جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3522 - 2011 / 10 / 21 - 20:01
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
هنالك ثمة شخصٌ يتربصُ بي ويتقمص شخصيتي ويحاول أن يكون نسخةً طبق الأصل عني ومشكلته هي أنه لا يعرف بأنني فريدٌ من نوعي لم يخلق اللهُ مثلي لا قبلي ولا بعدي, يعني على مبدأ خلقني الله (وكسر القالب)..وأحيانا يفتح معي محكمة تحقيق فيسألني أسئلة أعجز في الإجابة على مثلها..وأحيانا أشعر بأنني أنا لست أنا فأستهجن تصرفاتي وأعيب على نفسي في كثير من الأمور وألومها وألقي باللوم على نفسي وأعتذر من نفسي لنفسي, وأحيانا أبدو وكأنني أريدُ أن أنتقم من نفسي لنفسي فأحملُ نفسي فوق ما تحتمله وأتكلفُ غاية التكليف وإذا كتبتُ أهرب من المحسنات البديعية التي تجعل من نصي نصاً مصنوعا فيه كثيرٌ من التكلف والصنعة,وأشعرُ كم هو أنا ضائعٌ بين حانا ومانا.. وأشعر أيضا بأنني سقطت من السماء فجأة على الأرض دون أن أجد نفسي في أحضان امرأة تخافُ عليّ من هبة الهواء أو من نِسمة الصيف العليلة...وأحياناً أجدُ ذاتي حيثُ أنا لا أباً يترحمُ بي غايةَ الترحم لأحتمي في ظله, ولا أماً اختبأ تحت إبطها إذا داهمتني حالة استثنائية, ومن أين لي حبيبةً تتوسد ذراعي بدل المخدة ؟ ومن أين لي يدأ تمتد إليّ لتطوق كتفي ولتطرد من داخلي الشرير الذي يحاول أن يسكنني, وأحيانا أشعرُ بأنني فعلا من هذا العالم ولا يوجد أي داعي للاستغراب أو للدهشة وأشعر فعلا بأنني مثلي مثل كل الناس ولا يوجد بيني وبين الناس علاماتٌ فارقة وأيضا لا يوجد شخص آخر يسكن في داخلي, ولهذا أقولُ لا داعي للقلق ولا للإستعباط, أنا أشعر أحيانا بأنني مفهوم وواضح كل الوضوح والغلط ليس مني بل من شيء خارج عن إرادتي يتحكمُ بي عن بُعدٍ وعن قربٍ ولا يوجد أي داعي للاستهجان, وحين تنتابني نوبات من التوحش والتوحد مع حالتي المرضية في بعض الأوقات,نعم, أشعر فيها أنني يتيم في هذا العالم ووحيد زماني وبأنني غريب عن هذا العالم وبأنه لا توجد أي علامة تؤكد بأن حالتي الصحية مثل حالة أي إنسان, حتى أمراضي النفسية مثل جنون التواضع كثيرا ما أشعر من خلالها بأنني أكذب على نفسي لأن التواضع في أغلب الأحيان يكون عبارة عن غرورٍ كبيرٍ في الشخصية فمن شدة إعجابي بنفسي تواضعت أمام الناس كثيراً لكي أُشعرهم بأنني شخص عادي مثلي مثلهم, وعدم الشعور بقيمة ما أكتبه هو أيضا نرجسية عالية جدا,وإن كل الدروس التي تعلمتها من الحياة ليست كافية لتجعل مني شخصا عاديا متواضع وغير مغرور وأشعرُ بأن أمراضي النفسية جديدة جدا على هذه الأرض وأشعرُ بأنها فتح جديد واكتشاف جديد ومذهل في عالم الطب النفسي.
وربما أنني محق حين أقول عن نفسي بأنني غريب ومختلف عن الكل وبأن في داخلي شخص ما مجهول الهوية يلعب بي وبعواطفي, فمرة يجعلني أحب الدنيا ومرة يجعلني أكره الدنيا وما فيها أو بكل ما فيها من ألوان واتجاهات فلسفية, وصدقوني أنني لستُ أنا, أنا لستُ أنا, أنا شخص مغمور جدا, أنا شخص عاطفي جدا, أنا شخص تلعب به العواطف أكثر من لعبها بقلوب العذارى وشيءُ ما يتلبسني في أثوابي لا هو مني ولا أنا منه, هو شخصٌ آخر يحاول أن يتقمص شخصيتي ويحاول أن يأخذ دور العذاب الذي أتعذبه يوميا ,وفوق كل ذلك يحاول أن يأخذ مني دور البطولة ولكن هيهات هيهات أن يأخذ مني دوري, وهيهات له أن يقلدني في كل شيء,وأنا أقول للمتفرجين وللمستمعين وللقارئين: أنا النسخة الأصلية واحذروا التقليد, أنظروا إليه إنه يمشي كما أمشي,وأنا أنبه الجميع:احذروا التقليد أنا النسخة الأصلية لم يخلق ربي مثلي أو شبهي,شيء ما في داخلني يجبرني على ارتكاب كل الكتابات أو إن صح التعبير أكثر يجبرني على ارتكاب كل الحماقات التي كتبتها طوال حياتي, وذاك الشئ يأكل من وجهي القطعة التي أرى فيها نفسي شاحب اللون من كثرة أحزاني, شخصٌ ما يتحكمُ بي من الداخل وكأنني جهاز تلفزيون يحركه إنسانٌ آخر بواسطة الريموت كنترول, أنا أشعر بأن هنالك من يسكنني وبأن هنالك من يلعب في قوة تحملي للمياه وللكهرباء, إنه يقلدني في كل شيء حتى في الآونة الأخيرة صار يأكل كما أأكل وينام كما أنام ويصحو معي على مائدة الإفطار ويجلس معي على مائدة العشاء,وأنا أقول: احذروا التقليد لا يوجد مثلي لا قبلي ولا بعدي, أنا شخص أصبحتُ ملبوسا أو ممسوسا بعد أن شفيت من حالة الوهم استلمتني حالة التقمص وأشعرُ بعد أن شفيت من أوهامي بأنني فعلاً وقعت في التلبس والمَس والتخبط, وهنالك شخص آخر في داخلي ما زال مصرا على أن يسكن ويعشش في داخلي , والآن هو يتحرك في داخلي كما يتحرك الجنين في بطن المرأة, أنا رجلٌ مسحور هكذا قالت لي أمي, حاولت أن أغلق تلك الأسئلة الكثيرة التي تلحُ في طلبي,جملٌ كثيرة لا أعرفُ معناها, أشياء في داخلي تبعثُ على التقزز, وأشياء أخرى تجبرني للذهاب إلى المرحاض للتقيؤ منها, حكايات طويلة تجعلني رجلا لا مباليا, متبلدُ أنا ومتجمدُ في الحائط مثل المسمار الفولاذي, أصوات ضحكات يعلو صداها في أُذني وشخصٌ آخر في داخلي يضحك بأعلى الصوت,أنا بعد أن كنت رجلا موهوما ومصاباً بالوهم الآن تؤكد لي بعض الدراسات غير العلمية التي أجراها عليّ شيوخ الحارة بأنني رجلٌ ملبوس, وبصراحة لا أريد أن أفصل بين المَس وبين اللبس وبين الوهم وكل ما أريده هو أن أشفى مما يعتملُ في داخلي, أنا لا أدري متى جئت ولا أدري كيف أسير في الطرقات وأحيانا أعتذر على نفسي بين الحزن وبين الأشواك وأحيانا أجد نفسي في النار وأحيانا أصحو على ذاتي وأنا في الجنة وأخشى أن أعثر يوما على نفسي في مستشفى المجاذيب أو كما يسمونه مستشفى المجانين, أنا ضائع ,أنا متشرد أنا عنجهي وأنا لا أدري حقا من هو أنا!! هل أنا ذلك الفتى الذي أكل الورق أكثر مما أكل الخبز, هل هو أنا ذلك الموسيقي الذي يصدح بألحانه على نايه الحزين؟ هل أنا من سولت له نفسه بأن يصبح كاتبا على درجة رفيعة من الوعي, أم أنا ذلك الرجل الذي عقله من الداخل فارغاً كالطبل, يعني هل عقلي عقل طبل أم أنا ملبوس في داخلي وأعماقي, أحيانا حين أقرأ بعض كتاباتي أشعر بأنني غريب عنها وكأن شخصا آخر قد كتبها, أريد
رجلٌ عاش هنا ردحا طويلا من الزمن, حاول أن يتعرف على الآخر المندس في أثوابي وطفولتي تهلكني وجعا وألما, أنا محتار في حياتي ولا أعرف كيف أروي عطش السنين, ولا أعرف لماذا أأكل الطعام وأشربُ الشراب, دنيا غريبة ونحن فيها أغراب, لا أحد يعرف نفسه وإن كنتُ لا أعرف نفسي فكيف بي أن أعرف الآخرين, شيء ما يجعلني ابتسم ابتسامة خجولة وأشياء أخرى تجعلني أتقهقه مثل الشيطان بصوت عالي,من أين أتيتُ وإلى أين سأذهب, ملأت هذا الدرب أسئلة كثيرة عن المندس في ثيابي حاولت أن أخرجه من ثيابي بكل ما أوتيت من مكر] وحيلة, حاولتُ أن أكون ماكرا وماهرا بالمكر لكنني لم أستطع, حاولت أن أخرج الذي في ثيابي ففشلت وذهبت إلى عراف الحارة وقال لي (أنت ملبوس) في داخلك جنية تتلبسك وأنت لا تدري, ورجوته أن يخرجها من أثوابي فتمتم بلسانه كلمات أعرفها وكلمات لا أعرف معناها.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟