|
الحداثة
محمد الهلالي
(Mohamed El Hilali)
الحوار المتمدن-العدد: 3541 - 2011 / 11 / 9 - 20:05
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ارتبطت الحداثة في الفكر العربي الإسلامي بالأدب. وهذا يعني من جهة أن هذا المجال نعم باستقلالية نسبية عن البنية الاجتماعية العامة التقليدية، مما مكنه من نقدها واستلهام نموذج مستقبلي ينظر إلى المستقبل ويشهر سيوف نقده ضد الماضي المتمثل في التقاليد.، ومن جهة أخرى يدل ذلك على هشاشة الفكر الحداثي لانفصاله عن أسسه الاجتماعية تسنده وتمنحه قوة الانتصار. فحينما يحدد "أدونيس" أوهام الحداثة التالية: الزمنية، المغايرة، المماثلة، التشكيل النثري، الاستحداث المضموني، يقوم بذلك ضمن السجال بين الأدباء والمبدعين الباحثين عن "أسلوب جديد للتعبير" وليس عن نمط جديد للحياة. لقد كان أول من استعمل مفهوم الحداثة الفرنسي هو الأديب "بالزاك"، بالرغم من أن مفهوم الحداثة له أصول لاتينية. ومن الناحية التاريخية، تطابقت الحداثة مع "العصر الحديث" أو "الزمن الحديث"، ويرى البعض أنها بدأت سنة 1451 مع استيلاء العثمانيين على القسطنطينية، وهناك من يرى أنها بدأت سنة 1492 وانتهت مع نهاية الثورة الفرنسية سنة 1920. لما كان يطلب نمن "فوكو" تعريف الحداثة كان يجيب بأنه لا يعرف معناها، وأنه بالمقابل يعرف ما تعنيه فكرة الحداثة عند بعض الكتاب وعلى رأسهم "بودلير". فبالنسبة لهذا الأخير تعني الحداثة "موقفا" يتميز بالمميزات التالية: - الحداثة موقف فعال تجاه الحاضر الملح، أي أن الحاضر لا يجب أن يفهم كموضة سبقتها موضة أخرى وستتلوها ثالثة، أي أن الحداثة تقتضي فهم الحاضر في خصوصيته وتميزه و"بطوليته"، مما يمكننا من الاندماج باللحظة الحاضرة. - الحداثة تعني أن نجعل من الحاضر "بطوليا" دون أن يقود ذلك إلى تقديسه، أو إلى محاولة سجنه في راهنه. فالإنسان الحديث خلافا للمحافظ والرجعي، هو الذي يقتنع بأن لحظته التاريخية حاسمة، وبالرغم من أهميتها يؤمن بضرورة تجاوزها. - الحداثة هي موقف تجاه الذات يجعلها تبحث عن التحرر وإبداع وجوده الذاتي باستمرار، أي العمل على ملاءمة العالم الموجود مع عالم الذات وليس خلق عالم جديد يتلاءم، نظريا مع الذات. - الحداثة هي التأكيد على أن الحاضر البطولي وفضائله المؤثرة إيجابيا على الذات لا يتحقق عبر السياسة وإنما تتحقق عبر الفن عبر الاعتناء بالذات بإضفاء طابع جمالي على نمط وجودها. ومن الناحية الفلسفية تعني الحداثة مشروعا فرضه العقل كمعيار متعالي عن المجتمع. ونجد البعض الآخر يرى أن الحداثة هي نتيجة لأزمة العقل في التاريخ. ولكن من الناحية السوسيولوجية، تعني الحداثة نمطا لإعادة إنتاج المجتمع اعتمادا على آليات البعد السياسي والمؤسساتي المستعملة في عملية الضبط والسيطرة. إن الحداثة بهذا المعنى هي تغيير عميق في نمط الضبط والتحكم المتعلقة بإعادة إنتاج المجتمع اعتمادا على تغيير معنى المشروعية، حيث يحتل المستقبل مكان الحاضر، وتتم عقلنة أحكام وأعمال الناس، ويتعلق الأمر هنا بإمكانية تغيير القواعد المتحكمة في الحياة الاجتماعية وقدرة الناس على التحرر من التقاليد. ويمكن ربط الحداثة أيضا بعدم التوقف في البحث عن تحقيق النموذج المثالي الذي بلوره فلاسفة الأنوار، أي الصراع ضد تعسفية السلطة، والأحكام المسبقة واعتباطية التقاليد. وبعبارة أخرى، فالحداثة هي الرغبة في أن يكتسب العقل مشروعية السيطرة السياسية والثقافية وجعل الإنسان مصدر المعرفة والحقيقة والسيادة بناء على إتباع مبادئ كونية. إن أهم خاصية تميز الحداثة هي القطع مع التقاليد. وهذا ما نجده عند "ديكارت" في مؤلفه الشهير المعنون ب"خطاب حول المنهج"، وعند "جون جاك روسو" في "الخطاب حول أصل وأسس اللامساواة بين البشر". لقد أصبح الفرد أساس وغاية الحداثة، وتحولت الفردانية والحرية إلى دعامتين أساسيتين للحداثة. لقد حدث تحول هام في نمط تصور الإنسان للعلم فلسفيا وسياسيا بفضل الحداثة. لكن الحداثة تعرضت لانتقادات ومساءلات، فهي من جهة عبارة عن فضاءات لأزمة عميقة تخص العقل أساسا ونتائجه، مما جعل "ليو ستروس" يتهم الحداثة بالسقوط في التقليد أيضا، لما تحول نقدها للتقاليد إلى تقليد بداخلها وجزءا ثابتا فيها. كما أن الحداثة حسب "هابرماس" هي مشروع غير مكتمل، مما يفرض على البشرية حمايته والدفاع عنه ضد سيادة العقل الأداتي الذي ينتج عن المردودية الاقتصادية وسيادة التقنية. يجب إنقاذ العقل الذي هو القدرة على فهم الغايات من براثن العقل الصوري الأداتي. ومن بين الانتقادات الموجهة للحداثة تحولها إما إلى "ما بعد الحداثة" أو إلى "الإفراط في الحداثة". ف"ما بعد الحداثة" هو مفهوم ظهر للتعبير عن حدوث قطيعة مع الحداثة بسبب تفنيد الفكر الحداثية القائلة أن التقدم في الغرب الذي تحقق عبر الاكتشافات العلمية وعقلنة العالم سيقود لتحرير الإنسانية، وتزامنت هذه القطيعة مع ضعف مؤسسات التأطير الاجتماعي وتآكلها (مثل العائلة، الأحزاب، المؤسسات الدينية، المدرسة...). أما مصطلح "الحداثة المفرطة" فيشير إلى المبالغة الشديدة والتطرف في نتائج الحداثة وتجاوز معاييرها وأطرها التي ميزتها منذ نشأتها. فكيف يدخل العرب المسلمون الحداثة بعد تجازها من طرف أهلها وهم بتقاليدهم وتراثهم متشبثون، وللعقل مغيبون، وللخرافات عابدون ومنتصرون، ولغيرهم رافضون وكارهون، ومن أنفسهم منتقمون؟
#محمد_الهلالي (هاشتاغ)
Mohamed_El_Hilali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العقلانية
-
الفلسفة والنساء
-
العلمانية والإسلام
المزيد.....
-
تصعيد روسي في شرق أوكرانيا: اشتباكات عنيفة قرب بوكروفسك وتدم
...
-
روبيو يلتقي نتانياهو واسرائيل تتسلم شحنة القنابل الثقيلة
-
مئات يزورون قبرالمعارض نافالني في الذكرى السنوية الأولى لوفا
...
-
السيسي يلتقي ولي العهد الأردني في القاهرة
-
بعد حلب وإدلب.. الشرع في اللاذقية للمرة الأولى منذ تنصيبه
-
إيمان ثم أمينة.. ولادة الحفيدة الثانية للملك الأردني (صور)
-
السعودية تعلق على الأحداث في لبنان
-
إسرائيل تتسلم شحنة من القنابل الثقيلة الأمريكية بعد موافقة إ
...
-
حوار حصري مع فرانس24: وزير الخارجية السوداني يؤكد غياب قوات
...
-
واشنطن وطوكيو وسول تتعهد بالحزم لنزع نووي كوريا الشمالية
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|