|
سندان الثورة السورية بين المطرقة و المطارق
إياد أبازيد
الحوار المتمدن-العدد: 3563 - 2011 / 12 / 1 - 04:02
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مازال النظام العالمي قائماً على التنافس بين أقطابه المتعددة، مما يخفي صراعاً يهدف إلى السيطرة على العالم ، وعلى إعادة توزيع مناطق النفوذ بما يساهم في قوة طرف على حساب طرف آخر، ومازالت دول العالم الثالث ملعب للدول الكبرى بهدف الفوز والربح، في إطار منافسة لا تحكمها المبادئ، بل تحكمها المصالح. ، على أساس منطق القوة بمعناها الشامل الاقتصادي والسياسي والعسكري. في حقبة الثورات العربية الدائرة من دولة إلى أخرى ، لعبت الدول الكبرى دوراً لافتاً، في محاولة منها للمحافظة على امتيازاتها، وخوفاً، من خروج الوضع عن السيطرة. والدخول في المجهول، في سوريا تختلف الحكاية حيث أصبحت اليوم في خطر مستقبل مجهول بفعل قوًى تتصارع داخليًّا وإقليميًّا ودوليًّا. على مدى مرور تسعة أشهر ما زالت السلطة الأسدية الشمولية ، تواجه شارعًا مصرًّا على تظاهره وسلميّته واستعدادِه للمضيّ حتى النهاية، ولكنْ مع عجز أيٍّ منهما عن الحسم لصالحه؛ وإقليميًّا، نرى صراع إيرانيّ وتركيّ سعوديّ على مَن يفوز بحصّة اللاعب الأقوى في المنطقة، ضمن حليفين دوليّين متناقضين، يتمثّل أحدُهما في حلف روسيا ـ الصين ـ الهند، ويتمثّل الآخرُ في حلف أميركا ـ الناتو، وكلٌّ منهما يسعى إلى تحقيق مصالحه بعيدًا عن أحلام الشعب السوريّ وتوقِه إلى الحريّة. فلو كان أيٌّ منهما تهمّه حريّةُ شعبنا لما تفرّج طوال هذه الأشهر على هذا الدم النبيل يراق على شاشات التلفزة العالميّة بعد أن دعم الطرفان نظامَ الاستبداد طوال عقود. ويزيد من تعقيد الحالة السوريّة ضعفُ المعارضة السوريّة التقليديّة، وتأخّرُها عن مسار الثورة كثيرًا، وتخلّفها عن ممارسة السياسة إلاّ في وصفها محض تسجيلٍ للمواقف. وبدلاً من أن تسعى إلى تجذير الثورة، وتوسيعِ أفقها، وممارسةِ منطقِ الكرّ والفرّ مع النظام لإنهاكه (علمًا أنّ هذا الأخير يجيد لعبة السياسة والقتل معًا )، نجدها حتى اللحظة تتصارع في مؤتمراتها المتعاليةِ على الشارع أو الهابطةِ عليه بالمظلّة. لقد أثبتت المعارضة، حتى اللحظة، عدمَ ثقتها بقدرة الشارع على الحسم: فاتجهتْ معارضةُ الداخل، منذ بداية الثورة، إلى التفاوض مع النظام مطالبةً بتفكيك بنيته الأمنيّة للانتقال إلى الديمقراطيّة، في حين اتّجهتْ معارضةُ الخارج إلى الاستعانة بالأجنبيّ تحت مسمَّياتٍ كثيرةٍ أبرزُها “الحماية الدوليّة.” ولعلّ التشرذم بين مكوّنات “المجلس الوطنيّ” لجهة تفسير موضوع الحماية الدوليّة، والفرزَ الذي بات واضحًا بين معارضة الداخل والخارج، أصبحا يشكّلان أكبر عاملٍ يهدّد الثورة: فثمة شارعٌ يموت في نبلٍ عزّ مثيلُه، ولكنْ لا قوةَ سياسيّةً تعرف كيف تجعل من ذلك نصرًا من دون أن تستجلبَ الأجنبيّ، ولا كيف تحقِّق شعاراتِ الشارع المتمثّلةَ في الحريّة والكرامة وعدالة توزيع الثروة. في سورية لدينا معارضة تقليدية، في الداخل والخارج، هذه المعارضة على الرغم من الاثمان الباهظة التي دفعتها على مدار عقود، إلا أنها اليوم ضعيفة وعاجزة، وقد اجبرتها الثورة على لملمة شتاتها، وإن كانت الخلافات الكثيرة بينها صعبة الحل،خاصة وأن سنوات القمع افقدتها الكثير من عناصر قوتها وركائزها اللوجستية، فتبدو اليوم اضعف من أن تقود الحراك، على الرغم من عدم القدرة على تحييدها كذلك. كما لدينا شخصيات معارضة، بأطر مختلفة، اقتصادية وسياسية، كانت وليدة الاستبداد والقمع على مر العقود، الكثير من هذه الشخصيات يجدون في الثورة اليوم مايمكن الاستفادة منه للرجوع أقوياء إلى البلد، وإثبات أن مواقفهم المعارضة يمكن التعويل عليها، وهؤلاء يدفعون لدعم الكثير من الأشكال الناتجة عن الثورة وأحياناً تبوئها تمهيداً لتبوء مراكز أكثر قوة في سورية المستقبل والحرة. و أيضاً لدينا معارضة مقسومة بين الداخل والخارج، مما يثير الكثير من اللغط حول أحقية كل منهما في تمثيل الحراك والثورة، وأيهما الأجدر والأقوى على هذا التمثيل. وأخيراً لدينا المعارضة وليدة الثورة والتي ظهرت في الثورة وبهدف الثورة وقيادتها، وهؤلاء يبدون اكثر أحقية في تمثيل الثورة من الناحية العملية، وإن كانت تنقصهم الخبرة السياسية، مما يدفع بهم للاستفادة من المعارضة التقليدية وخبرتها، وبالتالي الغوص في الخلافات الجانبية التي تعيشها تلك المعارضات، والأخطر على هذه المعارضة الجديدة اليوم، هو محاولة استغلالها من قبل جميع الأطراف للتكلم باسمها، فمن المعلوم للجميع أن هذه المعارضة الوليدة هي الأكثر تمثيلاً للثورة وبالتالي الحصول على رضاها يعطي الشرعية والمصداقية لأي معارضة أو أي شكل قد ينتج من مجالس انتقالية أو وطنية أو غيرها... ونرى كذلك محاولة الجميع كسب رضا التنسيقيات وكأن وجود التنسيقيات هو صك الرضا المقدم من الشارع. يجب أن لا يفوتنا كذلك أن هذه المعارضة الوليدة، وبنت الثورة، كذلك فيها من التشتت والتشرذم مايكفي لصنع معارضات، وذلك بسبب قلة الخبرة السياسية من جهة، وبسبب القمع الشديد والنزيف الدائم في أعضائها، وبالتالي فهي تحتاج أول ما تحتاج لرص صفوفها قبل أن تعطي موافقتها أو عدم موافقتها على الأشكال الناجمة عن المعارضات. إن هذه الصورة المتشعبة للمعارضة السورية لا يمكن التعويل على أن تنتج معارضة موحدة، وخاصة أن الجميع وضع هدفاً له وضع شكلا موحدا، وبسبب هذا لا يمكن الحصول في النهاية على مجلس ممثل للجميع، وسنرى من سيعارض أي شكل جديد، مهما كانت المحاولات لأن يكون هذا الشكل ممثلاً لأوسع شريحة، ويضاف لذلك المواقف الغير واضحة والغير معلنة، وما يتم طبخه في الخفاء، وقلة العلنية في عمل الجميع فنرى من يتخذ خطوات في السر، ولكنه يتبرأ منها في العلن، وهذا له أثره السلبي على الثورة، وعلى طريقة تمثيلها، ولقد أدى إلى نتيجة هامة جداً وهي فقدان الثقة بالمعارضة وبأشكال التمثيل الناتجة عنها... هذا إذا أخذنا في الاعتبار الشارع ورغبته في إيجاد ممثلين حقيقيين يتمتعون بالمصداقية لديه. إن النظام الأمني الاستبدادي، بعدما تعذّر عليه وقف الحراك الشعبي، لأن نسائم الحرية كسرت القيود، وحطّمت أبواب الخوف والرهبة من عسس الليل الذين كانوا يكتمون الأنفاس. إن ثورة الكرامة في سورية تسير باتجاه هدفها من أجل تغيير النظام ومحاكمة رموزه , وإن تعيش اليوم أزمتها أمام هذه الوحشية و العنف ضد الشعب الأعزل و رغم اختلاف قوى المعارضة السورية التي آن الأوان لأن تعي مسؤوليتها التاريخية و الوطنية و الأخلاقية و ترتقي لمستوى المرحلة الحرجة التي تمر فيها سورية لتكون قادرة على إيصال رسالة الشعب السوري للقوى الإقليمية و العربية و العالمية لوقف نزيف الدم السوري النبيل الذي يروي تراب الوطن كل يوم , ومن اجل اقامة دولة مدنية عصرية تتفاعل مع الحضارة الانسانية ، وتساهم في دفع عجلة التطور الإنساني في جميع الميادين ، وتضمن للمواطن السوري حريته وكرامته وعيشه الرغيد.
الدكتور إياد أبازيد
#إياد_أبازيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أولاد حارتي ... أزاهير الرياحين
-
صباح الخير سورية
-
حسن الخيِّر .... قطعوا لسانه و أعدموه
-
البرنامج الانتقالي لليسار الثوري في سورية
-
القِدر لا يركب إلا على ثلاث
-
مساء الخير يا وطني ..
-
حوار .. تفاوض ..جدل ..
-
أربع كلمات أسقطت الديكتاتور
-
مبروك ها قد بانت بشائر النصر ...
-
أيديولوجيا الربيع العربي
المزيد.....
-
تصعيد روسي في شرق أوكرانيا: اشتباكات عنيفة قرب بوكروفسك وتدم
...
-
روبيو يلتقي نتانياهو واسرائيل تتسلم شحنة القنابل الثقيلة
-
مئات يزورون قبرالمعارض نافالني في الذكرى السنوية الأولى لوفا
...
-
السيسي يلتقي ولي العهد الأردني في القاهرة
-
بعد حلب وإدلب.. الشرع في اللاذقية للمرة الأولى منذ تنصيبه
-
إيمان ثم أمينة.. ولادة الحفيدة الثانية للملك الأردني (صور)
-
السعودية تعلق على الأحداث في لبنان
-
إسرائيل تتسلم شحنة من القنابل الثقيلة الأمريكية بعد موافقة إ
...
-
حوار حصري مع فرانس24: وزير الخارجية السوداني يؤكد غياب قوات
...
-
واشنطن وطوكيو وسول تتعهد بالحزم لنزع نووي كوريا الشمالية
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|