|
أشكالية المسلمات العقلية الأولية
هيبت بافي حلبجة
الحوار المتمدن-العدد: 3534 - 2011 / 11 / 2 - 18:33
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
من أهم خصوصيات المنطق الشكلي ، أو المنطق الذي يستند في تصوراته على العقل الصرف ، هو أعترافه المباشر بوجود مسلمات عقلية اولية – آكسيومات – ليؤكد أنه لولاها لأنتفى في الفعل كل أسباب التحليل والتعليل ، وما كان لنا أي تجربة ذهنية ولأنعدمت بالتالي قيمة الجدل العقلي وعلل البرهان أو التفنيد والدحض ، ولأستبدت بنا حال من الفوضى الجامحة في عقر دارنا في منطقنا . فبالأعتماد على تلك الأكسيومات نستحوذ على فرصة للتقدم في التحليل ، وأمكانية وضع المقدمات ثم الفروض ثم المناقشة المعرفية العلمية للوصول إلى عمليات محمودة في الأستنباط والأستدلال والنتائج المرجوة سلباُ أم إيجاباُ . ويضرب أمثلة في ذلك ، أن الخط المباشر ما بين نقطتين – ب ، ج – هو بالضرورة أقصر الخطوط ما بينهما . والخطان المتوازيان لايلتقيان أبداُ . وأن توازى واحد من الخطوط المتوازية – ب ، ج ، د – مع خط مستقل آخر مثل – ص – توازت البقية معه بالنتيجة . والأكبر من الأكبر هو بالقطع أكبر من الأصغر ، والأصغر من الأصغر هو بنفس القطعية أصغر من الأكبر . كما أن الكميات – ب ، ج ، د – إذا تساوت كل كمية بمفردها مع كمية مستقلة أخرى مثل – ص – تساوت فيما بينها بنفس وجاهة المنطق السابق ، كما إن الكميات المختلفة – ب ، ج ، د – فيما بينها لايمكن أن تتساوى كلها مع كمية أخرى مثل – ص – تساوت مع إحداهن . وكذلك القضية بصددالأطوال ، فإذا تساوى مجموع الأطوال – ب ، ج ، د - مع طول آخر مثل – ص – فإن كل طول من تلك المجموعة هو بالنتيجة أصغر من – ص – وهكذا يمكننا أن نضرب آلاف من الأمثلة ، التي كما قلنا ، وحسب المنطق العقلي المحض ، تؤلف ديمومة وميكانيزم البعد الأولي في العقل البشري ، ومن ثم في منطقه ، ومن ثم تشكل الفحوى الجوهري لمعرفته ، وإلا لأنهدمت أيضاُ القيمة التطبيقية في المعاملات ولأستتب اللامعين واللامحدد على كل أدراكاتنا ومداركنا . ونذكر فقط – لأن ذلك سيكون موضوع حلقة مستقلة – إن هذه التصورات تزامنت وقادت أصحابها إلى وضع المبادىء الثلاثة للمنطق الصوري ، وهي ، مبدأ الهوية الذي يرمز له ب – هو هو - ، ومبدأ عدم التناقض الذي نختزله في الآتي – هو لا لا هو - ، ومبدأ الثالث المرفوع الذي ينفي أي أمكانية لأحتمال ثالث . ونضرب مثالاُ توضيحياُ ، الشجرة ، أما أن تكون موجودة ، أو ألا تكون ، ولايجوز أن نفترض أي أحتمال ثالث . إن هذا المنطق يبدو متماسكاُ جداُ ، وصلباُ في منطقه الخاص ، ومنسجماُ في أصوله ، إلى درجة لايمكن لأحد ، سواء من الزاوية النظرية أو من الزاوية التطبيقية ، أن ينكر أو يجادل في سطوته على عقلنا وفكرنا ، لكن ، ومن الجانب غير المرئي ، الجانب غير التقليدي ، الجانب الذي يحطم بعدنا الخاص البسيط ، يصطدم هذا التصور العقلي لهذا الفرضيات بالتصور التجريبي الذي يفرض نفسه من خلال قوانينه اللصيقة به وحده ، فليس التصور العقلي هو الذي يمنح الخصوصية لتلك الحيثيات ، إنما هي التجربة ذاتها التي تحتضن كل خاصية ممكنة . فحينما نزعم إن الخط المباشر ما بين حلب و الشام ، أو ما بين الرياض ومكة ، أو ما بين بغداد وأربيل ، هو أقصر الخطوط ما بينها ، هو فقط كذلك في المجال التصوري التخيلي ، أو على أكثر تقدير ما بين نقطتين في بناية هندسية حيث لايكمن للمجال الكوني ولا لمفهومي السرعة والتسارع أن تمارس دوراُ واضحاُ في تكوين الأختلاف ، أو أن يكون هذا الأخير على درجة كبيرة جداُ من الضآلة حيث لايمكن ألا أسقاطه أو أغفاله لعدم الأحساس به أصلاُ ، أما في المجال اللاتصوري ، أي المسافة الحية ما بين النقطتين ، والتي ليست لها أي علاقة بكروية الأرض بالقطع ، يهوى ويذوي دور التصور ليبرز دور التجربة نفسها ، كما هو ، فلاعلاقة لإرادتنا في تصوره ، ولا علاقة لتصورنا في إرادته ، فالتجربة هي التي تقرر ، بل هي التي تمارس ذاتها دون ضابط خارجي ، دون أن تكترث لأحد . وعندما نتحدث عن التجربة ، فأننا نتكلم هنا عن الكون الذي قد قرر مفهوماُ آخراُ يختلف عن التصور الشكلي ، لأنه لايعترف أصلاُ بالخطوط المستقيمة ، فكل شيء في الطبيعة من حيث الأبعاد هو منحني ، والأنحناء ليس صفة في الأبعاد كما قد نتوهم ، إنما هو في بنيويتها ، بفحوى إن الأنحناء ليس صفة شكلية خارجية للكون ، بل هو خاصية أبعاد – أبعاد الكون – لما له من قوة الجوهر في ذاته . كما أن اللاثبات في الأبعاد ، الذي نرده جزئياُ وفي هذه الحلقة إلى مفهوم آينشتاين في العلاقة ما بين هذه المقولات – الكتلة ، السرعة ، التسارع – هو الجوهر الآخر المكمل لصفة الحي ، وللأنحناء ، ويجسد من حيث الفعل المؤثر أحد أهم شرط الديمومة الداخلية في علاقتها بمفهوم التطور ، والتنوع ، والتحول ، بعيداُ عن مفهوم الأمتداد الطبيعي الساذج . فإذا كانت صفة الحي هي جوهر كائنية الشيء ، التجربة ، الكون ، فإن الأنحناء هو جوهر أحتواء الجوهر السابق ، وسيكون عندئذ اللاثبات هو جوهر علة وجود الجوهرين السابقين ، وليس معلولاُ لهما أو لأحدهما . فالكون لايدرك الصفات المعاكسة لهذه الجواهر الثلاثة – صفة الحي ، الأنحناء ، اللاثبات - ، فالموت أو الجمود مفاهيم غريبة عليه هو لايستطيع حتى أن يتصورها ، وكيف يمكن له أن يتصورها وهو لا يحايثها ، وهو يمقتها وينبذها سيما من خلال مفهوم اللاثبات . ثم لو حدث أن هناك موت أو جمود ، وهو بالقطع مرفوض ، لأنتفت الأبعاد أساُ ولحدثت أزمة في حيثيات الكون نفسه ، تماماُ مثلما لايستطيع الميزان العادي التغامل مع الأوزان في عاصفة هوجاء تزور كل أنواع الضغط على كفتيه . كما أن الكون لايستطيع أن يؤتلف من خلال – المستقيم – الذي يعني هنا تحديداُ الأنحطاط والذوي والذهاب إلى الكهولة والشيخوخة ، وأنوه مسبقاُ إن مفهوم الضوء الذي حسب نظرية آينشتاين يسير كالسيف القاطع ، غير دقيق هنا ، لسبب بسيط هو أن الضوء هو من – العوامل الكونية – وليس الأرضية ، لذلك فإن التعامل معه بهذه الصورة هو نوع من التبسيط ، فالمسافات بالنسبة له ما بين النجوم والكواكب يقاس بنفس القدر عندما تحدثنا عن – المستقيم – في التجربة الهندسية وبمقدار عدة سنتيمترات ، لذلك نحن نعتقد أن الضوء ما بين المجرات سيسلك سلوكأُ آخراُ ، ينسجم على الأغلب مع مفهوم الأنحناء ، وإلا أصبح الكون في المجال الخطأ ، ولايمكن أن يكون الأمر كذلك . كما أن الكون ، ومن زاوية أخرى ، لايلتزم بالثبات لأنه لو ألتزم به لأنعدمت أمكانية الحركة الداخلية والخارجية سواء في مفهوم الشيء بحد ذاته ، أم في مفهوم الأبعاد بحد ذاتها ، وهذا سيعني إن الطبيعة عديمة المعنى ، عديمة الأثر ، سلبية التفاعل ، موجودة كمعطى مسلوب الغاية . إلى أين يفضي بنا ذلك ، نذكر بعض النتائج ونحتفظ ببعضها الآخر إلى حين الحديث عن المذهب التصوري ، مكانها اللائق بها . الأستنتاج الأول : إن هذه المسلمات الأولية لايجوز لأحد أن ينكر أهميتها ووجودها سيما في علاقتها بمفهوم التصور الساذج للأدراك ، وفي كل المسائل الحيوية التطبيقية والتعليمية ، لكن خارج ذلك ، الكون لايدري مطلقاُ أي شيء عنها في خواصه ، ولا في تحولاته ، ولا حتى في طفراته . الأستنتاج الثاني : إن الكون لايتألف من الأشياء والجسيمات والتي من المفروض أن نضعها ما بين قوسين ، بل من الأبعاد التي هي في الفعل خاصية الكائنية فيه . فالشيء أو الشكل أو الجسيم هي تعابير تناسب بالضبط محتوى تلك المسلمات الأولية . الأستنتاج الثالث : إن الطول أو الأرتفاع أو العرض ، إن وجدت ، فهي وحدات منحنية ، أو هي ، على أدق تعبير ، هي وحدات هندسية فراغية منحنية . وإلى اللقاء في الحلقة الثالثة .
#هيبت_بافي_حلبجة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حسنين هيكل أزمة في المنطق ..
-
نحو تصور فلسفي جديد للكون
-
حول قيام الدولة الفلسطينية والقضية القومية الكردية وحقوق الأ
...
-
مشعل التمو يطيح ببشار
-
المتغيرات والعقل المستقيل
-
نداء استغاثة إلى سعادة الأمين العام للأمم المتحدة : السيد با
...
-
المجلس الوطني الموسع ... أنتقادات بنيوية
-
ثلاثة مقاربات والجحيم السوري
-
رؤية في حال المنطقة العربية
-
مابين ... أدونيس وأبو شاور
-
أبو شاور .. وبئس البؤس البائس
-
رؤية نقدية في المحنة السورية
-
الثورة ... ونهاية السلطة السورية
-
عارف دليلة ... والإشكالية المعرفية
-
سكان مخيم أشرف ... مابين العراق وأيران
-
الثورة .. وقانون الأحزاب والعفو العام في سوريا
-
مبروك ل( الشيوعيين ) السوريين الخزي والعار
-
النداء الأخير إلى الأحزاب الكردية ( في سوريا )
-
أدونيس ... ومنطق البؤس
-
الثورة ... وإشكالية المثقف
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|