أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الفتاح المطلبي - أيام صائد الفئران















المزيد.....

أيام صائد الفئران


عبد الفتاح المطلبي

الحوار المتمدن-العدد: 3515 - 2011 / 10 / 13 - 15:19
المحور: الادب والفن
    



أيام صائد الفئران
عبد الفتاح المطلبي
اليوم الأول لصائد الفأر
كانت أمي الميتة تجمع أسرارها الصغيرة منذ إن كانت حية قبل زمان بعيد تصفّها وتبالغ بدسّها بعناية في صندوقها الخشبي الذي ورثته منذ عقود من أمها يومَ ماتت معلنة أن هذا الصندوق المنجم هو نصيب ابنتها التي هي أمي أنا صائد الفئران ، نصيبها من إرثها ، و آلت الأشياء الأخرى لبنيها وبناتها الآخرين ،تضعها سراً جنب سر وعلى مهل موحية لنا جميعا بأنها منشغلة تماما بأحزانها لفقد بعلها الذي لم يروِ عطشها الهائل من بئره المليء بأحجاره الأثيرة، نعم كانت توحي لنا بذلك نحنُ أولادها الستة، تفعل ذلك وكأنها تحوك بساطا لاألوان محددة له، ولما سألتها مرة وكنت أصغر أولادها الذين لا تتوقع أسئلتهم أبدا ، أجابت بصراحة ووضوح ، إنها تفعل ذلك قتلا للسأم ولأنها كانت متأكدة تماما من أنني لاأفقه من إجابتها شيئا بسبب صغر سني نصحتني أن أكون صائد فأر مفيد بدل إلقاء الأسئلة على عواهنها وهي لم تنضج بعد، وأردفت معلنة أن أمامي الكثير من الزمن لأعتني بالأسئلة وحتى يحين ذلك لا بد لي من فعل شيء مفيد قائلة بنبرة مبللة بالحكمة أن أفضل ما تصنع الآن هو أن تكون صائد فأر مرموق، تساعد أمك التي تحبك على درء أخطار الفئران عن محتويات صندوقها المنجم الذي ترقد فيه أسرارها الجميلة ، كان هوسها بتلك الأسرار الصغيرة و المحكمة هو الذي يدفعها لاختيار مهنة صائد الفأر لإبنها الصغير الذي تحبه بعد أسرارها تلك ، إذ أنها فكرت وكان ذلك قبل أن تموت وتترك لي رعاية تلك الأسرار ، فكرت أن الفأر هو الخطر الوحيد والعدو الذي لا يطاق وهو الخائن الجليل الذي يستطيع الوصول لمجموعتها الأثيرة من أسرارها ، وبما أنها محض قضية عائلية لا يجب أن يعلم بها الغرباء اختارتني لهذه المهمة صائدا للفأر ومن ثم ماتت وتركتني ليس غير صائد فأر.
و الآن أنا كبرت ولا زالت تنتابني الرغبة بمطاردة الفئران الكثيره التي تظهر هنا وهناك ولا زلت أتذكر وصية أمي التي أشارت بها لضرورة العناية بأسرارها الصغيرة
، ،أمي ماتت ولم تعرف أبدا أن البلد الذي عاشت فيه منشغلة بأحزانها وأسرارها الصغيرة وهي دائمة التفكير بالفئران حتى جعلتني صائدا للفأر ، هي لم تعرف أبدا أنها من بلد غني قبلة للعالم السعيد لا ينبغي ان تكون به بطالة من أي نوع كما يقول أخي الكبير، و أذكر أن ذلك الموظف الأصلع النحيل سألني هل تعمل قلت له نعم فأشاح بوجهه عني وقال لي أخرج ولم يسألني ماذا تعمل و أين تعمل وهو لا يعلم أنني أعمل صائد فأر حسب أوامر أمي الميتة، رغم إني كنت أهمّ بإخباره بيد إنني أحجمت عن ذلك في اللحظة الأخيرة ، إذ كيف أخبره بما لا شأن للغرباء به فأنا صائد فأر لأجل أسرار أمي التي ماتت منذ زمن بعيد ، أغمضت عينها وهي مطمئنة ، وتم تسجيلي في الإحصاء تحت حقل العمل ( يعمل) لذلك فأنا غير مشمول بإعانة البلدية ولا بقانون البطاله ، الآن وبعد كل هذه السنين من انتظار الفئران أمام جحورها التي صنعتها ببراعة لم أصطد فارة واحدة وكان ذلك يشعرني بإحباطٍ شديد إذ كيف سأبدأ حديثي القادم مع أمي عندما تزورني و أنا أحاول تحقيق ما رأته يتوافق مع مواهبي التي تعرفها أكثر مني و على ذلك ثقلت جفوني و غفوت مسندا ظهري إلى حزمة القصب التي ترفع سقف الكوخ كما تفعل مثيلاتها على طول جوف الكوخ الشبيه بأضلاع سمكه جافّة ولستُ أدري كم من الوقت مرّ علي و أنا نائم ، منتظرا أن تأتي أمي من غيابها الطويل ، ولكنها لم تأتِ ، وانتبهت إلى أخي الكبير وهو يلكزُ ظهري بيده الخشنة جالبا لي ما آكله من خليط بيضة الجيران التي تبيضها دجاجتهم وراء كوخنا وتذهب فيأخذها أخي و يقليها مع البصل ، الكثير من البصل فهو يحبه ، وبذلك تغاضيت عن عدم مجيء أمي ورحت التهم ما في المقلاة السوداء كمن لم يأكل منذ شهر.
اليوم الثاني من أيام صائد الفار
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جلستُ طوال النهار منذ خروج الشمس من خلف الأشجار البعيده على مرمى البصر حتى اختفائها خلف أكواخنا الصغيرة المتناثرة على غير نسق على حافة البلدة ، يشوبها بعض اللمع لصفيح لا يريد أن يفقد بريقه رغم امتلائه بالطين وتلك ميزته التي أوحت للجميع بأن يذهبوا إلى مكبات النفايات بحثا عن ما يتوفر منه ولو كان معطوبا ، كان ذلك إجراءً مترفا للتقليل من شحوب الجدران المملوجة بالطين ، أنتظر بصبر على الطرق الضيقة التي تسلكها الفئران لأؤدي عملي كما أوصتني أمي في المرة الأخيرة عندما ماتت مخلفة ورائها هذه الفئران التي لا تعبأ بي كصياد فئران ، تسير بسرعة كبيرة نحو ثقوبها التي تخفيها عن أنظاري محبطة همتي في الصيد وهكذا كان علي أن أنتظر.
جلس إخوتي أمام المأمور والشرطي الذي يقف بجانبه لابساً سترة الحكومة الرسمية الخضراء فوق دشداشته تظهر أظفاره من تحت سير النعال الجلدي ويضع علامة الشرطة على عقاله الذي بدا مهيبا أمام نظرات أخوتي المرتبكة الشبيهة بنظرات أسماك ميته من زمن بعيد قال: ابصموا على الورقه و ليأخذ كل حقه أنتم والحكومة التي ستقضي على الفقر بطريقتها المتقنة
رجع الشرطي و المأمور ببصمات الجميع بعد أن تقاسما مع إخوتي الإعانة علق المأمور على ذلك بقوله إن الحكومة ممتنه منكم لمساعدتها بالقضاء على البطالة ، ردّ أخي شكرا لكم نحن ببساطة لم نفعل ذلك كل ما في الأمر أننا سسؤلنا هل أنتم عاطلون
، أخي يقول : قلنا له نعم ، وسجل أسمائنا في قائمته الطويله ، الحكومه تريد أن تقضي على البطالة ونحنُ نساعدها
كنت العامل الوحيد بين أخوتي أنتظر فئرانا غافلة لأصيدها ولكنني لم أر فأرا غافلا لحد الآن وعندما ينتابني الملل أتثائب بصوت عال و أنام مسندا ظهري إلى حائط القصب المملوج بالطين و أنا نائم أتت أمي من موتها وقالت : إن الفئران يا بني هناك تنام في مخازن الحاكم المليئة بالبطاطا البيضاء ولا تأتي هنا لأكواخنا إلا من أجل تقويضها وفضح أسرارنا ولوكانت في صناديق هي تحب أسرارنا المهلهلة تقرضها قرضا متواصلا لتلد عليها فيكثر بذلك الفأر الذي ينخر بيوت الفقراء و يقوضها بيسر وعندما حكيت لأخي الكبير الذي ينام طوال النهار والليل ويأكل ما تيسر وهو نائم ، حكيت له عن ذلك قال نعم فليبارك الله الحكومة ، هي تريد القضاء على الفقر ، و أردف نعم ربما هي فئران الحكومة لذلك يعسر صيدها ياأخي ، ثم أردف و عينه نصف مغمضة ، ربما عليك أن تصطاد الفئران هناك قرب دوائر الحكومة و مخازنها ثم قهقه ضاحكا هههه هههه
كان صندوق امي ذو اللون الباذنجاني المائل للسواد يقبعُ في زاوية الكوخ ولا تكاد العين تميزه في ظلمة الكوخ لولا التماع نجومه الكثيرة المرصوعة على جوانبه و سطحه العلوي ، صندوق أمي المنجم كان كل أثاث حجرتها الطينية مع ذلك النضد الذي يحمل أفرشة نومنا العتيقه و التي تفوح منها احيانا رائحة تشبه رائحة أخي الكبير عندما يقترب مني ليكلمني
اليوم الثالث لصائد ا الفأر
ــــــــــــــــــ
قبضت الشرطة على صائد الفأر و هو يحوم حول مخازن الحكومة و بيده عصاه الغليضة وتجمهر الناس الذين يلبسون الملابس الفاخرة وبعضهم يحمل آلات تصوير ، قال الرجل الأصلع الذي يضع على كتفيه كثيرا من النجوم الصفراء اللامعة ،:
لقد قبضنا على مشتبه به يحوم حول مخازن الشعب وسيجري تحقيقا حول ذلك و إلى ذلك الوقت سنزج بالفأر البائس بالسجن لكي يتعفن مع الفئران إذا تبين أنه كان يخطط لتخريب البلد و إزعاج السلطة
فكر صائد الفأر أنه أخيرا سيصل إلى الفئران و سيصطادها ولو بيديه العاريتين .



#عبد_الفتاح_المطلبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ربيع الكونكريت
- رياح الوجد-قصيدة
- رنين بعيد
- سمت الرؤى-قصيدة
- صيدالأرانب-قصة قصيرة
- عللاني بما مضى -قصيدة
- نزيهة ُ حبيبتي - قصة قصيرة
- `ذاكرة خريف
- أيها القمر
- قَتَلة- قصة قصيره
- يا سيد النخل
- طقوس مختلفة
- سقوط مريع -قصة قصيرة
- طوقان- قصيدة
- دم......دمة نص مدور
- ظننتك لي أخا
- شرفة تطل على جهات أربع-قصة قصيرة
- وصايا- تهويمات
- حلم وردي- قصة قصيرة
- سراب- تهويمات


المزيد.....




- كأنها خرجت من أفلام الخيال العلمي.. ألق نظرة على مباني العصر ...
- شاهد.. مشاركون دوليون يشيدون بالنسخة الثالثة من -أيام الجزير ...
- وسط حفل موسيقي.. عضوان بفرقة غنائية يتشاجران فجأة على المسرح ...
- مجددًا.. اعتقال مغني الراب شون كومز في مانهاتن والتهم الجديد ...
- أفلام أجنبي طول اليوم .. ثبت جميع ترددات قنوات الأفلام وقضيه ...
- وعود الساسة كوميديا سوداء.. احذر سرقة أسنانك في -جورجيا البا ...
- عيون عربية تشاهد -الحسناء النائمة- في عرض مباشر من مسرح -الب ...
- موقف غير لائق في ملهى ليلي يحرج شاكيرا ويدفعها لمغادرة المسر ...
- بأغاني وبرامج كرتون.. تردد قناة طيور الجنة 2023 Toyor Al Jan ...
- الرياض.. دعم المسرح والفنون الأدائية


المزيد.....

- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى
- ظروف استثنائية / عبد الباقي يوسف
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل ... / رانيا سحنون - بسمة زريق
- البنية الدراميــة في مســرح الطفل مسرحية الأميرة حب الرمان ... / زوليخة بساعد - هاجر عبدي
- التحليل السردي في رواية " شط الإسكندرية يا شط الهوى / نسرين بوشناقة - آمنة خناش
- تعال معي نطور فن الكره رواية كاملة / كاظم حسن سعيد
- خصوصية الكتابة الروائية لدى السيد حافظ مسافرون بلا هوي ... / أمينة بوسيف - سعاد بن حميدة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الفتاح المطلبي - أيام صائد الفئران