|
الدولة وثورة الكومونة – 1-5
أنور نجم الدين
الحوار المتمدن-العدد: 3563 - 2011 / 12 / 1 - 16:38
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
تتقدم الشغيلة نحو رفع شعار الاحتلال – الاستيلاء في أكثر البلدان ليبرالية في العالم، في ول ستريت ولندن. فما مغزى هذا الاستيلاء؟ وما معنى ذلك على الصعيد الاقتصادي؟ ما مهمة هذه الحركة التي ستدق ناقوس الخطر للرأسمالية؟ هي بكل تأكيد الحركة التي تعبر في جماهيريتها وعالميتها عن احتجاج المجتمع على شكل الملكية والنظام الاستغلالي للعمل، فهي إذًا حركة طبقية -ناتجة في الأساس من الأزمة العالمية التي تتعمق يومًا تلو الآخر- يحمل في ذاتها مطلب تاريخي وراءه التناقض الحتمي بين الازدياد في ثروة الرأسماليين مقابل الازدياد في الفقر والبطالة في خمس القارة من قارات العالم. فما الحل إذًا؟ هل هو تبادل الأدوار بين الأحزاب والأفراد والوجوه السياسية؟ هل هو تغيير الشكل السياسي للمجتمع؛ يعني نقل آلة الدولة من فئة برجوازية إلى فئة برجوازية أخرى؟ من غير الأخلاقيين إلى الأخلاقيين ومن الدكتاتوريين إلى الليبراليين؟ هل هو تمليك الدولة للوسائل الإنتاجية تحت عنوان ملكية المجتمع –ما تسمى الملكية الاشتراكية؟
لنجد الآن جواب هذه الأسئلة في الدروس والتجارب التاريخية للثورات في العالم لا في نظريات وأفكار رجال الدولة أمثال لينين وتروتسكي وستالين وماوتسي تونغ، ولنرَ أن الهدف ليس هو الاستيلاء على السلطة وتغيير الشكل السياسي للدولة ثم إقامة اشتراكية الدولة -الاشتراكية البرجوازية، بل هو التحرر الاقتصادي للمجتمع. والعمل ليس هو تقديم الاقتراحات لبناء اشتراكية ممكنة، بل الثورة على أسلوب الإنتاج، وهو ما شاهده التاريخ من ثورة الكومونة عام 1871، وثورة السوفيتتات الروسية 1905 و1917 التي تابعتا بالضبط قضية الكومونة حتى حسب لينين نفسه وهو عدو لدود لثورة الكومونة ومبادئها المعلنة (انظر: لينين، الدولة والثورة، ص 59).
فلنبدأ إذًا من استخلاص دروس الكومونة التاريخية في مقتطفات في خمسة أجزاء من كتاب أحد معاصري ثورة الكومونة ومناصريها وهو كتاب (الحرب الأهلية في فرنسا لكارل ماركس). __________________________________________________________________________________________
كومونة باريس، كارل ماركس - تعريب فارس غصوب
"استيقظت باريس فجر الثامن عشر من آذار (مارس) على صيحة كقصف الرعد: (عاشت الكومونة!) فما هي الكومونة، أبوالهول ذاك الذي طرح هذا اللغز على العقول البرجوازية؟ ..
ان سلطة الدولة المتمركزة مع هيئاتها الجاهزة في كل مكان والقائمة على مبدأ تقسيم العمل تقسيمًا منتظمًا ومراتبيًا: مع الجيش الدائم والشرطة والبيروقراطية ورجال الدين والهيئة القضائية، تعود في الأصل إلى أيام المَلَكية المطلقة حينما كانت بالنسبة للمجتمع البرجوازي الناشيء بمثابة سلاح قوي يستخدمه في كفاحه ضد الاقطاعية. ومع هذا، بقي تطورها معاقًا بجميع اشكال رواسب القرون الوسطى من حقوق أسياد الاراضي والنبلاء المطلقة، والامتيازات المحلية، واحتكار البلديات، والمشاغل والقوانين الاقليمية. وكنست الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر، جميع هذه الرواسب البالية المتخلفة عن العصور الغابرة" (ص 60) ".. وبقدر ما كان تقدم الصناعة الحديثة يطور ويوسع ويعمق التناقض الطبقي ما بين الرأسمال والعمل، كانت سلطة الدولة تتخذ أكثر فأكثر طابع سلطة الرأسمال القومية على العمل، طابع قوة اجتماعية منظمة من أجل الاستعباد الاجتماعي، طابع أداة السيطرة الطبقية. وبعد كل ثورة تسجل تقدمًا في النضال الطبقي، يتجلى طابع الاضطهاد المحض لسلطة الدولة بشكل أوضح. وقد نزعت ثورة 1830 السلطة من ملاك الاراضي ونقلتها إلى الرأسماليين، أي من أيدي أعداء الطبقة العاملة الابعدين إلى أيدي أعدائها المباشرين. والبرجوازيون الجمهوريون الذين استولوا على سلطة الدولة باسم ثورة شباط (فبراير) سخروها للقيام بمذابح حزيران (يونيو)، لكي يقنعوا الطبقة العاملة ان الجمهورية (الاجتماعية) ليست شيئًا سوى الجمهورية التي تؤمن عبودية هذه الطبقة وتبعيتها .. وقد جاء الجمهورية البرلمانية، الشكل الاوفق لحكومتهم كشركة مساهمة، مع لويس بونابرت رئيسًا لها، النظام الارهاب السافر والاهانة المتعمدة (للرعاع الانذال) .. ونظرًا لتهديد انتفاضة البروليتاريا، استخدمت الطبقة المالكة الموحدة سلطة الدولة، بصفاقة ووقاحة، كألة قومية لحرب الرأسمال على العمل" (ص 61).
"كان أول مرسوم أصدرته الكومونة يقضي بالغاء الجيش الدائم واستبداله بالشعب المسلح. وتشكلت الكومونة من أعضاء المجالس البلدية الذين انتخبوا بالاقتراع الشامل في مختلف دوائر المدينة. كانوا مسؤولين وكان يمكن التفويض الممنوح لهم في أي وقت كان. وكانت أكثريتهم بطبيعة الحال، من العمال أو من ممثلي الطبقة العاملة المعترف بهم. وكان يراد بالكومونة ألا تكون هيئة برلمانية بل هيئة عاملة تتمتع بالسلطتين التشريعية والتنفيذية في آن واحد. والشرطة، وهي قبل ذلك الحين أداة في أيدي الحكومة المركزية، جردت فورًا من كافة وظائفها السياسية وحولت إلى أداة للكومونة مسؤولة يمكن تبديلها في أي وقت. وعلى هذا النحو كان موظفو سائر فروع الادارة. وابتداءً من أعضاء الكومونة، من فوق إلى أسفل كان يتعين أداء الخدمة العامة لقاء أجور عمالية. واختفت كل الامتيازات والتنفيعات التي كان يتقاضاها كبار موظفي الدولة مع اختفاء موظفيها. وكفت الوظائف العامة عن أن تكون ملكًا خاصًا للموظفين الذين تعينهم الحكومة المركزية. وانتقلت إلى أيدي الكومونة لا الادارة البلدية حسب بل كل المبادرة التي كانت تمارسها الدولة حتى ذلك الحين. وبعد أن ألغت الكومونة الجيش الدائم والشرطة، وهما أداتا الحكم المادي للحكومة القديمة، وضعت أمامها فورًا مهمة تحطيم أداة الاضطهاد الروحي، (سلطة الكهنة)، وذاك بحل وفصل الكنيسة عن الدولة .. وتعين على الرجال الدين أن يعودوا إلى حياة عادية متواضعة كأفراد بسطاء يعيشون مثل أسلافهم الرسل على صدقات المؤمنين. وفتحت جميع المؤسسات التعليمية مجانًا للشعب، ووضعت في الوقت نفسه، خارج تأثير الكنيسة والدولة. وهكذا، لم يعد التعليم المدرسي في متناول الجميع فحسب انما العلم نفسه تحرر من قيود التي فرضتها عليه الأوهام الطبقية والسلطة الحكومية. وجرد موظفو القضاء من استقلالهم الصوري الذي لم يكن سوى قناع يخفي تملقهم المخزي لكل الحكومات المتعاقبة التي كانوا يؤدون لها على التوالي، يمين الولاء ثم ينكثون به. وكان يتوجب عليهم، شأن سائر موظفي المجتمع، أن ينتخبوا في المستقبل بصورة علنية ويكونوا مسؤولين وعرضة للتنحية. وقد توجب على كومونة باريس أن تصبح، دون شك، نموذجًا لكل المراكز الصناعية الكبيرة في فرنسا. وإذا ما استقر نظام الكومونة في باريس واالمراكز الثانوية، تنازلت الحكومة المركزية القديمة عن مكانها لادارة المنتجين الذاتية في المقاطعات أيضًا" (ص 63).
يتبع
#أنور_نجم_الدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مهزلة الليبرالية وضرورة الاشتراكية
-
كل شيء لأجل تطوير الحركة الاشتراكية العالمية: التضامن لا الج
...
-
الأخلاق الإسلامية والأخلاق الشيوعية
-
الاشتراكية بداية التاريخ
-
نقد الأخلاق عند لينين
-
الأزمة المعاصرة في تأملات الليبراليين الأخلاقية
-
رسالة من مصر: ما الأهمية التاريخية لانتفاضة مصر؟
-
الموجة اللاحقة: إسرائيل، السعودية، الصين، وقناة السويس
-
اشتراكية لينين صورة كاريكاتورية لرأسمالية الدولة
-
رسائل من تونس: ما الخطوة اللاحقة؟
-
السيد علي الأسدي: رأسمالية الدولة
-
تونس: هُبُّوا ضحايا الاضطهاد! هُبُّوا إلى العمل المجالسي!
-
تونس: هُبُّوا إلى السماء، هُبُّوا إلى المجالس!
-
التعاونيات الشيوعية والتعاونيات الصينية
-
لينين صانع رأسمالية الدولة الاحتكارية!
-
المجالسية: من إيران عبر كردستان إلى المغرب ومصر وتونس
-
من كردستان إلى تونس: شرارة ثورة الشغيلة
-
الكومونة والسوفييتات -13: حركات التحرر الوطنية
-
رأسمالية الدولة
-
الكومونة والسوفييتات -12: ماركس والثورة الروسية
المزيد.....
-
النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 583
-
تشيليك: إسرائيل كانت تستثمر في حزب العمال الكردستاني وتعوّل
...
-
في الذكرى الرابعة عشرة لاندلاع الثورة التونسية: ما أشبه اليو
...
-
التصريح الصحفي للجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد خل
...
-
السلطات المحلية بأكادير تواصل تضييقها وحصارها على النهج الدي
...
-
الصين.. تنفيذ حكم الإعدام بحق مسؤول رفيع سابق في الحزب الشيو
...
-
بابا نويل الفقراء: مبادرة إنسانية في ضواحي بوينس آيرس
-
محاولة لفرض التطبيع.. الأحزاب الشيوعية العربية تدين العدوان
...
-
المحرر السياسي لطريق الشعب: توجهات مثيرة للقلق
-
القتل الجماعي من أجل -حماية البيئة-: ما هي الفاشية البيئية؟
...
المزيد.....
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
/ أزيكي عمر
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
المزيد.....
|