|
مسيحيو مصر بين الاتهام بالعماله وعقده الاضطهاد
عبدالله عامر
الحوار المتمدن-العدد: 3520 - 2011 / 10 / 19 - 07:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
اذا كان صمويل هنتنجتون – استاذ العلوم السياسيه الامريكي ــ هو اول من اطلق مصطلح "صراع الحضارات مشيرا الي العلاقات الدولية فيما بعد الحرب البارده لنصل نحن الي ما نحن فيه من شقاق ثقافي وحضاري وفجوات بين الانتماءات المختلفه ,فان الانبا شنوده هو اول من اطلق كلمه "اضطهاد" مشيرا الي العلاقات بين المسلمين والمسيحيين في مصر.
كل الظروف التي احاطت بالمسيحيين وقتها لم تكن تتطلب فقط رجل للدين بل ايضا كانت في حاجه ماسه لرجل سياسه محنك. ففي حين امتلات مصر بالتيارات السياسيه المختلفه كالاخوان المسلمون واليساريون والقوميون وما الي ذلك من التيارات مع اختلاف اتجاهاتها وايديولوجياتها ,فكانت مصر منذ انقلاب يوليو مسرحا لحاله من الزخم السياسي الذي تتالف فيه قوي وتتنافر فيه الاخري ولكن كان من الملاحظ انذاك أن اشتغال الشارع المسيحي بالسياسه كان ضئيلا او قل كان معدوما ويظهر هذا جليا في ان كل التيارات والفصائل المصريه كان لكل منها النصيب في السحل والضرب والاعتقال عدا المسيحيين لا لشيئ الا لانهم اكتفوا بالترنيم داخل جدران كنائسهم ولم يكن لهم أي تيار فكري يحمل اتجاه مسيحي معين فكانت الكنيسه دوله داخل الدوله , والناظر في ادبيات العمل السياسي في هذه الفتره يستطع وبكل وضوح الوقوف علي هذه الحقيقه وبشكل لامراء فيه ولا جدال.
كل هذه الاوضاع من انسحاب وسلبية تجاه العمل السياسي من الطرف المسيحي كانت تتطلب حشدا وتجييشا لا من سياسي مفوه يحمل طرحا سياسيا كاليسار او القوميه لان كل هذه الامور تعامل معها الشارع المسيحي بسلبيه كاملة وهنا كانت مهمة الانبا شنودة الصعبه وبرز السؤال : كيف يمكن اخراج المسيحين فى مصر من حاله القوقعة الكنسية المبالغ فيها ؟ وحقيقه لا اعرف الدوافع التى اطلق من اجلها هذا الهدف الغامض واقصد بالغموض لا دعوة المسيحيين الى الخروج للحياه السياسية والتخلى عن حالة البيات الشتوى الطويلة داخل اسوار الكنائس فكل فصيل وكل تيار له الحق فى المشاركة السياسية ولكن الغموض الذى انتاب هذه الدعوة كان فى الطريقة التى اتبعها فى حشد المسيحين تجاه الشارع السياسى .
ففى اواخر السبعينيات قام الرئيس الراحل : محمد انور السادات بزيارة للولايات المتحدة الامريكية فنظم اقباط المهجر مظاهرة مناهضة للسادات بسبب اضطهادة للمسيحيين ــ على حد زعمهم الخاطئ ــ فطالب المحيطين بالرئيس السادات الانبا شنوده ان يرسل من يطالبهم بالتوقف عن التظاهر , ولكن تباطؤ الانبا شنوده في ارسال من يوقف المظاهرات بات وكانه اشاره الي الرئيس السادات بانه هو الزعيم السياسي للمسيحيين في مصر وليس فقط مجرد زعيم روحي تقبل يده في القداس , تعامل الانبا شنوده بهذه العقليه مع الرئيس السادات كان بمثابه انبوب اختبار اظهرت فعلا ما أسميه المرامي السياسيه للانبا والتي لعبت علي الوتر الديني حيث انه الوتر الوحيد النابع من الكنيسه التي تقوقع فيها الكثيرين من المسيحيين وبل ويعتبر الشغل الشاغل للكثيرين منهم , وظهر هذا واضحا بعد رد فعل الرئيس السادات عندما منعه من القاء درسه الاسبوعي وعندها انفجرت الفقاعه وسقط القناع فارسل الانبا مرسوما الي الكنائس الارثوذوكسيه في مصر بالغاء احتفالات العيد وعدم استقبال وفود المسئولين المهنئين وبرر هذا بأنه "احتجاجا علي اضطهاد الاقباط في مصر "
كانت هذه هي المره الاولي التي تستخدم بها كلمه اضطهاد بهذه الصوره وهذا الشكل المستغرب وكأن الانبا ينصب نفسه "رئيس دوله المسيحيين في مصر " اذا صح التعبير الي جانب كونه راس ديني الامر الي اضفي علي كرسي البطريركيه – كما جاء في تقرير هيئه مفوضي الدوله الذي صدر بعد تنحيته عن منصبه وتعيين مجلس باباوي خماسي لعام 1981 بقرار جمهوري رقم 491 والذي قام بالغاء القرار رقم 2772 لعام 1971- ممايؤدي الي اشعال الفتنه الطائفيه في مصر والتحريض علي السلام الاجتماعي والوحده الوطنيه
بروز الانبا شنوده بهذه الصوره اظنه خلق نوعا جديدا من السياسيين في مصر غير كل هؤلاء الذين عرفناهم من عصر محمد علي باشا حتي الان . فشنوده كرجل دين عرف ما هو مفتاح سر سيكلوجيه المسيحيين في مصر انها كلمه واحده ومصطلح آخذ في التطور مادام الانبا شنوده يرعاه من العباسيه وكنيسه الاسكندريه . لقد ادرك مبكرا انه لن يجتمع المجتمع المسيحي – ولعل هذا هو ما ابقاه في كرسي البابويه طيله اربعه عقود منفصله – بعد كل هذه السنين من السلبيه السياسيه الا حول فكره عنصريه تتمحور حول الدين وتقوده نحو افاق سياسه اكثر رحابه باسمها فالمسيحي مثلا قد لايطلب ان يكون رئيسا للوزراء او عضوا في وزاره الا بسبب كونه مسيحيا لا يريد ان يشعر بانه "مضطهد" وكذلك فان مفهوم الاضطهاد قد تنامي حتي اصبح يمثل فزاعه المجتمع المصري جمله وتفصيلا وقس علي ذلك الكثير , ولكن المشكله الاكبر والاكثر تعقيدا هي ماترتب علي هذا المفهوم من اعاده تعريف المسيحي لنفسه واعاده تعريفه للاخر في نفس الوطن فبرزت الكثير من الاسئله فمن هو المسيحي؟ ومن هو المسلم ؟ ومن هو القبطي ؟ ومن هو العربي ؟ وما هو الفتح العربي لمصر ؟ كل هذ الاسئله ظهرت كنتيجه حتميه لفكره الاضطهاد فالمسلم مثلا في نظر المسيحي في احسن الاحوال ماهو الا ذلك المحتل العربي الذي جاء مع جحافل الجيوش الاسلاميه المغتصبه لمصر لتضمها لكيان استعماري كبير وهو الدوله الاسلاميه – الامر الذي نفته واقحمته الكثير من الدراسات التاريخيه ويمكن مراجعه دراسه "اقباط مسلمون قبل محمد " – اما في اسوا الحالات - وحسب اعتقاده الذي جاء كأحد لوازم مفهوم الاضطهاد الذي عمق الفجوه في الفهم الاسلامي المسيحي المشترك فحدث ولا حرج- فالمسلم ارهابي راديكالي اصولي جامد لايوجد فرق بين قرانه الذي يقراه كل صلاه وكفاحي لادولف فكلاهما – علي حسب اعتقاده – فاشي ومن هنا تنطلق الدعوات الشوفينيه المتعصبهالغير منطقيه من تلك التي تذكرنا بهتلر ذاته والتي تدعو الي نقاء الجنس المسيحي وان مسيحيو اليوم هم احفاد اقباط الامس وهم اقباط مصر الحقيقيين والسكان الاصليين "واصحاب البلد ديه " وغيرها من الشعارات الهلاميه التي لاتستند الي صك تاريخي يستند الي اساس علمي واضح .
استطاع مفهوم الاضطهاد وبجلاء التشويش علي مفهوم الهويه الدينيه لدي المسيحي في مصر فالناظر للاوليات لدي المسيحي في مصر يجد انه حريص دائما علي اظهار هويه المضطهد تلك الهويه التي اصبحت وقودا لنضال ضد طواحين الهواء والتي صار باسمها يتم جمع الجموع من المسيحيين نحو السفاره الامريكيه تحت شعار "الشعب يريد حمايه دوليه " وباسم الاضطهاد ايضا نجد كاهن كنيسه العذراء ومارمينا فلوبتير يصرح امام جموع الغاضبين في ماسبيرو انه يطلب من اسرائيل لا من امريكا بحمايه "الاقباط" في مصر والمشكله هنا عزيزي القارئ لا تكمن في تصريحات قالها كاهن غير مسئول بل تكمن في مكانه الرجل في المسيحيه فان الكهنوت في المسيحيه سر من اسرار الكنيسه السبعه وكلام الكاهن مقدس لا جدال فيه ولا محل للنقاش بل وواجب التنفيذ فما بالك عندما يخرج بين جموع المحتقنين من الشباب , هذا يوضح انه ليس مجرد كلام من رجل لا يحسب لكلماته حساب بل انها هويه داخل الهويه بل انها الهويه التي جعلته يتجاهل مصريته ومسيحيته التي ادعي باسمها انه "صاحب البلد" وينظر لهويه الاضطهاد التي اصبحت وبجلاء هي الهويه الحقيقه للمطالب بالتدخل الاجنبي لحمايه المسيحيين في مصر ولذا فعقده الاضطهاد التي رسخها الانبا شنوده واطلق جذوتها الاولي في خطابه للكنائس تطورت في خطاب فلوبتير لتصبح هويه جديده للمسيحي في مصر.
الاحساس بالدونيه والظلم – حتي قال لي احدهم انه مواطن درجه خامسه ــ كانا احد نتائج ومخرجات هذه الفكره التي بثها الانبا شنوده بين صفوف المسيحين فما اسهل حشد انسان بهذه العقليه وهذه النفسيه المحتقنه المدججه بالكراهيه منذ ثلاثين عاما تطور خلالها الاعلام حتي يلعب الدور الرئيسي بعد الانبا لبث هذه الفكره وغيرها من الافكار الخاطئه الغير موثقه علميا.
كل هذه العوامل انصهرت في بوتقه الانسان المسيحي في مصر حتي صار انتماؤه يتاكل شيئا فشيئا وصارت المطالبه بحمايه اجنبيه هي امنيه شريحه عريضه من المسيحيين او المطالبه بالانفصال ايدتها شريحه اخري كبيره من مسيحيي المهجر لتكوين دوله ثيوقراطيه فاتيكانيه جديده في مصر وما الي ذلك من الاقتراحات المستفزه التي تخرج علينا كل يوم اما من عملاء الخارج او معقدي الداخل الامر الذي خلق شرخا في العلاقات الاسلاميه المسيحيه في مصر – وكما اعتقد واؤمن – رغم ان المناوشات او المصادمات لاتحدث بين افراد الشعب كمسلمين ومسحيين بل هم في منأي عنها الا انها اثرت في العلاقات اليوميه والانسانيه بين المسلمين والمسيحيين فطالما ينظر مينا الي احمد علي كونه محتل وينظر أحمد الي مينا علي انه عميل ومستقوي بالخارج فان تلك الفجوه وحاله النفاق الاجتماعي التي نعيشها تطورتا ليصبح الاحتقان الطائفي في مصر قنبله موقوته ينفجر فتيلها من وقت لاخر حتي صارت بمعدل كل سته اسابيع
وقع المسيحيون في مصر في شرك المحرك النفسي وهو اقوي كثيرا من المحرك الديني الامر الذي ادي الي ارتكاب حماقات تدخلهم دائره الاتهام بالعماله واصبح يخرج منهم الكثيرين ممن تبنوا دور دونكيخوته الذي يحارب الوهم الذي صاغ نسيجه الانبا شنوده ليتطور فيصبح عقده نفسيه او هويه للمضطهد
عبدالله عامر
في 13 اكتوبر 2011 المراجع ويكيبيديا الموسوعه الحره يمكن مراجعه نتائج البحث الخاصه بالانبا شنوده لينك المقال في مدونه التنوير
http://abduallahammer.blogspot.com/2011/10/blog-post.html
#عبدالله_عامر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ميدان التحرير شقاق ام وفاق
-
شيطان ملتون في الفردوس المفقود.. تحليل نقدي
-
-ما أريكم إلا ما أري-
-
مصر واوهام الثيوقراطيه
-
الميدان وانتحار الايديولوجيات
المزيد.....
-
طفل بعمر 3 سنوات يطلق النار على أخته بمسدس شبح.. والشرطة تعت
...
-
مخلوق غامض.. ما قصة -بيغ فوت- ولِمَ يرتبط اسمه ببلدة أسترالي
...
-
-نيويورك تايمز-: إسرائيل اعتمدت أساليب معيبة لتحديد الأهداف
...
-
خمسة صحفيين من بين القتلى في غارات إسرائيلية على قطاع غزة
-
كازاخستان: ارتفاع حصيلة ضحايا تحطم الطائرة الأذربيجانية إلى
...
-
تسونامي 2004.. عشرون عاماً على الذكرى
-
إسرائيل تعلن انتهاء عملية اقتحام مدينة طولكرم بعد مقتل ثماني
...
-
الولايات المتحدة.. سحب قطرات عين بعد شكاوى من تلوث فطري في ا
...
-
روسيا.. تطوير -مساعد ذكي- للطبيب يكشف أمراض القلب المحتملة
-
وفد استخباراتي عراقي يزور دمشق للقاء الشرع
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|