنها ولم تتوقف الحرب الا عندما بدا الغزو الياباني للبر الصيني وكان من اهم الاسباب التي دعت طرفي الصراع لايقاف الحرب او تجميدها لاجل غير مسمى مع محافظة كل طرف بالاراضي التي يفرض سيطرة عسكرية ومدنية عليها وتوقيع اتفاقية تتضمن الى جانب تجميد العمليات العسكرية تشكيل قيادة موحدة لمواجهة الغزو الياباني ودحره خارج البر الصيني , كان من اهم اسبابها ان شان كاي شيك ومثله ماوتسي كانا يرون في الغزاة تناقضا رئيسيا فيما كانا يعتبران الصراع على السلطة تناقضا ثانويا ولهذا عندما تم تغليب التناقض الرئيسي على التناقض الثانوي تمكن الاطار الجبهوي للطرفين ولو كان هشا من دهحر الغزاة وتحرير البر الصيني . وبنفس الرؤية القائمة على تغليب التناقض الرئيسي على الثانوى فقد اوقف ستالين حربه الالحادية ضد الكنيسة الارثوكسية قبيل الحرب العالمية الثانية ولم يلبث ان اقام تحالفا عسكريا مع الحلفاء لمواجهة التناقض الرئيسي المتمثل بدول المحور التي كان تضم المانيا النازية وايطاليا واليابان . لقد قام ستالين انذاك بتجميد معركته مع الراسمالية الاروبية مقابل تسخين جبهته مع النازية تمشيا مع متطلبات تغليب التناقض الرئيسي وهو في هذه الحالة يتمظهر بالاحتلال النازي للاراضي السوفييتية على الثانوي المتمثل بالكنسية والراسمالية الاوروبية . استعرض هذه الاحداث كي اشير ان الافعال التي تمارسها بعض اطراف المعارضة السورية والتحالفات التي تنسجها مع اعتى الرجعيات العربية ومع المعسكر الامبريالي الذي تقوده امبراطورية الشر " الولايات المتحدة الاميركية" وتحديدا المجلس الوطني السوري الذي يتزعمه الشيخ برهان غليون بتزكية من الاخوان المسلمين كي يكون ديكورا يغطى على عفنهم ,لا تدل على ان هذا المجلس الوطني يتعامل مع نظام بشار الاسد وفقا لمعيار تغليب التناقض الرئيسي على التناقض الثانوي الذي اخذ به كل من ماو تسي تونغ وستالين لدى مواجهتهم للغزو الخارجي بل يتعامل مع نظام بشار برؤية معكوسة تماما ولا تختلف عن تعامل المؤتمر الوطني للمعارضة العراقية مع نظام صدام حسين الشمولي فمثلما قبلت الاخيرة ان تكون مطية واداة للامبريالية الاميركية للاطاحة بنظام صدام الدكتاتوري الشمولي لاحكام طوق الحصار على العراق في بداية الهجمة الامبريالية علية ولغزو العراق وفرض السيطرة الامبريالية علية ونهب ثرواته فضلا عن تدميره واعادته الى العصر البدائي ومثلما قدمت المعارضة العراقية كافة المسوغات للامبريالية كي تحتل العراق ولتقسيمه في مراحل لاحقة على اسس طائفية مثل فبركة قصص زعموا فيها ان صدام يحتفظ باسلحة دمار شامل فان المجلس الوطنى للمعارضة السورية قد سلك نفس الطريق وانتهج نفس النهج في سبيل الاطاحة بنظام بشار الاسد حيث قاموا بشيطنة النظام زاعمين عبر تصريحاتهم وبياناتهم الثورية تارة انه يمارس ابادة جماعية ضد الشعب السوري في سبيل احكام قبضته على السلطة وتارة انه يمارس نهبا غير مسبوق للمال العام و حيث يقوم راس النظام بتحويله الى حسابته الشخصية في البنوك الخارجية هكذا وكأن المخابرات المركزية الاميركية التي ترصد كل كبيرة وصغيرة تقع في هذه الكرة الارضية عبر شبكة الاتصالات لم تعرف بعد في أي حساب سري استقرت فيه هذه الاموال المنهوبة حتى تامر بتجميدها او على الاقل استخدامها في تمويل العمليات المسلحة للذراع العسكري للمجلس الوطني المسمى بالجيش السوري الحر او لتغطية مصاريف المجلس الوطني ومياومات اعضائه, وتارة انه نظامه تفريطي ولم يعبىء الشعب بعد من اجل تحرير الاراضي السوري المغتصبة وهنا يثور سؤال : ما دام اعضاء وقيادات المجلس الوطني واذنابهم من قادة تنسقيات الثورة السورية لا يقبلون التفريط بالاراضي السورية المحتلة وجاهزون كما يبدو من بيانات الاخوان الملتحين الذين يهيمنون على هذا المجلس ويشكلون غالبية اعضائه جاهزون للتضحية بالغالي والنفيس وباراقة دمائهم في سبيل تطهير الجولان من اليهود احفاد القردة والخنازير فلماذا نرى عصاباتهم المسلحة او ما يسمى بالجيش السوري يخوضون حرب عصابات ضد الجيش السوري ولماذا لا يحلو لعقيدهم المنشق رياض الاسعد الا قتل نخبة من الطيارين في الجيش السوري الم يتباهى هذا الجاسوس والعميل الحقير ان جنوده من الاخوان والسلفيين قد تمكنوا قبل اسبوع من قتل ستة من الطيارين السوريين ؟ الم يتباهى هذا العميل ان المرتزقة والمجرمين العاملين ضمن جيش الحرقد قاموا بتدمير احد مقرات قيادة سلاح الجيش السوري,. فكيف لقادة المجلس الوطني ان يزجوا بالجيش السوري في حرب لتحرير الجولان بعد تدمير معداته واغتيال خيرة قادته ؟ ولو كانوا فعلا كما يدعون اكثر تمسكا من النظام التفريطى بكل ذرة تراب في الجولان واكثر التزاما منه في استردادها لراينا جيشهم الحر يتصدى للتناقض الرئيسي المتمثل بالاحتلال الاسرائيلي ويخوض حرب عصابات ضد جيش هذا العدو الاسرائيلي بدلا من ان يوجهوا بنادقهم ضد الجيش السوري . كذلك لو تحلى قادة المجلس الوطني بذرة من الوطنية ولو كانوا كما يدعون يسعون لتوفير الحماية للمدنيين السورين ضد بطش النظام لما اطلقوا رصاصة واحدة ضد الجيش ولما اصدروا التعليمات لذراعهم العسكري الجيش السوري الحر كي ينفذ عمليات ارهابية ضد المدنيين المخالفين لهم في الراي والموقف , كذلك ولو كان هدف رئيس المجلس برهان غليون هو اقامة دولة مدنية تكفل الحريات العامة والتعددية السياسية وتداول السلطة والعدالة الاجتماعية لما اقام تحالفا مع الاخوان المسلمين الذين اثبتوا من خلال نشاطهم السياسي ومثله نشاطهم الارهابي انهم من اشد التنظيمات السياسية مناهضة للدولة المدنية وانهم من اكثر القوى السياسية عدا للاشتراكية وللحداثة : فهل يمكن لجماعة تجاهد من اجل اقامة دولة الخلافة الرابعة وحسبما صرح بذلك رئيس حزب النهضة اثناء لقاء داخلي مع الكوادر المتقدمة للحزب هل يمكن لهؤلاء ان يكفلوا الحريات العامة والتعددية السياسية وتداول السلطة وتحقيق المساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين ؟؟ وهل يمكن لجماعة يعلن قادتها بالفم المليان وعلى رؤوس الاشهاد امثال اسماعيل هنية والقرضاوي بان معركتهم القادمة ستكون ضد العلمانية والعلمانيين لان منظومة القيم العلمانية بنظرهم معادية للاسلام وبمثابة سموم يبثها العلمانيون بهدف تغريب المجتمع الاسلامي والغاء هويته الثقافية والدينية , وهل يمكن لجماعة تحارب العلمانية ان تنجز مشروعا لتحديث سوريا او تسمح بالتعددية السياسية ؟؟
قادة المجلس الوطني للمعارضة السورية لا يرون تناقضا رئيسيا لهم على الساحتين السورية والدولية سوى نظام بشار الاسد ولهذا لا نراهم يمدون ابصارهم بعيدا في الاكمة لكي يروا بام اعينهم ان التناقض الرئيسي الذي يشكل تهديدا لسوريا يتمثل بالامبريالية الاميركية وحيث يعرف الشيخ برهان غليون من التاريخ الاستعماري الاستيطاني للولايات المتحدة الاميركية وغزو جيوشها للعشرات من دول اميركية اللاتينية وغيرها من دول العالم التي عانت من ولات وشرور الامبريالية ومن اباداتها في هذه الحروب العدوانية لمئات الالوف ولا اقول لملايين البشر يعرف ان اوباما لم يمارس ضغوطه على بشار ويشغّل ماكنته الاعلامية كي يعجل برحيله دفاعا عن مصالح الشعب السوري وتاييدا لمطالبه في الحرية والعدالة وتوفيرا للحماية له من بطش الاسد , فلو كان اوباما نصيرا لمثل هذه الشعارات لرايناه ينتصر للشعب السعودي الذي لا يعاني من القهر والاستبداد وتسلط العائلة الحاكمة فحسب بل يعاني من فقدانه لابسط حقوق الانسان واكثر ما يتجلى ذلك في عدم السماح للمراة بحرية الاختلاط واختيار الملابس التي تناسبها وحرية التنقل وقيادة السيارة وحتى عدم الكشف عن عيونها ولا اقول وجهها وغيرها من الحقوق التي يمكن ان يتمتع بها أي مخلوق حتى ولو كان يعيش في مجتمع بدائي ولن اتحدث عن حق المواطن في حرية التعبير التي لا وجود لها في قاموس خادم الحرمين ولا يسمح بها الا لكى يعبر المواطن عن رغبته بالركوع والسجود لحكامه من ال سعودز يعرف برهان غليون اكثر من غيره ان اخر ما يهتم بها قادة البيت الابيض هو حقن دماء السوريين ورفاهية وتقدم الشعب السوري وان اكثر ما يثير غضب اوباما ان النظام السوري يرفض اقامة سلام شامل وهامل مع الدولة العبرية الا اذا انسحبت من كل شبر من الاراضي السورية المحتلة وان هذا النظام يقدم دعما للمقاومة اللبنانية وينسج تحالفا مع روسيا وايران كما يعرف برهان غليون ان الادارة الاميركية ستظل عاجزة عن اعادة ترتيب الاوضاع في منطقة الشرق الاوسط وعلى نحو يضمن هيمنتها ونهبها لثروات العراق النفطية مثلما يضمن امن وسلامة الدولة العبرية الا بالاطاحة بنظام بشار وتفكيك سوريا واضعافها اقتصاديا عبر سياسة الانفتاح الاقتصادي وباغراق اسواقها بالسلع المستوردة واقامة فيدراليات طائفية فيها ثم تسليم مقاليد السلطة لجماعة الاخوان المسلمين , وليس لبرهان غليون او لحفنة من الليبراليين ومن اليسار الطفولي كما يتوهمون , مكافاة لانجازاتهم المتمثلة في خدمة المصالح الامبريالية وتقديرا لدورهم في محاربة الانظمة التقدمية العربية وفي خوضهم حربا جهادية مقدسة ضد الاتحاد السوفييتي على الاراضي الافغانية في ثمانينات القرن الماضي ادت مع عوامل اخري الى انهيار الاتحاد السوفييتي ومنظومة الدول الاشتراكية ولعل الاهم من كل هذه الانجازات ان هذه الجماعة الدينية قد اثبتت اكثر من غيرها من القوى السياسية قدرة على لجم أي حراك شعبي واخماد أي ثورة شعبية عبر تخدير الجماهير بالغيبيات والاساطير . كما يعرف برهان غليون ان اردوجان لم يرفع من وتيرة عدائه للنظام السوري بسبب ما يرتكبه الاخير من جرائم مزعومة ضد المدنيين السوريين وانما لان النظام السوري يقف عائقا اما م مشروع اردوجان الرامي الى اقامة نظام اخواني يكون امتداد ا لامبراطورية الاخوان المسلمين التي يشتغل الاخوان بكامل طاقتهم الجهادية وبالمال السعودي والقطري على ارساء ركائزها في كل من تونس ومصر والسودان وقطر وتركيا وشمال لبنان والتي ستنضم اليها ودائما برعاية اميركية سعودية قطرية بعد الاطاحة بالنظام السوري كل من لبنان والاردن فهل يعي برهان غليون هذه الحقيقة ام انه سيظل يتعامل مع النظام السوري كتناقض اساسي ينبغي التخلص منه حتى لو تم الاستقواء بالتناقض الرئيسي الفعلي المتمثل بالادارة الاميركية و الباب العالى في استنبول !!
#خليل_خوري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟