|
إغتيال القذافي ونظرية المؤامرة
كامل النجار
الحوار المتمدن-العدد: 3529 - 2011 / 10 / 28 - 15:38
المحور:
المجتمع المدني
تباينت ردود القراء على مقالي الأخير كتباين ردود الفعل العالمية على اغتيال القذافي. وأعتقد أن بعض القراء قد أساء فهم ما كنت أرمي إليه. أنا لم أحاول تبرير أو مباركة قتل القذافي بتلك الطريقة الوحشية التي لقي بها نهايته الحتمية، وإنما حاولت أن أدعو إلى فهم ما حدث فهماً يأخذ طبيعة الإنسان في الاعتبار. فنحن لسنا آلات مبرمجة لا عواطف لها ولا أحاسيس. الإنسان ما زال حيواناً يتحكم في تصرفاته العقل في ساعات الهدوء، والخوف من القانون وعواقبه في الظروف العادية، ولكن سرعان ما يعود الإنسان إلى طبيعته الحيوانية الغرائزية إذا انهار قانون الدولة لأي سبب من الأسباب، أو إذا ألغى الإنسان عقله بسبب تناول الكحول أو الأدوية أو بسبب التأدلج الديني أو المذهبي. وقد رأينا أمثلة من التأدلج الديني في العراق الذي ما زال يعاني شعبه من التفجيرات الهوجاء باسم الله أو باسم الإسلام. ورأينا أمثلة من التأدلج المذهبي في كمبوديا مع حركة الزعيم بول بوت الذي أعدم الملايين من أهل كمبوديا ليؤسس لمذهبه الشيوعي. فأي إنسان يتحكم فيه عقل سوي لا يمكن أن يفجر نفسه في وسط أناس أبرياء يتسوقون لشراء القوت لأطفالهم، أو وسط أطفال أبرياء يصطفون أمام حافلة توزع الحلوى عليهم. ولكن عندما يغيب العقل لأي سبب من الأسباب، تتحكم الغريزة في تصرفات الإنسان. وهذا، كما قلت سابقاً، هو ما يحدث في الثورات. وقد رأينا في أغسطس من هذا العام نتيجة غياب العقل في المدن الإنكليزية عندما ثار الشباب العاطل عن العمل وهاجموا وسرقوا وأحرقوا المتاجر والبيوت، بل حتى وصل بهم الغي إلى لكم وقتل رجلٍ كبير في السن دعاهم إلى الهدوء. هذا لا شك تصرف حيواني غريزي ساعد على انتشاره غياب القانون، مؤقتاً، عندما تخاذلت قوات الشرطة عن كبح لجام هؤلاء الشباب خوفاً من الادعاء عليهم باستعمال القوة المفرطة في ردع الشباب الثائر وإذا نظرنا تعريف كلمة "ثورة" التي ربما اشتقها اللسان العربي من الثور الهائج، وضربوا به الأمثال فيما بعد عندما قالوا "كالثور في مستودع الخزف"، نجد أن كلمة ثورة ترادفها في اللغة الإنكليزية كلمة upheaval التي تعني انتفاضة أو حالة غليان أو عاصفة مؤقتة أو extreme excitement وهذا ما يحدث في عقل الإنسان الذي يصاب بمرض نفسي مثل الشزوفرينيا. فإذا هاج مثل هذا الشخص وقتل إنساناً آخراً بدون أي سبب، لا يُحاكم هذا القاتل وإنما يحال إلى العلاج في عيادة داخل سجن لا يسمح له بالخروج ليقتل مرة أخرى ألى أن يتم علاجه ويرجع عقله إلى التحكم في غرائزه. فثوار مصراتة الذين اعتقلوا معمر القذافي لم يصدقوا حظهم الذي قادهم إليه وكانوا يعتقدون أنه قد هرب من سيرت إلى الصحراء. بعض هؤلاء الثوار الذين ربما رءوا إخواتهم أو زوجاتهم وقد تم اغتصابهن من فلول مرتزقة القذافي، أو فقدوا أصدقاءهم أو جيرانهم جراء قذائف أطلقها مؤيدو القذافي، وسمعوا القذافي ينعتهم بالجرذان، عندما أمسكوا بالقذافي أصابتهم حالة extreme excitement وفقدوا عقولهم مؤقتاً وضربوا القذافي وصفعوه وأطلق أحدهم عليه طلقتين أو ربما يزيد. في الظروف العادية يحترم العربي من هو أكبر منه سناً، ويعامله كوالده، خاصةً إذا بلغ من العمر ما بلغه القذافي. ولكن الثورة ليست ظرفاً عادياً. هذا ما حاولت أن أشرحه في المقال. ولكن بعض القراء ظنوا أني أبارك قتل القذافي بتلك الطريقة البشعة التي اختتمت حياته التي اكتنفها الغموض والفوضى طوال أربعين عاماً من تسلطه على الشعب الليبي. فكيف أبارك قتله بهذه الطريقة البشعة التي أدانها حتى بوتين، رئيس وزراء روسيا، الذي كان رئيساً للكيى جي بي، وكان يرسل عملاءه إلى أوربا لقتل المعارضين السياسيين بواسطة الشمسيات المسمومة أو حتى المواد المشعة، كما حدث في لندن قبل عامين. وقد حيرتني بعض التعقيبات التي تزعم أن الأمر كله لم يتعدَ أن يكون مؤامرة من الناتو. يقول أحد المعلقين تحت عنوان "الناتو أمر بقتل القذافي" ما يلي: ( برأيي الشخصي وأستناداً لمعلوماتي البسيطة أن القذافي كان يعمل مع بعض الجهات الغربية بخصوص تصفية ( الأسلاميين ) من تظيم القاعدة وكان لديه سجون سرية يستنطق بها من تبعث به السي أي أي أو غيرها من الشبكات الأستخبارية في الغرب ، وبذلك فأن تصفيته جسدياً يطوي تلك الصفحة وغيرها من الصفحات من تعاون الغرب مع عميلهم السابق ( القذافي ) . وبالمناسبة فأن نفس تلك السجون السرية وطريقة التعذيب فيها بالنيابة عن السي أي أي لازالت موجودة في الأردن بأدارة جهاز المخابرات الأردني . ودمتم بخير ) انتهى. ربما لا يعلم السيد صاحب التعليق أن الصحف الإنكليزية والصحف الأمريكية والغربية عامة قد نشرت الملفات السرية التي تؤكد وجود السجون السرية في المغرب وليبيا والأردن وبعض دول أوربا الشرقية (ويكيليكس). ولم تعد هذه المعلومات سرية حتى يأمر الناتو بقتل القذافي كي لا تتسرب هذه المعلومات. وجمعيات حقوق الإنسان عثرت على كمية هائلة من المستندات السرية في طرابلس والتي تؤكد تعامل نظام القذافي مع السي آي أي والمخبارات البريطانية ونشرتها على الانترنت وفي الصحف. فلم يعد هناك أسرار يمكن من أجلها أن يأمر الناتو بقتل القذافي يقول معلق آخر من الجزائر (لهذا أقول لك يا دكتور أعد قراءة المشهد من جديد بتعمق و لا تنخدع بحبك الشديد للغرب لتحاول تبرير جرائم أمريكا و حلف الناتو ، الاسلاميين الذين تحاربهم بقلمك و نحن معك في هذا هم أيضا صناعة غربية أمريكية بامتياز و ما يحصل مؤخرا ما هو الا نتيجة اتفاق بين أمريكا و منظمات الاسلام السياسي متمثلة في الاخوان المسلمين و الوهابيين التكفريين لتدمير البلدان العربية و لا تنتظر الكثير مما يسمى بالربيع العربي بل هو الخراب العربي بسبب هوس هذه الشعوب بالدين و اعتقادهم أن كل مشاكلهم ستزول بعد أن يستلم هؤلاء الملتحين دفة الحكم .) انتهى السيد الجزائري يغمز إلى أني أحب الغرب وبالتالي لابد أن أكون حلقةً في تلك المؤامرة التي قادها الغرب لتدمير البلدان العربية. لا شك أن كل بلد غربي له مصالحه الخاصة التي يحاول توسيعها في البلاد العربية ذات المخزون النفطي، وبعضهم، مثل أمريكا وبريطانيا، يحاولون منع عناصر القاعدة من إنشاء جذور لها في البلاد العربية. وبما أن لكل بلد مصلحته الخاصة، فليس من المعقول أن تتآمر كل تلك الدول الغربية لتدمير البلاد العربية. أمريكا تبحث عن مصالحها، وقد شجعت الحكام العرب الديكتاتوريين على حصار الإسلاميين، ولكن بعد أن تبين لها أن الديكتاتورية إلى زوال، عرفوا أن الإسلاميين سوف يحتلون كراسي الحكم. ولابد لدولة مثل أمريكا، حفاظاً على مصالحها، أن تتعامل مع الإسلاميين لتخفف من العواقب الوخيمة التي ربما تصيب مصالحها إذا لم تتعاون مع الإسلاميين. فهل تتحتاج أمريكا إلى تكوين مؤامرة مع الدول الغربية الأخرى لتحمي مصالحها في بلدان الربيع العربي؟ وهل قتل القذافي على يد الثوار يدخل ضمن هذه المؤامرة الأمريكية مع الإسلاميين؟ السيد خالد أبوشرخ يقول (لا اعرف لماذا حذف تعليقي الثاني رغم انني لم ارتكب به اي مخالفة وهو استكمال لتعليقي الاول -القذافي تورط مع الغرب بصفقات سياسية واقتصادية جعلت من برلسكوني ينحني لتقبيل يده وكونداليزارايس تسامره وشخص عشوائي ويتعامل بردات فعل مثله لا بد له من ان يكشف مثل هذه الامور في محاكمته, فمحاكمة القذافي ليس من اجل معرفة اسرار جرائمه فاسرارها معروفة والكثير منها متورط بها أشخاص في السلطة الان ما كنا نتمناه ان تسير ليبيا بطريق دولة القانون والمؤسسات ولهذا كنا نتمنى محاكمته لان الخطوات الاولى تحدد الاتجاه, ولكن ما رايناه ان اتجاه ليبيا في نفس الدائرة التي رسمها لها القذافي - العنف وغياب القانون) انتهى. القذافي كانت له صفقات سياسية ومالية مع بعض الدول الغربية. هذه الصفقات يعلم بها الكثير من صحفيي الغرب وقد تحدثوا عنها في كتبهم وصحفهم. والمستندات السرية التي اكتشفها الصحفيون الغربيون بعد سقوط طرابلس كشفت العديد من هذه الصفقات. ولو عاش القذافي وقُدم إلى محاكة فلن يعترف بهذه الصفقات حتى يقدم له الاتهام تلك المستندات. وما دامت المستندات في أيدي الصحفيين الغربيين الآن وقد نُشر بعضها، لماذا يتآمر الغرب مع الثوار ليقتلوا القذافي وقد شاع سر الغرب؟ أما قوله إن الخطوات الأولى تحدد المسار للثورات، فقول مغلوط كما سبق وأن وضحت في تعليقي على المقال السابق أن التجاوزات التي قام بها ثوار فرنسا لم تحدد مسار الثورة فيما بعد السيد عمار الجزائري يقول (كلنا يعلم بان العقيد القذافي صنعته قساوة الامبريالية العالمية التي تغنى بها كل الحكام العرب منذ اكثر من 40 سنة خلت فكل المسلمين وحكامهم ورؤسائهم تغنوا بسياسات متعددة ضد الاستعمار وما فعله بهم قبل 50 سنة خلت لكن حكام الدول الاروبية والامريكية اظهروا ذكاءهم في رفع الحصانة عن شعوب مستعمراتهم حسب القانون الدولي العالمي للحروب - اي بعد انقضاء 50 سنة وتطبيق النظام العالمي الجديد المؤسس سنة 1989 ثم الازمة الاقصادية العالمية التي ضربت امريكا وتضرب الان اوروبا . وبمجرد القضاء على القذافي رفعت الديون على اليونان وقيمتها 1000 مليار اورو مسلوبة من الثوار والشعب الليبي المغبون. ولماذا منذ 42 سنة حكم القذافي ولا حاكم عربي ولا رئيس عربي ولا مفتي مسلم قاموا بالاجماع لاقناع القذافي وتوجيهه الى الخط السليم ) انتهى. إذا كانت القسوة الإمبريالية هي التي خلقت القذافي وبقية الرؤساء العرب، لماذا لم تخلق نفس القسوة ديكاتوريين في اليابان التي كانت مستعمرة أمريكية، أو في جنوب إفريقيا التي كانت مستعمرة بريطانية ثم استحوذ عليها البيض "البور" ذو الأصول الهولندية. وماذا عن أمريكا التي كانت مستعمرة إنكليزية؟ يقول السيد الجزائري (بمجرد القضاء على القذافي رفعت الديون على اليونان وقيمتها 1000 مليار أورو مسلوبة من الثوار والشعب الليبي). هذا الكلام خطاً مائة بالمائة. أولاً الديون لم ترفع عن اليونان، بل سوف تعفو البنوك الأوربية عن نصف ديون اليونان. وقد وافقت البنوك الأوربية على رفع مخزونها من السيولة إلى ترليون أورو للتصدي لأي كارثة مالية مستقبلاً. وأغلب هذا الرصيد يأتي من ألمانيا التي لم يكن لها أي تعاملات تذكر مع القذافي. فكيف استطاعت ألمانيا أن تسلب من الثوار الليبيين ترليون أورو؟ فيبدو أن القاريء العربي تنقصه المعلومات الصحيحة التي يحتاجها لكتابة تعقيبات مثل التي ظهرت على مقالي الأخير. وقد يستغرب المرء لماذا تعشعش نظرية المؤامرة في العقل الجمعي العربي. الناس تتآمر على شخص أو دولة تملك شيئاً أو أشياء تنقصهم ويريدون الاستولاء عليها. فإذا كان السبب هو امتلاك العرب للنفط، فهذا لا يحتاج إلى عملية مؤامرة إذ كل دولة غربية أو شرقية تحاول كسب الدول المصدرة للنفط إلى جانبها لتضمن إمدادها بالنفط. والنفط يباع بالسوق العالمية والذي لديه المال اللازم يشتري ما يريد من نفط العرب. فلا تستطيع أي دولة أو مجموعة دول التسلط على نفط العرب إلا إذا احتلت تلك الدولة دول الخليج، وهذا لا يمكن أن يحدث في عصرنا هذا. فلماذا التآمر علينا؟ هل تتآمر هذه الدول على الإسلام بهدف تدمير جنة المسلمين، أم تتآمر على اللغة العربية التي لا تفيد في أي مجال علمي ولا يتحدثها إلا حوالي مائة وخمسين مليون شخص من مجموع سبعة مليارات من البشر. العالم العربي أصبح كالمريض النفسي المحتجز في مصحة عقلية فيعتقد أن السور حول المصحة لحمايته من الذين خارجها والذين يتآمرون على إيذائه.
#كامل_النجار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثورة ليبيا واغتيال القذافي
-
إعجاز قرآني أم تخاريف؟
-
لقد دمر الإسلام عقولنا
-
حول الأقليات في العالم العربي
-
نقد الإسلام وتعقيبات القراء
-
الإسلام فقط وماذا عن بقية الأديان؟
-
الرسم القرآني - بعض الإيضاحات
-
متى ظهر الإسلام 2-2
-
متى ظهر الإسلام؟ 1-2
-
ردود مفصلة عن الرضاع
-
أسئلة لم يتطرق لها المسلمون
-
لعنة آل سعود
-
الإسلاميون وتعاملهم مع النقد
-
ختان الذكور في الماضي والحاضر
-
حوار مع الإسلاميين 3
-
حوار مع الإسلاميين 2
-
حوار مع الإسلاميين
-
مستقبل الثورات العربية
-
الثعبان الإسلامي متعدد الرؤوس
-
تفجير كنيسة الإسكندرية ودموع التماسيح
المزيد.....
-
كاميرا العالم ترصد خلوّ مخازن وكالة الأونروا من الإمدادات!
-
اعتقال عضو مشتبه به في حزب الله في ألمانيا
-
السودان.. قوات الدعم السريع تقصف مخيما يأوي نازحين وتتفشى في
...
-
ألمانيا: اعتقال لبناني للاشتباه في انتمائه إلى حزب الله
-
السوداني لأردوغان: العراق لن يقف متفرجا على التداعيات الخطير
...
-
غوتيريش: سوء التغذية تفشى والمجاعة وشيكة وفي الاثناء إنهار ا
...
-
شبكة حقوقية: 196 حالة احتجاز تعسفي بسوريا في شهر
-
هيئة الأسرى: أوضاع مزرية للأسرى الفلسطينيين في معتقل ريمون و
...
-
ممثل حقوق الإنسان الأممي يتهرب من التعليق على الطبيعة الإرها
...
-
العراق.. ناشطون من الناصرية بين الترغيب بالمكاسب والترهيب با
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|