أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هشام نفاع - للجائعين للحريّة، تحيّة














المزيد.....

للجائعين للحريّة، تحيّة


هشام نفاع

الحوار المتمدن-العدد: 3516 - 2011 / 10 / 14 - 09:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الشابات والشبان الفلسطينيون المعتصمون في حيفا لأجل أسرى الحرية اختاروا اللعب في ملعب كبير. منذ البداية قرروا، بكثير من المشاكسة الواعية الجميلة، كسْر التقاليد، حتى لو كانت تقاليد نضالية. فالنضال المشرّف أيضًا ينتج تقاليد تصبح الحاجة ماسّة في النضال للخروج عنها ومنها – من غير الخروج أبدًا من فعل النضال وفكرته وجوهره. ففعله وفكرته قرينان ضروريان، بمفهوم الضرورة الأكثر خطورة وجديّة ومسؤولية.
قبل بدء الاعتصام (المستمر منذ السبت الأخير) بثلاثة أيام، سمعتُ عن المبادرة. كان ذلك في مقهى. نعم، مقهى حيفاويّ يجمع ساعات التيقّظ والتكاسل المرحة والمتوتّرة والمُحبطة والمصرّة والمتفائلة، كلها معًا. فرحتُ بصمت بالفكرة. ها هو شبابنا أيضًا يقبض على واحدة من بشائر الربيع العربي الشاب العفيّ. فرحتُ لأن شابات وشبّان من مختلف تياراتنا السياسية قد قرّ قرارهم على التحرّك دون انتظار ترخيصات ولا مباركات من "الكبار".
في باحة حيفاوية على ناصية شارع الكرمل (المسمّى اليوم بقُبح شديد "شارع بن غوريون") اجتمعنَ واجتمعوا مسلّحين بقارورات الماء وعلب التبغ معلنين إضرابًا عن الطعام. بكل هذه العفوية والعزيمة أعلنوها حرّة طليقة بطلاقة: جائعون للحريّة. بنفوسهنّ ونفوسهم وأجسادهنّ وأجسادهم انسجموا في نضال مناضلي ومناضلات التحرّر/أسرى الحريّة الفلسطينيين؛ بمعَد هشّة تقبل الجوع على نفسها لأجل موقف وفكرة.
قلتُ إنهم اختاروا اللعب في ملعب كبير. فملعبنا يضيق في أحيان متقاربة كثيرة لشدة التجاذبات والتنافرات الحزبية والحركيّة على ما يُفترض ويجب أن يكون في منأى عن حسابات لجان الأحزاب المركزية على اختلافها، مع حفظ كامل الاحترام لها على اختلافها، ولكن من دون التفهّم دائمًا لخلافاتها.
هؤلاء الشابات والشبان جاءوا من تياراتنا الوطنية العلمانية كلها، وبعضهم غير مؤطّر حزبيًا. لم يلوّنوا دواخلهم الصادقة بألوان الرايات الحزبية، ومكانة هذي الأخيرة محفوظة القيمة، بل خلطوا اللون راسمين لوحة يصحّ أن نتمعّن فيها جميعًا لنتعلّم منهم، لنتعرّف ونعترف ببصمتهم، ونرتقي قليلا بالمعاني التي تجمعنا جميعًا.
حين أعلنوا مظاهرة قطرية يوم الثلاثاء الفائت جئت متوجّسًا: هل ستنجح؟ لكن الجَمع جاء بمئات منعشة الحضور. جاء قادة وقائدات سياسيون، وللمرة الأولى ارتاحوا من تلك الصورة المملّة التي يظهرون فيها في المقدّمة متكاتفين معًا باصطناعٍ وبكثير من النفور المتبادل الملحوظ للعين الذكيّة. فقد تقدّم المظاهرة المضرباتُ والمضربون عن الطعام بمعدهم الخاوية وإرادتهم الوافرة الوفيرة حاملين الشعار الذي لن تقتصر مقولته على الراهن بل ستظلّ تدوّي في نضالات لاحقة؛ مقولة: جائعون للحريّة. فمن قال إن الجوع من نصيب أسى المعَد فقط؟!
وجدتُ نفسي، فرحًا قلقًا مكتفيًا ممتنًا، أؤدّي دور الكادر المنظّم محدود الصلاحيات والحضور في هذه المظاهرة الاستثنائيّة. ولم أكن وسائر الزملاء بحاجة لكثير من جهود التنظيم، فالمظاهرة سارت بانسياب العفويّة الضاجّة وبصدق الممارسة النضالية غير المتبخترة بالتقييم الذاتي المُفرط ولا بالتشوّف المقيت.
لم تُختتم المظاهرة بالمشهد التقليديّ الرّتيب المؤلف من خطابات موزّعة حزبيًا بالتقسيمة الميكانيكية المفتعلة إياها. فقد سار الجمعُ عائدًا الى حيث انطلق. أحد المقاومين بمعدته الجائعة ألقى كلمة قصيرة كثيفة مكثّفة باسم المضربين والمعتصمين والمتظاهرين، باسمنا جميعًا، ثم تحلّق الجميعُ في انصاف دوائر أمام عدد من الفنانات والفنانين الذين ألقوا الشعر والمونولوغات المسرحية وغنّوا وعزفوا من موروث ثقافيّ فنّي جمعوه سنابلَ سنابل من مصر حتى الشام مرورًا بفلسطين.
هذا النضال الذي انساب بعفوية وصدق رابطًا نفسه بأحشائه مع قضية أسرى الحرية الفلسطينيين هو نموذج. إنه مقترَح مقدّم لنا جميعًا مفاده: يمكن الخروج عن تقاليد باتت مغطاة بصدأ الرتابة، مع الحفاظ الابداعيّ الراقي على مضمون وكلمة ومقولة وفعل النضال الوطني والانسانيّ الحقّ والعادل.
أحزابنا وحركاتنا السياسية مدعوّة بحرارة واحترام للاصغاء الى هذا الصوت المناضل الشاب النقيّ، ولا غضاضة في منحهم الصفّ الأول من حين الى آخر، بكل نُبل وثقة، في القول وفي الفعل. فهؤلاء الشابات والشبان المضربون عن اللّقمة والمعتصمون بتواضع ملؤه كبَر النّفس، والمتظاهرون دونما تدافع منفّر على بهرج العدسات والشاشات – هؤلاء هم إحدى أبهى الصور التي يمكن أن نتمناها لشخصنا الجماعيّ في مرآة واقعنا المرير المحرّض على النضال دومًا. أيها الرائعات والرائعون تحيّة لكم. تحيّة دافئة، متفائلة واثقة ببصمتكم.



#هشام_نفاع (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نعم، ضد الامبريالية وضد النظام!
- شافيز يخطئ بحق الشعب الليبي
- عودة المعنى
- دكتاتوريّات خلف التاريخ
- سُلطتان وعارٌ واحد!
- انتحاريون وسط النار!
- من هو الإرهابي؟
- أنظمة المطايا!
- ويا لها من حداثة..
- روث البقرة الأمنية المقدسة
- الكذبة وتكذيبها
- فنون اسرائيلية في الاستغلال والنفاق
- مأساةُ الصّنوبرهشام نفاع
- الحقيقة المرّة
- حق درويش في العودة
- طيف ماركس على ممرّ مشاة
- ماركس و-الفلورنسيّ العظيم-
- تجميلٌ فاشل ل -صورة إسرائيل-
- عن الطائفية وأسرار يغآل ألون!
- محكمة عُليا تحت الاحتلال


المزيد.....




- الكونغو الديمقراطية: مصرع 50 شخصًا على الأقل في حريق قارب شم ...
- برفقة ابنته.. كيم جونغ أون يدشّن مجموعة جديدة من المباني الس ...
- بوتين يهنئ تروفانوف بإطلاق سراحه من قطاع غزة ويقول: علينا إب ...
- بيسكوف: بوتين وويتكوف لم يناقشا الملف الإيراني في اجتماع بطر ...
- وسائل إعلام: إيقاف ثالث مسؤول في البنتاغون عن العمل على خلفي ...
- مفتي مصر السابق يثير تفاعلا بحديثه عن هجوم 7 أكتوبر
- ربما هناك أمل.. ماسك يشيد بقرار المحكمة العليا البريطانية حو ...
- حكومة نتنياهو تصف الوضع بالـ-خطير على أمن إسرائيل- وتتحرك لإ ...
- إعلام: الرسوم الأمريكية قد تكلف ألمانيا نحو 290 مليار يورو ب ...
- دوديك: على الغرب التوقّف عن شيطنة روسيا و محاولة فهم ما تريد ...


المزيد.....

- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هشام نفاع - للجائعين للحريّة، تحيّة