نورا أبو عسلي
الحوار المتمدن-العدد: 3559 - 2011 / 11 / 27 - 19:10
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
عندما يخرج الناس من تقوقعهم القَبلي و الديني و الاجتماعي و الشرنقة التي يحتجزون انفسهم فيها اجتماعيا .. عندها نصبح بشرا ..
في المقال التالي و الذي أفند فيه أربعة جوانب مختلفة متشابهة .. تبدو للبعض بأنها حاجة ماسة لاستمراره لاعتماده على خاصية التفكير و السلوك الجماعي و التي بدونها يشعر بأنه منبوذ و مكروه و مستبعد من أقرب الناس إليه ..
الجانب الأول : الرأسمالية الاجتماعية ...
الان نحن مجرد اشياء .. لا تدرك المعنى الما ورائي خلف قيمة الانسان الحقيقية ..
اوجه الشبه عديدة و كثيرة ما بين كل ما هو المادي و بين الفكر "الهرمي" الاجتماعي الذي يشبه الى حد كبير النظام الهرمي السياسي ..
الرأسمالية الاجتماعية القبَلية تبدو ملاصقة تماما للفكر الرأسمالي السياسي من حيث كون الأخير عبارة عن انعكاس لحالة المجتمع و أفكاره و عاداته .. فالأنظمة السياسية العربية ليست سوى انعكاس حقيقي لنظام اجتماعي تراتبي هرمي معين .
و لتوضيح الفكرة .. فلنأخذ المكون الرئيسي للأسرة العربية و هي نواة المجتمع .. الأسرة .. الأسرة العربية تعاني من مشاكل لا تبدأ بسلطة الفكر الذكوري على المنزل و الأخت و الزوجة و البنت و حتى الأم ( و لا أقول الرجل لأن المرأة العربية تفكر من منطلق ذكوري سلطوي ) و لا تنتهي بحقد المراة على المرأة من أجل إعلاء الفكر الذكوري نفسه .. المشكلة أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد .. بل تجاوزه الى أن أصبح الجميع يعي خطورة الاستمرار بهذا النهج التسلطي لكنه لا يستطيع التغيير أو الاعتراف بالمشكلة بسبب الرهاب الاجتماعي و الخوف من نبذ المجتمع له كما ذكر سابقا ..
الجانب الثاني : الرأسمالية الدينية و العرفية ...
اتحدث في هذه الفقرة عن مكونان اثنان رغم احساس البعض بأن الاثنان مختلفان عن بعضهما بالتعريف إلا انني آثرت دمج كل من هما بالآخر بسبب التشابه الكبير الذي يجمع بينهم, فالدين ولّد العرف !
الأعراف الاجتماعية لم تكن على صورتها الحالية قبل الأديان و نلاحظ ذلك جليا بسبب اختلاف أعراف كل مجتمع عن الآخر كل حسب دينه .. أما في مرحلة ما قبل الأديان .. فمثلا لم يكن الاختلاف واضحا في الأعراف لهذا الحد بين أفراد الدولة الواحدة لنقل جغرافيا, أما بعد قدوم الأديان , قسّم ذلك المناطق الى عادات و تقاليد مختلفة عن المناطق المجاورة لها ذات الدين المختلف ..
سبب ذكري لهذا الموضوع , أن بعض الناس ممن يدعون عدم تدينهم و يقولون بأن العرف مختلف تماما عن الدين نسوا بأن الاعراف لم تكن مختلفة اختلافا جذريا بين الناس إلا عند اقحام الدين و من ثم الطوائف بعد ذلك فيما بينهم ..
السلطة القمعية التابعة للانظمة العرفية و الدينية.. لا تسعى خلف الانسانيات بل خلف الماديات بتكريس الانا .. اي الابتعاد عن الكل و التقوقع حول الجزء .. لأن الناس و بازدياد عددهم و تعدد فكرهم و أطماعهم المختلفة احتاج الانسان الى ما يقويه و يعطيه مكانا أكثر صلابة بسبب المنافسة القوية انسانيا على موارد الحياة و ذلك حسب هرم ماسلو للحاجات الانسانية .. فلجأ بذلك الى الدين و الطوائف لكي يحصل على مكان له "غير شرعي" و لا يستند الى الكفاءة و القدرة , بل يستند الى الخرافات الدينية بدعوى أن الله محنه هذا الحق .. يذكرني الحديث عن الله بالنظام الهرمي ذاته الذي يتحدث عنه المقال و الذي كرسه الانسان من أجل أن يحصل على مكان أفضل له بطريقة غير شرعية و بتجنب كل الطرق الانسانية و باتباع طرق مختصرة جدا للفوز بسباق وهمي نحو متاع مادية حصرا عن طريق استخدامه لبطاقة بيضاء لأي اعتراض يأتيه من العقلاء و الذين تضرروا منه بدعوى أن "الله" هو من سمح له بالغش و أن كل من يخالفه هو عدو الله !
نحن بتقوقعنا الديني و الطائفي نكرس هذا الفكر و نبتعد أكثر عن الانسان الروحي.
الجانب الثالث : المرأة و الرأسمالية ...
كما ذكرت سابقا .. فإن النظام الذكوري و الذي سببه جشع الانسان بالامور المادية عن طريق استخدامه للبطاقة البيضاء و هي "الله" للوصول الى غاياته, فأنه يسيء أيضا للمرأة بدعوى أن الله هو الذي امر بذلك. و يتم استغلال المرأة أبشع استغلال دينيا و اجتماعيا بشكل بارز بسبب ما وجدت عليه المرأة من ملامح جنسية و صفات مادية مكنتها من الوصول الى مركز الاهتمام للدين و المجتمع كما أنها حصلت على حصة الأسد من الاستغلال و التنكيل و جُعل منها سلعة رأسمالية جنسية للعرض و الطلب باسم الدين و بتصريح خطي و شفهي من الله ارضاءا "للرجل" الذي يقبع على رأس الهرم الاجتماعي ..
تحطيم المرأة فكرا و انسانيا يشبه كثيرا الالية التي تعمل بها تلك الانظمة القمعية .. تحطيم المرأة هو تحطيم الانسان .. لان المرأة هي التي تربي أبناءها و تنشئ كل المجتمع .. اذا هي ليست نصف المجتمع كما يقال بل كله ..
في هذا النظام العالمي الجديد في فترة ما قبل انتفاضة الانسان حديثا ضد الرأسمالية العالمية حول العالم, كانت المرأة عموما ( و ماتزال في العالم العربي ) عدوة المرأة الأولى إرضاءا للفكر الذكوري المسيطر, تحاول المستحيل أن تجعل من صورة قرائنها مشوهة أمام الفكر الذكوري المجتمعي احتماءا بالدين او العرف بدرجات متفاوتة .. يرجع ذلك الى نفس السبب الاجتماعي و هي الفوبيا المجتمعية و التفكير الجماعي .. حيث أن سلوك المجتمع العام هو الذي يجعل أفراده يسلكون سلوكا معينا بغض النظر عن صوابيته و فعاليته و تكون الحجة غالبا بأن المجتمع يفعل ذلك .. لمَ لا أفعله ؟
الجانب الرابع : الرجل و الرأسمالية ...
العبء الذي أوجده هذا النظام الرأسمالي الاجتماعي على الرجل يبدو كبيرا جدا بل يضاهي في ثقله الحمل الذي تحمله المرأة في كون الرجل مسؤول عن حماية شرف المرأة الاجتماعي و الذي يتمحور حول فكرة الشرف و العرض الشرقيتين و عذرية المرأة التي هي محور و صنيعة الأديان .. و ان عدم مقدرة الرجل على صون شرفه و الحفاظ على نسائه من أخت و بنت و حتى أم, يحمله عبئا كبيرا جدا باحتمال تخلي كل المجتمع عنه و بالتالي جعله عبرة لمن يعتبر و يبقى الناس يتحدثون في سيرته حتى بعد ان يموت ..
إن فكرة الرب الرجل الذي يفكر كثيرا في كيفية اشباع رغباته المادية بغض النظر عن الحاجات الروحية التي بدونها لن يستطيع أن يكون انسانا حسب تفكيره ستسقط قريبا لان الرجال هم بشر و لديهم حاجات روحية عميقة بالاضافة الى حاجاتهم الجسدية كما المرأة تماما..
فقط عندما نخرج من فكر الجنس المادي الى فكر الانسان نستطيع ان نكون بشرا و نستطيع ان نملك قوة لا تضاهيها قوة .. القوة الوجودية على المدى البعيد ..
نورا أبو عسلي
#نورا_أبو_عسلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟