رفيق عبد الكريم الخطابي
الحوار المتمدن-العدد: 3548 - 2011 / 11 / 16 - 23:41
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
"يا وطني كل العصافير لها منازل إلا العصافير التي تحترف الحرية فهي تموت خارج الأوطان " ناجي العلي
"خلقت أكتاف الرجال لحمل البنادق , فإما عظماء فوق الأرض وإما عظاما في جوفها " غسان كنفاني
تمهيد :
لا أخفي ترددي ولا خجلي الكبيرين وأنا أحاول أو أتطاول على الكتابة عن شهيد وأي شهيد انه فارس العطاء , انه الرمز الخالد والقائد البطل والمجسد لأعمق معاني الصمود والتضحية...من أين أبدأ الكتابة وكل الكلام لن يستطيع التعبير عن مضامين عشقك وتماهيك مع مقهوري شعبك وكادحيه , كيف أختار حروف الكتابة وانت كتبت كل حروف الأبجدية دما , كيف أرسم لك صورة وكل الخطوط المستقيمة منها أو المنحرفة عاجزة عن مقاربة قامتك ...شامخ دوما يا رفيقي ...وألتمس عذرك وعذر كل من أقسم على السير على دربك , كوني تجرأت وخضت هذه المغامرة ولكن ليس لي من خيار في زمن الردة في زمن "تبضعت" فيه كل المبادئ والقيم , من الوفاء للشهداء وخطهم الى معانقة القتلة باسم التكتيك أو الواقعية أو الذكاء والحنكة السياسيين...في زمن كان الأجدر أن يكون اسمك في القلب والعقل والمنشور واللافتة في كل لحظة من لحظات نضال شعبنا ضد نظام القهر والتبعية ...وجدنا اسمك في يوم ذكراك في الصفحات الداخلية لجريدة اختار أصحابها صف النظام بديلا عن الشعب بعماله وفلاحيه وكل مقهوريه , وصف الظلام بديلا عن نور قضية الشهداء ...بالمقابل يا رفيق هناك من رفاقك من صدق القسم ومازال سائرا وسيظل على نهجك....فباسم الكلمة الحمراء ...باسم كل نقطة دم نزفت من جسد الوطن باسم الحرية غاية استشهادك ,عن دربك لن نحيد .. وعن فضح المتاجرين بدمك لن نلين....
رفيقي القائد هذا أحد رفاقك / أبنائك يحاول إيصال جزء من رسالتك ...لم ينساك لحظة واحدة , وكيف ينساك وهو يرى والدك أبي عبد القادر كل يوم تقريبا ...كيف ينساك وزنقة علال بن عبد الله بمدينة برشيد وبمنزلين متجاورين شهدا ميلادكما معا...
في هذا المقال سأحاول اشراك كل المقالات أو مقاطع منها لرفاق أعتقد أنهم كانوا موفقين في تجسيد البعض مما تحمله ذكراك ولأن المقالة لا تكفي باعتقادنا أضفنا القصيدة والتظاهرة(1) من امام المنزل الذي شهد ولادتك مع كلمة لأحد تلامذتك , حتى نحاول اشراك أكبر عدد من الرفاق في ذكراك الى حين تجسيدها ثورة تحرر الوطن وما ذلك على الشعب ببعيد , وكيف لا واخر كلماتك قبل موت جسدك " أموت فداك يا وطني "
كتب أحد رفاق الشهيد آنداك في تقديم ديوانه أزهرت شجرة الحديد تعريفا للشهادة نقتطف منه وبتصرف ما يلي :"..الموت قبل أن يكون فكرة ,فهو تجربة .قبل أن يكون مسألة فلسفية ,فهو معاناة فردية ومأساة عينية .إن موقف أي انسان من وأمام الموت موقف منفرد إلى أبعد حد .إنه يشبه إلى حد بعيد تجربة العذاب عندما يجد المرء نفسه وحيدا في أحد الأقبية الهمجية أمام جلاديه...طبعا الموت أنواع ...هنالك الموت المميت الذي تنطفئ معه نهائيا شعلة الحياة لأنها كانت باهتة في الأصل ...انه موت أعداء الحياة والشمس والأمل...وهنالك الموت الميلاد ,ذلك الموت الذي هو حجر الزاوية في تجدد الحياة والطبيعة والكون والتطور البشري ,ويمكن اعتبار الاستشهاد أسمى مستوى هذا النوع الأخير . انه ذلك الحدث الربيعي الذي يعلن انتهاء مواسيم الإنسان العجاف ليقفز داخل حركة التاريخ ويلتحم برحمها ويصبح موردا من موارد طاقتها ,إنه تجل من تجليات العشق الأصيل ...ويحل فيها التوحد في جسم أرحب بكثير من جسم العشق الثنائي ,إنه توحد في الذات الجماعية , في ذات المعذبين في الأرض ,وفي تلك البؤر من وعيهم ولا وعيهم التي تصان فيها الكرامة والأمل وطاقة العدل والتغيير...فعيون الشهداء قد تكون حزينة وقد تكون مبتهجة ...وفي كل الأحوال ,فإنها تطرح أسئلة لا نهاية لها على من تبقى من الأحياء المنخرطين في معركة الحياة الحقيقية"
هو الشهيد عبد اللطيف زروال أحد أبرز قادة الحركة الماركسية اللينينية المغربية التي نذكر ببعض شهدائها : بوعبيد حمامة , وسعيدة المنبهي والتهاني أمين ورحال جبيهة والمنتصر البريبري وشباضة عبد الحق وبلهواري والدريدي و زبيدة وعادل والمعطي بوملي والحسناوي والساسيوي... وغيرهم.
ولد الشهيد عبد اللطيف زروال بمدينة برشيد يوم 15 ماي 1951، أبوه عبد القادر بن الجيلالي . حصل على الشهادة الابتدائية بمدينة برشيد وهو في سن العاشرة، بعدها انتقل إلى الدار البيضاء ثم الى الرباط حيث حصل على شهادة الباكالوريا وهو ابن سبعة عشر عاما , حصل على شهادة الإجازة في الفلسفة وبعدها التحق عبد اللطيف بالمدرسة العليا لتكوين الأساتذة ومنها تخرج أستاذا للفلسفة. ضد القمع المسلط على الحركة الماركسية-اللينينية المغربية اضطر عبد اللطيف وهو قيادي وعضو الكتابة الوطنية لمنظمة " إلى الأمام " إلى الدخول في السرية منذ ماي 1972
عبد اللطيف، محمود أو رشيد (أسماؤه في السرية) أسماء لمناضل وقيادي ثوري، امتاز دائما بغبطته بالحياة، بالعزم والصرامة في النضال، بالانضباط الذاتي كان مناضلا أماميا ,يقول إدريس ولد القابلة :" وعبد اللطيف زروال هو أحد الشهداء الذين عرفتهم وخاطبتهم وعاشرتهم خلال الندوات الوطنية المُقامة من طرف منظمة "إلى الأمام" عندما كنت مكلّفا بتمثيل مناضلي منطقة الغرب (القنيطرة) في تلك الندوات عرفته مناضلاً منضبطاً، ذو فكر ثاقب متشبتاً بأفكاره ومبادئه كثوري محترف، مهنته هي الثورة المغربية والعربية والعالمية من أجل التغيير وغد أفضل استشهد في معتقل درب مولاي الشريف في منتصف نوفمبر 1974 ، ولازالت عائلته تطالب برفاته إلى حد الآن ".
"إن الموت لا يخيف المناضل, بل هو واجب يستعد لتأديته كل ما كان دلك ضروريا" من وثيقة –الوضع الراهن و المهام العاجلة للحركة الماركسية اللينينية-, الصادرة عن إلى الأمام في ابريل 1973 التي ساهم الشهيد في صياغتها, . و لم يكن استشهاد عبد اللطيف زروال إلا تجسيدا عاليا لقيمة الصمود هاته وهو من صاغ كرّاس: "كيف نتجاوز القمع ونصمد ضده "
كتب الرفيق حسن أحرات في ذكراه السنة الماضية المقال التالي نعيد نشره حرفيا ضمن محاولتنا هاته لتأكدنا من أن الرفيق سيرحب بذلك :
في مثل هذا اليوم من سنة 1974 الذي لا يختلف في عمقه عن باقي الأيام الصعبة السابقة، أجهزت أيادي الغدر على حياة المناضل الشامخ عبد اللطيف زروال، العضو القيادي في المنظمة الماركسية اللينينية "إلى الأمام". في مثل هذا اليوم من أيام الجمر والرصاص، انضاف شهيد آخر الى قافلة الشهداء. في مثل هذا اليوم من أيام النضال والثورة، أضاءت سماءنا شمعة أخرى...
إنه الصراع الذي لا يرحم، وخاصة الضعفاء والجبناء، البارحة واليوم وغدا...
إنها الحقيقة المرة التي تفضح الأوهام، أوهام التساكن الأبدي للمتناقضات، أوهام المراهنة على القوى المتواطئة، الأوهام المبنية على الوعود الفارغة والشعارات الزائفة والتطمينات الكاذبة ...
إن دم الشهيد زروال خط فاصل بين النظام وحلفائه من جهة وبين القوى المناضلة وكافة المناضلين المرتبطين بقضية الشعب المغربي من جهة أخرى. وكذلك الشأن بالنسبة لدم كافة الشهداء. ومن يتجاوز هذا الخط، فإنما يتجاوز الشهداء جميعا، بل ويتجاوز القضية وأصحاب القضية، في عبور فاضح نحو النظام...
تجاوزوا دم بنبركة في واضحة النهار وبمباركة القتلة والمجرمين،
تجاوزوا دم العديد من الشهداء...
خانوا وطعنوا وقتلوا الشهداء مرات ومرات...
واليوم، ماذا تبقى من الشهيد زروال؟
إن الشهيد، أبى من أبى وأراد من أراد، وبعد 36 سنة، حي فينا. إن أفكار الشهيد أفكارنا، إن أحلام الشهيد أحلامنا، إن طموحات الشهيد طموحاتنا، إن خطى الشهيد خطانا...
فلا نرضى أن يخنقنا الصمت، أو أن يشل حركتنا القمع، أو أن يهزمنا الجلاد...
ولا نقبل أن نتيه في الفراغ أو في متاهات المتخاذلين...
أيها الشهيد الذي سبق عصره:
فعلا، تجاوزت القمع وصمدت في وجهه؛
أعطيت الدليل القاطع، وكنت مقنعا...
أيها المناضل ، أيها الإنسان:
قلت في رسالتك الخالدة الى الأب العزيز: "سلم على أمي وعلى أختي التي تركت عندها جنينا لست أدري هل وضعت أم لا؟ أهو ذكر أم أنثى؟... أعذرني يا والدي العزيز لقد صنعتني ثوريا. لقد كان بودي أن أعمل إلى جانبكم لأساعدكم على الرفع من مستوى عيش الأسرة. لكن يا أبي صنعتني ثوريا. أنت الذي صنعتني ثائرا يا أبي... وضعية الفقراء في بلادي، إني أرى الفقيرات من بنات وطني يتعيشن من شرفهن... وضعية بلادي لم تتركني أساعد الوالدين والأسرة والإخوة للرفع من مستواهم المعيشي، صنعتني ثائرا"
نعم، صنعت (بضم الصاد) ثائرا، وصنعتنا ثائرين...
حسن أحرات
نختم مقالنا المفتوح بهذا المقطع من قصيدة حول الشهيد عبد اللطيف زروال لصاحبها الشاعر :عبد اللطيف اللعبي بتصرف
" أممكن يا محمود ؟ رحلت عنا وعمرك لا يتعدى الخامسة والعشرون ,لم تكتب سوى قصيدة واحدة .
أممكن يا رفيقي العذب السرمدي ؟ لن ينفع أملي كله في شيء .لن أستطيع أبدا رؤيتك من جديد ...قتلوك قتلوك
لم يبق في ذلك شك
ميت انت , أممكن يا محمود؟,,,
لا لم يكن جلادوك أغبياء . كانوا يعلمون أنهم يطعنوننا في الصميم , وأن هذا الجرح لن يلتئم أبدا.....
كنت حالة فريدة من الرفاقية , تتمتع بتلك الموهبة التي علينا أن نزرعها كما نزرع القمح والشعير الضروريين ,موهبة الإنصات والفهم , موهبة اكتشاف معدن الحقيقة الأصيل وحباته المتناثرة عند الاخر , موهبة المشاركة التي تنتصب كسد يطرد الكبرياء والاحتقار...ادن هو أنت ذلك المجهول الذي أتوا به الى مستشفى ابن سينا سجلوك بإسم مستعار
" أموت فداك يا وطني "
تلك كلماتك الأخيرة على فراش الموت تلك كانت وصيتك الحمراء وقد رميتها في وجه العسس الأذلاء وهم يراقبون احتضارك...ما أروعك يا محمود حتى في موتك المجهول , لم يكن أعداؤنا ليعلموا وهم يزورون اسمك ويرمون بك في االحفرة الجماعية أنهم حققوا إحدى أمنياتك العظام ,ألا وهي أن تموت حتى الموت بجانب المحرومين ,المحكوم عليهم بالجوع , معذبي الحياة , أولئك الذين لا حق لهم حتى في قبر ...المجد المجد لك يا فارس العطاء ...اموت فداك يا وطني ...كانت هذه كلماتك الأخيرة على فراش الموت . لم يتعدى عمرك الخامسة والعشرون ,لم تكتب سوى قصيدة واحدة .
نم في سلام يا فارس العطاء , سنحاول أن نرقى إلى مستوى وصيتك الحمراء"
ملاحظة أخيرة:
لم نبدل اي محاولة لتنقيح هذه المقالة الجماعية , لسببين الأول أننا انطلقنا من البداية من مسلمة صعوبة الكتابة حول شهيد بحجم زروال
ثانيا للاشارة أن خط زروال هو الكفيل بترتيب كل هذا اللاتنظيم في المقال أو في غيره
هامش: (1) _ سنحاول ارسال رابط التظاهرة والكلمة الكاملة لأحد تلامذة الشهيد بمدينة برشيد من خلال التعليقات ومعذرة للرفاق
#رفيق_عبد_الكريم_الخطابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟