|
ثورة ليبيا واغتيال القذافي
كامل النجار
الحوار المتمدن-العدد: 3527 - 2011 / 10 / 26 - 17:53
المحور:
المجتمع المدني
كتب الكثيرون عن المصير الدموي الذي أحاق بالقذافي وابنه المعتصم، وقد كتب السيد الياس خوري في صحيفة القدس اللندنية (طلب الرجل الرحمة قبيل اعدامه، وبدلا من ان تكون العدالة هي الجواب، سقط العقاب في فخ الجريمة، واعدم الرجل من دون محاكمة. لقطات يوتيوب أظهرت القذافي مدمى وهو يرجو من الذين القوا القبض عليه الرأفة به: حرام عليكم... حرام عليكم... انتم ما تعرفوا الحرام؟ . يستطيع المنتقم ان يسخر من سفّاح يطلب الرحمة، لكن العدالة تمتلك منطقاً آخر لا علاقة له بالانتقام. العقاب ليس جريمة كي يجري الاستخفاف به، خصوصاً واننا رأينا مشاهد المعتصم القذافي بعد اعتقاله، ولا أثر للاصابة في جسمه، ما يدفعنا الى الاعتقاد بأن قتل القذافي ونجله وبعض رجالات نظامه، لم يكن ردة فعل عفوية، بل جاء نتيجة قرار واعٍ بالتخلص من الديكتاتور، وعدم تسليمه لمحكمة الجنايات الدولية) انتهى ولا شك أن العدالة كانت تتطلب أن يحافظ الثوار على حياة القذافي ومعتصم لتقديمهما للمحاكمة. ولكن العدالة في نفس الوقت تتطلب أن يكون العقاب مساوياً للجريمة ولا يقل عنها في إرضاء المتضررين. ولو أبقوا على القذافي حياً لرفضت الحكومة الليبية تسليمه إلى محكمة العدل الدولية التي لا يوجد الإعدام في قوانينها. كان سوف يسجن بقية عمره. وبما أن القذافي كان قد شارف على السبعين من عمره، فكم سنة كان سوف يقضيها في الحبس؟ وهل العشر أو خمس عشرة سنة التي كان سوف يقضيها بالسجن تعادل الجرائم التي ارتكبها بحق الشعب الليبي، وهل كانت هذه العقوبة سوف ترضي ذوي المساجين السياسيين الذي فاق عدد من قتلهم القذافي في سجن أبو سليم الألف ومائتي قتيل؟ بالطبع لا لأن العدالة يجب أن تكون مساوية للجرم. ولو حوكم القذافي في محكمة ليبية فسوف يكون مصيره الإعدام كما أُعدم صدام حسين. ثم ماذا كان سيحدث لو أن الناتو لم يتدخل وقد وعد القذافي أن يمحو بنغازي من الخارطة مع مصراته وغيرها من المدن الأخرى التي شاركت في الثورة ضده، وأقسم أن يلاحقهم زنقة زنقة وبيت بيت؟ هل كان الداعون إلى اعتقاله سوف يدعونه إلى اعتقال الثوار وتقديمهم للعدالة بدل قتلهم حيثما ثقفوهم (واقتلوا المشركين حيثما ثقفتموهم). يقول السيد الخوري (محاكمة القذافي كانت ضرورية من اجل ان لا يطوّق العار تاريخ العرب. السؤال ليــــــس لماذا سقط الطاغـــــية بل لماذا لم يسقط من زمان، وما هي آليات الاستبداد ولغــــته ووسائله. وهذا لن يتم من دون محاكمة، لذا شعرت وانا ارى المشاهد المروعة لمقتلة القذافي بالغضب. ما هكذا تصنع الثورات، ولا هكذا نصل الى العدالة.) انتهى هل تاريخ العرب يحتاج إلى ما فعله ثوار ليبيا ليطوق بالعار؟ تاريخ العرب منذ الدولة الأموية وحتى الآن ظل متشحاً بالعار من مذابح وقتل ودمار واستعباد الغير والتسلط على رقاب الناس وبأسواق النخاسة وما كان يجري في قصور الخلفاء والأمراء، وما زال يجري في القصور اللاحقة. ما تم في ليبيا لا علاقة له بتاريخ العرب، والعالم كله ظل يتحدث عن الثورة الليبية ولم يقل أحد إنها كانت ثورة عربية. تحدثوا عن الربيع العربي لأن عدة بلاد عربية قامت بها ثورات وبعضها ما زال قائماً. فلا دخل للثورة الليبية بتاريخ العرب. وهل إذا قدموا الطاغية إلى محاكمة كنا سنعرف منه أشياء جديدة عن آليات الاستبداد ولغته ووسائله؟ ألا نعرف جميعاً كيف تتكون الديكتاتوريات وما الذي يجعلها تتوطن في البلاد العربية؟ هل كانت ديكتاتورية صدام حسين تختلف في آلياتها عن ديكتاتورية القذافي أو حافظ الأسد، وهل قدمت لنا محاكمة صدام حسين أي شرح لم نكن نعرفه عن أسباب وآليات الديكتاتورية؟ وهل هناك من يتصور لو أن القذافي سُلّم إلى محمكة العدل الدولية أو المحكمة الليبية العليا كان سوف يعترف بجرائمه ويشرح لنا لماذا وكيف أنشأ ديكتاتوريته وحافظ عليها؟ هل كان سوف يعترف بتدبير تفجير طائرة بان بام فوق لوكربي أو الطائرة الفرنسية فوق إفريقيا الوسطى؟ كل متهم في الدنيا يدفع ببراءته وينكر ما نُسب إليه، والمحكمة تعتمد على الأدلة. فأين هي أدلة لوكربي بعد أن دفع عبد الباسط المقراحي ببراءته بعد أن وصل ليبيا وأكرمه القذافي، وقد لا يعيش ليدلي بشهادته؟ وهاهو موسى كوسة، حافظ أسرار القذافي وكبير جواسيسه ومنفذ إعداماته يعبش طليقاً في قطر. فليقدموه إلى محكمة العدل الدولية، فكل شيء كان من الممكن استخلاصه من القذافي يمكن استخلاصه من موسى كوسه، وأي معاملات مع الدول الغربية لابد أن موسى يعرف عنها. ثم يقول السيد الخوري (في ليبيا تكرر المشهد وان بصيغة مختلفة، ومرة اخرى تم استخدام الانتقام اداة من اجل حجب العدالة) انتهى. ولكن في الحقيقة لم يكن القتل من أجل حجب العدالة وإنما كان غريزة إنسانية طبيعية تريد الثأر لكل سنوات القتل والسجن والتعذيب وصرف أموال الليبيين على مغامرات العقيد الفاشلة، ونمط حياة أفراد أسرة القذافي التي كانت أشبه بقصص ألف ليلة وليلة بينما عاش الليبيون في فقر وخوف. يقول جين لاكرو Jean Lacroix: الجمهورية تستند على موت الأب The republic rests on the death of the father فكل ثورة ضد الظلم والطغيان كان أول ضحاياها الحكام والملوك الذين أذلوا الشعوب وبالتالي تسببوا في الثورة وكل من تعاون معهم، أو يكون الموت من نصيب الفريق الآخر إذا خسر المعركة. ففي الثورة الأمريكية ضد الاستعمار الإنكليزي عام 1775 كان هناك ضابط إنكليزي يدعى Bannister Tarleton كان قد جند بعض الأمريكان الموالين للإنكليز وخلق منهم جيشاً يحارب في جانب الإنكليز. وفي معركة تُعرف باسم معركة كامدن، تغلب المرتزقة على كتيبة أمريكية، فاستسلمت الكتيبة لهم، فأمر الضابط بانستر جنوده المرتزقة بقتل الجميع، فصار ذلك الضابط يُعرف ب Bloody Ban. وفي الثورة الفرنسية عام 1789 والتي استمرت ثلاث سنوات، أعدم الثوار الملك لويس السادس عشر وعدداً غفيراً من البارونات وملاك الأراضي. ورغم الانتقام الذي حدث أنتجت لنا الثورة الفرنسية مصطلحات المساواة والمواطنة وحقوق الإنسان. وبعد ذلك بقليل عندما اعتلى نابليون سدة الحكم سار بجيشه العرمرم وحاصر مدينة يافا في فلسطين وأرسل اثنين من سفرائه إلى داخل المدينة للتشاور حول تسليمها، فما كان من أهل المدينة إلا أن قتلوا السفراء وعلقوا رؤوسهم على الحراب فوق جدار المدينة. عندها اقتحم نابليون المدينة وأباحها لجنده ثلاثة أيام ذبحوا واغتصبوا ما يروي غريزتهم من حب الانتقام لقتل السفيرين، وعندما تعبوا من القتل أسروا البقية الباقية من السكان وفي اليوم التالي أخذوهم إلى الشاطي وأعدموا حوالي ثلاثة آلاف رجل وطفل، بعضهم كان متشبثاً بتلابيب أبيه. حب الانتقام هو الذي يفقد الإنسان عواطفه وعقله ويدفعه للقتل. والشعب الليبي قد عانى كثيراً وكان لابد من وجود أشخاص أعماهم الحقد على قذافي ودفعهم للانتقام. فإذا أخذنا هذا في الحسبان وعرفنا أن جيش الثوار لم يكن جيشاً نظامياً تحكمه قوانين الحرب، نستطيع بكل سهولة أن نفهم لماذا قتل أحدهم القذافي وابنه بينما كان بعض الثوار ينادي بالحفاظ عليه. ففي لحظة انهيار الدولة ينهار القانون ويتصرف كل فرد بما يحلو له. وقد يقود حب الانتقام إلى أفظع من قتل الأسير. ففي الثورة الإسبانية عام 1936 والتي أعقبت الحرب الأهلية التي قاد اليمين فيها الجنرال فرانكو، استولى الفلاحون والعمال على المصانع والأراضي، وبلغ بهم الغضب على الأقطاعيين حداً جعلهم يحفرون قبور الإقطاعيين الذين ماتو في الحرب الأهلية وفصل رؤوسهم عن هياكلها وتعليقها على الصلبان. فغضبة المظلوم لا تعرف حدود الأخلاق والتعامل الحضاري. الإنسان في ساعة الغضب يفقد عقله ويتصرف بالغريزة، والغريزة تدعو إلى الانتقام. وحدث نفس الشيء في الثورة البلشفية عام 1917 عندما قتل الثوار الإمبراطور نيكلوس الثاني وعائلته من الأطفال والنساء. يقول السيد الخوري (ما هكذا تصنع الثورات، ولا هكذا نصل الى العدالة ). ولا اعتقد أن هذا القول صحيح بدليل أن الثورات عبر التاريخ اتسمت بالانتقام، حتى من أفراد قادوا تلك الثورات، ولذلك بقي المثل (الثورات تأكل بنيها). العقيد القذافي في رأيي نال ما يستحقه من عقاب وحصل الشعب الليبي على العدالة من الظالم
#كامل_النجار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إعجاز قرآني أم تخاريف؟
-
لقد دمر الإسلام عقولنا
-
حول الأقليات في العالم العربي
-
نقد الإسلام وتعقيبات القراء
-
الإسلام فقط وماذا عن بقية الأديان؟
-
الرسم القرآني - بعض الإيضاحات
-
متى ظهر الإسلام 2-2
-
متى ظهر الإسلام؟ 1-2
-
ردود مفصلة عن الرضاع
-
أسئلة لم يتطرق لها المسلمون
-
لعنة آل سعود
-
الإسلاميون وتعاملهم مع النقد
-
ختان الذكور في الماضي والحاضر
-
حوار مع الإسلاميين 3
-
حوار مع الإسلاميين 2
-
حوار مع الإسلاميين
-
مستقبل الثورات العربية
-
الثعبان الإسلامي متعدد الرؤوس
-
تفجير كنيسة الإسكندرية ودموع التماسيح
-
توضيحاً لإشكالات بعض القراء
المزيد.....
-
كاميرا العالم ترصد خلوّ مخازن وكالة الأونروا من الإمدادات!
-
اعتقال عضو مشتبه به في حزب الله في ألمانيا
-
السودان.. قوات الدعم السريع تقصف مخيما يأوي نازحين وتتفشى في
...
-
ألمانيا: اعتقال لبناني للاشتباه في انتمائه إلى حزب الله
-
السوداني لأردوغان: العراق لن يقف متفرجا على التداعيات الخطير
...
-
غوتيريش: سوء التغذية تفشى والمجاعة وشيكة وفي الاثناء إنهار ا
...
-
شبكة حقوقية: 196 حالة احتجاز تعسفي بسوريا في شهر
-
هيئة الأسرى: أوضاع مزرية للأسرى الفلسطينيين في معتقل ريمون و
...
-
ممثل حقوق الإنسان الأممي يتهرب من التعليق على الطبيعة الإرها
...
-
العراق.. ناشطون من الناصرية بين الترغيب بالمكاسب والترهيب با
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|