أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - خزعة من قامة ممدوح عدوان














المزيد.....

خزعة من قامة ممدوح عدوان


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 1056 - 2004 / 12 / 23 - 08:32
المحور: الادب والفن
    


هل من الممكن تخيّل المشهد الأدبي السوري المعاصر بدون هذا الرجل ـ المؤسسة، ممدوح عدوان (1941ـ2004)؟
مَن مثله سوف يمارس، بإجادة وتميّز وأصالة وعمق ودأب، الشعر والرواية والمسرح والمقالة والدراما التلفزيونية والترجمة... في آن معاً؟
وفي الأساس، هل كان مشهد الحداثة الشعرية السورية على امتداد النصف الثاني من القرن العشرين سيكتسب تلك النكهة الخاصّة والمعطيات المنفردة، لو أنّ ممدوح عدوان لم يرفد عمارته بمداميك كبرى، مبكّرة وطليعية في آن، مثل "تلويحة الأيدي المتعبة"، 1970؛ و"الدماء تدقّ النوافذ"، و"أقبل الزمن المستحيل"، 1974؛ و"أمّي تطارد قاتلها" و"يألفونك فانفر"، 1977؟
ومَن سوى ممدوح عدوان كان سيشاطر الراحل الثاني، سعد الله ونوس، عبء الارتقاء بالمسرح السوري الحديث والمعاصر، وزجّه في قلب ورشة مذهلة تطرح الأسئلة الضرورية والجوهرية وغير المألوفة من جهة، وتمارس التطوير في كتابة النصّ وتنفيذ العرض وتحريض التنظير النقدي من حهة ثانية؟ لم يكن هذا ممكناً من دون ونوس في "حفلة سمر من أجل 5 حزيران" و"الفيل يا ملك الزمان"، ولكنه أيضاً لم يكن ممكناً من دون عدوان في "محاكمة الرجل الذي لم يحارب" و"ليل العبيد" و"كيف تركت السيف".
وبمعنى الوظيفة الإجتماعية والمعرفية والسياسية للإنتاج الثقافي، هل كان اتصال القارىء العربي بالإبداع الإنساني سيكون على الحال ذاتها في غياب الترجمات النوعية التي أنجزها عــــدوان: "تقرير إلى غريكو" السيرة الذاتية والفكرية للروائي اليوناني نيكوس كازنتزاكيس؟ أو سفر "الإلياذة"؟ أو ذُرى هيرمان هيسه: "الرحلة إلى الشرق"، و"سيد هارتا" و"دميان"؟ أو أوديســـــة الشاعر الكاريبي ديريك ولكوت، "عودة أوليس"؟ أو مقالات أوكتافيو باث، "الشعر ونهايات القرن"؟ أو دراسة كيث وايتلام الشجاعة، "تلفيق إسرائيل التوراتية"؟
وخلال مروره الأخير في باريس، قبل نحو عام، أهداني الراحل كتابه الأحدث آنذاك "حيونة الإنسان"، وهو مجموعة مقالات حول مقدار ما فقد البشر من كرامة وتضامن إنساني وإحساس بعذابات الآخر، حتى صاروا معتادين على الإذلال المحيط بهم وبغيرهم، وصاروا أكثر استعداداً لقبول التعذيب والمهانة والعنف على شاشات التلفزة وبالنقل الحيّ المباشر. ولقد كتب إهداء شخصياً مؤثراً، جاء في بعض سطوره: "سيقول لك هذا الكتــاب إننا هناك لم نكن نتفرج محايدين".
والحال أنّ الكتاب كان يقول لي هذا، وأكثر. ولكني لم أكن البتة بحاجة إلى هذا الكتاب أو سواه لكي أتذكّر كيفية وقوف عدوان وطبيعة مواقفه من قضايا البلد السياسية والفكرية والثقافية. كنت، منذ مطلع السبعينيات، أعرف ما تعرّض له من تنكيل وإبعاد من الوظيفة وتجميد وتهميش ومضايقات، فضلاً عن الحرب المخابراتية الخفيّة التي كان يديرها وزير تارة أو مدير عام طوراً، لكي لا نحتسب العشرات من صغار الكتبة... كتبة التقارير، قبل القصائد والقصص والدراسات!
وذات يوم، في الفترة ذاتها، همس في أذني أحد هؤلاء (وكان دون ريب ينفّذ المهمة الأمنية العتيقة: نشر الإشاعة المدروسة) أنّ وزير الإعلام قد يقرّر إبعاد ممدوح من القسم الثقافي في صحيفة "الثورة" لأنه... عميل عراقي! وقلت له: عميل عراقي، خبط لزق؟ قال: نعم! إنه يوزّع كاسيتات عراقية!
وللإنصاف، كان الكاتب ـ العميل على حقّ في هذه، لأنّ الراحل كان قد قام بزيارة إلى بغداد في وضح النهار وبعلم السلطات وضمن وفد ثقافي، واصحب معه عند عودته أشرطة للمغنّي العراقي الرائع حسين نعمة، وبأريحيته المعتادة سجّل بعضها لأصدقائه. ومن جانبي أعترف أنني، وأنا إبن منطقة "الجزيرة" السورية التي تحاذي العراق، لم أكن حينذاك قد سمعت بأسماء حسين نعمة وسعدون جابر وياس خضر، وأنّني أدين للراحل بفضل ترقية ذائقتي الغنائية إلى ذلك المستوى الرفيع من الشعر والطرب والوجد الذي يبلغه حسين نعمة في "نخل السماوة" و"يا حريمة" على سبيل المثال فقط...
وحين بلغني نبأ رحيل ممدوح، فكّرت في زوجته الصديقة إلهام، واتصلت بها لكي أقول الكثير، ولكن لكي تعزّ اللغة فلا أدمدم إلا بـ "شدّي حيلك"! ومثل الكثيرين ربما، قضيت الليل أقرأ قصائد ممدوح الأخيرة التي تناولت موضوعة الموت على نحو يجمع عبقرية التسامي على الألم بحسّ الإنتماء الإنساني التامّ إلى الحياة. ولكني، أيضاً، شعرت بحنين جارف إلى عملاق آخر من صانعي مداميك تحديث المشهد الشعري السوري الحديث والمعاصر: محمد الماغوط. وهكذا، وجدتني أعود إلى قراءته قصيدته التي جاءت بمثابة مقدّمة لعمل عدوان الأخير "حياة متناثرة".
وسأسمح لنفسي باقتباس بعض سطورها هنا:

لن تصدّقْ إنني أهوّل عليك لا أكثر
كما كان سليمان عواد يهوّل على أمير البزق،
مهدّداً إياه بلفافة الـ "خصوصي للجيش".
أتذكر تلك اللفائف؟
وذلك السعال المديد والمتقطع،
كالتدريبات الأولية في المستعمرات على نشيدها الوطني؟
ومع ذلك لا أقلّ عنك جهلاً في هذه الأمور.
فللآن لا أعرف سعال الشاعر من القارىء من الناقد
من المترجم من الراوي.
لا أعرف إلا سعالي!
صحيح أنّ معظم التبوغ مصنّعة،
لكن سعالي الطبيعي مكفول لمئة عام من العزلة!
ومع ذلك أقدّمه بكل سرور
مقابل شعرك المتساقط ولونك الرصاصي،
وأهوال العلاج ونفقات الأمل.
(...)
والآن دعنا من هذه الترهات
أريد خزعة من رئتيك وجبينك وأحزانك...
إنّ نسيجها أكثر متانة ومماطلة
من قلعة مصياف وجبال دير ماما
وأكثر فطنة وثقة من أعلام الغزو في الظلام.
وأنا واثق أنك ستزهر من جديد كالوراقة، وفي عزّ الشتاء.
وإذا خطرت لك زيارتي حيث أقيم
فعلى الرحب والسعة...



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العلمانية والشجرة
- أشبه بمزامير تُتلى في واد غير ذي زرع
- ترجمة محمود درويش إلى... العربية
- في مناسبة زيارة محمود عباس إلى دمشق:ظلال الماضي تلقي بأثقاله ...
- فلسطين الشوكة
- دمشق وبالون -وديعة رابين-: ألعاب في أردأ السياقات
- قبل المحرقة
- لا ينقلب فيها حجر دون أن يطلق معضلة تاريخية: القدس بعد عرفات ...
- الشاعر السوري حازم العظمة: قصيدة ناضجة في معترك تجريب بلا ضف ...
- دائرة الطباشير الأمريكية
- حين تولد الفاشية العسكرية الأمريكية في الفلوجة: مَن يكترث بو ...
- قائد قال -لا- حين كانت الـ -نعم- هي المنجاة:عرفات: ترجّل -ال ...
- ما لا يُفهم
- الديمقراطية الأمريكية: مأزق قوّة كونية تتكلّم كالأساقفة
- ميشيما 9/11
- كولومبيا والإرهاب الآخر الذي تصنّعه الولايات المتحدة
- رامبو الأفضل
- المؤسسة الصهيونية: فحشاء القوّة في الطور البربري
- رحيل الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا (1930 ـ 2004): مَن بعده سيتو ...
- جدران محاكم التفتيش


المزيد.....




- -هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
- عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا ...
- -أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب ...
- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - خزعة من قامة ممدوح عدوان