|
حشر ايران في الزاوية
محمد سيد رصاص
الحوار المتمدن-العدد: 3519 - 2011 / 10 / 18 - 09:24
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في شهر أيلول 2005،ومن على باب البيت الأبيض بواشنطن،صرح وزير الخارجية السعودية سعود الفيصل بالكلمات الآتية بعد خروجه من اجتماع مع الرئيس الأميركي:"لقد خرجت ايران رابحة من العملية الأميركية في العراق،لأن الولايات المتحدة لم تكن تعرف ماهو اليوم التالي لعمليتها العسكرية هناك". أتى هذا التصريح بعد شهر من استئناف طهران لبرنامجها في تخصيب اليورانيوم،وماأدى إليه من انتهاء التوافق الأميركي – الايراني الذي كان مسرحه أولاً في كابول2001 ومن ثم في بغداد 2003. وفعلاً،فإن النصف الأول من عام2006 كان من أصعب الفترات الأميركية في بلاد الرافدين من حيث عمليات المقاومة العراقية،وقد بدا أن "مشروع الشرق الأوسط الكبير" في حالة اصطدام بالحائط عبر تلك البوابة البغدادية التي اختارتها واشنطن قبل ثلاث سنوات ل"إعادة صياغة المنطقة"،وهذا شيء لايمكن فصله عن اختيار بلاد الأرز في حرب صيف2006لكي تكون مكاناً بديلاً ل"آلام مخاض ضرورية من أجل ولادة الشرق الأوسط الجديد"وفقاً لماصرحت به وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليسا رايس في الأسبوع الأول من تلك الحرب. لم تحصل تلك الولادة عبر بلاد الأرز،وإنما تعثرت وفشلت،ولكن من دون اجهاض ذلك الجنين الذي بدأ الحبل به في ذلك اليوم الذي سقطت فيه بغداد في 9نيسان2003:كان ملموساً تحول المد الأميركي في عموم المنطقة إلى جزر كبير من خلال تواريخ14حزيران 2007في غزة و7أيار2008في بيروت،ومن خلال تصاعد مقاومة حركة طالبان بأفغانستان خلال مجرى عام2008. أثناء عامي2007-2008كان واضحاً أن التركيز الأميركي هو على مجابهة المد الايراني في المنطقة،الذي أخذ قوته الدافعة من المكاسب التي حققتها طهران في بغداد مابعد صدام حسبن،وأن عناوين "معتدلون ضد متطرفين" ،وتعويم الدور التركي في المنطقة،وتقاربات أنقرة رجب طيب أردوغان وباريس نيقولا ساركوزي مع دمشق،ماهي سوى سياسات تجد كوداتها في المجابهة الأميركية مع ايران. لم تنجح واشنطن في ايقاف المد الايراني في عموم المنطقة،بل ظهر تعزز للتراجع الأميركي وتحوله إلى شكل عالمي من خلال المكاسب الروسية في جيورجيا آب2008وأوكرانيا شباط2009:خلال عام2011انقلبت هذه الصورة الأميركية في الشرق الأوسط العربي،عبر صيغة تم نسجها على عجل في مصر الأحد عشرة يوماً الأولى من شباط2011 تفادت فيها واشنطن أن يتحول سقوط حليف لها على يد ثورة شعبية إلى كارثة أميركية ثانية كماجرى في طهران11شباط1979،لتقوم تلك الصيغة ،مثل أنقرة أردوغان،على ثالوث(الجيش – الإدارة- الاسلاميون)،وهو مايبدو أنه يتعمم في تونس مابعد14جانفي،وليبيا مابعد23أوغسطس،وهو في طريقه لأن يكون في صنعاء عبر"المبادرة الخليجية"(لم ينتبه إلاالقلة إلى أن الفائزة اليمنية بجائزة نوبل هي عضو في"التجمع اليمني للاصلاح"الذي هو واجهة للحركة الإخوانية في اليمن). عبر هذا،قاد "الربيع العربي"إلى مد أميركي جديد في عموم المنطقة،من الواضح من خلاله أن هناك موجة مد ديموقراطي تعم المنطقة العربية،تقوم على حركات اجتماعية حقيقية ،ستؤدي إلى تحولات داخلية تفتح الطريق إلى مشهد اقليمي جديد،وربما عالمي،ستركبه واشنطن من خلال ديناميات ذاتية داخلية موجودة في تلك البلدان،تماماً كمافعلت في ثورات مجتمعات"الكتلة السوفياتية"في أوروبة الشرقية والوسطى بخريف1989،وقبلها بقليل أيضاً مع سقوط حلفائها العسكريين السابقين بعقد الثمانيينيات في أميركا اللاتينية. من دون هذا لايمكن تفسير الهجومية الأميركية في عنوانين:الصدور المفاجىء ،بعد تأجيل طويل، في حزيران2011للقرار الاتهامي عن(المحكمة الدولية الخاصة بلبنان)ثم (قضية الجبير) في أيلول 2011. من الواضح هنا،أن البريد الأميركي المرسل هو إلى"التناقض الرئيسي" الذي أصبحت طهران تمثله خلال ست سنوات مضت أمام واشنطن،وأنها تشعر الآن بأنها قادرة على وضعها في الزاوية الضيقة ،وخاصة من خلال القضية الثانية. لايمكن عزل أجواء(قضية الجبير)عن التصريح الإنذاري للقائد السابق ل(الحرس الثوري الايراني)الجنرال رحيم صفوي الموجه ضد الدور التركي في المنطقة،والذي يأخذ أبعاداً كبرى عند واشنطن في فترة مابعد"الربيع العربي":أيضاً لايمكن عزل تلك القضية عن الفيتو المزدوج الروسي- الصيني في الموضوع السوري،حيث يبدو أن الحلف الأميركي- التركي،المتعزز أخيراً بنشر تجهيزات (برنامج الدرع الصاروخي)في الأناضول،سيجد نفسه في مواجهة تلقائية مع طهران ومن خلفها موسكو وبكين . بشكل"ما" أصبحت دمشق في النصف الأول من شهر تشرين أول2011هي النقطة البؤرية لذلك الصراع الذي وضح من تصريحات صفوي،ومن ماجرى في نيويورك،بأنه أصبح صراعاً اقليمياً ودولياً. ربما،تكون(قضية الجبير)هي محاولة أميركية استباقية ليس فقط لحسم تردد سعودي كبير في الانضمام إلى الجهد التركي في إدارة(الملف السوري)،بعيداً عن(مبادرة الجامعة العربية)التي أيدتها السعودية ولاتنظر لها واشنطن و أنقرة بارتياح،وإنما هي أولاً وأساساً تهدف إلى تثبيت كتفين ايرانيين،مع حشر في الزاوية الضيقة،لمنع طهران من أية فعالية قبيل وأثناء اجراء تركي مرتقب"ما"حيال سوريا،وذلك من خلال رؤية أميركية بأن حسم الموضوع السوري سريعاً (أومن خلال وضعه على سكة"ما" مرضية لواشنطن وأنقرة)هو الذي يؤدي إلى انتاج توازنات تجعل اتمام الانسحاب الأميركي من العراق،في اليوم الأخير من العام، آمناً أميركياً،من خلال تغيرات سورية سيكون لها انعكاسات كبرى في طهران،وبالتالي في بغداد،حيث يبدو أن العراق مازال هو "موضوع المواضيع"كماصرح الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش في عام2006.
#محمد_سيد_رصاص (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المعادلة السورية الجديدة:آليات السقوط أوالتغيير ومدى امكانية
...
-
ايران و -الربيع العربي-
-
التدخل الخارجي والحرب الأهلية
-
التباسات التغيير الليبي
-
القذافي ظاهرة عربية،أكثرمنها ليبية:محاولة للمراجعة
-
المعارضة -التقليدية- و-الجديدة-
-
واشنطن استعادت في 2011 ما خسرته بين 2007 - 2010 من قوتها في
...
-
بعض خصائص المسار التاريخي للحياة السياسية السورية
-
خريطة اجتماعية سياسية اقتصادية للاحتجاجات في سورية
-
غروب مرحلة عربية
-
الاسلاميون والعسكر
-
تبدل أشكال التعبير السياسي للجماعات
-
الدور الاقليمي التركي
-
مساهمة تحركات الشارع العربي في رسم صورة اقليمية جديدة
-
من الليبرالية القديمة إلى الجديدة
-
«الكومنترن» الشيوعي و «القاعدة» الإسلاموية: نهاية بائسة للتن
...
-
سوريا1970-1982 : بناء السلطة الشمولية وتداعياته
-
سوريا الستينيات : مرحلة العبور إلى السلطة الشمولية
-
صعود المسألة الاجتماعية إلى سطح السياسة العربية(تونس نموذجاً
...
-
مستتبعات فكرية لزلزال الشارع العربي
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|