وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 3556 - 2011 / 11 / 24 - 10:15
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ما هو الدين ؟
سوف لا أخوض في هذا المقال في العلاقة بين الدين و السحر و أيهما اسبق من الآخر . و لا أحاول تفسير الدين و القوى الغامضة فيه و المعجزات و الاستنارة التي تحصل لبعض الأفراد حسب تفسير بعض العلماء الذين يعتبرون الخوارق و الوحي انعكاسا للاوعي الإنسان و إنها إسقاطاته الداخلية و هي هلوسات و صراعات الإنسان الداخلية و لا أفسر المعجزات كما قال يونج وفق مفهوم العقل الجمعي الكلي أي على طريقة التاو . و إنما دراستها بصورة تاريخية و دراسة نشأة تطورها و محاولة وصف الدين أي وفق المنهج الفينو مينولوجي ( الظاهراتي ) أي محاولة وصف الظاهرة دون الدخول في الجوانب الفلسفية .الدين حسب تعريف فراس السواح هو : ( الأحاسيس و الخبرات التي تعرض للأفراد في عزلتهم , و ما تقود إليه من تصرفات . و تتعلق هذه الأحاسيس و الخبرات بنوع من العلاقة , يشعر الفرد بقيامها بينه و بين ما يعتبره إلهيا . و يعرف الفيلسوف و مؤرخ الأديان الألماني ماكس موللر الدين : ( هو كدح من اجل تصور ما لا يمكن تصوره , و قول ما لا يمكن التعبير عنه , انه توق إلى اللانهائي ) .
الدين الفردي : و هي الخبرة الدينية و الذاتية التي يعيشها الإنسان في علاقة خاصة مع قوة المقدس غير المنظورة . هذه المواجهة تبدو متصلة بالإنسان قدر استقلالها عنه . و هذا الاختبار الشخصي اختبار انفعالي ليس له علاقة بالفكر و الفلسفة و العقل و المنطق . و من هذه الخبرة الدينية ظهر المتصوفة و الأحناف في شبه جزيرة العرب و مؤسسي الديانات الجديدة . يقول فراس السواح ( عند هؤلاء تبلغ الخبرة الدينية المباشرة درجة عالية من الشدة , تنتج ما ندعوه بحالة الوحي ,و هي أقصى حالات المواجهة بين الفرد المنعزل و المقدس الكلي . و أعلى درجات الوحي , هي الدرجة التي تدعو إلى الفعل , إلى تغيير المعتقد السائد ... ) . جاء في سفر ارميا من التوراة ( 1 / 4 -10 ) : ( قبل ان أصورك في البطن عرفتك , و قبل ان تخرج من الرحم قدستك و جعلتك نبيا للأمم . ثم مد الرب يده و لمس فمي و قال لي هاأنذا قد جعلت كلامي في فمك ! انظر إني أقمتك اليوم على الأمم و على الممالك لتقطع و تهدم و تهلك و تنقض و تبني و تغرس ) . و في التراث الإسلامي , يرث الأئمة و الأولياء وحي الولاية عن النبي محمد . فالترمذي في خاتم الأولياء و محي الدين ابن عربي في الفتوحات المكية ,يريان في الولاية نبؤة عامة لا تشريع فيها في مقابل النبوة الخاصة التي هي نبوة التشريع و ان محمدا قد جمع في شخصه النبوتين . كما ان ابن عربي يوحد بين الإمامة و الولاية و هو يرى انه في الزمن الواحد قد يأتي إمامان , إمام ظاهر هو الخليفة الحاكم و إمام باطن هو ( صاحب الوقت ) و يدعى أيضا ( القطب ) و ( الغوث ) و هو الخليفة الحقيقي و تختم الإمامة بالإمام الأكبر الذي يسميه الشيخ ابن عربي ( الإمام المهدي ) .
2- الدين الجمعي : هو الخبرة الدينية الفردية المكتسبة للفرد من خلال تجربته الذاتية و التي تلتقي مع خبرة الأفراد الآخرين و بحكم تراكم هذه الخبرة عبر عدة أجيال يتم صياغتها وفق عقائد و قواعد سلوكية و أخلاقية دينية تتحكم فيها مؤسسات دينية تضم أعداد كبيرة من رجال الدين . و يعرف المفكر فراس السواح هذا الدين : ( التعبير الجمعي عن الخبرة الدينية الفردية , التي تم ترشيدها من خلال قوالب فكرية و طقسية و أدبية ثابتة , تتمتع بطاقة إيحائية عالية بالنسبة للجماعة ) .
الدين الشمولي : في منشأ الدين الشمولي يكون عبادة كغيره من العبادات , و لكن هذه العبادة الجديدة لا تقنع بوضعها المحدود ضمن الصورة العامة لدين القوم , و إنما تأخذ بفرض نفسها على بقية العبادات في حركة مستمرة و طموحة هدفها إحلال نفسها دينا للقوم , و إلى تعميم تجربتها الروحية على الثقافات الأخرى , متجاوزة كل الحواجز السياسية و الجغرافية من أي نوع و تتسم بالصفات التالية : -
1- تحمل هذه العبادة طابع التجربة الدينية لشخص بعينه , و يكون العنصر الفاعل فيها شخصية إنسانية فذة , تحاول من خلال حركة ثورية شاملة قلب المفاهيم الدينية لوحدها .
2- يعتقد مؤسس العبادة بامتلاك الحقيقة المطلقة و النهائية .
3- ترفض هذه العبادة , سواء في حياة مؤسسها أم بعده , التعايش مع بقية العبادات .
4- تقوم بالتبشير الدائم الذي يعتمد وجودها وانتشارها عليه . و هذا التبشير هو ظاهرة دينية جديدة لم تعرفها البشرية قبل ظهور الأديان الشمولية .
من هذا الاستعراض الموجز للدين يتبين لنا محنة شعوبنا بدياناتها المختلفة . فاليهود و المسيحيون و المسلمون يعتقدون أنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة و ان الآخرين على باطل . و الديانة اليهودية كما تأسست في بابل و تم استكمال تأسيسها لاحقا في مقاطعة اليهودية على يد عزرا و من جاء بعده تقوم على الفصل العنصري بين شعب إسرائيل المدعى ( مختارا ) وبين بقية شعوب العالم من الاغراب ( الاغيار ) و المدعوين ( كلابا ) و بتأسيس الدويلات اليهودية عبر التاريخ تكرس هذا الاغتراب و القطيعة و استمر بنجاح بسبب تحول اليهود إلى شعب شتات في العالم فحافظوا على انغلاقهم و تميزهم حتى يحافظوا على هويتهم .و بالتالي الدين اليهودي هو ديانة جمعية قائمة على طقوس و تقاليد و تحريمات ( تابوات ) يكون الهيكل و الكهنوت هو الأساس . و باتحاد المال بالسلطة السياسية و بالكهنوت ظهرت ما يمكن تسميته ( بالدين اليهودي السياسي ) و هي اليهودية السائدة حاليا . و كذلك المسيحية فهي في جوهرها تقوم على تراكم خبرة أفراد مؤمنين , زعيمهم يسوع الناصري وحد هذه الخبرة الدينية الفردية العرفانية في جماعته . و هو لم يؤسس دينا . إنما من جاء بعده و خصوصا بعد دخول الملك قسطنطين في المسيحية في القرن الرابع الميلادي تحولت المسيحية ( إلى دين مسيحي سياسي ) قائم على تحالف سلطة الكهنوت المسيحي مع سلطة الدولة الرومانية زائدا سلطة المال و قامت بفرض المسيحية بقوة السلاح و اعتبرت ان المسيح هو الكل في الكل و هو الخاتمة . و بالتالي هذه المسيحية السياسية رفضت الاندماج و الاعتراف بالديانات الأخرى رغم ان الدين الشمولي المسيحي ظهرت ملامحه في القرن الأول الميلادي ألا انه أصبح حقيقة واقعة بدخول الملك قسطنطين في المسيحية . و هذا يفسر سبب اضطهاد الدولة الرومانية للمسيحيين رغم الاعتراف و القبول بتعدد الديانات . و جاءت ثالثة الديانات الشمولية و هي الإسلام و هو شمولي منذ مولده بقيام سلطة محمد في المدينة ( يثرب ) و رفضه لكل الديانات الأخرى أما الاعتراف بالتوراة و الإنجيل ثم ادعاء تحريفها فما هو إلا محاولة سياسية لفرض الدين الشمولي الجديد بالقوة من خلال التسلق إلى أهدافه النهائية عبر مراحل متعددة و قبوله بالاختلاف الديني أولا وصولا إلى السيطرة التامة على المجتمع . ان العنف الديني هو إشكالية بنيوية في الديانات الابراهيمية القائمة و هي ديانات شمولية . قد لا تكون شمولية في حياة قسم من مؤسسيها و لكنها أصبحت شمولية فيما بعد . و بالتالي لا يمكن حل هذه الإشكالية إلا بقبول هذه الديانات جميعها بالتعايش السلمي داخل المجتمع و عدم فرض طقوسها و معتقداتها الدينية على الآخرين بالقوة و حصر الدين داخل دور العبادات و عدم تسييسه و ان تكون الدولة محايدة و لا تتبنى خطابا دينيا و هذه هي العلمانية . ان الديانات بدأت كحركة ثورية للتغيير و لكن بعد طول الوقت يقفز إليها المنتفعون و الانتهازيون و بذلك تحفر قبرها بيدها .
جوهر المقال مأخوذ بتصرف من كتاب :
دين الإنسان – فراس السواح – دار علاء الدين للنشر و التوزيع و الترجمة ط 4 – 2002 – سورية , دمشق .
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟