أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض خليل - الرجيمة : قصة قصيرة















المزيد.....


الرجيمة : قصة قصيرة


رياض خليل

الحوار المتمدن-العدد: 3536 - 2011 / 11 / 4 - 09:11
المحور: الادب والفن
    


لم تتوقع ماحدث . التيار ينعكس . شيء مذهل ! غريب ! الأشياء .. الناس تفقد ماهيتها المألوفة . لقد فات الأوان ، والتنفيذ سيجري بصورة فظيعة .. وحشية .. شيء لايصدق .. كانوا ينتظرون القرار بفارغ الصبر ، ولكن الأمر المصرح به كان ملتبسا ، يحتمل التأويل ، وبالتالي يمنح المتربصين هامشا من الحرية ، عسى يتأملون ، يمتنعون عن الغدر والخيانة والقتل رجما ! إنها فرصة للاختيار بين الملائكة والشياطين ، بين الموت حبا والعيش كرها .. كان الأمر موحيا ، فيه الكثير من التخيير ، والتخيير يعني المسؤولية ، سيتحملون المسؤولية ، فلنر ماسيقررون ويفعلون ( هكذا كان السيد يفكر ويستشرف ) ، ولكنه لم يثق بهم ، ولا بحسن تدبيرهم وقرارهم ، ومع ذلك لابد أن تسير الأمور وفقا لناموسها الطبيعي ، وفي ذلك حكمة .. كل الحكمة .. لننتظر ونر المآل الحزين .. أو المآل ال.....
صاحب الصوت الآمر فوجئ – كما سنرى بالتنفيذ العكسي لإرادته ورغبته ، جرى التنفيذ عكس مقصده وتمنياته ، لقد فهموه بطريقة خاطئة ، أو على الأغلب تعمدوا هذا ، وتظاهروا بعدم الفهم والتقاط الرسالة . صاحب الصوت الآمر كان يتمنى ويتوقع نتائج مختلفة تماما ، وكانت عباراته توحي بالرحمة والشفقة والتسامح ، كان يدرك مغزى ألفاظه وكلماته الغنية بالإشارات المشعة ، أتراه يدفعهم دون قصد إلى حيث لايرغب ؟ أم ثمة حكمة ؟ أم أنه هو الآخر يخطئ النبوءة ، ويفقد فرصة إصلاح ما أفسده بأوامره الملتبسة ؟ وأين يكمن الالتباس ؟ بكلماته أم بهم ؟ أم بوضع ثقته فيمن لايستحقها ؟ كان يتوقع من الجمهور أن يلتقطوا إرادته المتخفية في عباراته ، ولكنهم لم يفعلوا . كان يتوقع أن يحرجهم ويدفعهم للاعتراف والندم وتبكيت الضمير ، والعودة إلى جادة الصواب ، ولكنهم لم يفعلوا ، ولم يتعظوا من الأخطاء . الآمر السيد الجميل صوته .. عباراته لاتنفعه الآن ، لأن العاصفة بدأت ، والصوت يضيع هباء في زحمة الصخب والصراخ والضوضاء .. صوته القوي أصبح ضعيفا .. يكاد لايسمع وسط هدير الحقد الأعمى الممزوج بالشتائم المقززة .. تشتت الصوت وسط جلبة الجمهور ، وكان السيد يحس بالخبث والدهاء لديهم ، إنهم يخدعونه كعادتهم ، ولايرعوون ، فمن " ختم على قلوبهم ؟" فجعلهم هكذا ، لماذا ؟ واستنتج السيد أنهم مصرون على غيهم ونفاقهم ، أرادوا إيهامه ببراءتهم ، هاهم يفعلون ، يقدمون " القربان " ، الذي ألبسوه خطاياهم ، ولفقوا الحكاية بطريقتهم ، إنهم يدفعون التهمة عن أنفسهم ، إنهم مصرون على الرؤية من زاويتهم الخاطئة ، لايستطيعون تمييز الخطيئة من عدمها ، الصورة مقلوبة في أعينهم الضيقة ، يعجزون عن التخلص من الأوهام ، ورؤية قلوبهم . وهم يقدمون على قتل مافي أنفسهم من الحب والحياة والكرامة ، وإرادة التحدي ، أغبياء وجبناء ....
صاحب الصوت الآمر ، السيد الجميل ، صاحب القلب الأبيض .. يبكي بصوت مرتفع حزينا متألما ، " هاهو يخطئ مثله مثل هؤلاء الشياطين الطغاة ، فما الذي يميزه عنهم ؟ " لقد تسبب السيد بالجريمة الشنعاء ، هاهم يقترفونها أمام ناظريه ، وهو عاجز عن الوقوف في وجه الناموس ، عاجز عن إنقاذ الضحية البريئة المتورطة بلاذنب . وشعر السيد أنه هو أيضا متورط فيما لم يخطط له ولايريده ولم يخطر بباله قط . أحس بنفسه ضعيفا كناموسة أمام حشد من الجزارين ، الذي ساروا على غير ما أراد ، عن وعي أو جهل .. لافرق ... إنه الناموس ، فمن يقدر أن يقف في وجه الناموس ؟ كل من حوله يفهمونه على غير مايبغي ، فهموه كما رغبوا هم وبما يتناسب مع مصالحهم وغرائزهم الوحشية . . التي كان يدعو إلى التحكم بها والسيطرة عليها ، وعدم الاستسلام لمنطقها الأرعن ، ولكنهم لم يفعلو .
كانوا يتربصون ، لقد عقدوا النية والعزم ، وكان على السيد أن ينطق بما يمكن أن يحول مجرى الجريمة ، واكتشف متأخرا أنه أخطأ التعبير ، وأنه كان عليه أن يكون صريحا ودقيقا تماما ، كيلا يتيح المجال للتأويل والتزوير . هاهو يتعرض للخداع ، ويقع في مصيدة المؤامرة ، والجريمة ترتكب أما ناظريه ، تستفحل ، تتسع ، ولايمكن إيقافها ..
استمر بكاء صاحب الصوت الآمر متصاعدا داخل الجلبة الهائلة للقطيع المتوحش ، ومع هذا تمكن من سماع موسيقى ضحكاتها الطاغية على زوبعة الصخب المجنون ،
دخلت الضحكات سمعه بشدة متزايدة ، وانتشرت في كيانه وردا وشجرا وطيورا جميلة ، وعزف النهار في قلبه أناشيد الحب المضيء ، والتمعت عيناه بطمأنينة لايدري سببا لها ، ثمة أمل يدغدغ أعماقه ، ابتسم .. وتساءل : " هل ستهزم المؤامرة ؟ الحقيقة أقوى من أي مؤامرة ، وحدس بمعجزة من نوع ما .. معجزة تسفر عنها وقائع العدوان الآثم .
كانوا يتحلقون حولها آلافا من الأفاعي والعقارب العملاقة ، وكانت تقف في الوسط كشجرة أسطورية مزهرة .. متلألئة ، كانت تبتسم .. وكانت عيناها تلتمعان بالحب ، وترسمان حلما آخر .. عالما آخر يسير على قدمية ، وليس على رأسه ، كانت تفوح وتبوح وتسطع ، تلك هي جريمتها النكراء , ولم تكترث بالكابوس المحيق بها ....
لاحضت الكائنات التي تضرب حولها حلقة مغلقة ، بدت أزياؤهم مختلفة هذه المرة ، وأحست برغباتهم المتأججة لامتلاك شذاها ورحيقها السكري العسلي ، لم تستطع يوما أن تبخل أو تحجم عن العطاء ، فذلك ليس من طبعها وشرعتها ، التي هي فحوى وجودها ، إنها تستمتع بالعطاء كما يستمتعون هم بالأخذ . ولايستطيعون أن يغيروا أو يبدلوا أو يتبادلوا الأدوار ، إنه الناموس .. الناموس الذي لايمحي إلا بناموس آخر ، ليكن ، تلك وظيفتها إذن ، وتلك وظيفتهم إذن ، وهاهي الوظيفتان تتصارعان ، فكيف ستكون النهاية ؟ كيف يجرؤون ويكافئونها هكذا ، هل تحولت قلوبهم إلى حجارة؟ لماذا يجحدون نعمها ، ويلوثون الإناء الذي منه يرتشفون الحياة ؟ لماذا يصرون على اتهامها ؟ بما لايمكن أن يكون تهمة ، بما لايمكن أن يكون إثما ، إنهم يتهمونها بوقاحة بما هو فيهم ، وبما هو الحق ! يعتبرون عطاءها جريمة ! يدينون سلوكها السخي ، يتأهبون لرجمها بقذاراتهم ! متحمسون لإعدامها وإفنائها كليا ، يفعلون مايفعلون كقطيع من الغيلان .. الشر يوحدهم ، هاهم يتحفزون لمعاقبتها .. لإعدامها ، هاهم يخرجون من جلودهم ، يتخلون عن دمائهم ظنا منهم بأنهم يغسلون ذنوبهم ، وأي ذنوب؟ ! هاهم يخونون رؤوسهم ! ينتزعون قلوبهم السوداء المتحجرة .. الميتة ! تحولوا إلى ديناصورات .. شرسة جائعة ، هكذا بدأت الرجيمة تحس ، " لأول مرة أحس بهم ينظرون إلي كنعجة للذبح ، كوليمة أخيرة ، إنها إذن مأدبة الذئاب ، التي تتربص بي ، تتحفز لاقتناصي ، ونهش لحمي ، وتمزيقه بأنيابهم القاسية ، يتربصون لشرب دمي المسفوك ولعقه ، لطحن عظامي الطرية بأسنانهم الفولاذية ، ولكن كيف ؟ ولماذا؟ لماذا توحشوا ؟ ليكن .. ولتكن المعركة الفاصلة بيني وبينهم إذن : معركة بين العطاء والأخذ ، بين الطهارة والدنس الحقيقي المسيطر عليهم ، معركة بين الضوء والظلمة ، بين الحياة والموت ، لن أتخلى عن سلاحي ، إنه الحب .. سلاحي هو الحب والحب والحب ..." .
إنهم هم وحدهم البؤساء التعساء الذين لايفقهون معنى الحرية والسعادة ولذة الحقيقة الحية ، حقيقة السخاء والخصب والإثمار ، والتفجر كينبوع ، والشموخ كشجرة عملاقة مزهرة ، واقفه في وسط الشر
كل شيء ينذر بالذبح ، عيونهم اصطبغت باللون الأحمر ، أفواههم فاغرة ، أيديهم تحمل أشياء .. تعرفها ، وتعرف سبب حملها . جالت ببصرها فيما حولها ، أمعنت النظر في وجوههم ، كأنما تقرأها ، حملقت في وجوههم بتحد وجرأة وشجاعة ، فذعروا .. ترددوا .. قلقوا .. وحدها ظلت تبتسم ، كانوا يرتجفون ، ينتظرون قدوم السيد الجميل ذي القلب الأبيض ، ليطلق صوته الآمر ، ويعلن البدء ، وساعة الصفر ، للتخلص منها ، كانوا ينظرون إليها كرمز لحقارتهم وانحطاطهم ودونيتهم ، إنها القربان الذي يلتمسون بموته خلاصهم .. وطمس آثامهم ، كانت تقف في الوسط كشجرة من الضوء المزهر ، لم تطلب الرحمة ولا الغفران " هم من يجب عليهم أن يطلبوا الغفران منها .. هز المذنبون الخاسرون الآثمون " أما هي فليست كذلك ، ولن تكون سوى النقيض – الضد لخطاياهم ، إنها مرآتهم التي طالما عكست وجوههم .. كفرهم .. جحودهم وأنانيتهم ، هي بريئة براءة الماء والهواء والثلج وسوف تظل كذلك أبدا . صمت القوم فجأة ، ذابت الضجة والهرج والمرج ، وقفوا وكأن على رؤوسهم الطير ، تجمدت وتخشبت الألسن ، كل شيء ساكن .. ثابت .. جامد كالموت ! وبدا القوم كرهط من التماثيل الحجرية الباردة ، العيون الشفاه .. الأعضاء كلها والكائنات كلها توقفت عن الحركة ، الحياة أيضا توقفت عن الحركة ...صمت مطبق ، مترقب : إنه السيد .. السيد الجميل .. حامل الخطايا .. خطاياهم لينقذهم ويخلصهم من الحضيض الجحيمي ، هاهو قادم .. هاهو ينبثق كالفجر الساطع المبهر .. لقد انتظروه طويلا .. وبلهفة جامحة يتلهفون لسماع كلمته الحاسمة ، أوليس هو القاضي ؟ الحكم المعصوم ؟ الذي لامرد لقراره وأوامره ؟ الصمت يصغي .. يتشوق لسماع الأمر القاتل ، لسماع القرار المرتجى الذي سيحدد النتيجة ، النتيجة التي يعرفونها مسبقا ، ويتوقعونها ، إنها تحصيل حاصل ، هكذا هو الناموس كما يبدو في مراياهم ، ولم يخطر ببالهم السؤال: من سيهزم من ؟ العطاء أم الأخذ ؟ وماهي الطهارة الحقيقية ؟ أهي في ا لروح أم في الجسد ؟ وأين تكمن المعصية ؟ بالذل ؟ أم بالكرامة ؟ بالكراهية ؟ أم بالحب ؟
انشد الحشد .. حشد المخلوقات والتفت إلى السيد العظيم ، المحلق كطائر الشمس المهيب الجليل ..وكأنما انشدت عيونهم إليه بحبال متينة ، تركزت نظراتهم على عينيه الحزينتين المتألمتين .. وعلى شفتيه وثغره : إنهم ينتظرون القرار ؟! القرار وينتهي كل شيء بالنسبة لهم ، متلهفون للخلاص منها .. دفاعا عن أنفسهم منها ، كانوا يكرهونها ، إنها الشاهد الأكبر ، الذي معه أرشيف خطاياهم كما يتوهمون ، ولم يستطيعوا يوما أن يفهموا مفرداتها .. لغتها .. أبجدياتها المختلفة والمخالفة لمنطقهم الشقي البائس ، كان وجودها خطر عليهم .. لأنها الشاهد الأعظم ضدهم ، فإن لم يتخلصوا منها ، فسيظلون مهددين بالانكشاف والفضيحة ، ودفع الثمن ، وكان السيد يدرك أنهم يخدعونه ويخونونه ويكرهون تعاليمه ولا يفهمونها إلا حسب مراياهم الشقية ا لبائسة والغبية .. كل شيء له عندهم دلالات معكوسة تماما ، كان الناموس مقلوبا في أعينهم العمياء . الآن ستخلصون منها .. وعن طريق السيد ! يريدون أن يورطوا السيد ، أن يشركوه في الجريمة النكراء ، فلا يستطيع أن يتنصل من العاقبة والنتائج مهما كانت ....
كانت الرجيمة تقف وسط القوم الضال تماما ، في البقعة المشؤومة المخصصة للرجم ، في المركز تماما ، إنه مركز الخطيئة الذي سيصبح مقاما يحج إليه المؤمنون العارفون . كانو يتحلقون حولها كسوار من الثعابين ، على مقربة منها ، ينتظرون الساعة ، وكانت نظرات الرجيمة تعانق نظرات السيد النور العظيم ، وعيونهما تتحاور بصمت بليغ .. بدفء وحنان وحب ، كانا يتبادلان الابتسامات الواثقة العاشقة بوله ، وكان السيد يرثي لحال ذلك الحشد من السفلة والأوباش الذين فقدوا عقولهم وآدميتهم وكراماتهم ، وغرقوا في الخطايا التي يحبونها ويكرهونها في آن واحد . كان السيد يشفق على ضعفهم واستسلامهم لطبائعهم العمياء المنحرفة ، وغياب إرادتهم الحقيقية ، أراد أن ينقذهم ويريحهم ، قدم لهم فرصة نادرة للاعتراف والعودة إلى الرشد ، السيد يدرك أهمية الاعتراف في تطهير وإراحة الذات المأزومة ، الذات الممزقة التي يسكنها خوف واهم ، من الصورة المقلوبة للأشياء التي يرونها ويعتقدونها وماهي سوى أوهام وأكاذيب وأضاليل ، الاعتراف نوع من تفريغ النفس من الشرور والضلال والأوهام والكراهية والعدوانية . كان السيد حكيما .. رحيما .. مسالما .. أراد أن يهبهم فرصة للتخفيف من مسؤوليتهم وانصياعهم لصراخ الخطايا الملح الذي لايقاوم ، كانوا يدركون أهدافه بشكل مشوه وخاطئ ، يقولونه مالم ولن يقول ، يفسرون ويأولون على هواهم ، ولم تكن الأشياء كما تراها عيونهم الضالة . كانت الكائنات من حول الرجيمة تتوجس من السيد ، ومن نواياه .. ومن عزمه الإيقاع بهم ، لن يعترفوا ، لأن الاعتراف خديعة كبرى ، إنها سيد الأدلة ضد المجرم ، فكيف ولماذا يعترفون ؟ هكذا كانوا يفكرون ويحللون ويحسبون ألف حساب ، وكل حساباتهم تؤدي إلى نفس النتيجة : رفض الاعتراف ، وحتى يحصل هذا لايسعهم أن يسامحوا الرجيمة ، كيلا يدينون أنفسهم ، والنفس غالية ، و" ياروح .. مابعدك روح " ، أنا وحسب .. أنا ومن بعدي الطوفان " ذلك هو المبدأ والبوصلة التي يهتدون بها ويتلمسون طريقهم نحو النجاة بأنفسهم ، الرجيمة يجب أن ترجم وتموت معها الأدلة والبينات كلها ، الشهادات كلها ، يجب طمس الأدلة والثبوت وطي ملف الجريمة ، وتسجيلها ضد مجهول ؟! وجود الرجيمة هو الخطر بعينه ، هو الخطر الداهم والدائم ، إنه كابوس ينغص عيشتهم الكريهة غير الآمنة ولا المطمئنة . لابد من الرجم .. لابد من الرجم ، ذلك هو الطريق الآمن للهروب الكبير من الاستحقاق الأعظم ، نعم ، لابد من تضليل الله في عرشه ، ليدخلوا الجنة ، إنهم لايستطيعون دخولها خلسة ، ولاعنوة كما يتوهمون ، فالله بالمرصاد .
كانت الرجيمة تبتسم وسط القوم الهائج ، كانت تتذكر حديثها مع السيد
قالت : أيها السيد .. لماذا خلقت الخطيئة ؟
أجاب : أنا؟ أنا .. هل تصدقين هذا الكلام الفارغ ؟
ردت: إذن من ؟ أهو الشيطان ؟
أجاب : الشيطان ؟ ومن هو الشيطان ؟ لم أسمع به من قبل .. ربما الناس هم الذين صنعوه واتبعوه وحاربوني به ، أنا لم أخلق الخطيئة
علقت : ومن أين أتت الخطايا ؟
السيد : ومن قال إنها خطايا ؟ الناس؟ أغبياء ، ومتى كان الخير من الخطايا ؟ متى كان الخلق الجميل من الخطايا ؟ تبا لهم ، يسمون الأشياء بغير مسمياتها ، ويلصقون بي تهمة خلق تلك الأسماء المضللة . عقولهم هي الخاطئة .. وبصرهم حسير وبصيرتهم عمياء ، هم من يفهمونني بشكل خاطئ ، ماذنبي ؟ أنهم يقرأونني ويفسرون كلماتي كما يحلو لهم ،
وضحل السيد .. وقهقه السيد بمرارة ، وسألته عن السبب ، وأجاب : فكرت للحظة وتساءلت من يتعلم من من ؟ من خلق من ؟ ولماذا ؟ لماذا كل هذا العذاب المتواصل مع الخلق الجاحد ، شيء ممل .. مقرف ، مثير للحنق
حاولت الرجيمة تهدئته : " لابأس عليك أيها السيد الجميل النبيل ..دع الأمور تأخذ مجراها الطبيعي .. أرح نفسك ، وخذ إجازة من الحكم والتحكيم . أنت تتعذب . وأجابها السيد وكأنه يتحدث مع نفسه : " أتعرفين ؟ أحس أن على أم أحمل كل عذابات وخطايا هؤلاء ، لأكفر عن ذنبي ودوري وتسببي في وجودهم ، أود أن أصلب وأصلب وأصلب ، عسى أن يرتاحوا وأرتاح !؟ وصاحت : بعد الشر عنك أيها السيد العالي الكلي ؟ اطمئن لن يكون الأمر في النهاية إلا كما تحب وتريد ،
وقال السيد : " الأغبياء .. لايفهمون مقاصدي وسري وكنهي .. ولكن لابد أن أواصل حتى أحقق الظفر الأغر . "
وهتف السيد بالقوم الضالين ، وصاح بأعلى صوته الصافي القوي : من كان منكن بلا .... خطيئة .. فليرجمها بحجر .
وقبل أن يكمل السيد عبارته كان الجمهور قد سبقه وانهال بالحجارة على الرجيمة التي تقف في المركز المخصص للرجم ، لقد بادروا ، وأفعالهم سبقت أقوال السيد وقراره وحكمه ، خافوا أن يتردد ويتراجع ويمتنع عن إصدار الحكم ، الحكم الذي لم يكن حكمه بل حكمهم المسبق هم ، هم من قرر وأطلق الحكم ، هم من أراد أن يفهم الأمر الصادر هكذا ، مع أنه أي الأمر كان يتضمن الإيحاء بالامتناع عن تنفيذ الأمر بالرجم والإعدام بالرجم . ولكنهم كانوا يرفضون ذلك التفسيربعناد وفجور .
كان صوت السيد يدوي .. يجلجل كالرعد : " من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر .. وكان الصدى لايكف عن ترداد عبارته وصوته الصاعق ، وكانت الحجارة تنهال من كل حدب وصوب على الرجيمة ، وكانت الرجيمة تلتمع كالبرق الخاطف الباهر . كانت الحجارة تنهمر كوابل من المطر ، وكانت الرجيمة تبتسم ، وكانت ابتسامتها كالبرق الخاطف الآسر ، وكان السيد يبكي كطفل ، كان يتألم ، كان يحس ببعض العجز والقهر .. لقد خانوه .. لقد خانوها ، غدروا بها وبه معا كعادتهم وديدنهم ، لاأمل يرجى من إصلاحهم ؟ يالهم من كائنات مشوهة ، غير قابلة للحب والعطاء ، لاتعرف نكهة الحياة ، كائنات من الجحيم .. من الحضيض الأسفل الملوث المخنوق ..
كان السيد يفكر ، وكانت الرجيمة تفكر ، وحدث التخاطر فيما بينهما ، وكانت الاحجار لاتكف عن السقوط والانهمار حتى تشكل جبل من الحجارة طمر الرجيمة تماما ، وحجبها عن القوم الضالين ، ولكنه لم يحجبها عن عيني السيد الباكيتين
وفجأة سكن كل شيء ، ساد صمت يشبه صمت القبور ، صمت مريع ومريب .وعاد القوم ليتحول إلى أصنام وتماثيل حجرية باردة ، كانت الدهشة ترتسم على وجوههم ، والرعب يملأ قلوبهم . كانت الأحجار تتحول إلى ورود جميلة ، وأخذت الينابيع تتفجر من بين أكوام الحجارة .. تنفر بغزارة وعنفوان وألق .. هناك في المركز حيث كانت الرجيمة تقف تماما ، حدثت المعجزة ، المكان تحول إلى جنة فيحاء ، الماء يدفع الحجارة بقوة هائلة بعيدا عن الرجيمة التي تحولت إلى شجرة عملاقة مزهرة وسط فردوس مذهل .. لايزال الناس يجهلون الطريق إليه .



#رياض_خليل (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأسد : السكرة والفكرة
- رحلة ماجلان : شعر
- عن الأديب حسن حميد
- العائم: قصة تشكيلية
- مها عون : مغامرة الإبدع والتشكيل l
- سوريا : السلطة اللاسياسية
- فرح نادر: بين غيبوبة العاطفة وصحوة العقل
- من قصائد الثورة : (6)
- مساهمة نقدية
- الشبح : شعر
- عن المؤسسة الزوجية
- من قصائد الثورة (5)
- من قصئد الثورة (4)
- ذلك اليوم الجميل: شعر
- من قصائد الثورة : شعر
- من قصائد الثورة (2) : شعر
- من قصائد الثورة (1)
- رحلة جليفر الجديدة : قصة قصيرة
- أنور سالم سلوم
- الروائي والناقد نبيل سليمان في:


المزيد.....




- بالألوان الزاهية وعلى أنغام الموسيقى.. الآلاف يحتفلون في كات ...
- تنوع ثقافي وإبداعي في مكان واحد.. افتتاح الأسبوع الرابع لموض ...
- “معاوية” يكشف عن الهشاشة الفكرية والسياسية للطائفيين في العر ...
- ترجمة جديدة لـ-الردع الاستباقي-: العدو يضرب في دمشق
- أبل تخطط لإضافة الترجمة الفورية للمحادثات عبر سماعات إيربودز ...
- الأديب والكاتب دريد عوده يوقع -يسوع الأسيني: حياة المسيح الس ...
- تعرّف على ثقافة الصوم لدى بعض أديان الشرق الأوسط وحضاراته
- فرنسا: جدل حول متطلبات اختبار اللغة في قانون الهجرة الجديد
- جثث بالمتاحف.. دعوات لوقف عرض رفات أفارقة جُلب لبريطانيا خلا ...
- المدينة العتيقة بتونس.. معلم تاريخي يتوهج في رمضان


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض خليل - الرجيمة : قصة قصيرة