ريتا عودة
الحوار المتمدن-العدد: 1047 - 2004 / 12 / 14 - 08:39
المحور:
الادب والفن
(1)
فَراشة ٌ لكلّ الفصول كانت . مرّتْ بالنهر فحسدها على عذوبتها.
مرّتْ بالنار فأجفلت من توّقدها , مرَتْ بأطفال يحلمون فتمنّوا لو كانت طيفاً في أحلامهم. وعندما مرّتْ بذلك الكوخ الخشبي الصغير, باغتتها النافذة بنداءٍ خافتٍ حنون أطلق من سجن ذاكرتها صوراً جميلة استسلمت لها، ودخلت.. قالت:
ـ أستريح من عناء رحلتي الطويلة.. وأستعيد سكني فيه..
راحتْ تتنقل حالمة ً بين حجراته , تلامسُ موجوداته قطعة ً قطعة.. كل شيء تماماً كما الرسومات المنقوشة في ذاكرتها وأحلامها..
فجأةً شعرتْ بدوار..
خيوط دبقة لزجة أخذت تحاصرها من كل جانب. صرختْ. لم يسمعها أحد . اعتصرتها الخيوط.
نظرتْ حولها تبحث عبثاً عن يد تنقذها من ذلك الفخ .
صمت مفزع.. تمزّقه بين الحين والحين هدير آلة تدور وتدور بجنون تطحن في جوفها مزقاً من ملابس.
الخيوط تكاد تخنقها.. حاولتْ بما تبقّى من قواها أن تتخلص من قيودها لكنها كانت أعجز من أن تنجح .
مرّت دقيقة.. ساعة... خمسون..
مرّ رجلٌ قرب الكوخ فأيقظ ضجيجُه آمالـَها . نادتـــه برجاء:
- حررني !
*أينَ أنت؟
- هنا في الداخل..
*من أنتِ ؟
- فراشة . مُدّ لي يدك وحررَني ..
*أنـــــــــــا ؟!!!!
أخشى الاقتراب من ذلك العنكبوت اللعين ..
ابتعد.. وهو يُدحرجُ أمام خُطواتـِهِ ، كُرَة َ يأسه المطاطيّ.
بدأتْ آمالها تجف ّ .
وازدادتْ هواجسُها .. كيف سيقضي عليها؟
تراه سيتلذذ بمصّ دمها.؟ أم سيلتهمها قطعة واحدة..؟ أم ....
لكن ..... لـــِمَ لا تحاول هي النجاة بما ملكت من قوّة ؟
قررتْ باصرار أن تهزّ أركان مثلث الصمتْ .
(2)
كان يتدلى من السقف.. يقترب وجهه المرعب منها شيئاً فشيئاً.
استجمعتْ قـُواها. وراحت تخفق بجناحيها الضعيفين خفقات سريعة متتالية دون توقّف.
اهتــزّ البيتُ. اهتزّت الخيطان اللزجة..
فقد العنكبوت توازنه وهَوَى أرضا ..
طفل بعمر وردة نبتت من بطن الأرض, داسه بحذائه ودفعَ ببقايا أشلائه خارج الكوخ..
ثم عاد فرحًا للفراشة.
مدّ إليها يدَهُ النحيلة.. أمسكها برفق.. وحرّرها.
استعادتْ الفراشة بريق جناحيها، وزهو ألوانها. رفرفتْ.. وطارت ْ ..
لكنّها ظلتْ تراقبُ الطفلَ الذي وقفَ على باب الكوخ يلوّح لها بمنديل أبيض ,وهي تهتفُ:
كنْ بخيــــــر.. سأعود .
2002-11-11
#ريتا_عودة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟