|
أشكالية الكرة الأرضية
هيبت بافي حلبجة
الحوار المتمدن-العدد: 3543 - 2011 / 11 / 11 - 16:52
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يوم أمس عزيزي القارىء حلمت حلماُ ، لاأخفيكم ، مزعجاُ ومقلقاُ للغاية ، فقد حلمت إن مذنباُ هائلاُ كغول متوحش يرتطم بالكرة الأرضية ، ويفتتها ويشظيها شر فتات وشظايا . فماذا لو أن فعلاُ ، لاسمح الله ، ولسبب مجهول أو معلوم ألغيت الكرة الأرضية من ضمن المجموعة الشمسية . فإذا ما أنمحت الأرض وأندثرت وذوت كأنها ما كانت ، فما الذي سيحدث في حال قناعتنا إن هذه الفرضية ليست وهمية ، وما هي النتائج التي من الممكن أن تظهر على السطح وتتمظهر في وقائع حدية وميتودولوجية تصارح ذاتها ، وهل من الممكن أن يتغير نمط طريقتنا في التعامل مع منطقنا الأرضي ، وهل ستبقى مشاكلنا الفلسفية وهمومها تعالج بنفس الطريقة التقليدية ، وماذا عن الأطروحات العقائدية أو الفلسفية التي أعتمدت في جوهرها – ودون أن تدري – على أزلية الكرة الأرضية ، وعلى أبدية كائنية الفرد الأنساني . أعترف إن القضية معقدة جداُ ، بل قد تبلغ مستوى فاحش الصعوبة ، لكن أطمئنكم ، كلما ولجنا إلى غياهبها ، كلما أضطرت ، هي ، أن تنخضع للصيرورة وتنكشف على سطح الوعي العام ، لأنها ، مثلها مثل كل ما هو غائب في ذهننا ، إن نوقشت جادلت نفسها ، وباحت بمكنوناتها ومكوناتها . فالقضية جدية وحدية ، والخطورة قائمة عملياُ ، والفرضية لايرتاب فيها أحد ، ولايمكن لكائن من كان ومهما كانت صلادة حججه وصلابة ذرائعه ومتانة منطقه وتماسك رؤياه الفلسفية ، أن يلغي هذه الأمكانية ، لذلك لن نعالجها من زاوية الأحتمال الرياضي ، إنما سنثقب حجابها من منظور البعد الفلسفي فقط . ولكي لانلبث في محيطها لامحيص ألا أن نقذف بأنفسنا مباشرة في لججها السحيقة ، لجج ما وراء المحيط ، ونقول إننا إزاء فرضيتين لاثالثة لهما . الفرضية الأولى : إما أن تكون الكرة الأرضية ضرورة تاريخية في وجودها ، في كائناتها ، في جغرافيتها ، في مدارها ، في علاقتها بالمجموعة الشمسية وبالمجرات وما وراء المجرات . الفرضية الثانية : إما ألا لاتتمتع بأي ضرورة تاريخية ، وليست في النهاية سوى جرم سماوي ، مثلها مثل بليارات الأجرام السماوية الأخرى ، لكنها تختص ، ربما على خلاف الأجرام السماوية الأخرى وربما لا ، بوجود كائنات لاتحصى ولاتدرك وظائفها ولاطبيعتها ولانوعيتها ولاأشكالها . وأسمحوا أن أمايز ، في الحال الأولى ، ما بين ثلاثة أبعاد . البعد الأول : هل ثمت سبب موضوعي بنيوي يجعل من الكرة الأرضية ضرورة تاريخية ، بمعنى هل هنالك سبب مؤسس مسبق يضفي عليها طابع الضرورة ، أم علة ( والعلة أقوى من السبب ) لايمكن الحياد عن كنهها . البعد الثاني : هل الضرورة التاريخية تلحق بالكرة الأرضية لجهة معينة ( ولايقصد من ذلك جهة حية ، جهة ذات كائنية ) ، بمحتوى هل ثمت جهة ما تفرض نفسها عليها لأن ذلك من أسسيات سلوكها الحتمي . البعد الثالث : هل الضرورة التاريخية تلحق بالكرة الأرضية لغاية معينة ، لهدف محدد ، لتصور يراد تحقيقه ، بفحوى هل ثمت بعد ما ورائي أو ما هو ورائي تستطيع الكرة الأرضية أنجازه أو تحقيقه دون الأجرام السماوية الأخرى . هنا قد ينبري أحدهم ويزعم أن الأبعاد الثلاثة لها طبيعة واحدة ، فلماذا التمايز القسري ، في الحقيقة هذا التشابه ظاهري وشكلي ، لأن عند التدقيق والتمعن تتباين مجالات كل بعد على حدة ، بل أوشك أن أقول إنها تتضارب فيما بينها أشد التضارب ، فالأول هو سبب موجود يتصرف وفق منظور مفتوح ( الحتمية البسيطة ) ، والثاني هو جهة مجالها ما بعد الأول وأضعف سلوكياُ من الثالث ( الحتمية المقيدة ) ، والثالث هو جهة تملي عليها إرادتها أن تصادر إرادة الكرة الأرضية ( الحتمية المنغلقة ) . الآن وبمجرد الأقرار بوجود أي نوع من أنواع الحتميات أو أي شكل من أشكال الضرورات التاريخية ، ينبغي ، إذن ، عندها أن نمتنع عن الأسترسال وأن نقف على عتبة عدم الدخول إلى المنطقة الغائبة ، لأن كيف سيتسنى لنا أن ندرك ماهو هذا السبب الموضوعي ، أو ما هي هذه الجهة المعينة ، أو ماهي هذه الغاية أو ماهو هذا القصد ، لأن لو أنكشفت تلك المعطيات لوسمنا القضية بالمصادرة على المطلوب ، أو تحديدأُ ، وعلى الأقل ، مصادرة التجربة نفسها وقيمتها التاريخية ، وبالتالي غدت كل الأسئلة عاقرة لاموضوعية فيها ، طالما أن الحيثيات تسير وفق ميكانيزم لاحياد عنه . مع أخذ جوهر الأعتبار إن ذلك الأقرار لايمت إلى مجال يمكن تصنيفه ضمن مؤسسات المنطق المشترك أو العقل العام ، وإن كان من الممكن أدراكه ضمن سياق نسميه تجاوزاُ إحدى خاصيات العقل الخاص . ومن زاوية معاكسة تماماُ ، كيف يمكن لنا أن نعي الضرورة التاريخية ، إذا كان لامناص من وعيها ، خارج السياق التطور العام ، أو التطور الخاص الطبيعي ، لأن القضية ، بخلاف ذلك ، ستكون لاقضية ، فلا مقدمات لها ، ولاعلاقات رياضية – فيزيائية ، ولا نتائج مستنبطة صحيحة . وهذا ما يفضي بنا إلى القول إن القضية ، هنا ، أنحصرت ما بين البعد الأول ، السبب البنيوي الموضوعي ، والفرضية الثانية ، لاوجود لأي ضرورة تاريخية . إذن يمكن أن نختزل الطرح العام ما بين أمرين هما في الحقيقة أمر واحد ، هو أن لابد من مفهوم التطور العام لكي نؤسس عليه أما ضرورة تاريخية ، أو محتوى الموضوعية العامة أو الخاصة . هنا قد ينبري أحدهم مرة ثانية ، ويؤكد طالما إن ثمت أقرار للمبدأ ، التطور العام أم التطور الخاص الطبيعي ، فما قيمة التفسير الذي يعد لاحقاُ . ليت الأمر كان كذلك ، فهو مشكل ويقتضي جملة من المفاهيم . المفهوم الأول : من حيث المبدأ ، في حال الضرورة التاريخية تبرز الأرض كمفهوم / كوجود لايمكن إلا أن يكون ، ولايجوز النزاع في مستوى الأسباب الطبيعة المقصودة المنغرسة في داخلها ، لكن في الفرضية الثانية أي كونها جرم سماوي فوجودها كان يمكن ألا يكون ، ووجودها الفعلي الآن ليس إلا نتيجة تطور في العوامل الطبيعية الأساسية المكونة – للكائن – الجد الأول للكرة الأرضية ، والمجموعة الشمسية ، وغيرها . المفهوم الثاني : من حيث المحتوى ، في الحال الأولى ، قد يفترض) بضم الياء ) زرع أو ألقاء تلك الأسباب الموضوعية في داخلانية الأرض والمجموعة الشمسية ، لكن في الحال الثانية ، فإن الكرة الأرضية هي التي أكتشفت نواميسها وقوانينها ، بل هي التي صنعتها ، وبالتالي فإن مفهوم التطور ليس واحداُ في الحالين ، في الحال الأولى ، التطور هو صعود وحركة ودوران ، وفي الحال الثانية ، التطور هو النمو ، والنشوء ، والأرتقاء تماماُ . وهذا المفهوم هو الذي يتطابق جذرياُ مع حركة الكرة الأرضية فعلياُ في مدارها ، فالأرض لاتتحرك في الفراغ أو في مدار وهمي كما يزعم البعض ، إنما تتحرك في مدار فيزيائي فلكي قائم بالفعل ، تماماُ مثل طريق زراعي معد لحركة السيارات ، فالأرض في مدارها مثل السيارة في طريقها الزراعي ، لكن على خلاف في الطبيعة ، وخلاف في التكوين . وفيما يخص الخلاف في التكوين هو إن المدار يحتضن الأرض من كل الجوانب ويقودها ، وفيما يخص الخلاف في الطبيعة هو أنه ليس مستقراُ جامدأً صلداُ ، إنما هو نفسه يتكيف بل يتطور مع حركة الأرض بصورة عامة ، ومع الحيثيات المستجدة في – الكون – من عوامل فيزيائية رياضية . وهكذا إذا ما أندثرت الأرض فالمدار يبقى كوجود حيوي ، وسيخضع للشروط الجديدة بل وسيتكيف معها ، أنطلاقاُ من مرونته ومن نفحته الداخلية ، وسيتغير شكله الداخلي أيضاُ ، وسيسعى بصورة طبيعة إلى إعادة التوازن في المنطقة المنكوبة بأندثار الأرض ، وهذا ما سيخلق شروط جديدة ليس في محيطه ، إنما في الأعماق كلها . المفهوم الثالث : من حيث النتيجة ، كل ما يترتب على الحال الأولى من النتائج ، نقسمها ما بين مجالين ، المجال الأول هو التصور الفلسفي المسبق الذي يحدد إطاره وكأن الكرة الأرضية نتيجة له ، وبالتالي وكأن المنطق الأنساني هو خارجي . أما المجال الثاني : هو عدم التطابق ما بين جوهر ذلك التصور وروح وجوهر الفيزياء الرياضي . أما كل ما يترتب على الحال الثانية من النتائج ، هو عدم وجود نتائج خاصة أبدية بحد ذاتها كمفاهيم ، لإن التطور هنا مطابق ما بين التصور والواقع ، ولإن المجال الفيزياء الرياضي هو الذي يقود حيثية العملية الكونية ويحتضن الكرة الأرضية كجزء تابع لها ، تابع بسيط لكن حقيقي . وهكذا ندرك إن الكرة الأرضية ليست إلا جرماُ سماوياُ مثل الأجرام السماوية الأخرى ، وتخضع لشروطها الخاصة في النمو والنشوء . إلى اللقاء في الحلقة الخامسة ....
#هيبت_بافي_حلبجة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أشكالية الأزلية الزمنية أوالموضوعية
-
أشكالية المسلمات العقلية الأولية
-
حسنين هيكل أزمة في المنطق ..
-
نحو تصور فلسفي جديد للكون
-
حول قيام الدولة الفلسطينية والقضية القومية الكردية وحقوق الأ
...
-
مشعل التمو يطيح ببشار
-
المتغيرات والعقل المستقيل
-
نداء استغاثة إلى سعادة الأمين العام للأمم المتحدة : السيد با
...
-
المجلس الوطني الموسع ... أنتقادات بنيوية
-
ثلاثة مقاربات والجحيم السوري
-
رؤية في حال المنطقة العربية
-
مابين ... أدونيس وأبو شاور
-
أبو شاور .. وبئس البؤس البائس
-
رؤية نقدية في المحنة السورية
-
الثورة ... ونهاية السلطة السورية
-
عارف دليلة ... والإشكالية المعرفية
-
سكان مخيم أشرف ... مابين العراق وأيران
-
الثورة .. وقانون الأحزاب والعفو العام في سوريا
-
مبروك ل( الشيوعيين ) السوريين الخزي والعار
-
النداء الأخير إلى الأحزاب الكردية ( في سوريا )
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|