|
رسالة ...للعزيز محمد بوعزيزي
فريد يحي
الحوار المتمدن-العدد: 3523 - 2011 / 10 / 22 - 10:04
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
هذه الرسالة للروائي الجزائري بوعلام صنصال ،والحاصل على جائزة السلام من مجموعة الناشرين الألمان ، للعام 2011 ، يخاطب فيها الروائي "محمد بوعزيزي"التونسي ... الذي قام بإضرام النار في نفسه في 17 ديسمبر 2010 ...جميلة هي هذه الرسالة... وتستحق القراءة.
الأخ العزيز:
إليك...أكتب هذه السطور القليلة ، وكل غرضي منها ، أن تكون على معرفة، بأننا بالمجمل نقوم بعمل جيد ، بالرغم من أن الأيام مختلفة من يوم إلي أخر،إلا أن بعض الأحيان، الرياح تغير أماكن هطول المطر،لتنزف الحياة من كل مسام،لأجل قول الحقيقة . لست متأكدا تماما أين تقف أقدامنا ألان، لأنك ببساطة عندما تكون غارقا في الحرب حتى العنق، يصعب عليك أن تتبين... إلا عند النهاية... سواء كانت هذه النهاية سعيدة أو حزينة...لا يهم لأنه سيكون هناك سؤال حاسم: هل تكون من التابعين ، أو تسبق الآخرين؟...إن العواقب ليست متشابهة.فبعض الانتصارات يكون سقوطها وجيز، بينما بعض الهزائم هي بدايات لانتصارات عظيمة حقا. هذه هي اللعبة ...حيث الموت دائما يأخذ على حين غرة... هناك وقت قبل، ووقت بعد، ولكن ما بينهما... تبقى لحظة واحدة فقط عابرة للغاية... تجعلك تفكر..
انظر إلي أولئك اليمنيون الفقراء، الذين ابتهجوا عندما اقتيد البائس "على صالح" بعيدا... على نقالة...في تلك اللحظة قالوا لأنفسهم ،لقد مات، أخيرا ألان يمكن لنا أن نعيش،ولكن الوحش عاد مرة أخرى للحياة،يصاحبه جنون الغضب،بدون شفقة .الغربيون تترددوا في السماح له بالعودة.لان في الأفق لا يوجد أي انفراج، والحذر يعم المكان، و الديمقراطية تخشى من الظهور، خاصة وأن أدعياء الجهاد في الانتظار، والقبائل مسلحة من الرأس حتى القدمين،هذه الحالة اليمنية، يوجد لها مثيل في أماكن أخرى:حيث الناس لا يدرون هل يضحكون أم يبكون. فالقذافي يدفع الإنسانية إلى اليأس ،نتيجة رفضه أن يموت ؛ ،وبوتفليقة يدفع الإله إلي اليأس ،رافضا نطق شهادة الموت،أما الأسد فهو يدفع الموت إلي اليأس ،لأنه يقتل أسرع منه...كم سيطول هذا الربيع العربي؟ فأيامه غامضة أو بالأحرى غير مؤكدة..
عزيزي محمد/ لن أتحدث بالشأن التونسي، فأنت أخر شخص أريد الإساءة له...ولكنك تعلم تمام العلم بسيرك بلدك، حيث الشمبانزي الذكي ...الذي لا يعرف الكلل ،والمتملق والمداهن كوكلاء التأمين،يعطيك بيد،ليأخذ ما أعطاه لك باليد الأخرى،هذه العادة ليست بغريبة عنهم ،فهم قد ورثوا من أسلافهم الفينيقيين،الاستيعاب والطرق الملتوية...فلا عجب كيف اختفوا، إن هم لم يموتوا بالفعل.
بورقيبة كان منافق كبير،بابتسامة ،وأدب سلس، أستطاع بسحره، أن يجرد الناس من ملابسها ...في الحقيقة، هو إعطاءهم فقط ما كان موجود عندهم، المرأة لها حقوقها...ماذا يمكن أن يكون طبيعي أكثر من هذا؟...هذا ما نجح في فعله، إعطائه للنساء التونسيات ما كن قد حصلن عليه مسبقا من الله، ومن أنفسهم...الجمال، الذكاء والحرية..
هم يقولون في تونس بأن بورقيبة أعطانا،ولكن هذا خطاء،فمن رحم هذه الأخطاء ولد الديكتاتوريون،فعندما يعطيك أحد شيئا ،بإمكانه أن يسترده منك... "بورقيبة" كان في السلطة لمدة 30 عاما، مثل" مبارك" و"علي صالح" ،ناهيك على انه هو الذي خلق بن علي ،وأوصله إلي طريق السلطة،لقد حان الوقت لنفتح أعيننا ونعلم بأنه لم توجد حرية، إلا ما أعطيناه فقط لأنفسنا. إذا ما وعد خليفة "بن علي" بالحرية والديمقراطية،فلابد أن نرميه خارجا،لأنه ببساطة ديكتاتور،التونسيون يملكون أمورا جيدة يمكن أن يقوموا بها،بدون أن يتولى أحد أن يشرح لهم بأن الحرية والديمقراطية أعطية،مقابل إدارة سليمة لميزانية البلد، ليبقى الباقي أمورا لا تخصه . لهذا السبب علينا الاحتراس من الخطب و الدين و الأصوات التي تعلو، و الأفعال التي تتجمد في ثلاجة الوعد!...علينا أن نحترس من مشاهير الرجال:فهم لصوص الثورات.
على الرغم من أن أمراء قطع الطرق "بوتفليقة "،"مبارك"،"بن علي" ،"الأسد" ،وعصابتهم، حاولوا بقوة تقليد بورقيبة ، إلا أنهم سرعان ما رجعوا إلي طبيعتهم الحقيقية من قتل وتعذيب وسرقة.
عيسى المسيح قال ذات مرة "الذي يصنع النبيذ لا يشربه " أنت يا محمد... نجل الشجعان والشرفاء، من سيدي بوزيد،قمت بمهمتك... فألقيت الشرارة، لننهي نحن هذه المهمة ، من الآن وحتى النهاية... نقسم ونحن نحمل قلوبنا على أمل أن نموت، بأننا سننجز المهمة، من أجل أن يعيش أطفالنا في سلام نحققه لهم.
ولكن دعونا نلقي نظرة متفحصة لهذه اللحظة. حيث للذي يجهل إلي أين يذهب ،فباستطاعته العثور على الطريق،الذي يقود الدكتاتور إلى النهاية ،يمكنني أن أقول لكم بأن ليست كل الطرق تؤدي إلى روما ؛ فإسقاط الطاغية لا يؤدي إلى الحرية. السجناء يتداولون من واحد إلي الأخر، لأجل تغيير المشهد، بالإضافة إلي الفرصة لكسب شيئا قليلا على طول الطريق، لهذا السبب أنا أخشى على الثوار فهم يفتقرون إلى المنظور... في العام 88-89، أرغمنا الديكتاتور الشاذلي "الذي لم يكن قاطع طريق على درجة كبيرة من السوء" على الخروج من الجزائر ،لنرمي أنفسنا مباشرة بعد ذلك في أحضان الاسلامويون ، طالقين العنان لها ،في مزاولة تجارة السلع المهربة المسرطنة ،كمثل روافد صغيرة تغدي أنهر كبيرة ...لقد جعلنا من أنفسنا تجار في السوق السوداء على نطاق عالمي. ومع هذا لم نتوقف عند هذا الحد، فعبر وعد بحياة قصيرة جرداء، قمنا بتهجير أطفالنا لنجعل منهم غداء للأسماك، أو مفقودين في بالوعات الهجرة غير الشرعية... حق لنا أن نفخر كثيرا بأنفسنا لأننا لصوص مع" بوتفليقة" ...أسوا زعيم عصابة على وجه الأرض. .
عزيزي محمد البطل، إذا كان في مقدورك أن تعود، نرجوك أن تقول لهم، بأنك لم ترمي بنفسك إلي النار لتكون هذه النتيجة...قل لهم بأنك تريد أن تبعد البلاد عن الديكتاتورية وظلالها...كل ظلالها ،المتمثلة في العشائرية والمحسوبية ، والعنصرية ومعادة السامية، باعتبارها السبيل الوحيد للنظر إلى العالم ، الإسلام أو المنفى صارا هما الأمل ...هذه الأشياء القاتلة لابد أن تبتعد، لكي تفسح الطريق لحياة نظيفة وسلمية، دافئة، وودية..
عزيزي محمد، أيها البطل، على الكل أن ينغمس في هذا الأمر، لذلك وجب أن نحرر أنفسنا من الشرور التي لدينا، بالإضافة إلي الرعاية التافهة، والاختلال العقلي، وجنون الأئمة...وتجار المخدرات. خشية من أن تحل النخبة الفاسدة" التي لا تعترف إلا بنفسها" بمصطلحاتها محل الجهل ، هذه المصطلحات كصعوبة تطبيق الديمقراطية في الوضع المحلي ،لأنها نتاج غربي ،وهذا المنتج لن يصيب المجتمع إلا بالحرب والتمزق.هل هذا ما يحدث في العالم العربي؟، هل أولئك الذين قاتلوا لأجل الحرية، الكرامة والديمقراطية، والذين سعوا لإيقاظ العالم العربي من أحلام اليقظة والاستبداد لعدة قرون ...هم سبب الآن فيما يحدث؟... ربما هناك جانبا من الصحة، فمن الصعب معرفة الحق من الباطل، وسط الدخان والضجيج والقمع... الاستعجال ملح ولكنه يمنعنا من رؤية بعيدة جدا.
هذا ما أردت أن أقوله لك... يا عزيزي محمد. سيكون لطفا منك، إذا كان في أمكانك أن تظهر لنا وتنيرنا، فمن المؤكد أنك في الأعلى...على علم بمستقبل العالم. . حاشية: القذافي رفض الموت ،ولكن الموت يأس منه فجثم على صدره،متعمدا أهانته ، لان القذافي تكبر عليه فلم يعتبره ...أيضا لم يحترمه.
#فريد_يحي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اليسار...طريق الحرية
-
الاحتجاج...طريق الثورة السلمية
-
اليسار الألماني:صراع الأقطاب
المزيد.....
-
الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (إ.م.ش) تدعو للمشاركة الوازنة
...
-
النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 576
-
فريق حزب التقدم والاشتراكية بمجلس النواب يُطالب الحكومة بتقد
...
-
السيد الحوثي: بقية الفصائل الفلسطينية المجاهدة في غزة تواصل
...
-
هل تسعى تركيا إلى إنهاء الصراع مع حزب العمال الكردستاني؟
-
تركيا.. اعتقال رئيس بلدية -أسنيورت- بتهمة الانتماء لحزب العم
...
-
العدد 577 من جريدة النهج الديمقراطي بالأكشاك
-
الجبهة الديمقراطية تراسل الاحزاب السياسية والبرلمانات العالم
...
-
المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي يدين بشدة وصف ا
...
-
بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
...
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|