جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3518 - 2011 / 10 / 16 - 16:35
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
تصدير:
سألوا مسافراً أجنبياً عادَ لتوهِ من الرايخ عمن يحكمُ هناكَ فـأجابَ : "الخوف"..
للشاعر الألماني: برتولت بريخت, ترجمة د. ممتاز كريدي.
من الذي يحكمنا؟
ومن الذين نحكمهم؟
وكيف نحكم غيرنا؟
وبواسطة من نحكم؟
هل يحكمنا نظام حر ديمقراطي؟
الحاكم والمحكوم يلجئون إلى الخوف.
نحن جماعة يحكمنا الخوف ونقولها بالفم الملآن بكل فخر وبكل اعتزاز ولكل إنسان على وجه البسيطة نظاماً يمشي عليه ويحكمه من الداخل ومن الخارج, ولا شيء يسيطر على حياتنا بشكل عام كما يسيطر علينا الخوف من خارجنا ومن داخلنا حتى أننا لا نستطيع تعليم أولادنا إلا بالخوف, فمن هو الذي يربي ويعلّم ويحكم هنا؟إنه الخوف,ولا نستطيع إقناعهم بأي شيء إلا بالخوف والأمهات يرعبن الأطفال الذين يهربون من المدرسة وهم في المرحلة الأولى من التعليم بواسطة الخوف كقولهن(هسع بيجيك الحرامي وبعطيه إياك يلله روح قبل ما يجيك الحرامي) أو (هسع بيجي الشرطي يوخذك على السجن) ,و(أسكت قبل ما تيجي الغوله توكلك ) فمن هو الذي يحكم هنا؟إنه الخوف, ولا نرى هنا لا ملكا ولا أميرا ولا جنديا وكل ما نراه ونحسُ به هو الخوف فقط لا غيرولا توجد طريقة تقنع فيها الطفل بالذهاب إلى المدرسة إلا بالترويع وبالتخويف, وأيضا كبار السن لا يذهبون للصلاة في المسجد إلا عن طريق تخويفهم من الله وعذابه لنا حين يلقينا في النار, ولا توجد طريقة مُثلى يقنعوا فيها أنفسهم غير الحرق والقتل والسلخ والجلد وهي هنا تعرف بإسم العقاب الجسدي , فمن هو الذي يحكم هنا؟إنه الخوف, والإنوهي:دون نظام لا يستطيع أن يمشي فالنظام بالنسبة للعالم كما هو الماء والطعامُ والهواء والكهرباء فإما أن يمشي الإنسان على نظام يحكمه كما تحكمه ساعة الوقت وإما أن يذهب برجليه إلى المقبرة ليدفن نفسه حيا كونه يعيش بلا نظام حكم,ونحن يحكمنا نظام الخوف من كل شيء فالنظام الديني الإسلامي يحكمنا بالخوف أو من خلال تخويفنا وترغيبنا في المرأة والحوريات ومن كافة السلالات العاطفية والخوف كله يأتينا من الطبيب الذي يغز الإبرة ومن الشرطي ومن الله وعقابه وليس من خلال المحبة والغفران والسلام, فغالبية الأحاديث النبوية كلها خوف كالأقرع الجبار وهو عبارة عن أفعى تلدغ من في القبور وسبب ذلك في أغلب الأحيان ساذجٌ جدا وكم شاهدت من أفلام ومسلسلات لفنانين أموات ينظر إليهم المشاهدون أمام شاشة التلفاز وهم يقولون(هذا هسع قاعد بنصلي بالنار) و(هذه الفنانة أو على حسب تعبيرهم القحبة الآن قاعدة ابتشلوط بالنار شلوطه) وذالك الفنان الرسام الآن يسأله الله : هل تستطيع أن تصنع روحا لهذه الرسومات المتحركة ؟والإجابة معروفة وهي:لا أستطيع, فيضربونه ملائكة التعذيب ضربة ينزل بسببها إلى أعماق الأرض سبعين ذراعا أو باعا أو مترا فمن هو الذي يحكم هنا؟إنه الخوف,فالخوف يسيطر علينا من كل مكان ويحيط بنا كما تحيط بنا البحار والمحيطات حولَ القارات الخمسة, فالنظام الذي يحكمنا كله عبارة عن خوف والخوف من الممكن ترجمته بالإرهاب, حتى الذهاب للأنشطة الثقافية فيها خوف وحتى المثقفون سياسيا يخافون من المخابرات لذلك لا أحد يرتاد الأندية السياسية أو مؤسسات المجتمع المدني خوفا من أن تعاقبهم المخابرات هم وأولادهم من بعدهم , فمن هو الذي يحكم هنا؟إنه الخوف,والأهالي الحريصون على أبنائهم ينصحونهم بعدم الاقتراب من الثقافة خشية أن يشطب ضباط المخابرات على أسمائهم والمثقف عندنا يخاف من الشرطة كما يخاف الطفل من الطبيب الذي يمسك بيده إبرة ,وبعض الناس يحاولون البحث عن أي نظام يحكمهم وفي النهاية لا يجدون أفضل من الخوف ليحكمهم وليحكموا هم أيضا بواسطته حتى الأطفال يخافون من ذكر اسم الطبيب فإذا أرادت سيدة أن تخيف ابنها فورا نجدها تقول له (هسع بجيبلك الدكتور يدقك أو يغزك إبره) لذلك كل الأطفال يخافون من الطبيب حتى أنا ما زلت أخاف من الطبيب نظرا لأن أمي كانت تخيفني بواسطته(إذا ما ابتسكت بوديك على الدكتور يغزك إبره) وصدقوني أن معظم أطفالنا حين يسمعون بإسم الدكتور تنقلبُ وجوههم كما تنقلب وجوه الفارين من العدالة حين يقبض عليهم (البوليس) ,وبعض الفئات الاجتماعية حين يفتقرون أو حين يشعرون بأنهم بحاجة إلى نظام حكم يمشون عليه يقولون(اللي ما إلهوش اكبير يشتريله إكبير) والكبير هنا معناها النظام, وأتساءل أنا لماذا لا نحاول أن نعرف أو نتعرف على نظام يحكمنا لا يكون الخوف سلاحه؟.. فمن هو الذي يحكم هنا؟إنه الخوف, وبعض الناس إن لم يكن لديهم نظاما يمشون عليه ويحكمهم فإنهم يستسلمون للخوف وهذه معادلة معقولة جدا في مجتمع تسيطر عليه المخاوف من كل الاتجاهات لدرجة أننا كلنا نعيش في ضمن دائرة كلها خوف وقلق وإرهاب , والزوجة يحكمها الزوج لأنها تخاف من أن يطلقها فتخسر بيتها وأولادها وغالبية النساء يخفن من تشرد أولادهن, فمن هو الذي يحكم هنا؟إنه الخوف, فيبدأ الخوف بخنقهم كما هم سكان الوطن العربي الخّواف, فنحن شعب يحكمنا الخوف بشكل سلبي وعلى كل إنسان لا يوجد لديه نظاما أن يجد النظام من خلال البحث والتقصي حتى ولو أضطر إلى إنزال النظام من السماء السابعة أو خلقه من تحت طقاطيق الأرض أو من تحت أرجله من تحت سابع أرض, ولكل إنسان نظاما يلعب به مثل (الريموت كنترول) أو(الريبوتات) الحديثة ابتداء من الفيزياء وانتهاء بأنظمة الحكم العسكرية والمدنية السياسية والثقافية, وحين ندخل أي مكان نحاول أولا أن نفهم طبيعة النظام الذي دخلنا ضمن دائرته سواء أكنا في ورشة عمل أو حتى في قسم أكاديمي, وإذا ما دخلنا بيت أحد المعارف والأصدقاء دائما وتلقائيا نحاول على الفطرة وعلى السليقة أن نسأل هذا السؤال(شو طبيعة النظام عندكوا؟) فعلينا أن نفهم طبيعة نظام العائلة الأكاديمية أو العائلة النواتية, وبدون أنظمة وقوانين لا يمكن أن نسبر أعماق الماضي والحاضر والمستقبل, وبدون كثرة كلام ومقدمات نحنُ جماعةٌ يحكمنا الخوف ويتسلط علينا ويتحكم بنا ,فالخوف عندنا منتشر في كل مكان في البيوت وفي الأسرة وفي الشوارع وفي الأسواق, فالأسرة تخاف من الأب والأم, والأم والأب يخافون من رب العمل الذي يعملون عنده, ورب العمل يخاف من المسئول الأعلى منه , وأنا أخاف منك وأنت تخاف منه,وفي النهاية لا أحد يخاف من الله أو من التعدي الصارخ على حقوق الناس وخصوصا الأقليات الفكرية والدينية, والآخر يخاف أن تقول عنه الناس (ماشفناهوش في صلاة ألجمعه...إلخ), وها هنا من الذي يحكم؟إنه الخوف, وهو يخاف من الآخر, والآخر يخاف من صفير أنفه(إخشومه) والخوف يدب في عظامنا ودمائنا وأعصابنا, وهو المسيطر على حياتنا وبدون خوف لا يمكن أن نمشي أو أن نتعرق خوفا , ونحن أيضا أصبحنا مدمنون على شرب الخوف كما نحن مدمنون على شرب الدخان, ومنذ الطفولة المبكرة نتعلم شرب الخوف مع حليب الصباح أو شاي الصباح ,وبسبب الإدمان على الخوف تجدنا كثيرا ما نفرز هرمون(الأدرينالين) وأنا أعتبرُ نفسي أكثر شخصية عربية مدمنة على إفراز هرمون الأدرينالين لأني دائم الخوف على نفسي وعلى أولادي, حتى الجلوس على كل مقهى من المقاهي نجلس والخوف تهمة متلبسة بنا أو عادة يومية نعتاد عليها ولا بُدَّ أن نجد لكل مقهى نظاما يمشي عليه المدمنون على شرب القهوة واللعب بالورق وهنالك قوانين تحكم وترسم وتخطط من خلال الخوف وحده.
وفي كافة أنحاء العالم وحدهم البدو الذين يسكنون الصحارى يكرهون أن يبني عليهم أي نظام حكم أسوارا وأن يضع لهم حدودا يبدؤون منها وينتهون إليها, فهذا يعتبر هلاكا لهم نظرا لأنهم دائمو الترحال للبحث عن مصادر الرزق, وبغض النظر عن دراسة هذه الظاهرة يبقى الخوف هو الأسلوب الأمثل لحكمهم ولتشديد قبضة الدولة البوليسية عليهمُ فهم لا يطيقون أي نظام يحكمهم نظرا لأنهم يعيشون في صحراء مفتوحة من كل الاتجاهات على مد النظر واعتادوا على حرية التنقل للضرورة وليس لأنهم يحبون التنزه, وحتى اليوم هنالك بقايا منهم يمارسون حرية التنقل بما يحملون معهم من إبل ومن أغنام, ورغم ذلك يحاولون جاهدون على الانفلات من قبضة الدولة البوليسية وما حرب (البسوس) إلا تلك الحرب أو ذلك النظام الذي حاول به (كليب بن وائل) أن يجد دولة المدينة المحاطة بالأسوار العالية ولذلك كانت هذه الشرارة الأولى لثورة (جساس) ابن عمه عليه وما قصة الناقة الجرباء أو ناقة البسوس إلا الشعرة التي قسمت ظهر البعير والتي أدت إلى حرب دامت قرابة أربعين عاما بين أبناء العم, ويقال علميا بأن الإسلام لو تأخر ظهوره قليلا لأكلت فيها ربيعةُ وتغلبُ العربَ تحت نظام حكم مسيحي نظرا لأن غالبية ربيعة وتغلب من النصارى, والمهم أن العرب الذين ساسهم محمد ما كان باستطاعته أن يسوسهم لولا الخوف والترهيب والترغيب بالإسلام عن طريق زراعة بساتين الخوف التي لولاها لَما استطاع محمد وخلفاءه أن يحكموا العرب.
وهنالك نظام حكم ديمقراطي حديث ويُعرّف علميا بأنه :حكم الأغلبية مع الحفاظ على حقوق الأقليات الدينية والعرقية والثقافية, وهنالك نظام حكم آخر ندعوه ثيوقراطي , وكلمة ثيوقراطي مركبة من كلمتين وهما ثيو أي الدين وقراط وتعني الحكم أي (الحكم الديني), وهنالك نظام حكم كونفدرالي,وهنالك أشكال حكم مختلطة مثلها مثل بعض الأنظمة الاقتصادية المختلطة مع مجموعة آراء من هنا وهناك, ونحن كعرب أستطيع أن أُشبه النظام الذي يحكمنا بأنه نظام الخوف والرعب والإرهاب, فمن الذي يحكم هنا؟إنه لا شيء سوى الخوف, ومن ناحيةٍ اقتصادية نحنُ نحتكم إلى نظام اقتصادي مختلط ونظام حكم سياسي أيضا مختلطاً في بعض الأحيان, فلا أحد يعرفنا ولا حتى نحن نعرف أنفسنا إن كنا شيوعيين أو إسلاميين أو اشتراكيين أو حتى مجانين وفوق كل ذلك يظهر نظام الخوف كأكثر نظام يحكمنا ويتسلط علينا.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟