|
وجه حسن طلب
السمّاح عبد الله
شاعر
(Alsammah Abdollah)
الحوار المتمدن-العدد: 3517 - 2011 / 10 / 15 - 00:35
المحور:
الادب والفن
وجه حسن طلب
************************* السمّاح عبد الله *************************
الظهور الشعري لـ حسن طلب جاء مبكرا جدا بالقياس لشعراء جيله كان ذلك عام 1972 وقت أن كان مجندا بالقوات المسلحة وقبل أن يخوض حرب أكتوبر المجيدة، عندما قدمه للساحة الشعرية الناقد الشهير رجاء النقاش من خلال باكورة دواوينه الشعرية " وشم على نهدي فتاة " هذا الديوان الذي سيتاح له فيما بعد أن تعاد طباعته باسم " الوشم " حيث عمد الشاعر إلى حذف نهدي فتاته من الغلاف بعد أن شاع الترصد بالشعراء وبنهود فتياتهم، في واقعة تعيد إلى الأذهان قصة قيام أحمد حسن الزيات بتغيير عنوان مقال أنور المعداوي عن نزار قباني بمجلة " الرسالة " في أربعينيات القرن الماضي من " طفولة نهد " إلى " طفولة نهر "
جاء ديوان حسن طلب الأول مبشرا ودالا ورامزا حتى وإن كان واقعا في أسر الشاعر العراقي المؤدلج عبد الوهاب البياتي، لكنه سجل شهادة ميلاد شاعر مرموق، وتطلب الأمر من الشاعر قرابة الخمسة عشر عاما ليصدر ديوانه الثاني " سيرة البنفسج " عام 1986 وليتخلص تماما من أصوات الشعراء الآخرين ويخلص إلى صوته المتفرد، وهو الديوان الذي يعد البداية الحقيقية له بعيدا عن خطواته الأولى، وتتوالى دواوينه بعد ذلك لا يفصل بين الواحد وأخيه سوى العامين أو الثلاثة، ومع توالي دواوينه لا يخلص إلى صوته فحسب بل يصبح صوته من أكثر الأصوات الشعرية تفردا وخصوصية حتى يستوي شيخ طريقة في الكتابة الشعرية الحداثية .
عندما انتوى كفافي الذهاب إلى إيثاكا وصل إليها ووجدها مدينة فقيرة لكنه كان قد كبر وازداد خبرة ومعرفة حتى أنه اكتشف أن الطريق إلى إيثاكا أكثر أهمية وجمالا من إيثاكا نفسها، حسن طلب أيضا أراد الذهاب إلى القصيدة فركب طريق اللغة ليصل إلى المعنى واكتشف أن اللغة نفسها يمكن أن تكون مقصدا واكتشف أن الشاعر إن هو إلا لاعب كبير ومن أجمل ألاعيب الشاعر ألاعيبه باللغة فغامر واشتط، وسبح في بحر بلا شط، وأصبح لزاما على قارئي شعره في كثير من الأحايين أن يلجئوا لابن منظور أو للفيروز آبادي لاكتناه غور بعض المفردات تماما مثلما فعل جده البعيد الأعشى حين قال :
وقد غدوت إلى الحانوت يتبعني شاو مشل شلول شلشل شول
وقد كان الأعشى جائعا جدا فاستخدم كل مفردات شواء اللحم وصفات من يشويه وكثير من القراء لا يعنيهم كثيرا مثل هذه الفروق اللغوية الدقيقة بين " شلول " و " شول " فإن فعل الإصاتة والتلاعب بالصوتيات عند الشاعر اللغوي يصبح في بعض الأحيان إنجازا فنيا خالصا، وهو شاعر صناع وقد يظن البعض أن تلك صفة غير محببة للشاعر الحديث، لكنها في حالة حسن طلب محببة إلى أقصى درجات المحبة فهو شاعر جائع مثل جده البعيد لكن جوعه ليس إلى لحم الضأن ولكن إلى الفن أينما كان يتكبد للوصول إليه الطرائق الصعبة ويحتشد بالمعرفة والفكر بل ويأتي بالأدلة والبراهين .
يقسم نقاد الشعر الشعراء إلى صنفين، شاعر غنائي وشاعر موضوعي، فيقولون أبو الطيب المتنبي شاعر غنائي وأبو العلاء المعري شاعر موضوعي، ويقولون أحمد عبد المعطي حجازي شاعر غنائي وصلاح عبد الصبور شاعر موضوعي، وبعضهم يفضل الغنائي ويميل بعضهم إلى الموضوعي، لكننا في حالة حسن طلب سنكتشف أننا أمام شاعر يستعصي على التصنيف، فإن شئت أن تحسبه على فئة الشعراء الغنائيين وجدته يرق حتى يكاد يذوب وهو يقول :
. / يا مرسلة غزلانك في قمحي في كرمي تاركة خيلك ما كان أضل خروجك لي تحت الدوح وكان أضلك كنت مصوبة نبلك لكأنك كنت حساما والعشق استلك ويلي منك ومني ويلك حرمك القمح علي ولكن الدوح أحلك ويلي أو ويلك أية آلهة وصلت بنهاري ليلك لي ما تركتْ إلا جسدا لو قل الوصل اعتل فعودي معتلك / .
أما إن شئت أن تحسبه على فئة الشعراء الموضوعيين وجدته يدلف إلى هدفه الشعري مباشرة دون حاجة إلى صورة أو خيال أو مجاز يقول :
. / قال ناقد يساري / تجاهلت الجماهير تعاليت على الواقع قل شيئا عن المظاهرات إن ساحات الميادين بها تغص / .
ويمكنك بكل بساطة أن تضبطه متلبسا بفعل الغنائية والموضوعية في القصيدة الواحدة وهي خصيصة يندر أن يتقنها شاعر استمع إليه حين يقول:
. / وكذلك يا أم علي تجدين الآنَ أمامكِ شخصاً آخرَ أعمى وعييّ من فضلِكِ هاتي قلمي ودواتي أتمني لو أمليتُ الآنَ عليكِ خلاصةَ مأساتي أعلمُ أن اللفظةَ هيِّنةٌ والشِّعرَ عصي لكني سأحاولُ مَن يدري فلعلِّي أنجحُ لو أن ملائكةَ الشِّعرِ أعانتني وعسايَ سأفلحُ إن فتح الله علي / .
وهو يعرف ذلك عن نفسه ويدرك أنه جامع للنقيضين لذا فهو يقول عن نفسه :
. / وقال لي يا لك ساحرا جمعت اللفظ والمعنى وأولجتهما من حيث قد كانا معا لا يلجان حقا لكم كانا إلى مثلك يحتاجان / .
كبر حسن طلب في غفلة من النقاد كبر شعرا وكبر عمرا، وأصبحت جماعة المثقفين مطالبة خلال عامين أو أعوام ثلاثة بالاحتفاء بسبعينيته، وهو الشاعر الذي كان إلى الأمس القريب يحسب هو وأبناء جيله على طائفة الشعراء الشبان، وقد كبروا دون أن تفوز بهم الجوائز أو يدركهم التكريم، وهم أولى أن يكرموا وأحق بالتقدير وعلى رأسهم الشاعر الكبير حسن طلب الذي يذكر قارئو الشعر ومحبوه أنه كان الأكثر جرأة في شعره منذ أن قال " أعوذ بالشعب من السلطان الغشيم " حتى قال " مبروك مبارك " هذه القصيدة التي من أجل أن يكتبها استغنى فيها عن المنسرح وألقى الوافر خلفه وترك المتدارك واختار الخبب وكسر قوانين النحو مع سبق الإصرار والترصد وهو الشاعر الذي لا ترتبك في يده تفعيلة ولا تخونه مفردة . في " مبروك مبارك " والتي كتبها حسن طلب عام 2005 وقف الشاعر – كعادة أسلافه شعراء النبوءة – على حافة الاستشراف حتى أنه عد سنوات الطاغية فلم تزد يوما، اقرأ معي هذه المقاطع الثلاث من القصيدة لتندهش من هذه القدرة على استقراء المستقبل، لكأنه عاش لحظات ما بعد 25 يناير ثم عاد بالزمن تارة أخرى ليكتب ما كتب :
. / وستكتب ـ أنت بنفسك خاتمة سلالة حكام العسكر لا بد ستصبح آخر حصرمة في العنقود وبأيديك تجيء نهاية هذا العصر المنكود!
.......
ويأتي من يمحوك ويمحو آثارك وستنجاب جبال الغمة عن صدر الأمة لن يبقى من تلك الأزمة إن ذكروها ـ بعد غد أو ذكروك غير الوصمة، تلحق سائر من سكتوا عنك ومن نصروك
.......
لن يبقي في تلك المحنة غير اللعنة تنصب على ذكراك وتذكار ثلاثين من الأعوام السود هذا اليوم سيأتي أسرع مما تتوقع / .
إذا كان لثورة الخامس والعشرين من يناير شاعر فلابد أنه هو فلا أعرف شاعرا شارك بفكره وشعره في هذه الثورة كما شارك هو حتى أنه كتب عنها وفيها ولها أكثر من مائة قصيدة، لذا يحق له أن يكتب نشيده الجديد " إنجيل الثورة وقرآنها " وكأنه جدارية طويلة ذات مقاطع متنوعة وترانيم مختلفة وقواف متراتبة تحوم حول الثورة الكبرى التي قلبت حال مصر رأسا على عقب، وعدلت ميزان العدالة الذي ظل مائلا قرابة الستين عاما، يحق له أن يترنم بميدان التحرير وشبابه ويتغزل في حوائطه المدهونة بدماء الشهداء ويرسم كما يليق بالرسام الماهر أجمل بورتريه لأجمل ثورة ربما في التاريخ كله بألوان حمراء وخضراء وبيضاء وسوداء، يتقن مزجها جيدا الكلاسيكي الحاذق الأكاديمي الناثر الصعيدي الحاد الفلسفي الفارع شيخ شعراء جيل السبعينيات حسن طلب .
************************* السمّاح عبد الله *************************
#السمّاح_عبد_الله (هاشتاغ)
Alsammah_Abdollah#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مرثية للعمر الجميل
-
الذكرى ناقوس يدق في عالم النسيان
-
ديمومة العاشق
-
آمال الديب تكتب عن ديوان أحوال الحاكي للشاعر السمّاح عبد الل
...
-
سيد حجاب العرّاف الذي رأى الطوفان
-
رأيت أمل دنقل
-
علي منصور .. التحولات والموقف
-
عن جريدة القاهرة وصلاح عيسى
-
لن أتخلي عن الموسيقي
-
كمال عبد الحميد يكتب عن ديوان الرجل بالغليون للشاعر السمّاح
...
-
الدكتور عبد الحكم العلامي يكتب عن ديوان الواحدون للشاعر السم
...
-
حامل الدم
-
اكتمال الحال
-
الدكتور جمال الجزيري يكتب عن ديوان متى يأتي الجيش العربي للس
...
-
الدكتور صلاح فضل يكتب عن ديوان أحوال الحاكي للسمّاح عبد الله
-
عبد المنعم رمضان يكتب عن السمّاح عبد الله
-
قراءة في ديوان - الواحدون - للشاعر السمّاح عبد الله
-
ثلاثون عاما مع مجلة الشعر
-
أَلاَ يَا سَقَى اللهُ تِلْكَ الْأيَّامْ
-
السماح عبد الله ومحاورة المألوف ، د. علي عشري زايد
المزيد.....
-
مكانة اللغة العربية وفرص العمل بها في العالم..
-
اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار
...
-
كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل
...
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|