ايليا أرومي كوكو
الحوار المتمدن-العدد: 3521 - 2011 / 10 / 20 - 01:06
المحور:
الادب والفن
من اروع قصائد امل دنقل
هل أنا كنتُ طِفلاً..
أم انّ الذي كانَ طفلاً سوايْ؟
هذهِ الصوَرُ العائليةُ..
كان أبي جالساً، وأنا واقفٌ..
تتدلّى يداي!
رفسَةٌ من فَرَسْ
تَرَكتْ في جبينيَ شجّاً،
وعَلَّمَتِ القلبَ أن يحتَرِس.
أتذكّر..
سالَ دمي
أتذكّر..
ماتَ أبي نازفاً.
أتذكّر..
هذا الطريق إلى قَبْرِه..
أتذكّرُ..
أختي الصغيرةَ ذاتَ الربيعين،
لا أتذكّرُ حتى الطريق إلى قبرِها المنطَمِس.
أوَكان الصبيُّ الصغيرُ أنا؟
أم تُرى كانَ غيري؟
أحدِّقُ..
لكنّ تلكَ الملامحِ ذاتِ العذوبة
لا تنتمي الآنَ لي
والعيون التي تترقرقُ بالطيبةِ
الآنَ لا تنتمي لي.
صِرتُ عنّي غريباً
ولم يتبقَّ من السنوات الغريبةِ
إلا صدى اسمي..
وأسماء من أتذكّرُهم
فجأةً
بين أعمدةِ النعي،
أولئك الغامضون: رفاقُ صباي
يُقبِلون من الصمتِ وجهاً فوجهاً..
فيجتمعُ الشملُ كلّ صباحٍ،
لكي نأتَنِسْ.
وجه
كان يسكنُ قلبي
وأسكنُ غرفَتَهُ
نتقاسمُ نصفَ السريرِ،
نصفَ الرغيفِ،
ونصفَ اللفافةِ،
والكُتُبَ المستعارةْ.
هجرَتْهُ حبيبتُهُ في الصباحِ فمزّقَ شريانَهُ في المساء،
ولكنّهُ بعدَ يومين مَزّقَ صورَتَها..
واندَهَشْ.
خاضَ حربينِ بينَ جُنودِ المظلاتِ..
لم يَنخَدِشْ
واستراحَ من الحربِ..
عادَ ليسكُنَ بيتاً جديداً
ويكسبَ قوتاً جديداً
يدخّن علبةَ تبغٍ بكاملها
ويجادل أصحابَهُ حولَ أبخِرَةِ الشاي..
لكنّهُ لا يطيلُ الزيارة.
عندما احتَقَنَتْ لوزَتاهُ، استشارَ الطبيبَ،
وفي غرفةِ العمليات..
لَمْ يصطَحِبْ أحداً غيرَ خُفٍّ..
وأنبوبةً لقياسِ الحرارةْ،
فجأةً مات!
لم يحتَمِلْ قلبُهُ سريانَ المخدّر،
وانسَحَبتْ من على وجهِهِ سنواتُ العذابات،
عادَ كما كانَ طِفلاً..
يشارِكُني في سريري
وفي كِسرةِ الخبزِ، والتبغ،
لكنّهُ لا يشارِكُني .. في المرارة!
وجه
من أقاصي الجنوبِ أتى، عاملاً للبناء
كانَ يصعدُ "سقّالَةً" ويُغنّي لهذا الفضاء
كنتُ أجلِسُ خارجَ مقهى قريب،
وبالأعينِ الشاردةْ..
كنتُ أقرأُ نصفَ الصحيفةِ،
والنصفَ أخفي به وَسَخَ المائدةْ.
لمْ أجِدْ غيرَ عينينِ لا تُبْصِران..
وخيطَ الدماءْ
وانحنيتُ عليه.. أجُسُّ يَدَهْ
قالَ آخرُ: لا فائدةْ.
صارَ نصفُ الصحيفةِ كلَّ الغطاءْ
وأنا.. في العَراء..
مرآة
هل تريدُ قليلاً من البحر؟
إنّ الجَنوبيَّ لا يطمئنُّ إلى اثنينِ يا سيدي:
البحر
والمرأةِ الكاذبة.
سوفَ آتيكَ بالرملِ منه
.. وتلاشى بهِ الظِلُّ شيئاً فشيئاً،
فَلَمْ أسْتَبِنْه.
هل تريدُ قليلاً من الخمر؟
إنّ الجنوبيّ يا سيّدي يتهيّب شيئين:
قنّينة الخمر
والآلةَ الحاسبة.
سوف آتيكَ بالثلجِ منه.
.. وتلاشى بهِ الظِلُّ شيئاً فشيئاً،
فَلَمْ أسْتَبِنْه
بَعدَها لم أجِدْ صاحِبَيّ
لم يعُدْ واحدٌ منهما بشيّ
هل تريدُ قليلاً من الصبر؟
لا..
فالجنوبيّ يا سيّدي يشتهي أن يكون الذي لم يَكُنْه
يشتهي أن يلاقي اثنتين:
الحقيقةَ
والأوْجُهَ الغائبَةْ.
#ايليا_أرومي_كوكو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟