|
أوباما الذي -تَغَيَّر- ولم -يُغَيِّر-!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 3519 - 2011 / 10 / 17 - 15:19
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في ليلة انتصاره، وقف أوباما ليقول لجمهوره المنتشي، وللعالم، إنَّ في هذا الذي حدث الليلة خير ردٍّ وجوابٍ على كل المشكِّكين في "العظمة القيمية" للولايات المتحدة، التي في قوَّة قيمها ومُثلها ومبادئها، وليس في قوة اقتصادها وجيشها، على ما قال، تكمن عظمتها.
وخطب أوباما في جمهوره وكأنه أراد أن يقول، أو أردوا هُمْ أن يقولوا بلسانه، إنَّ للعالم أنْ يشكَّ في كل ما كنا نفخر به من قيم، كالحقوق والحريات الديمقراطية والمدنية، ومبادئ السوق الحرة، والليبرالية الجديدة، والعلمانية ونبذ التعصب الديني، لكن ينبغي له أن ينحني لنا إجلالاً واحتراماً بعدما أقمنا الدليل الحي على أننا قد طلَّقنا ثلاثاً التعصب العنصري ضد السود (والملونين على وجه العموم) وجئنا بهذا الرجل إلى عرين الحضارة الأنجلو ـ ساكسونية، أي إلى البيت الأبيض.
وذهبت تلك الليلة التي كانت ليلى، وليلى هي الخمر، وجاء المؤتمر الصحافي الأول للرئيس المنتخب، وشتَّان ما بين اللحظتين، فقبيل المؤتمر أبلغوا إلى أوباما "الحقيقة" التي لا يعرفها سوى قلة فليلة من العارفين كوزير الخزانة هنري بولسون.
كلمة واحدة هي أهم ما قاله أوباما في مؤتمره الصحافي.. إنَّها كلمة "الحفرة". لقد قال: "إننا في حفرة (اقتصادية)"!
الآن، عرف الرجل لماذا "تساموا" عن تلك العنصرية، وجاءوا به إلى أعلى القمة، فـ "رودوس" هناك، فَلْيَقْفِز إليها من هنا!
الرئيس الأسود الديمقراطي أوباما فَتَح "صندوق باندورا"، وكأنَّه هو باندورا، التي لم تمتثل لأمر زيوس لها بأن تظلَّ مُغْلِقةً لهذا الصندوق، مُحْكِمَةً إغلاقه، ففتحته، فخرجت منه كل الشرور، فلمَّا أسرعت في إغلاقه أغْلَقَتْهُ فارغاً إلاَّ من شيء واحد، هو "الأمل"!
"إذا أردتُّموها حرباً، فإنِّي لها مستعدٌّ، وسأخوضها حتى النهاية"!
إنَّها كلمات من نار خاطب بها "فارس الإصلاح"، و"بطل التغيير"، أوباما، "أشرار الأرض". بهذا اللسان من اللهب تكلَّم ضدَّ "الحيتان" في "وول ستريت"، وضدَّ ممثِّلي وزعماء وقادة "الليبرالية الجديدة"، التي نراها اليوم تحاوِل أن تُثْبِت لنا، ولضحايا جرائمها، أنَّها كمثل طائر الفينيق، تَخْرُج من تحت الرماد الاقتصادي والمالي العالمي أكثر قوَّةً وحيويةً وجمالاً.
أوباما، بطل الحرب على إرهاب "القاعدة" في أفغانستان، وحَوْل العالم، والحائز على جائزة "نوبل" للسلام، والمستخذي لضغوط نتانياهو، والذي هبط منسوب شعبيته كثيراً، ليس لكونه فعل أشياء لم تُرْضِ شعبه، وإنَّما لكونه لم يفعل شيئاً يعتدُّ به، عاد إلى الشعب، إلى قاعدته الانتخابية، وإلى دافعي الضرائب، طالباً العون والمساعدة.. و"النفير العام"، فإنَّ رؤساء المصارف الكبرى عادوا إلى السير في الطريق نفسها، وكأنَّهم لا يستطيعون العيش إلاَّ بما يفضي دائماً وحتماً إلى إعادة إنتاج الأزمات المالية والاقتصادية العالمية.
ومع عودة "الليبرالية الجديدة" إلى الظهور من تحت الرماد اشتعل فتيل الصراع بينها وبين فئة واسعة من الرأسماليين الذين لهم مصلحة في ترويضها وتقييدها ودرء مخاطرها وشرورها عن الاقتصاد القومي والاقتصاد العالمي برمته، فظهر أوباما في معسكرٍ ضدَّ ممثَّلي "وول ستريت" ورؤساء المصارف الكبرى. واتُّهِمَ "معسكر أوباما" بأنَّه يسعى في إعادة الولايات المتحدة، مع نظامها المالي، إلى الوراء، وإلى قانون "غلاس ستيغل" على وجه الخصوص.
ولقد تزامنت الحملة التي جرَّدها أوباما مع عودة رؤساء المصرف الكبرى إلى مَنْح أنفسهم، وموظَّفين آخرين، مكافآت مالية ضخمة على الرغم من أنَّ مصارفهم ما زالت تعتمد، في بقائها ونموِّها، على أموال الإنقاذ الحكومية، أي على أموال دافعي الضرائب.
أوباما خاطب رؤساء المصارف قائلاً: "أريد أن تعيدوا لنا أموالنا.. لقد حان لكم أن تعيدوا إلى الشعب أمواله التي أنْفِقت في سبيل إنقاذكم".
حان لهم ذلك، لكنَّهم فضَّلوا خياراً آخر هو تحويل جزء كبير من الأرباح إلى مكافآت مالية لهم، فالأرباح لهم، والخسائر للشعب!
أوباما سرق بعضاً من النار من سارقها بروميثيوس ليصنع منه لساناً يتكلَّم به ضدَّ حيتان "الليبرالية الجديدة"، لكنَّه أظهر ما ينبغي له إظهاره، وهو "الطوباوية" في التفكير والنظر إذ اختار "الماضي" حلاَّ لمشاكل "المستقبل".
ولمَّا أراد أوباما استعادة أموال الإنقاذ الحكومية من "المُنْقَذين"، الذين كانوا على شفير الهاوية والهلاك، وتقييدهم بما يَحُول بينهم وبين العودة إلى السير في مسار الهلاك نفسه، هبُّوا ضدَّه هبَّة رجل واحد.
ولقد أسرع ممثِّلو "الليبرالية الجديدة" في زجِّ "قواهم القانونية" في المعركة، فاجتمعت "المحكمة العليا"، وهي أعلى هيئة قضائية في الولايات المتحدة، ليقرِّر قضاتها (خمسة ضد أربعة) إطلاق يد "المال السياسي والانتخابي" ضدَّ خصوم "الليبرالية الجديدة"، التي شعرت أنَّ حملات الإنقاذ المالية الحكومية قد نجحت بما يكفي لاستئناف الحياة المالية والاقتصادية وفق ما كانت عليه من طرائق وأساليب قبل نشوب الأزمة المالية والاقتصادية العالمية.
قضاة "الليبرالية الجديدة" اكتشفوا، في صراع أسيادهم ضدَّ مزيد من "رأسمالية الدولة" التي شدَّدت الأزمة المالية والاقتصادية العالمية الحاجة إلى أدويتها ومصولها وحلولها، أنَّ توظيف المال في الحملات الانتخابية (لمصلحة مرشَّحين، أو ضدَّ مرشَّحين) ورَفْع القيود، أو ما بقي منها، عن استثمار المال سياسياً وانتخابياً، هما جزء لا يتجزَّأ من "حرِّية التعبير"، التي هي، بحسب البند الأوَّل من الدستور (المعمول به منذ ما يزيد على 200 سنة) والذي استذرع به القضاة، القيمة التي لا تعلوها قيمة في سُلَّم القيم في الولايات المتحدة.
"رسالة" القضاة، أي قضاة "الليبرالية الجديدة" المهيمنين على "المحكمة العليا"، وصلت إلى الرئيس أوباما، فأظهر في التصريحات التي أدلى بها ضد "القرار" أنَّه يفهمها على أنَّها ضوء أخضر قضائي لشحن "الشركات" للحياة السياسية والانتخابية بمزيد من الفساد المالي، ولقيام "جماعات الضغط" الرأسمالية المختلفة بضخِّ مبالغ هائلة من المال في الحملات الانتخابية انتصاراً لمرشَّحي تلك الجماعات، أو للانتصار على الخصوم من المرشَّحين. حتى الشركات الأجنبية أصبح في مقدورها المشاركة في تمويل الحملات الانتخابية.
وفي معرض شرحه لمخاطر القرار القضائي الجديد، قال الرئيس أوباما: "أيُّ مسؤول يتجرأ من الآن وصاعداً على معارضة جماعات الضغط، والدفاع عن حقوق ومصالح المواطنين العاديين، سيجد نفسه عُرْضة للهجوم في خلال الانتخابات (..) لا أستطيع أن أتصوَّر أمراً يمكن أن يضر بمصالحنا العامة أكثر من هذا الأمر (أي القرار). إنَّ آخر شيء يمكن أن نكون في حاجة إليه هو زيادة نفوذ جماعات الضغط في واشنطن (..) هذا القرار إنَّما هو انتصار كبير لشركات النفط الكبرى، ومصارف وول ستريت، وشركات التأمين الصحي، وغير هؤلاء من ذوي المصالح الكبرى، الذين شنُّوا عبر هذا القرار حرباً شرسة على الحياة السياسية (..)". ولقد نجحوا، فها هم يُحْكمون قبضتهم الآن على مجلس النواب.
كان أوباما في منتهى الشفافية والوضوح والصراحة إذ قال في خطبة النصر إنَّه يأتي إلى الحكم "صفحة بيضاء"، وكأنَّ كل وعوده وشعاراته الانتخابية لم تنل من قوَّة بياض صفحته، وكأنَّ أمر تلوينها وتخطيطها والكتابة عليها يعود إلى جماعات المصالح الخاصة المنظَّمين جيداً، والذين هم، في نزاعهم واتفاقهم، في منزلة الرقبة التي تحرِّك الرأس في البيت الأبيض.
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شعوب الغرب.. إلى اليسار دُرْ!
-
د. زغلول النجار يكتشف إشارة قرآنية إلى -النسبية-!
-
-11 أيلول ثانٍ- ضدَّ إيران!
-
حتى يُزْهِر الربيع العربي الدولة المدنية!
-
من اقتحام -السفارة- إلى هدم -الكنيسة-!
-
هذا -الخَلْط- بين -الجاذبية- و-التسارُع-!
-
-ربيع عربي- يَقْرَع الأجراس في -وول ستريت-!
-
الرداءة.. كتابةً وكاتباً!
-
هل يفعلها التلفزيون السوري؟!
-
-يَسْقُط- الضوء!
-
خيار نيويورك!
-
دفاعاً عن -مادية- المادة.. في الفيزياء!
-
-سؤال الهوية-.. أُردنياً وفلسطينياً!
-
كمال أردوغان!
-
لو زار غزة مصطحباً معه عباس ومشعل!
-
-التدليس اللغوي- عند العرب!
-
شعب مصر يَحُكُّ جلده بظفره!
-
رحلة شيِّقة مع د. همام غصيب في عوالم -النسبية-!
-
إشكالية -حُرِّيَّة الإرادة-.. إسلامياً وماركسياً!
-
من نيويورك يبدأ -الربيع الفلسطيني-!
المزيد.....
-
الكويت: القبض على مقيم بحوزته سلاح ناري دهس رجل أمن عمدا وفر
...
-
آلاف المؤمنين في ملقة يشاركون في موكب عيد الفصح السنوي
-
تقرير يحصي تكلفة وعدد المسيرات الأمريكية التي أسقطها الحوثيو
...
-
إعلام أمريكي: كييف وافقت بنسبة 90% على مقترح ترامب للسلام
-
السلطات الأمريكية تلغي أكثر من 400 منحة لبرامج التنوع والمسا
...
-
البيت الأبيض يشعل أزمة مع جامعة هارفارد بـ-رسالة خطأ-
-
ارتفاع حصيلة الضربات الأميركية على رأس عيسى إلى 74 قتيلا
-
الكرملين: انتهاء صلاحية عدم استهداف منشآت الطاقة الأوكرانية
...
-
في ظلال المجرات… الكشف عن نصف الكون الذي لم نره من قبل
-
القوات الروسية تتقدم وتسيطر على ثالث بلدة في دونيتسك
المزيد.....
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
-
الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف
/ هاشم نعمة
-
كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟
/ محمد علي مقلد
-
أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية
/ محمد علي مقلد
-
النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان
/ زياد الزبيدي
المزيد.....
|