|
من أعماق ذاكرة الحكم العسكري
تميم منصور
الحوار المتمدن-العدد: 3564 - 2011 / 12 / 2 - 15:02
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من أعماق ذاكرة الحكم العسكري سليم كوهين
لم يكن سليم كوهين مسؤولاً عادياً في سلطة ضريبة الدخل ، بل كان حاكماً عسكرياً آخر ، مهمته مطاردة وملاحقة المواطن العربي تحت غطاء جهاز مدني يسمى "ضريبة الدخل" . هذا الحاكم غير العسكري - الذي هو من أصل عراقي - زرع هو الآخر حالات الرعب وصلت الى حد الهروب من البيوت والاختباء في السهول ، ان هذه الممارسات لا يقل تأثيرها عن ممارسات رجالات الحكم العسكري طوال فترة وجوده. كان اسم سليم كوهين يعشش في ذاكرة غالبية المواطنين يلاحقهم كالشبح ليل نهار ، بصورة خاصة المواطنون في المثلث الجنوبي . عندما كان يقوم بزيارة احدى القرى يرتعد المزارعون منه خوفاً ، فيتركون بيوتهم ومزارعهم ، ويختفون عن الأنظار ، لأنه بالنسبة لهم آفة يحاولون تجنب اضرارها ، فهو يحمل في زياراته الخراب والدمار . لم يعمل سليم كوهين في جهاز ضريبة الدخل وحده ، كان موجهاً من قبل سلطات عليا تخطط دائماً كيف تنتقم من المواطنين العرب ، في ذات الوقت كان هناك جهازاً كاملاً من المرتزقة والمنافقين والمخبرين والمنفذين لأوامره ، يحركهم من مركزه في مدينة نتانيا ، ضم الطابور الخامس هذا عدداً من المرتزقة العرب الذين قرروا نيل شهادات الولاء للدولة في ذلك الحين مقابل تسخير ضمائرهم وكرامتهم للمساهمة في هدم مستقبل اسراً عربية كاملة . لقد ساهم سليم كوهين ومكتب الضريبة الذي يقف على رأسه في اذلال المواطنين العرب ، وحول الكثيرون منهم الى متسولين وعاطلين عن العمل بعد ان صادر املاكهم وحرمهم من متاعهم وباع ارزاقهم في المزاد العلني ، كل هذا بحجة عدم قيامهم بتسديد ما فرض عليهم زوراً وبهتاناً من قبل ضريبة الدخل . لقد اضطر الكثيرون منهم اللجوء الى البنوك للحصول على سلف او قروض من اجل تسديد الغرامات وفوائدها دون رحمة ، لم تختلف طرق الجباية التي استعملها مكتب سليم كوهين في نتانيا عن الطرق التي استخدمها العثمانيون ، فقد استخدم العثمانيون لهذه الغاية نظام يدعى نظام الالتزام ، كان المسؤول فيها يسمى الملتزم ، كان من حق هذا الملتزم استخدام كل وسائل القمع والبطش ضد المواطنين لانتزاع وتحصيل ما فرض عليهم من ضرائب ، رغم عجز وفقر المواطنين الذين عانوا من الجوع والفقر والجهل والمرض ، كان الملتزم يصادر ممتلكاتهم دون ان يردعه احد ، هذا ما فعله سليم كوهين ، فقد كان يستعين بالشرطة لالزام المواطنين من مزارعين وتجار وغيرهم لتسديد ما يفرض عليهم ظلماً . كانت المستحقات المفروضة غير منطقية وواقعية ، تساوي اضعاف اضعاف المبالغ الحقيقية المستحقة من المواطنين ، خاصة المزارعون من بينهم، أما بالنسبة للقروض البنكية التي اضطر المزارعون الاستعانة بها ، فقد كانت الاجراءات التي تتم للحصول عليها غير قانونية ، كان مكتب سليم كوهين هو الذي يحدد مبلغ القرض المالي ، وهو الذي يختار البنك ، كما كان ينهي المعاملات دون علم المزارع ، وما على هذا سوى الاذعان والتوقيع على المستندات الخاصة بهذه القروض ، كي يتحاشى الحجز على ممتلكاته وعرضها للبيع في اسواق الدلالة . ان سياسة نهب وتشليح المزارعين قد حرم الكثير منهم عدم فلاحة الارض ، فوجدوا انفسهم داخل اسواق البطالة او عمال اجيرون يعملون بأجور متدنية . كانت سياسة سليم كوهين تهدف الى تحطيم وتدمير حالة المزارع العربي بهدف تفريغ الارض من اصحابها وتحويلها الى اراض بور يسهل بيعها اومصادرتها لاغراض امنية او تطويرية ، وقد استخدم هذا الاسلوب من نهب اراض المواطنين العرب في الجليل ايضاً . لا أنسى صرخة ذلك الشيخ الذي أكد وهو يتكلم عن سليم كوهين – والله كنت أخاف من سليم كوهين أكثر من اللي خلقني ، اللي خلقني رحيم غفور اما هذا كان شيطان رجيم . الذاكرة الفلسطينية مليئة بالصور والحكايات من امثال سليم كوهين وكل فترة لها سليمها وكوهنها ، لكن لا بد ان نفتح البوم الحكم العسكري . أنا في خندقي وانت بخندقك بارودتك على كتفك وبرودتي على كتفي قائل هذه الكلمات مواطن عادي ، لكن معروف بجرأته وصراحته ، عرفه الجميع بابي جميل ، كان مزارعاً معروفاً في قريته لما له من دراية وخبرة في طرق الزراعة واصولها خاصة كروم العنب ، استغل طاقته وخبرته فجعل من كرم العنب الذي يملكه نموذجاً بالنسبة لكثير من الكروم في بلدته في انتاجه كما وكيفا . في موسم القطاف كان التجار يتزاحمون لكسب ود ابو جميل كي يبيعهم من ثمار كرمه المتميزة في حجم عناقيدها ولونها وصلابة حباتها ، لم يخش ابو جميل سليم بك كما ناداه بعض المزارعين مسؤول ضريبة الدخل في نتانيا . لم يتردد ابو جميل عن مواجهته اذا اقتضت الضرورة ، في نهاية كل موسم يذهب برجليه الى مكتب الضريبة في نتانيا حاملاً وصولاته وفواتيره اللازمة ، تشمل الدخل والمصروف ، كان شعاره - اذا بتوكل اطعم الله بعطيك – لكن سليم كوهين يريد دائماً ان يأكل كل شيء ولا يطعم ، انه لا يستطيع ان يرى مزارعاً عربياً موفقاً وناجحاً ، ارسل دون سابق انذار مرتزقة من فرق الحجوزات للحجز على بيت ابو جميل ، الا ان ابا جميل تصدى لهم ن وواجههم الحجة بالحجة ووعدهم بأنه سوف يقابل سليم كوهين في مكتبه ، عندما قابله في نتانيا وضع امامه فواتيره ووصولاته التي شملت كل السنوات الماضية ، نظر سليم كوهين اليه باستخفاف وقال له : - زين … انا اول مرة اشوف مزارع عربي منظم ، بلي ، لكن آكو سنة انت لم تسدد ضريبتها ، افتكر زين عيني ، - سأله ابو جميل اية سنة تقصد ؟ الوصولات قدامك !! سارع سليم كوهين للرد عليه قائلاً : - هل سددت (الظريبة) عن سنة 1949 ؟!! صعق ابا جميل وحجظت عيناه عند سماعه هذا السؤال المستفز : - ايش بتقول يا سيد كوهين ، انت ودولتك شو الكم عندي في هذه السنة !! اولاً حضرتك في هذه السنة كنت في العراق ، واذا حضرتك كنت في البلاد في هذه السنة كانت حرب ، وقتها انا كنت في خندقي ، وانت كنت في خندقك ، بارودني على كتفي وبارودتك على كتفك ، كل واحد منا كان يطخ على الثاني ، انت بتقدر تغير التاريخ ؟ عندما سمع سليم كوهين هذا الرد الحاسم قال لأبي جميل هيك فهمت من المسؤولين خليني اراجعهم . ولم يرجع لأبي جميل بخصوص هذا الموضوع فيما بعد .
#تميم_منصور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إذا ما ابتعكر ما ابتصفى
-
حمار الجامعة العربية
-
حكايات بلوم ( من الذاكرة الفلسطينية )
-
لا يهزم أمريكا سوى أمريكا
-
حتى أنتِ يا بوسنة؟؟؟
-
من حق اوباما دعم اسرائيل ... !!
-
علي سالم ينعى الهاربون من السفارة
-
اسوار حول الجيتو في القاهرة
-
بين الشحات والعربي علم
-
تناطح الناطحات في ديار حفاة الخليج
-
معسكرات من الخيام ام صحوة حقيقية
-
ثورة وثورة وبينهما عبد الناصر
-
اين اموال الوقف الاسلامي
-
الطاعون هو امريكا
-
على طريق ايلي كوهين
-
سوء الظن فطنة وحسن الظن ورطة
-
وعلى كتفي نعشي ... سأمضي
-
الباكستان خنجر بايدي الجزار الامريكي
-
عرس الزين - وليم -
-
كل اصلاح ينهض على العنف يذهب به العنف
المزيد.....
-
بعد تفاعل محمد بن سلمان.. -مات ليث من ليوث آل سعود- بقصيدة ع
...
-
تحديث.. انفجار طائرة سقطت في فيلاديلفيا بأمريكا قرب مركز تجا
...
-
انتشال جثتي طياري المروحية العسكرية المنكوبة بحادث اصطدام بط
...
-
ما هو تأثير الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على كندا والمكس
...
-
ما مستقبل الشراكة بين أميركا والجزائر بعد عودة ترامب؟
-
كارثة جديدة في أجواء أميركا.. كيف سقطت -طائرة الطفل المريض-؟
...
-
القوات الروسية تسيطر على بلدة جديدة شرقي أوكرانيا
-
ترامب يعلق على تحطم طائرة صغيرة في فيلادلفيا
-
سوريا.. فيديو ودلالة هدية أحمد الشرع إلى أمير قطر ورد فعل ال
...
-
السعودية.. فيديو ما فعله وافد يمني ومواطن بالشارع العام يشعل
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|