|
عندما يضيء الليل عتمة النهار
محمد باني أل فالح
الحوار المتمدن-العدد: 3554 - 2011 / 11 / 22 - 22:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تعاقبت على العراق منذ عشرات السنين عدة أنظمة وحكومات تباينت في تعاطيها مع المتغيرات السياسية ومعالجة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وقد عانى المجتمع بسببها الأمرين نظير اختلاف النظرية والتطبيق وعدم وجود نظم سياسية تمتلك الإرادة الحقيقية للتغيير والقدرة الفاعلة على النهوض بمتطلبات المجتمع وتباين الانتماء الطبقي لبعض السياسيين ونزوغ البعض الأخر إلى ولاءات خارجية وأجندة إقليمية أساءت إلى سير العملية السياسية وأصابتها بالشلل جراء عدم تطابق الآراء والتصورات حيال تنفيذ أجندة تتقاطع في نهجها وأطروحاتها مع طموحات المجتمع الذي يعاني واقعا متخلفا مأساويا وترسبات تراكمت من خلال تعاقب وتعدد الوجوه السياسية ألاثمة بالسلطان فكان الحرس القومي وقبلها المقاومة الشعبية وما خلا تلك الفترة من أحداث دموية استباحت من خلالها العديد من الأبرياء تحت رحمة الصراع الفكري المتساقط بالأجندة الخارجية والداعم لأفكار مزقت بنية المجتمع وعمدت إلى أثارة الفتنة والاقتتال بين طوائفه بينما كان الكثير من أبنائه بعيدين كل البعد عن التحزب والميول السياسية بسبب تدني مفهوم الوعي السياسي ونضوح الثقافة السياسية عن ميدان الوعي الثقافي فكانت الموجات البشرية من طبقات العمال والفلاحين تحركها عواطفها المذهبية والدينية ومصالحها وعوائد الاستفادة من الحزب الحاكم أو السلطة أو الأضرار التي يمكن أن تلحق بهم جراء ألإصلاح السياسي أو حدوث انقلاب ضد السلطة فكانت ردات الفعل التي يمكن ملاحظتها على التطورات السياسية لا ترقى إلى مستوى البناء الفكري والتراكم الحضاري الذي يؤطر كيانات المجتمع لذلك كانت النخب السياسية الوطنية الفاعلة عرضة للاستهداف من قبل الحركات القومية والإطماع الإقليمية وكان التناحر السياسي يلف الوضع العام لبقية الأحزاب المتصارعة والتي تلعب الدول الإقليمية فيه دورا سلبيا مؤثرا نتيجة تشابك المصالح السياسية وتبني مفهوم الفكر القومي أو اليساري بعيدا عن المصالح الحقيقية لجميع فئات المجتمع وطوائفه مما جعل الصراع على السلطة حرب مستعرة لا يمكن معها الاطمئنان أو الوثوق بالأطراف الأخرى التي تمتهن التأمر ومبدأ الانقلاب للوصول إلى السلطة فكان المجتمع الضحية الأولى التي يقع عليها الثقل الأكبر من حقبة التأمر والصراع الدموي الذي تنتهجه أطراف النزاع السياسي وتتبناه قوى إقليمية عبر أجندة وأفكار حزبية وفئوية تسلطية قمعية شوفينية . كان للصراع الدائر بين الحرس القومي والمقاومة الشعبية في حقبة الستينات أثاره السلبية على الواقع الحياتي للمجتمع الذي كرس النهج العدائي من قبل الحرس إللا قومي لنشاط الفكر الشيوعي الذي كان يمتد بين ثنايا غالبية أبناء القرى والقصبات والمعامل والورش الحرفية مما خلف الكثير من الضحايا والمغيبين في تلك الفترة التي تكررت عودتها بين الفينة والأخرى رغم تطور المنحى الفكري في تعاطي الآخرين مع المبادئ والنظم السياسية التي كانت تملي عقيدتها على النشاط السياسي والأداء الحزبي فكانت الحركة القومية تمتد من مصر الى العراق مرورا ببلاد الشام رغم الحركة التي قام بها أديب الشيشكلي خلال فترة حكمه القصيرة وما رافقها من صراع ذهب من خلاله المئات من الأبرياء فكانت هذه الحركة هي امتداد لما بعدها من حركات عقائدية ومذهبية بسبب تباين المجتمع العربي واختلاف الأطر المذهبية والدينية فيه والتي انعكست بدورها على الوضع الداخلي للعراق الذي كانت ظلال وتأثيرات التغيير السياسي تلعب دورها المؤثر في بنيه الحركة والفكر السياسي الذي كان يتسق معها بالشكل والمضمون بالرغم من أن جميع التيارات السياسية كانت تتلون بصبغة خاصة لما يحمله المجتمع من وعي ديني وثقافة فكرية وبيئة اجتماعية تتعاطى مع المتغيرات الفكرية بحرص شديد وتأني في تبني وقبول المتغيرات الحديثة . وفي الفترة الأخيرة وظهور الحركات والتيارات الدينية الإسلامية المتشددة في الدول العربية وتمدد بنيتها ورواج أفكارها بين ثنايا بعض المجتمعات العربية وقوة الاستقطاب الجمعي للعديد من الفئات وسيطرتها على قيادة بعض التنظيمات الدينية عبر شعارات وهمية ملفقة نرى هيمنتها على الشارع السياسي واحتكارها نتائج ثورات ما يسمى بالربيع العربي في بعض البلدان العربية وتقلدها زمام الأمور هناك وهو ما يحكم على هذه الثورات بالفشل السياسي وضياع دماء الشهداء من أجل التغيير في وادي نفاق الإسلام السياسي التي تقوده تلك الحركات المتأسلمة التي لم تجد لها في مجتمعنا الحاضنة التي تنمو بين جنباتها وتمرر أفكارها الموبؤة بالشر بعد أن انتحرت كغيرها من الحركات والتنظيمات التي حاولت تغيير القيم والمفاهيم السائدة التي تعززت عبر نظم عقائدية ودينية تمتد بعمق حضاري وثقافي متجذر أكده الاستقراء المنطقي لصفحات التاريخ والتعامل الايجابي مع المتغيرات المدنية الحديثة للمجتمع الذي يرفض معه مبدأ أن يضيء الليل عتمة النهار .
#محمد_باني_أل_فالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الصوت وكاتم الصوت
-
ساعة النيزك الخطوط العريضة للتأمر
-
السلفية والربيع العربي
-
المسالة والتربية والتعليم
-
منطق الاستحمار في فهم ألية الاعمار
-
سقوط صنم أخر من أصنام معبد الحكام العرب
-
السعودية وفوبيا القطيف
المزيد.....
-
رغم الحذر السائد قبيل قرار ترامب مؤشر أسهم أوروبا يقفز لمستو
...
-
قراءة الإعلام المصري لصورة السيسي في -جيروزاليم بوست- الإسرا
...
-
قوات كييف تقصف جمهورية دونيتسك بـ 119 مقذوفا في غضون 24 ساعة
...
-
وزير الخارجية الأمريكي ونظيره السعودي يناقشان مستقبل غزة وال
...
-
فوتشيتش يصف الاحتجاجات في صربيا بأنها محاولة لتدمير البلاد م
...
-
أنباء أولية عن سقوط قتلى في تحطم طائرة في فيلادلفيا الأمريكي
...
-
إعلام أوكراني: سماع دوي انفجارات في كييف ومقاطعتها
-
المبعوث الأمريكي الخاص: إنهاء الصراع في أوكرانيا يصب في مصلح
...
-
تاكر كارلسون: زيلينسكي باع أوكرانيا وتحول إلى خادم للغرب
-
-إم 23- تواصل زحفها شرق الكونغو الديمقراطية
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|