شه مال عادل سليم
الحوار المتمدن-العدد: 3550 - 2011 / 11 / 18 - 12:31
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
الذكرى السنوية لأغتياله ..........
ولد محمد الحلاق لعائلة كادحة ومناضلة في مدينة كويسنجاق عام 1955 , كان والده (محمدامين الحلاق ) انسانا عصاميا كاسباً , عاش حياة متواضعة مع زوجته واطفالة ...وكان يحب الفقراء ويساعدهم ....... اما والدته الشهيدة المناضلة (عائشة كولوكة قادر)(1) فهي الوجه الجماهيري البارز و الشخصية الوطنية المحبوبة في مدينتها وعموم كوردستان , وكانت احدى المناضلات المعروفات في صفوف الحزب الشيوعي العراقي و رابطة المرأة العراقية لتكون وجها معروفاً في موكب شهيدات الحركة النسائية ، التي تشهد حتى حيطان مسالخ النظام البائد في اربيل على صمودها وبطولتها وجرأتها .... عملت ام الشهيد محمد الحلاق بجد واخلاص في صفوف الحزب الشيوعي العراقي منذ الخمسينات الى يوم استشهادها البطولي في عام 1988.
بدأت حياة محمد الحلاق النضالية ضمن اتحاد الطلبة العام , وكان في نفس الوقت مساعدا امينا لوالدته في مهامها السرية منها : تسهيل وتوزيع الادبيات الحزبية وايصال المعلومات والاخبار , ثم نهض بمسؤوليات حزبية متنوعة في مدينته و المحافظة ... وكرس طاقاته منذ ذالك الحين الى يوم استشهاده من اجل قضية الشعب الوطنية مدافعا عن حرية الشعب وسعادته وعن القيم والمثل التي امن بها والتي تجسدت في سلوكه وممارسته اليومية ....
في عام 1978 ـ 1979 مع بدء حزب البعث البائد حملته الارهابية الواسعة والشرسة للابادة والقضاء على الحزب الشيوعي العراقي و محاولة تصفيته نهائيا والتي راح ضحيتها الألوف من الشيوعيين والوطنيين , بينهم قادة و عديد من كوادر و نشطاء الحزب ، كان لمحمد الحلاق ووالدته الشهيدة عائشة كولوكة دور كبير في انقاذ اعداد من الرفاق و ايصالهم الى المناطق الامنة في جبال كوردستان .. و بذلك انقذوا بصلابتهم وعزمهم ونكران ذاتهم العديد من الرفاق والاصدقاء التي كانوا يتوافدون سرا الى بيتهم في كويسنجاق ومن جميع انحاء مدن العراق بعد ان ضاقت بهم سبيل العيش في مدنهم .....
بعد نشاطه السري مع التنظيم المحلي و بالتنسيق مع الأنصار .... التحق محمد الحلاق في بداية الثمانينات بانصار حزبه ، بعد ان صدرت بحقه مذكرة الاعتقال ....
كان الشهيد الحلاق انساني الطبع امتاز بالمثابرة والحيوية والجهادية العالية ونشط بنجاح في مهامه العسكرية , كانت الابستامة لاتفارقه حتى في احرج الظروف وقد شارك في معظم المعارك الانصارية والملاحم والبطولات التي خاضها بيشمركة الحزب الشيوعي العراقي في اربيل منذ عام 1983 ، بعد ان لمع اسمه في معارك وملاحم انصارية كثيرة , وقد لعب دورا بارزا وبطوليا في مقارعة النظام البائد وجحوشه الماجورين مع مجموعة من انصار حزبه في عام الانفال الاكثر من سيئة الصيت .........
وكان لي الشرف كمخابر في (فوج 31 قاطع اربيل) ان اكون بصحبته كامر سرية كويسنجاق ( سرية محمود قادر ) وبصحبة بيشمركة اخرين ...في مفارز قتالية واخرها في جولات كر و فر اثناء و بعد عام الانفال ( 1988) عندما تحولت كوردستان الى مسرحا كبيرا للقتل والسلخ والابادة بقرار من( صدام وعلى الكيمياوي ) وهجر سكانها الى مجمعات قسرية اشبه بمعتقلات النازيين , نعم تلك الايام التي عشناها نحن البيشمركة بالتقتير وبكسرة خبز ورشفة ماء من العيون التي لم تصبها بعد صواريخ وقنابل وسموم صدام ـ علي الكيمياوي ....وكنا نتحرك باستمرار في مفارز بارتيزانية تحسبا لوقوع اي خطر ...
كان الحلاق بتقديري قائدا عسكريا بمعنى الكلمة ...حيث استطاع بشجاعته ونكران ذاته وتفانيه ومبادرته وحرصه الشديد على رفاقه ان يحافظ على سلامة المفرزة رغم المخاطر التي كانت تحيط بنا من كل جانب ...حيث استطعنا وبتقديره السليم ان نتحرك وباستمرار من مناطق سماقولي , ئاوه كَرد كاحدى قمم جبل سفين , وقمم جبل بنه باوي الواقعة بين منطقة ديكَه له وجبل سفين ونزحف باتجاه جبل كوسره ت ثم البقاء في تلك المناطق الوعرة والخطرة التي كنا نتحرك فيها في الليل فقط ...
فكان الشهيد يمتاز بمعرفته بجغرافية المنطقة و بالمثابرة وبالمبادرة في تنفيذ مهامه اسوة بالاخرين بل كان قدوة لهم, حيث كان سباقا في تنفيذ واجباته العسكرية التي منها الحراسة النهارية والليلية وتامين اماكن للاختفاء تحسبا لوقوع اي طاريء ...كما استطاع وبنجاح ان يؤمن الاتصال مع الخطوط التنظيمية في داخل المدن بعد ان فقدنا الاتصال مع مفارزنا القتالية الاخرى .... لتامين الانسحاب والدخول الى المدن في حال ان لم تبقَ بيدنا حيلة او امل في البقاء في تلك المناطق المهجّرة الخالية من السكان ...... كان الحلاق يقول لنا دائما : انا المسؤول عن سلامتكم يا رفاقي ...لهذا ارجوكم ان تستعجلوا في التحرك من مكان الى اخر لاننا نواجه اليوم عدوا شرسا استطاع ان يتغلغل الى عمق اراضي كوردستان بمساعدة جحوشه كادلاء ماجورين ....
كان محمد الحلاق كاتبا سياسيا جيدا حيث كتب مقالات عديدة ونشرت في المجلات والصحف الكوردية وتحيدا بعد انتفاضة اذار المجيدة عام 1991 وبعد اندلاع المعارك الداخلية المؤسفة بين الحزبين (الاتحاد الوطني الكوردستاني والديمقراطي الكوردستاني) التي راح ضحيتها الاف من ابناء شعبنا المظلوم بالاضافة الى المئات من الكوادر والاعضاء ومؤيدي الطرفين ... و ساهم في مناشدة قيادة الحزبين باللجوء الى قوة العقل واالمنطق و العودة الى طاولة المفاوضات لايجاد حلول منطقية ومرضية للطرفين وايجاد لغة للحوار بدل اللجوء الى الغاء الاخر .......
و قد كتب رسالة مفتوحة الى رئيس البرلمان ورئيس الحكومة في اقليم كوردستان ، نشرت في وقتها في مجلة (كَولان العدد 32 عام 1994( , تطرق فيها الى دور ومهام الحكومة في حماية شعب كوردستان و الى الرجوع الى صناديق الاقتراع لاختيار ممثلي الشعب بدل الصراع والاقتتال والتناحر !!... كما حثهم ايضا على تكثيف كل الجهود والعمل من اجل احقاق العدل والمساواة وان يكون القانون فوق الجميع ..... كما طالب بالإسراع في تشكيل لجان قانونية لكتابة مسودة الدستور .....
في تموز عام 1992 دارت المناقشات في جميع منظمات الحزب الشيوعي العراقي وهيئاته المختلفة حول الوثيقة البرنامجية والنظام الداخلي اللذين طرحتهما اللجنة المركزية للحزب للمناقشة والوصول الى نتيجة موحدة حولها استعدادا للمؤتمر الخامس ....كما طرحت لجنة اقليم كوردستان استنادا الى قرار اللجنة المركزية الوثيقة البرنامجية والنظام الداخلي للاقليم للمناقشة والدراسة المستفيضة , وكان اهم ما في هذه الوثائق مسالة تحويل منظمة اقليم كوردستان الى حزب في كوردستان ... كضرورة ملحة بعد التغييرات الهامة التي طرأت على حركة التحرر الكوردستاني وخاصة بعد انتفاضة اذار عام 1991 ....
وعلى هذا الاساس عقدت منظمة اقليم كوردستان ـ الحزب الشيوعي العراقي كونفرنسها وبحضور 106 مندوب وباشراف سكرتير الحزب الشيوعي العراقي وقادة منظمة الاقليم للحزب , و تبين من خلال نتائج الكونفرنس المذكور ظهور اتجاهات عديدة منها فوز كبير لمؤيدي قيام حزب شيوعي كوردستاني بدل منظمة اقليم عائدة للحزب الشيوعي العراقي .. الأمر الذي ادى الى ظهور مشاكل داخلية تنظيمية ....
واستنادا على ذالك تم الغاء نتائج الكونفرنس من قبل قيادة الحزب الشيوعي العراقي واتهم الداعون الى حزب كوردستاني مستقل عن الحزب الأم، بنشاط تكتلي يريد القفزعلى الواقع القائم آنذاك ينطلق من ضيق الأفق القومي والانعزالي , الذي ادى بدوره الى انسحاب ثم انشقاق اغلبية كوادرمنظمة و لجنة الاقليم ممن كانوا ايضا من مندوبي الكونفرنس الذين صوتوا لصالح استقلالية الحزب الشيوعي الكوردستاني . .
واصدروا نشرة داخلية بيّنوا فيها تحفظهم وانشقاقهم عن الحزب المذكور تحت اسم ( الشيوعيين الكوردستانيين ) و نشطوا و نظّموا انفسهم الى ان عقدوا مؤتمرهم الاول في 22 /10 / 1993 واتخذوا اسم ( حزب العمل لاستقلال كوردستان PKSK,) (2) اسما لحزبهم القومي اليساري الجديد وتبنوا برنامجا ونظاما داخليا جديدين وانتخب الشهيد الحلاق كاحد قياديي الحزب المذكور، و اصدورا جريدة باسم ( رزكَاري اي الخلاص او التحرر ) ...
في ظهيرة يوم 2 / 11 / 1995 توجهت مفرزة بقيادة محمد الحلاق بصحبة 11 كادرا وبيشمركة من حزب العمل لاستقلال كوردستان لتنفيذ مهمة حزبية الى كويسنجاق والسليمانية ,وبعد وصولهم الى سيطرة (طوبزاوة ـ كويسنجاق )تم ايقافهم وبعد التعرف عليهم تم الرمي عليهم وبشكل عشوائي وبجميع انواع الاسلحة من قبل كمين نصب لهم ، افادت الأخبار حينها بكونهم من حزب الاتحاد الوطني الكوردستاني ... حيث تم القضاء عليهم في غضون دقائق في مجزرة بشعة قتل فيها من قتل واسر من اسر حيث تم القضاء عليهم لاحقا في معسكر السلام في السليمانية بعد ان تم تعذيبهم بشكل وحشي .. و قد منع اهالي المغدورين باقامة مجالس الفاتحة على ارواحهم .........
ورغم مطالبة حزب العمل لاستقلال كوردستان حينها ومنظمات المجتمع المدني والاحزاب الكوردستانية ومنظمة حقوق الانسان الكوردي فرع بريطانيا ومنظمة تحرير كوردستان ـ فرع اوروبا في تشكيل اللجان للتحقيق في ملابسات جريمة الاغتيال والكشف عن مرتكبيها وتقديمهم للعدالة ...الا انها بقت باحداثها الدموية وللاسف كاحداث جرائم كثيرة اخرى طيّ النسيان ولم يتم البت فيها اطلاقا واغلق ملفها قبل فتحه ...........
....
اخيرا ... و بهذه المناسبة الاليمة وفي الذكرى اﻠ (16) لتلك المجزرة الجماعية ...انحنى اجلالا واكبارا لذكرى المناضلة الشهيدة (عائشة كولوكة ) والشهيد (بشدار الحلاق) (3)...... وباقات من النرجس الجبلي ﻠ(محمد الحلاق )ولرفاقه المغدورين شهداء مجزرة سيطرة( طوبزاوة ـ كويسنجاق ) في الذكرى السنوية لاغتيالهم الغادر ولجميع شهداء الحركة التحررية الكوردستانية والعراقية .......
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ عائشة كولوكة قادر, اي (عائشة الوردة) ... سميت بالوردة لحسنها وخفة روحها ... مواليد1931 كويسنجق... .... اعتقلت في عام 1988 في مدينة اربيل , تعرضت للتعذيب البشع ...ورفضت عرض الجلادين بتخفيض حكم الاعدام لقاء اعترافها .. اعدمت رميأ بالرصاص في نفس العام ..... كانت قصة صمودها وصلابتها أمثولة في البطولة وضربا رائدا في الشجاعة والكرامة .
2 ـ ( حزب العمل لاستقلال كوردستان PKSK,) نشط هذا الحزب في كوردستان العراق ولاقى تشجيعاً شعبيا في الشهور الأولى ، و تلقى دعما متفاوتا ليس بلا مقابل بل وضغوطاً من اطراف من الحزبين الكبيرين..... حيث سحبت الإجازة الرسمية لحزب العمل لاستقلال كوردستان في عام 2001 من قبل وزارة الداخلية في اقليم كوردستان واصبح حزبا محظورا بعد ان طعن ببرنامجه ونظامه الداخلي واعتبر الكثيرون بان قرارسحب الاجازة كان قرارا حزبيا بحتا وليس قانونيا .... في ظروف اتسمت فيها العلاقة بين الحزبين الكورديين الكبيرين بتعقيدات و تشابكات متنوعة في واقع شعبي صعب .. بسبب استمرار سيادة اجواء الصراعات المسلحة المعروفة بينهما انذاك .....وعلى هذا الاساس انقسم اعضاء الحزب على انفسهم بين : من عاد الى الحزب الشيوعي الكوردستاني الذي تشكّل وفق الأصول التنظيمية للحزب الشيوعي العراقي الأم بعدئذ ـ او اثر ذلك ـ ، و من ترك النشاط السياسي ... و بين من التحق بدائرة مؤيدي احد الحزبين الكبيرين في منطقة حكومته و باشكال و صور متنوعة سواء كافراد او باسم احزاب صغيرة مؤيدة .....
3 ـ شقيق محمد الحلاق الاصغر ، من مواليد 1971 ، استشهد في عام 1986 مع سرب من نسور الحزب الشيوعي العراقي حين كان في ربيع عمره .
#شه_مال_عادل_سليم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟