|
تونس : الشعب يريد إسقاط النظام أم يريد تطبيق الشريعة ؟
منذر السالمي
الحوار المتمدن-العدد: 3517 - 2011 / 10 / 15 - 01:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عرفت تونس يوم 14 أكتوبر 2011 مسيرات في عدد من الجهات و خاصة العاصمة و قد رفعت خلالها شعارات دينية تطالب بتطبيق الشريعة و تكفير العلمانيين ، و تنادي بإغلاق قناة نسمة الفضائية لبثها شريط : بلاد فارس ، بزعم أنه تضمن مشاهد تسئ للذات الإلهية ، و يقف الظلاميون الدينيون وراء هذه المسيرات ، مستغلين الشعور الديني لدى الفئات الشعبية ، لتوظيفها في معركة انتخابات المجلس التأسيسي . و قد جرب الظلاميون الدينيون هذا التكتيك في عدد من البلدان مثل باكستان و أفغانستان و مصر و الجزائر و بنغلاديش ، مستغلين مناسبات مماثلة كالرسوم الكاريكاتورية و صدور بعض الروايات و القصائد و الأفلام السينمائية ، و قد أدى ذلك في غالب الحالات إلى حرف نضال الشعوب عن مساره الثوري ، و تحويله إلى صراعات طائفية دموية ، و هذا ما يريدون تطبيقه الآن في تونس . و في الوقت الذي ترتفع غيه شعارات جماعة النهضة على سبيل المثال مهللة بزعيمها مصورة إياه في ثوب الرسول : لا اله إلا الله و الغنوشي حبيب الله ، و تستقبله في المطار عند عودته من لندن بنشيد : أقبل البدر علينا ، و ترفع شعار : هذه مسيرة مرخصة من رب العالمين ، كما لو ـن الله أصبح وزير داخلية تونس فإنها تقتنص الفرص لتكفير غيرها لأسباب سياسية ، و تصب جام غضبها على شريط للصور المتحركة صور الله كما ارتسم في مخيلة فتاة صغيرة . إن الفن لا تحده المقدسات مهما كانت قيمتها و إلى أي دين انتسبت ، فهو يخضع لمعايير جمالية صرفة ، هكذا كان الحال في مختلف مراحل التاريخ ، و تكفير الأعمال الفنية من طرف رجال الدين المتعصبين مثير للسخرية ، فهو يخفي أغراضا سياسية معلومة ، و قد انتهى في بلدان كثيرة نهاية مأساوية ، تضرر منها أصحابها قبل ـن يتضرر منها الفن والفنانون . لقد كان بث قناة نسمة للشريط المذكور أمرا أثار استغراب الكثيرين فإذا كانت تعرف أنه سيستغل من طرف الجماعات الدينية ، و يلف حولها جماهير الشعب و يرفع من أسهمها في انتخابات المجلس التأسيسي ، فلماذا قامت بفعلتها تلك و هو التي تزعم معاداتها لتلك الجماعات ؟؟؟ و هذا استغراب في محله و لكنه سرعان ما يزول إذا عرفنا الدافع الذي حرك تلك القناة ، و هو يرتبط برأينا بتحقيق هدف مزدوج : أولا : تحويل الصراع في تونس من صراع بين الشعب و أعدائه حول المطالب الاجتماعية و السياسية إلى صراع في صفوف الشعب حول الإيمان و الكفر، و هو ما تلتقي فيه مع الجماعات الدينية اليمينية . ثانيا : إقناع الدوائر الامبريالية الغربية و خاصة الأمريكية التي تربط بها جماعة النهضة بروابط وثيقة كشف عن البعض منها موقع ويكيليكس بأنه لا فائدة ترجى من تشريك هذه الجماعة في السلطة السياسية غداة انتخابات التأسيسي، و اللافت للانتباه أن بث الشريط قد تم خلال زيارة الباجي قائد السبسي للعاصمة الأمريكية . و رغم الصخب الذي رافق مسيرات اليمين الديني فان الليبراليين المحسوبين على باريس و واشنطن قد حققوا نقاطا لصالحهم فقد جعلوا اليمين الديني يسير إلى حتفه بظلفه كاشفا عن وجهه الحقيقي بإعتباره معاديا للديمقراطية فقد أصبح ينادي بتطبيق الشريعة و أسلمة الدولة و تجاوز ذلك إلى مهاجمة منزل مدير القناة و التهديد بقتله . و إذا أضفنا إلى هذا أحداثا أخرى مثل ذبح قس بولوني ، و إعلان إمارة إسلامية في رأس جدير ، و محاولة تحويل كنيسة بيزنطية إلى مسجد ، و الهجوم على كلية لرفضها تسجيل طالبة منقبة ، و ملاحقة المفطرين خلال شهر رمضان الخ ... فان اليمين الديني و هو يبدو في حالة هيجان مصاب بالغباء السياسي لعدم إدراكه حجم الضرر الذي يسببه له مثل هذا التصرف داخليا و خارجيا ، و لا شك أن قسما منه يدرك ذلك لهذا تحاول جماعة النهضة في كل مرة وجدت نفسها في حرج وضع وزر تلك الممارسات على عاتق السلفيين . و لا شك أن للثوريين في تونس في الأحزاب و الجمعيات و النقابات ما يقولونه و يفعلونه في خضم هذه المعارك الوهمية ، فقد كان لهم الفضل في تجذير شعارات الانتفاضة و توجيهها الوجهة الصائبة خاصة خلال مرحلتها الأولى التي سبقت هروب بن على ، و إذا كان الرجعيون يقرعون طبول حروبهم بشعارات الكفر و الإيمان و يسوقون الشعب إلى المحرقة فإن على الثوريين إعادة الاعتبار إلى مطالب الانتفاضة و شعاراتها في الشغل و الأرض و الحرية و الكرامة و حشد الكادحين حولها دون سواها .
#منذر_السالمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
استعانوا بطائرات هليكوبتر.. كاميرا تُظهر إنقاذ مئات المتزلجي
...
-
عبدالملك الحوثي: لن نتوقف عن مهاجمة إسرائيل مهما كانت الضغوط
...
-
ضابط شرطة يطلق النار على كلب عائلة ويقتله.. وخلل فني في كامي
...
-
تحطمت فور ارتطامها بالأرض واشتعلت.. كيف نجا بعض ركاب الطائرة
...
-
إعلام حوثي: إسرائيل قصفت مواقع في صنعاء والحديدة.. ولا تعليق
...
-
رويترز عن مصادر: نظام الدفاع الجوي الروسي هو الذي أسقط الطائ
...
-
إعلام عبري يكشف تفاصيل جديدة عن تفجيرات إسرائيل لـ-بيجرات- ح
...
-
نائب أوكراني: زيلينسكي فقد ثقة الشعب والقوات في بلاده
-
مقتل العشرات ونجاة آخرين إثر تحطم طائرة ركاب في كازاخستان
-
قوات -أحمد- الروسية: الجيش الأوكراني يتحصن عند أطراف مقاطعة
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|