|
بائعو الحب سيكولوجيا النفاق وسياسة الاعتناق
علي عبد الرحيم صالح
الحوار المتمدن-العدد: 3562 - 2011 / 11 / 30 - 08:28
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يرى عالم النفس "اريك فروم" : أن الحب هو الجواب الصحيح عن مشكلة الوجود البشري ، لو أننا ادركناه وفهمناه بطريقة صحيحة ، باعتباره اهتماما بحياة الآخرين ، وشعور بأننا جزء من كل ، ما كانت الإمراض النفسية والاجتماعية منتشرة الآن ، لأن جميعها مظاهر عجز متنوعة عن حب الانسان وعدم القدرة على تحقيق نوع من التآزر مع الاخرين . لذا فللحب دور أساسي في حياتنا النفسية والاجتماعية ، لأن الحب الأصيل للاخرين بغض النظر عن أي معتقد او دين ، يعد الوقود لاستمرار شعلة علاقاتنا الإنسانية والاجتماعية ، وبذلك فأن الحب هو مجموعة من المشاعر العريضة والمتماسكة التي تزخر بحب الصلة والمودة والانتماء والعطاء من دون مقابل . هذا الحب هو العامل المساعد في الحفاظ على إنسانيتنا ، وتقدم مجتمعنا ، وبناء ثقافة حافلة بالقيم الجيدة ، تلك القيم التي تعلم الحب والتكاتف والثقة المتبادلة . بيد أن ضعف هذا الرابط الإنساني المهم ، ينتج عنه العديد من المشكلات ، حيث تتفكك علاقات الإخوة ، وسيشعر ابناء المجتمع الواحد بالغربة والتنافس ، وسيحل بهم الضعف ، وسيجنون الخسارة الكبيرة عاجلا أو آجلا . فموت الحب دليل على شيوع مشاعر الأنانية ، والكراهية ، وحب الذات . وبذلك سيكون هؤلاء الإفراد منافقين و فاسدين ، وباردين انفعاليا ، وسيفكرون بمصالحهم الذاتية دون التفكير بما سيحدث للاخرين . فضلا عن شيوع نزعة الشك ، وعدم المبالاة ، ورؤية أن الاخر يصبح عامل مهدد لأمنه النفسي والاجتماعي .
الحب سلعة للبيع !! من خلال مراجعة الكثير من الدراسات النفسية والاجتماعية والدراسات الانثربولوجية والكتب والقصص والافلام ، دائما ما يظهر نمط معين من الشخصية يقوم على بيع الحب للآخرين مقابل مصالحه الذاتية ، فالحب لديه سلعة يظهرها للاخر متى ما حانت الفرصة لذلك ، لذا فان هؤلاء الاشخاص من بائعي الحب دائما ما يتعهدون بالحب ، والاخلاص ، والانتماء ، والتظاهر ، وبتحمل الاعباء والمسؤوليات كافة مقابل الحصول على مال أو شيء يحقق رغباتهم الذاتية . لذا فانهم يعطون الحب ليس بدافع الحب الانساني ، وانما رغبة في اشباع نوازعهم الضيقة ، وتحقيقا لمصالحهم الذاتية. إذ يجد هؤلاء الاشخاص في حب المال والحظوة او المكانة الوسيلة المهمة والغاية النهائية لتحقيق ذاتهم . ولذلك فهم يتمركزن نحو ذواتهم أكثر من التوجه نحو الجماعة واهدافها ومعاييرها السامية . ومن أجل ذلك نجدهم يحبون بزيف ذات الهدف المحقق لرغباتهم الدنيئة ، فيحترمون هذه الذات ويعظمونها من دون أي استحقاق وقد يصلون بها الى درجة الاله او النبي . وبذلك فهم يرجون الحظوة والمنزلة التي تشبع ميولهم ودوافعهم المريضة . من سمات هذا النوع من الشخصية ايضا : - التملق والقدرة على الكذب وكثرة المجاملة . - القدرة على التلون في جميع الظروف ، ومع أي شخص ما دام يشبع حاجاته . - تبني أي ايدولوجية او عقيدة او فكر ما ، فالمهم ان يحقق الحاجات والرغبات . - العدوانية والتسلط على من هم ادنى مكانة ، لأن هؤلاء يهددون امنهم الشخصي . - الافتقار الى هوية اجتماعية اصيلة تشعرهم بالانتماء والاستقرار . - تعظيم ذات الهدف لأتفه الاسباب ، مع تجميل الاشياء واعطائها صورة معاكسة لها .
كيف يظهر هذا النوع من الشخصية ؟ لم تثبت الدراسات لحد الآن أن مثل هذا النوع من السلوك فطري او غريزي ، بل يكتسبه الانسان من بيئة ضاغطة ومريضة . فقد يكتسبه الفرد من والديه اللذين يشجعان فيه الرياء والنفاق اليهما ، حيث يعدون النفاق دليل على الحب والطاعة والخضوع اليهما ، وهما بذلك يكافأن هذا السلوك بدلا من اطفاءه . كما قد يظهر هذا السلوك كما يرى اريك فروم في مجتمع مريض يفتقر الى ادنى وسائل العيش الكريم ، مما يجد افراد هذا المجتمع ان النفاق والرياء والتزلف وسيلة جيدة للعيش والحصول على الامتيازات والتسلق فوق كفايات الاخرين . ويظهر هذا السلوك ايضا في ثقافة المجتمع عبر المثل والقيم والعادات التي تشجع هذا السلوك بدلا من عقابه واستهجانه ، كالمثل الشعبي الذي يقول ( شيم المعيدي وأخذ عباته ) (اذا لك عند الكلب حاجه قوله يا سيدي ) . لذا عندما يجد الفرد أن مثل هذا السلوك يشعره بالحظوة والامن ، فأنه بكل تأكيد سيصبح عادة سلوكية في شخصيته ، بل قد تصبح هذا العادة سمة كبيرة وأساسية في الشخصية !!!
النفاق وسياسة الاعتناق أن من اخطر ما يتصف به بائعوا الحب سهولة اعتناق أي ايدلوجية أو فكرة أو عقيدة ما ، وسرعة التخلي عنها ، مقابل اخرى تدفع لهم اكثر او توفر لهم الامن الذي يصبون اليه . فعندما تظهر ايدلوجية ما او شخص معين ، سرعان ما نجد بائعي الحب يتخلون عن افكارهم ومعتنقهم القديم ، ولبس معتنق جديد ، فهم كالحرباء تتماهى وتندمج مع أي شيء يحميها من الخطر الخارجي المهدد لكيانها ووجودها في الحياة . وبذلك تشكل هذه الشخصية عامل خطر مهدد لبناء المجتمع وتكامله ، فهي اداة تخريب لا بناء . ومن أمثلة هؤلاء الاشخاص وأخطرهم : - الساسة وقادة الاحزاب الناكرون لعهودهم ومواثيقهم . - رجال الدين ، الذين يبيعون الحب الالهي وافكار التطرف من اجل مصالحهم وشهرتهم ونفوذهم . - الموظفين الأصوليين ، واللاهثين وراء رؤسائهم وقياداتهم . - المهللين والمرائين وراء قياداتهم وكتلهم الحزبية . - ومن بائعي الحب ايضا التجار الغشاشين ، وبائعات الهوى ، وأصحاب الاقلام الرخيصة ، والشعراء المداحين ، ورجال الإعلام .. وغيرهم .
تجارة الحب في المجتمع العراقي يعد مجتمعنا العراقي والعربي من اقرب المجتمعات التي تبيع وتتاجر بالحب ، إذ اصبح الحب فيه مهنة يرتزق من خلاله الكثير على حساب الغير . ويمكن ان نرجع سبب ذلك الى النقص والحرمان وإحداث الحروب والارهاب وظهور تيارات سياسية ودينية متناقضة ، خدعت الشعب باسم الله والحب والمستقبل الزاهر والوعود الكاذبة وسرقت حاجاته وقوته . لذا اصبح افراد المجتمع عرضة للكثير من السلوكيات المرضية ، وتطبعوا بالكثير من العادات والطرق التوافقية الغريبة ، فظهر هذا النمط من السلوك بوصفه وسيلة دفاعية تكيفية من مصائب الحياة وضغوطها . وخاصة اذا كان النفاق والرياء طريقة سهلة لكسب القوة وبلوغ الامال !!! . لذا فجميع الاطراف تتحمل مسؤولية ذلك ، بدءا من رأس الهرم الاجتماعي ، وانتهاء بقاعدته . وبذلك نحن نحتاج الى وسائل اصلاح تربوية ومجتمعية قادرة على اشباع حاجات الانسان الجسمية والنفسية ، وتقضي وتصلح النفوس المتعفنة من بكتريا الخداع والغش ، لتضعف على الاقل قوة ظهور هذه السلوكيات لدى الافراد المتعفنين !!
#علي_عبد_الرحيم_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سيكولوجيا القرود الخمسة فلا تكن سادسهم : رؤية حول امتثال الف
...
-
سيكولوجيا الازمة بين الفرد و المجتمع
-
عندما تغيب الديمقراطية في جامعاتنا الاكاديمية
-
سيكولوجيا العنف ضد المرأة ( المرأة العراقية أنموذجا )
-
سيكوسولوجيا التطرف الديني بين الانغلاق الفكري و جذور الارهاب
-
الغرابة سيكولوجيا التشويش و الارتباك الإنساني
-
سيكولوجيا الملابس و الحلي ( هويتنا الشخصية و الاجتماعية )
-
تجنب الألم سيكولوجية الدفاع عن النفس
-
الفشل سيكولوجية الإخفاق و الهزيمة
-
الحاجة الى التنبيه الحسي سيكولوجية الإثارة الحسية
-
الإدراك معنى الحياة
-
أسباب التسرب الدراسي لدى طلبة الدراسة المتوسطة و الإعدادية
-
مقومات التضحية سيكولوجية الشجاعة و الفداء
-
سيكولوجية نشر الشائعات في المجتمع العراقي
-
أحلام اليقظة وسيلة لإشباع الرغبات المكبوتة لدى الفرد العراقي
-
التمركز حول الذات سيكولوجية تدهور الذات و العلاقات الانسانية
...
-
رؤية تحليلية في سيكولوجية الشخصية المتعصبة
-
لعب الأطفال بين براءة الأمس و عنف اليوم
-
سيكولوجية اللغة بين أسرار النفوس وصدق الكلام
-
الأنسان و الخرافة و الطب النفسي
المزيد.....
-
-كأنه منطقة حرب-.. فيديو شاهد يظهر عمليات الإنقاذ بحادث اصطد
...
-
فيديو يُظهر ما يبدو لحظة اصطدام طائرة الركاب وهليكوبتر وسقوط
...
-
عربات طعام بنكهات أصيلة واستوديو متنقل..كيف جذب هذا الحي في
...
-
السعودية.. فيديو مخالف للآداب العامة يثير تفاعلا والداخلية ت
...
-
ترامب يعلق على الحادث الجوي المروع في واشنطن (فيديو)
-
زيلينسكي يحيي ذكرى الجنود الذين تصدوا للهجوم البلشفي في يناي
...
-
إدانة عضو مجلس الشيوخ الأمريكي السابق بوب مينينديز بـ16 تهمة
...
-
لحظة اصطدام مروحية عسكرية أمريكية بطائرة ركاب قرب مطار رونال
...
-
-واتساب- يواجه في روسيا غرامة قدرها 18 مليون روبل
-
-ولادة عذرية- نادرة لسمكة قرش تثير حيرة العلماء
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|