أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عماد عبد اللطيف سالم - طغاة .. وكرنفالات .. وقبائل















المزيد.....

طغاة .. وكرنفالات .. وقبائل


عماد عبد اللطيف سالم
كاتب وباحث

(Imad A.salim)


الحوار المتمدن-العدد: 3523 - 2011 / 10 / 22 - 21:23
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لم يقدّم أي عقل جمعي , على مر التاريخ , ما قدمه العقل الجمعي العربي , للعالم بأسره , من سياقات ووقائع مريرة , ومن صياغة تكاد ان تكون غير مفهومة لتاريخه العام , وكتابة تكاد ان تكون عجائبية للتاريخ الخاص للحكام المستبدين ( وغير المستبدين ) في البلاد العربية , وما يرتبط بذلك من أختلاف في السلوك , وتشابه في المصائر .
وواحدة من أكثر وقائع هذا العقل دلالة , هي طريقتنا( نحن العرب ) في تنصيب الطغاة , وفي الخضوع لهم عقودا طويلة , ومن ثم في قتلهم ( دون توافر الشروط الموضوعية لهذه التراتبية في تقلب السلوك الجمعي , على وفق ما يقوله الكثير من المنظرين العرب الأفذاذ !!) .
أما لماذا يحدث كل هذا , ولماذا يتكرر حدوثه في بلداننا بالذات ,فهو تساؤل ينم عن سذاجة عقل " فردي " يرفض التسليم بحقائق العقل " الجمعي " العربي ذاته , وما يرتبط به من قيم وسلوكيات . كما ينطوي على " حالة إنكار صفيقة " تحاول تجاهل المقدمات المنطقية لبنية هذا العقل , لكي لا يتحمل " الأنسان العربي " مسؤولية النتائج المنطقية المترتبة عليها .
إن قلة قليلة من الكتاب والمفكرين العرب ( والعراقيين ) الشجعان , هي من حاولت الأجابة عن هذه الأسئلة " الكافرة " مرارا وتكرارا . وقلة قليلة , من الذين قرأوا ( أو أصغوا ) , إستوعبوا الدرس جيدا . وبالنسبة لهؤلاء , لم يعد منظر الطغاة – الآلهة ,( سواء في كرنفالات التنصيب , أو في حفلات القتل , وبالتعاقب ) مدعاة للدهشة أو الأستهجان , على حد سواء .
إن هذا السلوك الشاذ والمقيت , هو من فعل ذواتنا المقيمة هناك . في قلب الصحارى العربية الكبرى والصغرى . في مضارب العشائر , ودلاء القبائل , التي تشكلت قيمنا على وفقها , والتي لاتجرؤ عقولنا على مغادرة حدودها البالية بعد .
بهذا العقل العشائري – القبلي – العربي ذاته , تم تنصيب الساسة والشيوخ والقادة والسادة والزعماء , وقبولهم , والخضوع لهم , طيلة دهور مظلمة مديدة . وبهذا العقل ذاته تم قتل الكثير من هؤلاء " شر قتلة " .
إن كرنفالات التنصيب والخضوع والقتل الصاخبة لهؤلاء , لا تنفصل عن السلوك الأحتفالي – الأستعراضي للعقل العشائري- القبلي , بقيمه الثأرية المعمدة دائما بالدم , وبسلوك الغلبة والعصبية التي تكلست في عروقه المسدودة منذ ما يزيد عن الألف عام .
وهذا العقل ذاته هو الذي جعل السلوك الحاضر" للضحية " , يتماهى مع السلوك السابق للجلاد ( الذي شرعت الضحايا بقتله الآن ) .
كما قام هذا العقل ايضا ببناء الدولة العربية على شاكلته . فأصبحت هذه " الدولة " دولة العقاب , وليس النظام . ودولة العاطفة , وليس القانون . ودولة الولاءات كلها , باستثناء دولة الوطن والمواطن .
ويخطيء من يظن ان لهذا العقل مقاربات عقلانية للسلوك الناجم عنه . فالعربي ( والعراقي بالذات ) لا يحب ولا يحترم ولا يؤمن ( في قرارة ذاته ) بقدرات من يقبل بتنصيبه وصيا – ملكا- عليه. وحين يشارك في قتله لاحقا , فأنه لايكرهه , ولا يعتقد ولا يؤمن ( في قرارة ذاته )
بأنه يستحق هذا القتل . وشيئا فشيئا , وخلال أيام قليلة بعد نهاية الكرنفال الدموي ( وربما في أثناءه ) سيبدأ الكثير من الضحايا المفترضين بالتعاطف مع الصورة الأخيرة , والمصير الأخير لجلادهم " المغدور " . الصورة الأخيرة لنهايته , ولا شيء آخر .
ولدينا كعرب " وكعراقيين " ملايين السرديات (الشفوية والمكتوبة ) حول بطش الطغاة ودمويتهم , وحماقاتهم , وانتهاكاتهم لحرمة الحجر والبشر . كما ان لدينا أيضا ( وفي الوقت ذاته ) ملايين السرديات حول شجاعة هؤلاء وحكمتهم وسعة أفقهم , بل وحتى عن صدق أبوتهم , وعمق تعاطفهم , وعدلهم مع الرعية .
إن إحتفالية التنصيب , مثل وحشية القتل , هي شيء لصيق بنا . هي جزء لا يتجزأ من ذواتنا المستباحة , التي زادها الطغاة ( أيا ما كانت عناوينهم وهوياتهم ) إغترابا وتأزما , طيلة تلك الدهور الطويلة الممتدة ما بين إحتفالية التنصيب , وإحتفالية القتل .
إن تنصيب الطغاة , بتأثير حاسم للعصبيات البدائية ,ثم الشروع بقتلهم , بتأثير حاسم للسلوكيات المرتبطة بهذه العصبيات , قد يقدم تفسيرا لظاهرة التتويج والقتل , التي يقوم بها شعب ما , في بلد ما , في زمن ما . غير ان هذا لن يسقط المسؤولية الأخلاقية عن اولئك الذين شاركوا بارادتهم في احتفالات التنصيب تلك . إن همجية " القتل " لاينبغي ان تبرر ابدا إسقاط جريمة " التنصيب " بفعل التقادم .
ومع كل ما تقدم , فأن ثمة مشاهد أخرى تبدوا شاذة , حتى في سياق هذه السلوكيات الشائنة , المرتبطة ببنية العقل العربي المأزوم . ويعيد العقل العشائري- القبلي انتاج مشاهد بعينها , كلما سنحت له الفرصة للقيام بذلك .
ويحفل التاريخ المعاصر للعراق بمشاهد مثل هذه .
فقد تم قتل العائلة المالكة في تموز 1958 , والتنكيل ببعضهم , والتمثيل بجثث البعض الآخر , مع ان هؤلاء لم يكونوا طغاة ابدا . كان العراقيون يحبون الملك فيصل الثاني حبا جما , وشاركوا عن بكرة أبيهم في حفل تنصيبه ملكا على العراق . وحين كان " الملك - الطفل- المحبوب " ( كما كان العراقيون يصفونه آنذاك ) يغادر قصر الرحاب مع افراد عائلته ( ومعظمهم من النساء .. واحداهن كانت ترفع المصحف الشريف فوق رأسه ) , قام بعض " ثوار تموز " بأطلاق الرصاص عليهم دون تمييز . وقام " الرعية " لاحقا بالأحتفال بسحل الوصي على العرش"عبد الآله" واستعراض اوصاله المقطعة في شوارع بغداد الرئيسة .
ولم ينج " نوري السعيد " رئيس وزراء العراق , لسنين طويلة وصعبة , من مصير مماثل .
وإذا كان بعض الحكام العرب يستحقون المصير الذي آلوا اليه , فماذا عن " الزعيم عبد الكريم قاسم " ؟؟
ألم يكن زاهدا , ونزيها , و " نصيرا للفقراء " , ووطنيا " فوق كل الميول والأتجاهات " والعقائد والمذاهب ؟؟؟
هل يمكن نسيان الطريقة التي تم قتله بها في استديوهات اذاعة بغداد في " الصالحية " ؟؟
وإنني أذ أنسى , فأنني لن أنسى ما حييت ( وكنت طفلا ) , كيف تم عرض جثته على شاشة التلفزيون , وكيف كان أحدهم يمسك بشعر رأسه , ويهز وجهه المنقوع بالدم , يمنة ويسرة , ويبصق عليه , على مرأى من العراقيين كافة .
أخيرا ..
وما دمنا لا نستطيع أن نقدم للعالم المتقدم شيئا آخر,غير كرنفالاتنا الدموية ,النمطية , والممجوجة هذه ( أي تنصيب الزعماء , وتأليههم , ثم قتلهم ) .
فأن نصيحتي الذهبية لكل شعوبنا , وعشائرنا , وقبائلنا , وشيوخنا , وسادتنا , وسراكيلنا , وأغواتنا , على امتداد البلدان العربية " الثائرة " ( من سبتة ومليلة الى مسقط , ومن سيرت الى حضرموت ) هي :
أنجزوا ايها الأفذاذ مهماتكم المقدسة .
تشبثوا بقيمكم , وعقائدكم الصلدة , كسماوات قدت من صخر .
وتابعوا تفجير انفسكم
واوطانكم
واحدا تلو الآخر .



#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)       Imad_A.salim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جنود أيلول .. قطارات سبتمبر
- تأبين ٌ متأخر ْ .. للمقهى البرازيليّة
- بغداد .. سينما
- الكتابة في درجة خمسين مئوي
- بين بغداد .. وضحاها
- توصيف النظام الاقتصادي في دساتير الدولة العراقية 1925-2005
- البيان الأخير لحوت العنبر
- الأداء الأقتصادي للقطاع الخاص في العراق :(الخصائص والمحددات ...
- العراق والكويت والولايات المتحدة الأمريكية : مأزق الملفات ال ...
- القراءة الخلدونية ( حكايات جديدة لأطفال ٍ في الستين من العمر ...
- قلب ٌ وحيد ُ الخليّة
- مملكة العراق السعيدة
- الأمل ْ .. أوّل ُ من يموت
- تفاحة ُ الأسى
- القطاع الخاص وأنماط التشغيل في العراق ( أبعاد المشكلة وإشكال ...
- الحزن هنا .. فوق قلبي
- - فوضى هوبس - : الفرد الخائف .. والدولة التنين .
- أحزان مستلة .. من الفرح القديم
- همرات .. ورعاة .. ومسالخ
- الفساد والمناصب : ريع الفساد .. وريع الراتب


المزيد.....




- السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
- الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
- معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
- طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
- أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا ...
- في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
- طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس ...
- السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا ...
- قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
- لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عماد عبد اللطيف سالم - طغاة .. وكرنفالات .. وقبائل