خالد ممدوح العزي
الحوار المتمدن-العدد: 3562 - 2011 / 11 / 30 - 14:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مما لاشك فيه بان الأزمة السورية بدأت تأخذ منحى صراعا بين الدول الكبرى والدول الإقليمية في محاولة لفرض مواقفها والاستفادة من حلة الضعف التي تعاني منه الدولة السياسة السورية التي ضربة عرض الحائط كل الحدود .فإذا كان نظام البعث والرئيس حافظ الأسد جعل من سورية موقع صراع داخلي بين القوى والفئات السورية المختلفة والذي يعول على دور الأقليات من اجل السيطرة علة مقاليد الحياة السياسية في البلاد لفترة 4 عقود من حكمه . لكن الابن ليس سر أبيه في الذكاء والاستيعاب والقوة والقدرة على السيطرة وتحويل سورية إلى لاعب إقليمي ،و بالرغم من محاولة تقليد والده في السيطرة على سورية من خلال الاحتماء بالأقليات وتخويف العالم من خطر الأكثرية السنية ونعتها سلافية وإرهابية وبعصابات مسلحة تحاول السيطرة على سورية ،مما جعل سورية بهذه السياسة المتبعة إلى مركز تجاذب وصراعات إقليمية ودولية وداخلية على موقع سورية الاستراتيجي والجيو سياسي .
لم يكثرت الابن لنوع الحدث الذي يعصف بسورية وتأثيرها بالربيع العربي ،لم يعترف بأزمة داخلية بين سلطته الفاشلة وبين الشعب المنتفض لحريته وكرامته ،لم يتنازل ليكلم الشعب السوري ويسأله عن همومه وشجونه،بل كابر على كل شيء وتكلم مع شعبه بمهزلة وسخرية من خلال نعتهم بالجراثيم والعصابات الإرهابية ، لم يقرءا الأزمات العربية ،لم يرى الشعوب العربية المنتفضة ضد حكامها ،بل ذهب ابعد بكثير من هذه الأزمات ليقول بان سورية هي ليست كباقي الدول التي تنهار ذات القيادات العميلة للغرب ،فالشعب السوري بنظر الأسد الصغير هو العميل والمأجور من قبل الغرب والذين يحاولون ضرب سورية المعارضة الممانعة المقاومة .
لقد وضح الأسد ذلك بخطابه بان النظام السوري يقاتل ضد الإسلاميين منذ العام 1950 ،النظام القومي العربي يقتل الأطفال ويغتصب النساء ويهدم البيوت ويسرق المال والمصاغ من البيوت وحتى الزيت ،يقتل الحمير ويتلف المحاصيل الزراعية ،ويعذب الأطفال ويقتلع الأظافر ويخلع الأسنان ،القومي العربي يحتل المدن السورية ،ويغض النظر عن الجولان المحتل ،يجند الشبيحة لقتل الأبرياء وتدمير الممتلكات،لقد تنسى بان الشعب السوري هو الشعب القومي والعربي والليبرالي والمسلم والمسيحي الذي تربى منذ البداية ضد سيطرة الاستعمار على البلاد ،تربى على العطاء والنضال ضد المحتل ،الشعب الذي خاض كل الحروب العربية الإسرائيلية ، الشعب الذي رفض التقسيم الفرنسي وناضل ضدها حتى أخرجها من أرضه ، لقد تناسى الأسد الصغير بان سورية العروبة التي طالبت بالوحدة العربية طوعا، وتخلى رئيسها شكري القوتلي عن رئاسة سورية لأجل الوحدة العربية كأول رئيس عربي وسوري لا يهتم بالكرسي وإنما بالعروبة التي قوضها البعث وانقلب عليها.
هذا الشعب الذي يوصف اليوم بالعميل والمأجور،لقد ترأسه والده طوال 40 عام وهو نفسه 12 عام فإذا كان الشعب كما يوصف الأسد وقيادته فان تربيتهم كما يصفها نظمه فإنها مشكلتهم .
لقد تطورت الأزمة السورية لتصبح بفضل الأسد إلى أزمة دولية وإقليمية وداخلية ،لان الأسد الذي فشل بقمع الانتفاضة بكل قوته العسكرية والأمنية ، يحاول اليوم بالدخول في حرب اهلية فعلية من خلال إثارة النعرة المذهبية الذي يعمل على تسعيرها بقوة من اجل الوصول إلى تقسيم البلاد بحال الفشل في السيطرة بمساعدة القوى الإقليمية التي ترى بان الأسد يخدم مصالحها الخاصة .
فالأسد يستعين بخط الممانعة والمقاوم من اجل صمود نظامه على أشلاء الشعب السوري الرافض لسلطة الأسد، الصمود من اجل المقاومة والتصدي لإسرائيل وأمريكا، فالسؤال الذي يطرح بقوة فإذا تم قمع الشعب وقتله واعتقاله من الذي سوف يقاتل ويقف بوجه الأعداء.
ايران التي تقاتل في سورية من اجل مصالحها الخاصة التي تجبرها ان تقاتل من اجل الحفاظ على موقع سورية التي يمكنها من الوصول الى كل المناطق العربية ومركز المواجهة العربية –الصهيونية ،وبالتالي هي متورطة في قمع الشعب السوري بالرغم من كل الأقوال التي تنكر التورط وتحاول إن تجد خروم صغيرة للتواصل مع الشعب السوري بحال انهار الأسد،فإيران التي تدعم الأسد ماليا وعسكريا ولوجستيا وتؤمن الطريق له من خلال نفوذها في العراق الذي يقوم أيضا بهذه المهمة من خلال الدعم المالي الغير محدود إضافة إلى توجه جيش المهدي للمشاركة في قمع الشعب السوري.إضافة إلى دعم الحكومة اللبنانية التي يسيطر عليها حزب الله المرتبط فكريا ودينيا وعسكريا بإيران ،فحزب الله اللبناني الذي يقاتل عسكريا وسياسيا إلى جانب النظام السوري بوجه الشعب يعود بالدرجة الأولى الى كون حزب الله متحالف مع النظام السوري ويرد له الجميل الذي يعتبره دينا عليه ،فسورية هي صلة الوصل الحقيقية بين الحزب في لبنان وقيادته في طهران هي الممر الإجباري للحزب ولإيران،إيران التي تزود الحزب بالأموال والعتاد والسلاح والقوات العسكرية عن طريق سورية ،وسورية تؤمن لإيران قاعدة متلاصقة للحدود الإسرائيلية عن طريق جبهة حزب الله في لبنان مما يساعد إيران على القدرة في التأثير في المعادلة السياسية الدولية .
إيران التي تدعو سورية الأسد على الصمود بوجه الانتفاضة الشعبية بالرغم من كل الضغوط التي يتعرض لها النظام السوري ،فالصمود الذي يحققه الأسد سوف يساعد إيران أكثر ،فأكثر من دعم النظام السوري والتي تأمل بتغير المعادلة الجيوسياسة الجديدة التي تفرضها خروج الجيش الأمريكي من العراق وبالتالي الجبهة العسكرية تكون تكونت من إيران والعراق وسورية ولبنان ،وبالتالي هذه الجبهة سوف تصنع النصر على الأمريكي والإسرائيلي،وبالتالي يمكن تحقيق كل شيء ،فهذه الجبهة سوف تربك الجار العربي الذي يتم فتح جبهات صغيرة في جداره ،في الكويت والسعودية ،وكذلك الجار التركي الذي يتم تحريك ورقة حزب العمال الكردستاني ،فمن هن يكمن طرح النظام السوري الذي دوما يكرر بان الأزمة سوف تنتهي وسوف تخرج سورية منها أقوى، ليعود ويؤكده وليد المعلم في مؤتمره الصحافي الأخير الذي يقول فيه بان الدبلوماسية الناعمة انتهت .
فالموقف الإيراني يقابله موقف عربي متشدد من خلال رفع الشرعية العربية والإسلامية عن نظام الأسد الذي حجم دوره ووضعه في "خانة اليك "من خلال فرض رزمة اقتصادية خانقة للنظام السوري لتكون بداية سوف تشديدها لاحقا ،إضافة إلى الموقف التركي الذي بدأ يصعد موقفه نحو النظام السوري ووضع نفسه في حالة تأهب كامل ،متجانس مع موقف أوروبي وأمريكي عالي اللهجة نحو النظام السوري ،مدعوما بضغط اقتصادي وعقوبات على هرم النظام ،إضافة إلى الحركة الإعلامية العربية والدولية الفاضحة لسياسة النظام مترافقة مع حركة حقوقية ومنظمات دولية تضع جرائم النظام السوري في خانة الجرائم الإنسانية التي يعاقب عليها القانون الدولي ،مترافقة مع ضغط دولي على طهران نفسها.
يبقى الموقف الروسي الذي يحاول فرض نوع من الغطاء السياسي والدبلوماسي على النظام السوري من خلال رفضه لكل العقوبات الأممية ضد سورية ،ورفض روسيا لكل القرارات الدولية التي تحاول التدخل في سورية ،ودعوتها المتكررة بالحوار الوطني ورفض العنف والوصول إلى تسوية تساوي بين الجلاد والضحية ،روسيا التي تزود النظام السوري بالعتاد والسلاح من خلال بوارجها التي ترسل إلى طرطوس لكي تقول للغرب بان سورية خط احمر وسيدافع عنها مهما كان الثمن .
لكن السؤال الذي يطرح على موسكو ماذا تفعل في ظل انتفاضة شعبية تصر على إسقاط الأسد ،ورفع الشرعية العربية والإسلامية عنه ،فهل روسيا تريد التدخل العسكري في سورية لحماية النظام وتقف بوجه الشعب المنتفض ،هل ستذهب روسيا بالأخير لحماية نظام الأسد المتهاوي عن عرشه .
طبعا روسيا سوف تخسر نهائيا في سورية لأنها تعادي الشعب وتحالف النظام ،ففي كل السيناريوهات المحتملة من الحرب الأهلية إلى التقسيم إلى الإصلاح وتنفيذ الوعود المؤقتة فكلها تدل على ان روسيا فقدت مكانتها في سورية .
من هنا كنا رد فعل
بناءا لهذه المعطيات والسيناريوهات كان رد المحتجين في الساحات والنواحي والمدن السورية بمزيد من التظاهر والخروج إلى الشوارع والساحات، لترفض وتفشل كل الاحتمالات التي يمكن أن يرتكز عليها النظام المنهار.
نجحت التنسيقيات الثورية السورية في إخراج الشعب السوري للتظاهر من جديد هذه الجمعة بتاريخ والتي أطلقت عليها "جمعة الجيش الحر يحميني " ، فالمعارضة السورية تكرس حقيقة هامة بوجود الجيش الحر الذي يعلن عن نفسه من خلال انشقاقاته المتكررة ومن خلال عمليته العسكرية المعلنة في بياناته ، بعد أن حاول النظام تهميش هذه الانشقاقات والتقليل من أهميتها ،ليصبح حالة سورية بحد ذاتها ،فالجيش الحر بدأ يخرج في العديد من المدن ليحمي المظاهرات الشعبية مهددا الشبيحة ورجال الأمن بحال التعرض لسير التظاهر ،ومن هنا تبدو أهمية تأسيس جيش سوري يستطيع التصدي لجيش النظام ويشكل قوة رعب له من خلال الاحتضان الشعبي والإقليم لهذه الوحدات العسكرية المنشقة والمتصدعة من داخل الجيش الرسمي الذي فشلت المراهنة عليه في حماية هذه الثورة ،والتي طالبته بتأيدها منذ الأيام الأولى لاندلاع الثورة السورية،من خلال جمعة "حماة الديار"،بل تحول إلى حماة السلطة .فان تشكيل قوة عسكرية تحمي الثورة الشعبية سوف تغير كل الخارطة الرسمية للنظام وأصدقائه ،فالحسم العسكري والأمني يكون انتهى،وبالتالي المواجهة سوف تكون بوجه النظام وقواته التي سوف تواجه جيشها المنشق والذي يكبر يوما بعد يوم ككرة الثلج .
فالأيام القادمة تبرهم كيف ستكون حالة الصراع الذي يخوضه الشعب السوري من اجل حريته وكرمته.
فالسؤال الأساسي الذي يجب أن يتم الإجابة عليه لاحقا، لمن تزهر الزهو في الربيع العربي، لسورية الثورة أو لسورية الأسد.
فالمعركة مستمرة وفيها جولات وصولات بين القوى المتصارعة في سورية ...
د.خالد ممدوح العزي
كاتب صحافي ومختص بالإعلام السياسي والدعاية.
[email protected]
#خالد_ممدوح_العزي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟