|
الثورة العربية لماذا لا تنتصر !.؟
جورج حزبون
الحوار المتمدن-العدد: 3539 - 2011 / 11 / 7 - 18:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بلا شك يجتاز الوطن العربي مرحلة مفصلية من تاريخه ، ستؤسس لسنوات طويلة ، قد تعيد صياغة المنطقة بشكل ثوري وديمقراطي ، وقد تعود الى تغير المنطقة بصورة ارتدادية مع الاحتفاظ بالمضون الراهن ، من تحالفات مع القوى الاستعمارية ، وتآويل للاحداث الوقائع ، ونشهد انظمة جديدة لكنها عقائدية سواء كانت قوى اسلامية او قوى قومية او ديمقراطية ، فقد انطلقت الشعوب العربية بانفجار كبير معلنة رفض التخلف والوصاية والارهاب الفكري والثقافي والفساد المستشري ، وتعامل الانظمة مع شعوبها وكانها رعايا لا مواطنون، لا تلزمهم بالمعاصرة والحداثة سواء في الارتقاء بالنظم والاحكام والدساتير ، او مواكبة التغيرات المعاصرة للاحاق بالامم في ظل تنافس حضاري علمي يعمق الهوة بين الشعوب ، لتصل ان استمر الحال الى واقع تصادم ثم بالضروة الهيمنة والاستعباد ، في عملية استرجاعية لمرحلة الاستعمار القديم ولكن بوسائل حديثة ومتطورة . وبطبيعة الحال لن تجري هذه الثورات بصورة ميكانيكة ، فهي معرضة لكافة احتمالات الانحراف والاعاقة والاحتواء ، فهناك الانظمة وتحالفاتها والفئات الاجتماعية المستفيدة منها ، وبالطبع ستدافع عنها بكل قوة ، ثم هناك قوى سياسية ، اهتزت مواقعها فاخذت تسعى جاهدة للدفاع المستميت عن دورها ومكانتها ولو اقتضى الامر الى تغير جلدها وصولا الى اهدافها فانها ستعمل سواء احتواء او اعاقة الثورة وحتى الى تحويرها هو الاخطر .
فالى جانب القوى السياسية والاجتاعية والدينية الداخلية ، هناك القوى الاقليمية الطامحة الى دور متقدم يخدم مصالحها الاقتصادية ويوسع نفوذها في اطار الصراع على الاسواق في ظل ازمة مالية عالمية متفاهمة ، وهو ما يعطي لهذه القوى الاقليمية دوراً سياسياً متقدماً في العالم لتصبح شريكا اقليميا لقوى عالمية هي الاخرى لا تكتفي بالمراقبة ، والبحث في انتهاكات حقوق الانسان ، بل هي تفعل صيانة لمكتسباتها وحفاظاً على نفوذها واقتصادها لتبقى قوة عالمية تستمد نفوذها من مدى تأثيرها الدولي ، وليس بمجرد حرص على حقوق الشعوب وآمنها الذي كانت هي وستببقى اول من داس هذه الحقوق وطغى عليها . في هذا الصراع تتفاعل الثورة مع محيطها ، وحين انطلقت كانت تجد الوصول الى الهدف اكثر بساطة مما وصلت اليه الامور ، لم تكن تحتسب لتفاعل القوى الانف ذكرها اثر ، ولم تدرك ان الانتصار آبائه كثيرة ، لكن الهزيمة يتمية ، وهم انتصروا فكان ان ظهر الاباء ، منهم من هو غير شرعي ومنهم من هو يحاول التبني ، ومنهم من يحاول الاحتواء عن طريق الاغداق بالمال او بالحنان على المولود ، وفي هذه الحال مع غياب قيادة طليعية مقر لها ، فان الامور تختلط ، اذا عرفنا ان اليسار العربي اصبحت له طبيعة مستغربة في الوطن العربي وهي التعدد ، وان اليمين موحد سواء بالخطاب الديني او بالترابط عبر دول الخليج والنهج الوهابي والاغداق المالي ، وهذا الوضع ادى الى ان يشعر الكثيرين بالارتباك، هل تستمر الثورة ام تنتكس ، وها نحن نراها تكاد تسقط في يدي المتاسلمين الجدد ، بدت مظاهر ذلك في مصر وليبيا وتونس ، وتشتعل حذراً ازاء الوضع في وسوريا ، وفي محاولة لادراك ما يجري وما مسبباته يلاحظ ابتداء غياب التجربة السياسية ، التي فرضتها تلك الانظمة وبالتالي ضحالة الخبرة مع اهمية الانتباه الى ضعف قوى اليسار ، وتردد المثقفين الثورين المنتمين لجماهير شعبهم مع ان قسما منهم يقف منتظراً لعله يدعم من يستقر به الامر ليأخذ له دوراً كان محروماً منه زمن سيطرة الاحزاب الحاكمة وانظمة المنافع الشخصية ، وفي هذا ما يضعف امكانيات الثوار المحتاجة باستمرار الى طليعة فكرية وسياسية قد لا تتوفر لمن نهض متحديا ،لا يملك الا قوة ارادته وتضحيته العظيمة للتغير وهو بالضرورة يمثل الفئات المحرومة وفقراء المدن والريف وجمهرة الكادحين ، وهي ذاتها القوة الطليعية في اي مجتمع، كونه لا مصلحة لها الا حريتها وأمنها ووقف نهب حقوقها ، ورغم الظروف العربية الخاصة والتي حكمت بتلك الوضعية الراهنة سواء بالتاريخ او بالوصاية او بالارهاب ، الا ان حركة الثورة بالضرورة تربي ابنائها وتنير دروبهم طالما بقوا مثابرين على حريتهم ومتنتبهين للثورة المضادة ، او الى الفيروسات الانتهازية التي تاهجم الجسم الاجتماهي حين يتعرض لاية صعوبات او احراجات طرأت له . والمراقب لعلمية الحراك السياسي في جسم الثورة يلاحظ ان القوى الاقليمية والعالمية ، وهي الباحثة عن موقع لها لم تعد تجد اقرب من التماهي مع الحركات الدينية الاسلامية وتدعو لها بانها حركات معتدلة ،ويمكن التحالف معها ، وهذه اميركا تنشئ جهازاً خاصاً لهذه المهمة ، وطبيعة الحال فان الحركات الاسلامية ليست معنية الا بالاستيلاء على السلطة ، وليست مهتمة الا ان يتضمن الدستور الجديد ( ان الشريعة الاسلامية مصدر التشريع الوحيد ) وليس مجرد احد مصادر التشريع ، وهي محاولة عابثة الى لي عنق الثورة والسير بها الى الخلف على طريق السلف ،وادارة الظهر للحداثة وبذلك تعاكس حركة الثورة والتاريخ ، وهي تدرك كونها صاحبة نهج التدرج ان تلك هي خطوتها الاولى والاساسية ليبني عليها . واقع الحال انه لا توجد امكانية لمثل تلك الردة ، بحكم ان العالم اصبح كتلة واحدة متصلة بالاسواق والمصالح والاتصال والتبادل الثقافي ولا تستطيع اية دولة ان تحيط نفسها ( بسورصين ) وامامنا تجربة ايران التي تعاني من صعوبة المواصلة مع تلك العزلة رغم امكانيتها الاقتصادية الكبيرة ، وان الحركة هي طبيعية الحياة ، وبذلك فان الغرور والاستعلاء الاسلاموي لن يصمد ان هذه الحركة الطبيعية للحياة والتطور ، وخلال التجربة الابتدائية للحكم في العام او العامين القادمين بعد ترتيب الاوضاع لاجراء الانتخابات البرلمانية ،ستظهر كافة القوى السياسية والاجتماعية على حقيقتها ،وانها لا تستطيع التكيف مع مضامين الثورة في المعركة وحرية الرأي والتعبير وان هؤلاء الامناء عليها لم يبادروا بالتضحية في سبيل استبدال استبداد باخر حتى لو كان محوطا بالمقدس ، ولسوف يدرك اليسار بمكوناته انه امام تحد تاريخي وعليه صياغة موافقة والتحالف مع اوسع جماهير وصولاً لانشاء قاعدة نظام ديمقراطي واسع ، فقد تحالفت القوى الاسلامية في تونس مع بقايا وكوادر من الحزب الدستوري المنحل وحصلت على ما تريد من الوصول الى الاغلبية ،وان حصل معها ذلك الحزب الى حوالي اثنا عشر مقعداً ، تماماً هذا ما يجري في مصر ، فان اطيح بالحزب الوطني فقد سلم الجسم ،وهو قطاع صاحب خبرة وامكانيات ومصالح فلا بأس من ان يختبئ مع القوى الاسلامية فلا تناقض جوهري معها، وربما هذاا احد اسباب قيام الاخوان المسلمون لطرح حزب جديد بمسمى جديد وشعارات جديدة ، والامر ذاته سيكون في ليبيا واليمن وحتى سوريا، حين تتغير اليافطات ويمكر المتأمرون حتى تمر العاصفة ، وهذا ما يؤثر في معنويات الثوار ويدفعهم الى التخلي على الاقل عن اندفاعهم ، يظهر هذا في مصر وتونس وقد يكون في مواقع اخرى ، وهي رسالة واضحة بان حجم الهجمة المضادة كبير ، والضمان الوحيد يكون عبر الالتصاق بالجماهير والتسمك بالاهداف والشفافية الكاملة لتكن الحقيقة للجماهير . من حيث هي صاحبة المصلحة الاقدر على تصويب الامور صيانة لحقوقها ولتضحياتها الكبيرة والمجيدة . وما هوجار اليوم في سوريا ، ليس سوى تعبير عن مدى اصرار الانظمة القمعية على البقاء في السلطة لانها مستفيدة باعتبار الجماهير اقطاع لها ، ويظهر مدى استهانتها بالراي العام العربي والدولي ، مما يشكل حافزا للثورة بالتقدم ، متحالفة مع الاخوان المسلمين او سواهم ، حيث هذا البديل المتوفر ، ولكل حادث حديث ، بعد استقرار المجتمع ،والمستوجب على الجميع اعادة صياغة حركة ثورية حداثية جذرية قادرة على مواجهت تحديات هائلة تنتظر .
#جورج_حزبون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عن الثورات العربية والتحديات
-
لماذا يفوز الاسلاميون ؟!
-
حوادث لها مؤشرات
-
اجابات مختصرة لاسئلة معمقة
-
لا للفتنه نعم للوحدة الوطنية
-
مواقف شيوعية قلقة
-
خطبة اوباما
-
ايلول تصويب مسار ام استحقاق
-
حول الحزب الشيوعي في فلسطين
-
حول الدولة والثورة
-
قد تنفع الذكرى
-
اسرائيل تتحجب
-
حتى تنتصر الثورة
-
عن ايلول الفلسطيني
-
الوضع الاقليمي والدولي والثورة
-
قبلنا من الغنبمة بالاياب
-
الثورة العربية لا تحتمل الفشل
-
الربيع العربي والمحاذير
-
المسيحيون العرب والكنيسة
-
اوسلو والسلطة والمصير
المزيد.....
-
بالفيديو.. منصات عبرية تنشر لقطات لاشتباكات طاحنة بين الجيش
...
-
Rolls-Royce تخطط لتطوير مفاعلات نووية فضائية صغيرة الحجم
-
-القاتل الصامت-.. عوامل الخطر وكيفية الوقاية
-
-المغذيات الهوائية-.. مصادر غذائية من نوع آخر!
-
إعلام ألماني يكشف عن خرق أمني خطير استهدف حاملة طائرات بريطا
...
-
ترامب يدرس تعيين ريتشارد غرينيل مبعوثا أمريكيا خاصا لأوكراني
...
-
مقتل مدير مستشفى و6 عاملين في غارة إسرائيلية على بعلبك
-
أوستن يتوقع انخراط قوات كورية شمالية في حرب أوكرانيا قريبا
-
بوتين: لدينا احتياطي لصواريخ -أوريشنيك-
-
بيلاوسوف: قواتنا تسحق أهم تشكيلات كييف
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|