|
تضحيات الكفار يحصد ثمارها المؤمنون
علي الخليفي
الحوار المتمدن-العدد: 3532 - 2011 / 10 / 31 - 23:30
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الشاب التونسي الذي أشعل بجسده شرارة الإنتفاضة في في تونس لتعم المنطقة برمتها ,ذلك الشاب ووفق كل شرائع المتأسلمين ووفق كل مذاهبهم المتضاربة والمتعارضة هو كافر خارج عن ملة الإيمان لأنه مات مُنتحراً ,وبذلك فلن يكون له في الاخرة نصيب في حور المؤمنين وغلمانهم وأنهار خمرهم وعسلهم التي تنبع من تحت قدمي الله لتصب في بطون أولائك الأتقياء الأنقياء ممن رضو بقضاء الله وصبروا على المذلة والمهانة لأنها قدر قدره الله عليهم كما تقول تعاليمهم. ما يعجز العقل عن فهمه هو : كيف أتفق أن تتحول عذابات ذلك "الكافر" إلى مدخل لجنة المؤمنين الدنيويه حيث سيورثهم ربهم ديار الكافرين وأموالهم ولتطأ اقدامهم بأذن ربهم أيضا أرضاً لم تتطأها من قبل ولم تحلم بأن تتطأها. كيف أتفق أن يتحول رماد جسد ذلك الكافر إلى تربة خصبة تنتج هذه الثورات التي يسميها المؤمنين ثورة الله..ولماذا إحتاج إلاههم إلى عبد كافر من عبيده ليساعده في إعلان ثورته. التخلف والجهل ونسب الأميه المرتفعة في بلاد مثل مصر وليبيا جعلتنا نتوقع أن يفضي هذا الحراك فيها إلى إيصال المتأسلمين إلى السلطة وتكرار ما حدث في قطاع غزة من قبل .فالإنسان الجاهل يسهل السيطرة عليه من قبل هؤلاء المتأسلمين ويسهل الضحك على ذقنه بأساطيرهم وخرافتهم التي يسمونها دين الله. لكن أن يصل المتأسلمين للسلطة في بلاد مثل تونس فهذا ما لا أظن أن أحداً قد تنبأ به أو توقعه . لقد عولنا كثيراً على تونس وشعبها أن تنتج ديمقراطيه حقيقيه وأن يكون لها الفضل في إنتاج نموذج لدولة ديمقراطيه يُحتدى بها كما كان لها السبق والفضل في إشعال هذا الحراك. أما لماذا كنا نعول على تونس فالأسباب كثيرة وأهمها أن تونس قد حظيت بقيادة جنبتها التورط في هذا النهج الهمجي الذي أنتشر في المنطقة تحت إسم القوميه . لقد إستطاع الرئيس بورقيبة المحافظة على تونس من تأثير هذا النهج وإستطاع التأسيس لمجتمع مُتمدن ولدولة مدنيه علمانية ورغم كل المآخد التي تؤخد على فترة حكم الرئيس أبورقيبة فإن أية دولة من دول المنطقة لم تحظى بقيادة مشابهة لقيادة الرئيس بورقيبة . الجيل الذي أشعل الإنتفاضة ضد حكم "بن علي" هو جيل ولد وعاش على القيم التي أسس لها الرئيس أبورقيبة وتمتع بقدر من الحريات الفكريه لم يكن متاح في الدول المحيطة بتونس وعاش وفق نمط حياة غربية ولا أحد يعرف اليوم كيف تبخرت كل تلك الجهود وكيف عاد الإنسان التونسي إلى أزمنة التخلف وبمحض إرادته ليقوم وفي أول فرصة تتاح له لإختيار من يحكمه بإعطاء صوته لدعاة التخلف والجهل من المتأسلمين . لا يحتاج الإنسان إلى كثير من النباهة ليتنبأ بنتيجة أية إنتخابات قد تجرى في مصر أو ليبيا .ففي مصر أتضحت هوية الحكام القادمون من نتائج الإستفتاء على الدستور والتي قادت إلى حادثت السفارة الإسرائليه ومن بعد إلى مذبحة الأقباط بأيدي مواطنيهم وهذا أول الغيث.
أما ليبيا فالأمر أدهى وأمر فالجيل الذي أسقط حكم القذافي هو جيل ولد ونشأ في حقبة من التجهيل وإنعدام الثقافة والأنغلاق على الذات ونتائج أية إنتخابات في ليبيا ستأتي بالمتأسلمين وبنسبة 99% غير مزورة , ولعلنا نرى لمحات من هذا الإتجاه من خلال المشاهد المضحكة التي تطالعنا من داخل ليبيا ونحن نرى المُكلف برئاسة المجلس المؤقت يخر ساجداً على منصة الإحتفال ويعلن بأن الإسلام هو مصدر التشريع الأساسي وسط تهليل وتكبير الجموع. الأموال الضخمة التي تُضخ من دول مُتخلفة مثل السعودية ومشيخات الخليج وتوضع بين أيدي أصحاب الإتجاهات الأسلاميه والدعم الإعلامي من إعلام تلك المشيخات الذي يسيطر على الساحة الإعلاميه سيجعل من ليبيا وكراً آمناً لهؤلاء المتأسلمين وإذا مضت الأمور في ليبيا في ذات الإتجاه الذي تمضي فيه الآن فأننا سنحصل على إفغانستان جديدة في المطقة عاجلاً أم أجلاً. السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو : هل سنستمر في وصف ما يحدث في المطقة بالربيع المُنتظر ؟ وهل سنظل نطلق مُسمى ثورة على هذا الهياج رغم كل هذه النتائج الفجائعيه التي تطالعنا من هنا وهناك؟ يقولون أن التجربة أُم الإختراع ولكن هذا القول ليس صحيحاً على إطلاقه ولكنه مشروط بشرط أن يكون العقل المُجرب عقل واعي يستطيع الإعتبار من نتائج إخطائه السابقة . فالعقول الغير واعيه تظل تُجر ب وتكرر أخطاءها مما يجعلها عاجزة عن الإبتكار أو الإختراع خاصة عندما تكون تلك العقول تُجري تجربتها تلك وهي محكومة بمجموعة من الوصايا الإسطوريه المُقدسة التي تنسبها إلى الله ولا تستطيع الحياد عنها لانها تحدد لها دائرة ما تسميه بالإيمان.
العقل المحكوم بالأساطير والخرافات لايكون أبداً عقلاً مُنتجاً, لانه لا يمتلك ملكة التحليل والتَفكر فيما يعرض عليه ولا يملك إلا أن يظل يلوك أساطير وخرافات الأمم الفانية عاجزاً حتى عن إبتكار أساطيره الخاصة به. ومالم تتخلص تلك العقول من الأساطير والخرافات التي تحكم طريقة عملها فلن يكون بإمكانها إنتاج أو أبتكار أي طريق يقودها نحو مستقبل أفضل. العقول التي لاتزال في القرن الحادي والعشرين تؤمن بالسموات السبع الطباق التي يتسكع في سماء منها بي من الأنبياء وهو يمضي أيامه في ملل في إنتظار النافخ في البوق .. العقول التي تزال في أزمنة الفضاءات المفتوحة تؤمن بالسماوات التي تفتح وتغلق أبوابها لتستقبل المركبات البُراقيه المُرسلة من إله يجلس تحت شجرة سدر يُحصي ما تبقى من أيام الكون الذي خلقه وندم على خلقه .. العقول التي لاتزال تحتفل وتقيم الأعياد لتحي ذكر تنزل الكبش الرباني على إبراهيم وتنازع غيرها من الأمم فيما إذا ما كان الله قد أنزل كبشه الأقرن الأملح من حظيرة خرافه السموايه ليفتدي إسماعيل أو إسحاق .. هذه العقول لايمكن أبداً أن تكون جادة في إدعاءاتها بخلق واقع جديد ومخالف لواقها المزري منذ الف وأربعمائة عام.. ما جعل الله لأنسان من قلبين في صدره وكذلك لم يجعل له من عقلين في رأسه ليخصص أحدهم للتحليل والتفكير ويخصص الاخر للأساطير والخرافات .
مادامت هذه العقول محكومة بنص تزعم أنه كلام الله يحدد لها كيفية عمل عقولها, ويبين لها ما يجب أن تتفكر فيه وما لا يجوز لها التفكير فيه ,ويقدم لها الأجوبة الجاهزة التي يجب أن تقتنع بها ولو خالفت أبسط أسس المنطق .. ما دامت عقول سكان هذه المنطقة أشبه ما تكون بآلة عجائبية ليس على الإنسان إستخدامها إلا وفق "كاتلوج" يسمى كتاب مقدس, فأن الحُلم ببنا وطن للإنسان في هذه المنطقة هو حُلم بعيد المنال, ونتاج كل ما حدث ولايزال يحدث الأن من تمردات لن يفضي إلا إلى مزيد من الخيبات والإحباطات .وسنجد أنفسنا في نهاية المطاف نعود بما هو أسوء من حذاء الطنبوري لاننا سنعود بنعل إبن الخطاب أو إبن عباس أو إبن عبد الوهاب.
#علي_الخليفي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بين المدنية والتدين 3/3
-
بين المدنيه والتدين 2
-
بين المدنيه والتدين 1
-
سيدي الرئيس
المزيد.....
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|