أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شريف صالح - تفاحة الديمقراطية المسمومة















المزيد.....


تفاحة الديمقراطية المسمومة


شريف صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3517 - 2011 / 10 / 15 - 14:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



خرج ثوار 25 يناير في مصر وطالبوا بالديمقراطية. وسرعان ما دارت عجلة الديمقراطية بما يكفي من دم الشهداء، فأجريت انتخابات لاختيار رئيس جامعة جنوب الوادي ليحصل رئيسها السابق عباس منصور (أمين تنظيم الحزب الوطني المنحل في المحافظة)، والذي عينه النظام السابق في منصب رئيس الجامعة، على أعلى الأصوات.
ثم تكرر الأمر ذاته في جامعة القاهرة، وأيضا فاز في انتخابات "حرة" رئيسها السابق حسام كامل الذي عينه النظام، وهو نفسه الذي منح زوجة المخلوع الدكتوراه الفخرية من جامعة القاهرة!
ما شعور الثوار، والشهداء، وهم يرون أن الديمقراطية التي نادوا بها لم تغير الواقع! وأن أقطاب النظام الذين جثموا على الصدور، يعودون مرة أخرى، لكن هذه المرة بواسطة الديمقراطية والاقتراع الحر المباشر! وإذا كان من لهم حق الانتخاب يختارون نفس الوجوه التي عينها النظام، فما الداعي إذن للديمقراطية؟ ألا يدل ذلك على أن النظام كان يعلم ـ بالنيابة عن المواطنين ـ من هو الأصلح لهم؟!

1
ليس هناك أسوأ من الاستسلام لبريق المفهوم، دون فحصه فحصاً كافياً على مستوى الخطاب والممارسة. فمن الطبيعي أن معظم أساتذة الجامعة الذين لهم حق اختيار رئيسها، هم مثله وصلوا إلى مناصبهم برضاء الأمن والنظام المخلوع، وصندوق الاقتراع لا يعني لهم سوى إعادة إنتاج النظام بنفس تراتبيته، لأن أي تغيير في جوهره وقيمه، يعني إهدار مكاسبهم مثل الترقيات والبعثات واللجان وتعيين الأبناء!
2
جهاز أمن الدولة المتمرس في إدارة العملية الانتخابية وتزيينها بأفضل ديكور، تم تغيير عنوانه إلى "الأمن الوطني" لكن من المستبعد أن تكون فلسفته وعناصره وممارساته، تغيرت جذرياً في غضون شهور، هو المنتشر أخطبوطياً في مؤسسات الدولة وقوانينها وانتخاباتها، ويملك من الإمكانات والحيل، ما يمكنه من إدارة أي صندوق اقتراع بالريموت كنترول! ويكفي للتدليل على ذلك ما نشر من تقارير ـ بعد الثورة ـ عن تقييم أمني لأساتذة الجامعة وانتمائهم! فهل لدى أحد ضمانات كافية عن عدم تدخل هذا الجهاز ـ أياً كان مسماه ـ وتلاعبه بصناديق الاقتراع؟!

3
إن الكلمة البراقة، تغوينا، وتُعمي وعينا عن رؤية تناقضاتها، مثل حبة التفاح اللامعة، التي تدفعنا إلى التهامها دون أن نفكر ـ ولو لحظة ـ عما إذا كانت مسمومة، أو على الأقل معطوبة من الداخل!
وللسلطة في مصر قاموس خصب من الألفاظ البراقة الرائجة خلال العقود الثلاثة الماضية مثل: أزهى عصور الديمقراطية، احترام حقوق الإنسان، الشفافية..إلخ، تتحول تلك الكلمات والتعابير إلى شعارات لا تمل السلطة وإعلامها من استهلاكها.
وكلما اتسعت الفجوة بين الواقع المعيش لأفراد المجتمع، من فقر وبطالة وضعف الأجور وتدني الخدمات الصحية والتعليمية، وبين ذلك الخطاب البراق، ضاعفت السلطة من معدلات تكراره وتكريسه. إلى أن يصبح الواقع المرير كله، منفياً لغوياً، وبصرياً، في كافة أشكال الميديا الرسمية، أو تلك التي تدار بالوكالة من خلال حاشية مخلصة.
بالطبع يرى المواطن، ويدرك، تلك الفجوة، لكن يتم "تعويده" على القبول بها، فهكذا هي الحياة وهكذا هي طبيعة الأمور، ومهما قال أو فعل، لن يتغير أي شيء، حتى لو قامت ثورة شارك فيها ملايين المواطنين!
إن المواطن، منفي هو الآخر، مثل واقعه الذي يجري التعتيم عليه بكل ما تملكه اللغة من مجازات وبريق، وما تكرسه الصورة من إيهام بأنها هي الحقيقة والواقع، وما لا يظهر على الشاشة لا وجود له. ولنا مثل غير بعيد، في صور ولقطات مؤتمرات الحزب الوطني المنحل، التي تضاهي في أناقتها وديكورها وبذخها مؤتمرات كبرى الأحزاب في بريطانيا وأميركا! لكن الواقع والممارسة هنا لا يضاهيان الواقع والممارسة هناك بكل تأكيد!
وهكذا يعتاد المواطن الرائي لفجوة وجوده التعس، المنفي خارج الصورة والكلمة، ألا يُشارك في صنع مستقبله ولا مصيره، ولا ينتخب من يمثلونه، و لا يُتاح أمامه سوى أن يتلقى مستسلماً المزيد من صور ومفردات ذلك القاموس البراق، بينما ظهره على الدوام محني في مواجهة معركة خاسرة مع واقع حافل بكل ما هو سيء وقبيح.
مع الزمن، يصبح هذا المواطن مبرمجاً، إن لم يصدق ـ بفعل التكرار ـ "لغة" الحكومة و"صورها" مهما بدت كاذبة وخيالية، فهو على الأقل مستسلم لها، يغذي وعيه تراث مشوه من الإيمان بالقدر وانتظار الفرج والخلاص.
إن خبرة التجارب الأليمة والمشوهة رسخت لا شعورياً، ذلك التوجس الأبدي من كافة المفردات البراقة، فهي لا تعدو حيلة أخرى من حيل السلطة لتعذيبه وقهره وخداعه، ويكفي أن ندعو مواطناً بسيطاً كي يدلي بصوته، ليفيض علينا بخطاب مرير لا يثق ذرة واحدة في تلك الصناديق ومن يشرف عليها!
مثل هذا المواطن المهزوم، المشوه في وعيه، المبرمج، المنفي، المُغَيب.. هل يعقل أن يحسن اختيار من يمثله بمجرد أن يجد نفسه فجأة أمام صندوق مغلق وفي يده ورقة؟ على الأرجح سوف يستسلم للشعارات البراقة كما ألفها، وللوجوه التي كرسها النظام وإعلامه خلال ثلاثين عاماً، فهي مصدر الخبرة والعلم والثقافة والنجاح والثراء، وهي مألوفة لديه بما يجعله يتوهم أنه يعرف فضائلها وأضرارها، مقارنة بوجوه مجهولة كلياً!
4
كان سقراط أعظم البشر المتوجسين من كلمة "ديمقراطية"، ليس لأنه يرفض تلك المعاني النبيلة التي تُوحي بها، بل لأن لتطبيق تلك الكلمة تجليات في غاية القبح والفساد والاستبداد. فما أسهل أن تزور إرادة الناس بالترغيب والترهيب، لتقول الصناديق المغلقة ما يريد أن يسمعه المستبد فقط:"99.9%"، وديمقراطية أثينا ورطتها في حروب لا طائل من ورائها، ولم تنجح في معالجة الأوبئة التي تفشت. لذلك شبه سقراط نفسه ب "الذبابة" ووطنه "أثينا" بالحصان، فرسالته السامية أن يُبقي الحصان متيقظاً، لكن ثار مجلس الشيوخ الديمقراطي الذي يمتطي صهوة الحكم ضد الذبابة الضعيفة الصادقة، وحكموا عليه بتجرع السم، حكماً "ديمقراطياً" بالأغلبية!
لقد أدرك سقراط سفاهة الأغلبية، وبرمجتها وتضليلها، وكيف تستغل الشعارات البراقة أسوأ استغلال! والمثال البسيط جداً أن الناس لا يقترعون لاختيار أي فرد ليكون رباناً لسفينتهم، وإلا ماتوا غرقاً، بل يجب أن يختاروا رباناً صاحب معرفة بقيادة السفن بالفعل! إذن ذلك الاقتراع الأعمى العشوائي قد يأتي بأشخاص غير مؤهلين للمهمة! وبمحض الصدفة! وقد يذهب بنا في معارك خاسرة لا جدوى منها! فهو ببساطة لا يستند على جدارة واستحقاق ومعرفة ووعي بالمصلحة العامة، بل على دعاية وترويج وكتلة صماء من الأصوات.
5
هنا يتجلى تناقض آخر، يتعلق بتلك المساواة الزائفة بين أفراد المجتمع، فمن حق كل مواطن أن يختار بغض النظر عن وعيه ومعرفته وثقافته وتأثيره، وقيمة الصوت هنا في وحدته العددية، وليس في وعيه وإدراكه للمصلحة العامة. على الرغم من أن الناس يتفاوتون في تجاربهم ومعارفهم ، ومن ثم نحن أمام "ديمقراطية القطيع" والتي تتجلى بوضوح في قطعان الجماعات المتأسلمة، التي تُدار بقرار فوقي لا ينبع من اقتناع شخصي وإدراك حقيقي بمصالح الوطن، مثلما حدث في الاستفتاء على تعديل مواد الدستور، فهستيريا المتأسلمين حولت عملية الاستفتاء على الدستور إلى استفتاء على الإسلام، رغم أن معظم الخبراء الدستوريين والقانونين قالوا إن خيار دستور جديد كان الأفضل، لكن كل هؤلاء الخبراء مجرد "قلة" في مواجهة قطعان مستأنسة وغوغاء لهم الغلبة الصوتية مقابل "قلة" من أهل العلم والدراية. من ذلك التناقض يتم تجييش العصبيات العائلية، وأحزاب المصالح المالية، على مر العصور!
من ثم فإن إتاحة الفرصة لكل شخص أن يختار، بغض النظر عن وعيه ومعرفته، ليس سوى خلق لمزيد من القطعان المشغولة بمكاسبها الآنية وأوهامها الأيديولوجية، والتي بدورها تُوظف واعية أو غير واعية، لتحقيق مكاسب فئة أو أفراد بأعينهم، وليس مصلحة الوطن بأسره. لتدار الدولة وفق الأهواء وعبر آلات هائلة للتضليل والتزييف، وأبعد ما تكون عن توخي المصلحة العامة.
هكذا تظل القطعان تساق بوتيرة عالية، وهي لا تدري أنها بيدها، تختار من يقهرها ويستغلها. فكم ثورة رفعت شعار:إقامة حياة ديمقراطية سليمة؟! ثم لا يحدث شيء، سوى استبدال عسكري أسود بآخر أكثر سواداً!
إن الكلمات البراقة، ليست مقدسة، ولا خلواً من العيوب والتناقضات، والتفاحة اللامعة قد تكون أشد فتكاً من سم الشوكران الذي تجرعه سقراط. وما لم تتوفر إرادة أن نكون ذباباً في اللحظة التاريخية المناسبة، سيورطنا من يمتطون حصان السلطة، في معارك خاسرة، إلى الأبد.



#شريف_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورة قامت.. ونامت
- لا تخفي علاماتك
- الدنيا على مقاس -سلفي-
- مائة ألف شاعر في كل عالم افتراضي.. يهيمون
- آن لك أن تتقيأ.. في دول اللاجئين
- ملاحظات حول اللحى الخمس
- نادراً ما يموت كاتب عربي حر.. هذا هو فاروق عبد القادر!
- فتاة أوباما
- أسامة أنور عكاشة.. مؤسس الرواية التلفزيونية
- الكاتب العربيد والقارئ القديس
- مصطفى صفوان: السلطة المحتكرة لا تحب الحق إلا باعتباره من اخت ...
- ذكريات قد لا يعرفها نصر حامد أبو زيد
- -مثلث العشق- مجموعة قصصية جديدة للكاتب شريف صالح عن دار العي ...


المزيد.....




- -ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني ...
- -200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب ...
- وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا ...
- ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط ...
- خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد ...
- ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها ...
- طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا ...
- محكمة مصرية تؤيد سجن المعارض السياسي أحمد طنطاوي لعام وحظر ت ...
- اشتباكات مسلحة بنابلس وإصابة فلسطيني برصاص الاحتلال قرب رام ...
- المقابر الجماعية في سوريا.. تأكيد أميركي على ضمان المساءلة


المزيد.....

- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شريف صالح - تفاحة الديمقراطية المسمومة