محمد الحاج صالح
الحوار المتمدن-العدد: 3521 - 2011 / 10 / 20 - 19:08
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عندما يفكرُ المرءُ بما يُطرحُ أحياناً عن العسكرة والانشقاقات العسكرية في سورية، يَخطرُ على البال مباشرةً السؤال الأخلاقي. من يتحمّل المسؤولية الأخلاقية عن حماية المنشقين ومن يتحمل حماية حاملي السلاح؟
الطبيعيّ والأقرب إلى المنطق هو أن يحمي العسكريّ المدني وليس العكس. والحال أن بعض المنشقين من العسكر شكّلوا عبئاً على الحراك وعلى أهلهم. كما أن ردّ فعل النظام عندما يكون الانشقاق غير مؤثر وقليل العدد، سيكون قاسيا وهمجياً على أهل وأقرباء المنشقّ، وسيُحاصر المنطقةَ المعنية ويعيثُ بها فساداً.
لنتذكّرْ مدى النجاح الذي أوجدتْه الانتفاضة الفلسطينية الأولى في خلق تعاطف عالمي غير مسبوق، وفي إيجاد مناخ من الوحدة الوطنية الفلسطينية راسخ ومتين وتفاعل جماهيري شعبي عربي. وأنا شخصياً أقدر أنّه كان للانتفاضة الفلسطينية الأولى تأثير كامنٌ وداخلي في الثورات العربية، أقلّه التحرك الحاشد السلمي. ولنتذكرْ أن شكليْ الحراك في الثورتين المصرية والتونسية كان سلمياً في الأساس.
ولْنتذكرْ أن عسكرة الانتفاضة الفلسطينية الثانية أفضتْ إلى انفضاض التعاطف العالمي، وتفرق التأييد الشعبي العربي، وإلى إعطاء المبرر للعدو الصهيوني لأن يضرب بغلظة وقسوة. والأهم أن الانتفاضة الثانية المُعَسكرة انتهتْ إلى انشقاق وطني يصل إلى مستوى الجريمة الوطنية الكبرى.
لكن من جهة ثانية يبرزُ السؤال الأخلاقي قبل السياسي أولاً وأيضاً. ماذا يفعل ضابط أو جندي يتلقى أمراً بإطلاق النار على المدنيين وعلى أهله وناسه؟ كيف له أن يغضّ الطرف وانتظار انشقاق كبير ومؤثرٍ قد لا يأتي؟ كيف له أنْ يصبر؟
لا أحدَ يملك الإجابةَ الشافية إلا الجنديُّ أو الضابط نفسه في هذه المرحلة، يقولُ البعضُ.
وزيادة على السؤال الأخلاقي يبرز الإشكال السياسي: كيف لثورة تعاني من كل هذا القمع الهمجي والقتل والاغتيال والتعذيب حتى الموت واغتصاب النساء وتعذيب الأطفال، كيف لها أن تتردد في أنْ تشجّع وتدفعَ العسكرَ على التمرّد والانشقاق؟
آخرون يرون أنّ ثورة كالثورة السورية لايمكن أن تنتصر دون انشقاق كبير في الجيش. بعضٌ آخر يخشى العسكرةَ ويرى من خلال تجربة دير الزور ودرعا، أن ظهور أي سلاح يُقلّص من عدد المتظاهرين ويكسرُ إمكانيةَ تجمّع الحشود.
كما أن البعض لديه تخوّف من التاريخ العسكري في سوريا وخطفه للسياسة وللقرار السياسي، ويُذكّر بالانقلابات الكثيرة والتي أودتْ إلى اغتيال السياسة وتدمير المجتمع في عهد حافظ الأسد.
خلاصة الأمر: هل يجب أن تؤيد الثورة ممثلةً في المجلس الوطني والتنسيقيات والأحزاب والقوى السياسية الانشقاقَ العسكري؟
سواء أكان الجوب على هذا السؤال بنعم أولا، هلْ نؤيد وندفع كلّ فردٍ وكلّ ضابط أم ننتظر وننصح بأن يحاولوا الاتصال ببعضهم البعض ويتفاهموا على مهل؟
إنها إشكالية كبيرة وعلى قوى الثورة وسياسييها أن يناقشوا هذه الاشكالية وأن يصلوا إلى ما يقرب الإجماع بهذا الخصوص.
محمد الحاج صالح
#محمد_الحاج_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟