عماد مسعد محمد السبع
الحوار المتمدن-العدد: 3518 - 2011 / 10 / 16 - 17:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
على خلفية الإنتفاضات الجماهيرية ضد " العولمة الرأسمالية " التى أمتدت بحافز من مظاهرات حركة " أحتلوا وول ستريت " بمدينة نيويورك الأمريكية إلى أكثر من 82 دولة– تصاعدت أصوات تنادى بتطبيق ما يسمى " بقواعد المنظومة الإقتصادية الإسلامية " البعيدة عن الربا والقائمة على أسلوب المشاركة والمرابحة كمدخل للخروج من الأزمة الإقتصادية و المالية العالمية القائمة والمحتدمة.
وبدأ تيار الإسلام السياسى فى توظيف هذه الأزمة على سند من أن الطريق أصبح مفتوحآ أمام " الإقتصاد الإسلامى " ليتبوأ موقعه بعد أن أخفقت منظومتى الإنتاج الإشتراكى ثم الرأسمالى عن تحقيق التنمية والرفاة و تكريس العدالة الإجتماعية .
هذا الإتجاه يؤسس رؤيته على سند من أن ( كبيرة الربا / الفائدة ) تقف وراء كل الشرور التى تعانى منها مجتمعات البشر , وأن الله ولعلمه الأزلى بمن خلق أعلن مع الرسول حربآ على مقترف هذه الجريمة وعلى جشع المرابين وحتى تتطهر الإنسانية بالإبتعاد عنها .
كما يؤكد على أن أستخدام أدوات لم يقرها الشرع الإسلامى هى التى دوفعت نحو تدهور الإقتصاد المالى حيث يتم بيع وتداول قروض مشكوك فيها فى شكل أوراق مالية وبما ينطوى عليه من محظورات محرمة فى صورة بيوع ربوية وبيع الإنسان مالا يملك وبيع الدين بالدين وغيرها , - وهكذا فأن ما أسمته " المعاملات الربوية غير الشرعية " مسئولية عن الأزمة المالية التى تعصف بالبورصات والأسواق المالية .
هذا التصور يعكس جانبآ ما يطلق عليه البعض " بالنظام الإقتصادى الإسلامى " الذى يذهب منظروه إلى أنه يقوم على أسس أستخلاف الإنسان فى مال لله , وأن مناطه هو " تقوى الفاعل الإقتصادى / الإجتماعى " , مع أحترام دوافع الربح والبركة و مؤسسة " الملكية الخاصة وفق الضوابط الفقهية و الدينية " .
ما يتعين الإنتباه اليه فى ها السياق هو ( واقعة الربا ) التى يهتم بها مفكروا هذا التيار الإسلاموأقتصادى , والذى يوليها أهمية مركزية مؤكدآ على أدراك خطورتها والإلتزام بحرمتها .
من المفيد الإشارة بداية إلى أن هذه الرؤية تتجاهل فى عمومياتها الفارق النوعى بين مقاصد الحكم الدينى الخاص بتحريم " الربا ", وبين طبيعة ومفهوم " الفائدة " كمبدأ و محرك أقتصادى معاصر .
فالثابت تاريخيآ أن أصل علة الزجر فى التعامل الربوى كان الحيلولة دون " أستعباد المدين المعسر " – والتى كانت نظامآ لصيقآ بقواعد الرق المعمول بها فى الجاهلية وحتى صدر الإسلام .
تلك الغاية من التحريم ( التنفيذ البدنى على المدين ) لم تعد مطروحة فى ظل المبادىء التجارية الحديثة التى تحظر التنفيذ على شخص وجسد المدين المعسر , وتنتهى فقط إلى التنفيذ المدنى الجبرى على أمواله وممتلكاته أقتضاءآ للمديونيات المالية .
ولعل ذلك هو ما يفسر وضعية أن " عقد القرض ليس أصلآ فى العقود الربوية وفق مصادر الحق فى الفقه الإسلامى , أذ " البيع هو الأصل " بيوع المقايضة والمبادلة بالذات " ويقاس على البيع الربوى القرض الذى يجلب منفعة ( د . عبد الرازق السنهورى – مصادر الحق فى الفقه الإسلامى – ج2 ) .
فالفائدة فى عقد القرض الحديث ليست الربا المحظور شرعآ والمحصور فى بيوع المبادلة والمقايضة التى تختلف وتتمايز فى الماهية والدور والأركان عن القروض المالية وعن البيع النقدى وعن الإستثمار بأسواق السندات المالية .
كما أن انتفاء الإعلان عن فائدة معينة سلفآ كخصيصة لعمل البنوك التى تصف نفسها " بالإسلامية " لا يعنى غياب فكرة التوظيف الرأسمالى عن تعاملاتها المصرفية , ولا يغير من طبيعة نشاطها الهادف لتحقيق أقصى ربح نقدى ممكن .
فالواقع أن جميع البدائل التى تتقدم عبر معاملاتها المالية " بيع المرابحة و المضاربة الشرعية و التمويل بالمشاركة وغيرها " والتى تتدثر فى العباءة " غير الربوية " تتصل بتنظيم العلاقة بين رأسماليين وبكيفية توزيع فائض القيمة فيما بينهم .
ففى البنوك التقليدية – حيث يوجد سعر فائدة محدد ومعروف – فأن ذلك يعنى أن فريقآ من الرأسماليين سوف يحصل فى البداية على نسبة معينة من فائض القيمة .
فى حين أن الصور التى تقترحها تلك البنوك الإسلامية تعنى فقط أن أيا من هؤلاء الرأسمالين لن يحصل " مقدمآ على قدر من فائض القيمة " , وأنما سيصبح كل الرأسماليين المشاركين بالمشروع سواءآ عند المكسب أو الخسارة .
آلية التوزيع السابق لا تنال من أهداف الشركاء فى هذا " المشروع الإسلامى " والتى تدورحول توسيع الفارق بين قيمة الإنتاج وقيمة ما يدفعونه من أجور ونفقات لعنصر العمل أى تعظيمآ لمقدار فائض القيمة .
وهكذا فتحريم الربا لا يمنع التناقض بين عنصرى العمل ورأس المال , ولا يؤدى لتحول فى نظام الإنتاج الإجتماعى , فهو لا يدحض حقيقة أن تجمع شركاء المعاملة الإسلامية يعتمدون شراء " قوة العمل " من أجل الحصول على الربح النقدى .
أما القول بأن نظام الإقتصاد الإسلامى يقوم على أسس أخلاقية و أن المال " مال الله " وأننا " وكلاء على أدارته " وأن عماده هو المزاوجة بين المعاملات والعبادات فالثابت أن القائمين على هذا النظام " بشر " يملكون تأويل وتطبيق النص المقدس وفق أهؤائهم الدهرية و الزمنية . كما أن " الرأسماليين الربويين " فى الغرب لا تنقصهم مناقب التقوى والصلاح الأخلاقى ولا يبخلون فى العطاء لأجل رعاية وأنشاء المؤسسات الإجتماعية و العلمية والخدمية .
وهكذا فالمقومات العقائدية والروحية ليست أساسآ للنشاط المصرفى ولا تجب أخلاقيات الرأسمالية التى تدور فى فلك نظام القيم السلعى .
كما أن ما يحدث فى أسواق المال لا علاقة له بالربا والدين والأخلاق – وأنما ينتمى لأزمة هيكلية تعصف بالراسمالية منذ سبعينات القرن الماضى , وتكشف عن سطوة رأس المال المالى فى مواجهة الإقتصاد الحقيقى / العينى .
هذا الإنفصام بين حركة الإقتصاد الحقيقى ( حركة الإنتاج و الإستثمار و التصدير ) , وحركة الإقتصاد فى أسواق المال هو نتيجة لعملية العولمة المالية ولتحرير المبكر للأسواق المالية عبر جنبات المعمورة ومن خلال حركة الأموال الساخنة التى لم يشهد التاريخ المالى مثيلآ لها .
ففى ظل الأداء التقليدى للإقتصاد كان رأس المال المالى دافعآ نحو تسريع دورة رأس المال وتابعآ لخدمة عملية الإنتاج و بعدها الزمنى الذى يخضع لحسابات الأجل المتوسط والذى ينغشل بعملية خلق فائض القيمة فى مرحلة إنتاج السلعة .
ولكن عند ظهورالعولمة الرأسمالية فى نسقها الجديد فرض " رأس المال المالى " نفوذه على رأس المال الصناعى , ومن خلال سعيه لتحقيق أقصى ربح على المدى القصير فقد دوره التاريخى كنقطة بدء ووسيط مركزى فى التمكين لتهيئة شروط عملية الإنتاج الرأسمالى .
وهكذا تراجعت معدلات التوسع فى الطاقة الإنتاجية المادية والإستثمار العينى فى مواجهة مضاربات الأسواق المالية غير الواقعية , وبشكل لم يعد يؤمن عملية تراكم رأس المال لا على مستوى الدولة القومية ولا على مستوى الإقتصاد الدولى .
التوصيف السابق كاشف عن جوهر الأزمة , وهو برهان جديد على صحة التحليلات الماركسية بشأن التناقضات البنيوية لعملية الإنتاج الرأسمالى , ولاسيما التناقض المستمر بين عنصرى رأس المال و العمل, وبين الطبيعة الإجتماعية لعملية العمل والملكية الفردية لوسائل الإنتاج .
وباختصار فأن المخطوطات النظرية لما يسمى " بالإقتصاد الإسلامى " لا تطرحآ نقدآ موضوعيآ للأساس الإجتماعى والإقتصادى لعملية الإنتاج الرأسمالى , وما ينتج عنه من تفاوت فى توزيع الدخول وغياب للعدالة والتوازن الطبقى .
و لكنها بالآحرى تحصن قيم العملية الرأسمالية عبر دائرة ( الحلال والحرام الدينى ) وتخلع على بعض ممارساتها الإستغلالية صفة " الحلال " , و بما يخدم مصالح الطبقة الإجتماعية المصاحبة لصعود الإسلام السياسى , والمرتبطة بالبنوك و المعاملات المصرفية التى تطلق على نفسها صفة " أسلامية . "
باختصار , فأن ( الإطروحات الإسلامية الإقتصادية ) لا تعدو الإ أن تكون بضاعة رأسمالية فى الجوهر , تدفع بها الأصولية الدينية وبما يخدم مصالحها الطبقية .
أنها ( رأسمالية ملتحية ) تتدثر بعباءة الدين فى حين أن الإسلام لم يتبنى أسلوبآ معينآ من أساليب الإنتاج المادى , كما لا يوجود تعارض بين الخيار الإسلامى الإقتصادى وغيره من الخيارات الرأسمالية أو الإششتراكية , ولم ينشأ تاريخيآ تكوين أقتصادى – أجتماعى يمكن أن نطلق عليه و أن نصفه " بالنظام الإسلامى " .
و تظل ( فلسفة ركن الملكية ومؤسساتها ) أحد أهم أطروحاتها الأكثر التباسآ , حيث ينطلق منظروهذا الفكر من فرضية خلاصتها : " أن الملك كله لله ، و أن المالك الحقيقي الأصلي للأرض و ما عليها هو اللّه ، و أن ملكيّة الإنسان هي وكالة أو استخلاف أو ملكيّة انتفاع ، فالإنسان ليس له التصرّف في العين إلا وفق إرادة مالكها ، فإذا أساء التصرّف انتزعت منه فكلّ , ما يتعلّق بالملكيّة من طرق الحصول عليها و التصرّف فيها و نوع ما يمتلك و زوالها، لا يتمّ شيء من ذلك إلا وفقا للشريعة الإسلامية " .
ومن هنا فأن هذا الطرح يريد أن يصل لنتيجة مفادها أن ( الملكية " الفردية " ستكون رهنآ بيد أمير المسلمين أو ولى أمرهم و زمر و نخب المؤمنيين فقط ) ! . و يجرى ذلك باعتبار أن هناك " وكالة أو خلافة " من الله للمؤمنيين بهذه الملكية وبادارتها على الوجه الصحيح ! ..
وتلك هى أسوأ صورة يمكن أن تقدم لشرعنة " الملكية الفردية و قوننة أنفراد طبقة معينة بها " على الإطلاق , ذلك أنها تضفى طابعآ دينيآ لاهوتيآ يتصل بالسماء يبرر لهذه الطبقة أحقية ( الإستئثار و الإستغلال و التصرف ) فى الملكيات بأسم الإسلام وكلمة الدين .
هل يتعين أن نسأل الإسلام السياسى عن أى " أقتصاد أسلامى " يطرح و كبديل منتظر للرأسمالية الآخذة فى الأفول و الذبول العالمى والتاريخى ؟!.
عماد مسعد محمد السبع .
#عماد_مسعد_محمد_السبع (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟