فرج ياسين
الحوار المتمدن-العدد: 3535 - 2011 / 11 / 3 - 20:56
المحور:
الادب والفن
إلى فــاروق سلـوّم
مثل كل يوم ، يتناول فطوره عند الساعة السابعة ، ثم ينحني على المذياع الصغير ؛ الموضوع أمامه على الخوان . ثمة جُرعات اذاعيّة لازبة : كوارثٌ ، وتلاوتٌ ، وأساطير سياسيّة ، وعزف على أوتار شهوانيّة ، ... وفيروز .
في غضون ذلك ، ينصب آذانه لتسقّط أصوات الحياة في المدينة ، وبين لحظة وأخرى يكرّر لازمته اليوميّة : هل أعلنوا في الجامع وفاة أحد ؟
حال خروج زوجته إلى الفناء ، يتوقع أن تعود له باسم المتوفى الجديد ؛ باسطاً ذاكرته لاستيعاب الخبر ..
•- هل مات أحد ؟
لكنها ترد عليه قائلةً : إنها أصوات العربات ، وضجّة أولاد المدارس ، وضوضاء الصباح المعتادة !
عند تخوم الساعة التاسعة ؛ تأتي أولى الأخبار ، إذ يعلن الجامع القريب وفاة أحدهم ، فيسجل على ورقة - أعدّها لهذا الغرض - اسم المتوفى الثلاثي ، ولقب عائلته ، وما يلبث أن يطلق زفيراً حاراً ، ويضرب كفاً بكف ، ويبدأ سردَ حكايات قديمةً معتصرةً من نثار عشرات السنين الغابرة .
في العاشرة تماماً يكون قد ارتدى ملابسه ، وحمل سبحته وغادر البيت . عليه المشاركة في تشجيع أول الراحلين هذا اليوم ، ثم الاستعداد لتشييع الآخرين المحتملين ، قبل أن ينخرط في مراجعة دقيقة يتذكر من خلالها عدد مجالس الفاتحة التي لم يتسع الوقت لزيارتها يوم أمس .
ثمة كهل صدمته سيارة شرطة مسرعة ، وامرأة قتلت بطلقة قناص ، وشاب استشهد في مقابلة مسلحة مع المحتلين ، وصبي قضى متأثراً بجراح أصابته قبل بضعةِ أيام .
في الساعة الرابعة عصراً ، يُنهي قيلولته ، وفي الرابعة والنصف ، يحمل كيسه المصنوع من القماش الخشن ، ويدلف الى السوق عبر طريق المقبرة .
#فرج_ياسين (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟