أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سوسن أنور الجمل - هروب اخواتى















المزيد.....

هروب اخواتى


سوسن أنور الجمل

الحوار المتمدن-العدد: 3521 - 2011 / 10 / 20 - 22:26
المحور: الادب والفن
    


استيقظت على صوت هاتفى المحمول، من ذا الذى يتصل بى فى مثل هذا الوقت لقد قاربت الساعه الرابعه فجرا، نظرت فى شاشة هاتفى لأجد كارول صديقتى، يارب يكون خير، أرجو ألا يكون مكروها أصاب أحد من العيله، لقد كانت ماريكا تعبه قليلا، ماريكا هى جده كارول، اسمها تيته ماريا وانا اطلقت عليها ماريكا عندما رأيت صورتها فى شبابها كانت تشبه نيللى مظلوم وذكرتنى بفيلم فاطمه وماريكا وراشيل، وأصبح اسمها الدارج هو ماريكا.
- الو ... ايوه يا كارول خير فيه ايه
- ماتتخضيش مافيش حاجه انا بس كنت عايزه اسلم عليكى قبل ما امشى.
- تمشى تروحى فين؟
- احنا طالعين على استراليا، حنركب الطياره بعد نص ساعه، حبعت لك ميل لما الدنيا تستقر بينا
سمعت صوت والدتها تسألها
- انتى بتكلمى مين دلوقتى؟
- دى أمل يا ماما
- فيه ايه تانى، ما احنا سايبناها لهم وماشيين، عايزين ايه بقى، يالا ابوكى ابتدا يتنرفز.
لم أفهم ما هذا الذى يقال، عن ماذا تتكلم طنط ليلى، سايبين ايه لمين، وسألت كارول
- فيه ايه انا مش فاهمه حاجه؟
-معلهش انتى عارفه الظروف واللى بيحصل فينا، بابا قرر اننا نهاجر، البلاد كلها فاتحه الهجرة دلوقتى لأقباط مصر، بس بابا نبه علينا مانقلش لأى حد خصوصا لو مسلمين. انا مضطره اقفل دلقوتى، حتوحشينى اوى، بوسي لى طنط منى وانكل محمود وأحمد وكل أصحابنا .. حتوحشونى اوى كل حاجه هنا حتوحشنى.
وانفطرت فى بكاء وانهت المكالمه وأغلقت هاتفها، لم استطع الوصول لها ثانيه. لم استطع النوم مره اخرى، انتابتنى حاله من الذهول والحزن وعدم الفهم. كارول صديقتى منذ أيام المدرسه، كنا معا فى مدرسة الراهبات ولم نتطرق منذ نعومة أظافرنا وحتى دقيقه واحده لموضوع اختلاف الدين بيننا، كانت تحتفل معى بأعيادنا وكنت احتفل معها بأعيادها، كانت جزء من عائلتى وكنت جزء من عائلتها، كنت أقابل بالترحاب من جميع أفراد عائلتها وكانت تعامل بالمثل فى عائلتنا، وكان هناك صداقه عائلية بين العائلتين نتجت نتيجه صداقتى بكارول. كان الجميع يتعامل معنا على اننا اخوات وكانت امى دائما ما تقول اننى وكارول كالتوأم الذى لا يفترق، لماذا نفترق الآن بعد كل هذه السنين.
كم اتمنى ان تكون هذه المكالمه مجرد حلم او كابوس او حتى هزار من هزارها التقيل، فقد كنا دائما ما نتفنن فى ايقاع الاخرين بالمقالب خفيفه الظل، ولكن لا انها ليست كذلك، انها حقيقة كابوسيه.
مر ثلاثة ايام الآن منذ هذه الليله، وانا اتابع بريدى الالكترونى كل خمس دقائق فى انتظار استلام أى كلمه من كارول ولكن لم يحدث إلى الآن. لا أبالغ اذ قلت ان لهذا الموضوع تأثير سلبى جدا على كل حياتى، دخلت فى نوبه من الاكتئاب لا اعتقد انه سيخرجنى منها سوى اتصال من كارول أو انخراط فى العمل.
أعمل فى شركة كبيره متعددة الجنسيات فى ادارة المشروعات، انا وايهاب وجورج نكون فريق عمل من انجح فرق العمل بالشركه، يوكل لنا دائما المشروعات الكبيره ذات التعقيدات لأننا فريق متجانس، نعمل بدأب وكفاءه وجديه وكنا دائما ما نحظى بالعلاوات والمكافآت الاستثنائيه والثنائات المستمره، وكنا نفهم بجد معنى فريق عمل وتربطنا علاقات انسانيه جميله غير منتشره هذه الأيام فى مجتمعنا.
دخل جورج صباح اليوم ولم يكن كعادته فهو دائما ما يشع بهجه لحظة دخوله الشركه، تعرف بمجيئه بسماع الضحكات والنكت من لحظة دخوله حتى وصوله إلى مكتبه، ولكنه اليوم صامت وواجم، دخل المكتب الذى نتشارك فيه ثلاثتنا والذى يطلق عليه زملاؤنا الورشه ولأول مره يغلق الباب وراؤه
- صباح الخير يا امل، هو ايهاب لسه ماجاش.
- صباح النور يا جو، ان، انت ناسى ولا ايه، ايهاب النهارده وبكره فى المشروع اللى فى طريق مطروح عنده حصر.
- اه نسيت، طيب انتى فاضيه شويه، انا عايز اتكلم معاكى
كنت مشغولة بعض الشىء ولكننى استشعرت بعض قلق واحسست اننى سأسمع خبرا غير سار بالمره.
- خير يا جو فيه ايه؟
- انا جت لى موافقه هجره لكندا، حمشى فى خلال شهر ونص
انتابتنى حاله اخرى من الذهول، لم اتماسك وسالت دموعى دون أن انطق كلمه واحده
- امل الله يخليكى ماتصعبيش الدينا اكتر ما هى صعبه، والله انا واخد القرار غصب عنى
- انت طول عمرك رافض الهجره، اختك اتحايلت عليك كتير اوى وانت كنت بترفض، ايه اللى حصل
- ابدا، فكرت فى مستقبل بناتى ساندرا ومارينا، اربيهم ويعيشوا هنا ازاى
- زى ما كلنا اتربينا وكل اللى فى سنهم عايشين
ابتسم ابتسامه تحمل الكثير من الأسى
- بقول لك ايه، الموضوع ده ماحدش يعرفه خالص، انا حقول لايهاب وانتى وبس، النهارده حقدم استقالتى وحقول ان جت لى فرصه عمل بمرتب ومنصب اعلى من هنا، ارجوكى يا امل اوعى تجيبى سيرة الهجره لحد ما امشى.
- ليه؟
- نفوس الناس اتغيرت وممكن وانا فى المطار الاقيهم ملفقين لى مصيبه
- هما مين؟
- انتى مش حاسه ان الشركه اتملت اخوان مسلمين، يا شيخه دول بطلوا حتى يصبحوا عليه، اقول لهم صباح الخير يردوا "عليكم السلام ورحمه الله بركاته" تحية الاسلام (قالها بتهكم)
تذكر فجأه اننى مسلمه
- انا اسف مش قصدى اقول حاجه عن الاسلام بس انتى اكيد فاهمه
- اسف ليه انت بتقول الحقيقه فعلا
تركنى بين ذهولى وبكائى وذهب ليقابل مدير ادارتنا لتقديم استقالته التى كانت مطبوعه وجاهزه معه. مسكت بهاتفى المحمول بدأت اتصفح كل الأسماء والأرقام به، وفى ورقه خارجيه دونت أسماء أصدقائى ومعارفى المسيحيين، اكتشفت فجأة أن لى كم هائل من الأصدقاء والمعارف المسيحيين، أول مره الحظ ذلك ولكنه أمر طبيعى ، وشعرت بحنين غريب لهم جميعا، أريد أن اكلمهم، وبدأت فعلا بالاتصال بهم واحد تلو الأخر، مجرد سلامات وتحيات وسؤال عن الصحه والأولاد واخبار الحياه بشكل عام واعتذار عن عدم سؤالى عنهم فى وقت سابق حيث اننى مشغوله جدا هذه الأيام، مجاملات ولكنها صادره من قلبى فعلا وليست مجرد مجاملات اجتماعيه، أردت ان اعتذر عن ما يفعله المتأسلمون بهم ولكنى خفت، خفت من اسمع خبر هجره اخر، مرت المكالمه معهم جميعا بشكل طبيعى، ماعدا هانى الذى كان يعمل معنا فى الشركه قبل أن يفتح مكتب خاص به
- مالك يا أمل، فيه ايه؟
- ولا حاجه، جيت على بالى وبقى لى كتير ماشفتكش او كلمتك قلت أسأل عليك
- أمل، احنا اتغدينا سوا امبارح
كأنه أيقظنى من نوم، نعم كنا نتناول الغذاء معا بالأمس، وكنا نتكلم على أحوال البلد والانتخابات، وكان يمزح معى قائلا ان السلفيين سوف يجبرونى على ارتداء الكفن الاسود اما هو فسيدفع عن زوجته وابنته الجزيه حتى لا يلبسا الكفن.
- هانى، انت هتهاجر؟
- اهاجر فين
- اى حته، كندا استراليا امريكا مش فارقه
- مش عارف، انا لسه ماقررتش
- يعنى ده وارد؟
- طبعا
رد "طبعا" جاء بشكل تلقائى كما لو كان هو الرد المنطقى الوحيد لسؤالى، انهينا المكالمه ورجعت لذهولى وبكائى ، ماهذا الذى يحدث، وكيف حدث ذلك ونحن لانفعل شيئا سوى التعاطف والتصعب على حال البلد والقلق على المستقبل. لقد كنا منذ شهور قليله نهيم جميعا فى حب مصر، مسلمين ومسيحيين ولا دينيين وبهائيين، كنا نحضر الندوات وننزل المليونيات سويا ونكتب الشعارات على الفيس بوك والتويتر ونشجع وننتقد ونتفق ونختلف، ولم يكن بيننا لامسلم ولامسيحى ولا غيرهما.
بعد اسبوع اتصلت بى ليليان لتطلب منى مساعدتها فى ملىء استمارة الهجره لكندا فى السر طبعا، لم تكن مفاجأه ولم يصيبنى الذهول والبكاء كالمرات السابقه ولكنى تذكرت فيلم "لعبة الست" عندما هرب اليهود من مصر وتذكرت تعليق امى على هذه اللقطه من الفيلم وهى تحكى ذكرياتها مع صديقاتها اليهوديات وكيف كانت تتعلم عزف البيانو معهم والباتيناج والرقص، وكيف كانت عشرتهم طيبه، لقد كانوا فى الأول والأخر مصريين، كانتت تتكلم بحسره والان بدأت حسرتى على هروب أخواتى المسيحيين.



#سوسن_أنور_الجمل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لو كان عندى بنت
- أطباء ولكن
- المتحولون وأنا
- ليلة العوده إلى الغربه


المزيد.....




- مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب ...
- فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو ...
- الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
- متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
- فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
- مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سوسن أنور الجمل - هروب اخواتى