|
-11 أيلول ثانٍ- ضدَّ إيران!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 3515 - 2011 / 10 / 13 - 13:25
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بدايةً أنصح كل معنيٍّ بحُسْن الفهم لأبعاد الأزمة الجديدة في العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران، ولِمَا يمكن أن يتمخَّض عنها من أحداث وتطوَّرات ونتائج وعواقب عاجلة أو آجلة، ألاَّ يستنفدوا كثيراً من وقتهم وجهدهم لتمييز ومعرفة الحقيقي من الزائف في أمْر المؤامرة الإيرانية المزعومة لاغتيال السفير السعودي في واشنطن، والتي أحبطتها (بعدما وثَّقتها) الأجهزة الأمنية الأمريكية؛ فهذا الأمر، أو الزَّعم، وبصرف النظر عن صدقه أو كذبه، أو عن نسبة الحقيقي إلى الزائف فيه، ليس بذي أهمية مقارنةً بالغايات والأهداف الكامنة فيه؛ وأكاد أنْ أفهمه على أنَّه محاولة أمريكية لتصنيع ذريعة لضرب إيران، وتشبه لجهة أهميتها الدولية والإقليمية، ولجهة مراميها وأهدافها الحقيقية، "11 أيلول ثانٍ"، أو "أسلحة الدمار الشامل" التي زعمت إدارة الرئيس جورج بوش أنَّ صدام حسين يمتلكها.
إنَّني أتوقَّع أنَّ ساعة ضرب إيران، أو تعريضها لضغوط أشد من ذي قبل، وتكفي لإضعافها إقليمياً، ولإحداث تغيير كبير في داخلها، قد أزِفَت؛ والدلائل على ذلك كثيرة، منها على وجه الخصوص، ما يحدث في سورية، وفي المنطقة الشرقية من السعودية، الغنية بالنفط، والتي تقطنها غالبية شيعية منتفِضة ضدَّ نظام الحكم السعودي، وما حدث ويحدث في البحرين، وما يمكن أنْ تقوم به إيران في اليمن، وتنامي واتِّساع النفوذ الإيراني في بغض دول أمريكا اللاتينية، وإعلان طهران عزمها على إرسال قوَّة عسكرية بحرية إيرانية، مزوَّدة صواريخ، لتكون على مقربة من سواحل الولايات المتحدة.
حتى صفقة الإفراج عن الجندي الإسرائيلي الأسير شاليط لدى قوى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة في مقابل إفراج إسرائيل عن نحو ألف أسير فلسطيني، والتي بدت نجاحاً للطرف الفلسطيني، يمكن ويجب إدراجها في هذا السياق؛ وإلاَّ ما معنى أنْ تتم الصفقة الآن، وبما يجعلها ملبِّية لكثيرٍ من الشروط والمطالب الفلسطينية، وأنْ يُخْدَم المجلس العسكري الحاكم في مصر هذه الخدمة السياسية الكبيرة من خلال إنجاح وساطته بين الطرفين؟!
وما معنى أنْ يقول نتنياهو، في معرض تبريره للصفقة التي تنطوي على كثيرٍ من التنازلات الإسرائيلية، إنَّ الفرصة التي سنحت الآن لإطلاق سراح شاليط لن تتكرَّر أبداً في المستقبل؟!
هل يُفْهَم من هذا القول أنَّ صراعاً إقليمياً كبيراً يوشك أن ينفجر، فيترتب على انفجاره أنْ يصبح الإفراج عن شاليط أمْراً متعذَّراً، لا بل مستحيلاً؟!
وما معنى أنْ يُزْعَم أنَّ حركة "حماس" قد ضمَّنت الصفقة تعهُّداً إسرائيلياً بعدم التعرُّض لقيادات من الحركة إذا ما قرَّرت نقل مقرِّها من دمشق إلى القاهرة، أو إلى أيِّ مكان آخر؟!
وما معنى أنْ يُعْلِن وزير الدفاع الإسرائيلي باراك، بعد ساعات قليلة من إذاعة نبأ التوصُّل إلى الصفقة، اعتذاراً إسرائيلياً رسمياً إلى القاهرة عن قتل الجيش الإسرائيلي لجنود مصريين في الجانب المصري من الحدود مع إسرائيل، وأنْ يوضح، في الوقت نفسه، أنَّ "تحقيقاً مشترَكاً" مع مصر هو الذي أفضى إلى نتائج، ترتَّب عليها تقديم هذا الاعتذار الإسرائيلي؟!
وما معنى أنْ يأتي الأمران، أي "الصفقة" و"الاعتذار"، بعد زيارة قام بها وزير الدفاع الأمريكي لكلٍّ من إسرائيل ومصر، بعد اقتحام متظاهرين مصريين للسفارة الإسرائيلية في القاهرة؟!
إنَّني لا أقلِّل من أهمية ووزن أسباب وحيثيات أخرى لِمَا قدَّمه رئيس الحكومة الإسرائيلية (ومعه باراك، وقادة للأجهزة الأمنية الإسرائيلية) من تنازلات من أجل إنجاح وإتمام الصفقة، كتنامي خطورة الاحتجاجات الشعبية الإسرائيلية ضدَّ السياسة الاقتصادية العامة لحكومة نتنياهو، وفشل نتنياهو في تحقيق أي تقدُّم يُذْكَر في عملية السلام مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ورغبته في إظهار أنَّ "حماس" يمكن أنْ تكون بديلاً من السلطة الفلسطينية في عملية التفاوض، بعد، وبسبب، إصرار عباس على التقدُّم إلى مجلس الأمن الدولي بطلب الاعتراف بدولة فلسطين على حدود 1967؛ لكن كل هذه الأسباب والحيثيات لا تتعارَض وحقيقة أنَّ "إيران" هي الآن الأهم، سبباً وحيثيةً.
وينبغي لنا ألاَّ نضرب صفحاً عن حقيقية أنَّ تركيا أردوغان تَجِد نفسها غير قادرة على التدخُّل بما يكفي من الحزم والكفاءة ضدَّ نظام حكم بشار الأسد الدكتاتوري المعزول شعبياً، بسبب تهديد إيران لها عسكرياً؛ ولقد أوضحت إيران وأكَّدت أنَّ أيَّ تدخُّل تركي لمصلحة الثورة السورية يمكن أنْ يقود إلى نزاع عسكري بين إيران والعراق وبين تركيا الأطلسية، التي استضافت في أراضيها جزءاً من الدرع الصاروخية الأمريكية، موجِّهةً بذلك رسالة واضحة وقوية إلى طهران.
ويوماً بعد يوم يتَّضِح ويتأكَّد أنَّ نظام الحكم السوري، الذي تتهيَّأ لسقوطه أسباب اقتصادية أيضاً، غير قادر على الاستمرار والبقاء إلاَّ بفضل الدعم الإيراني، والذي من مشتقاته دعم العراق و"حزب الله"، وبفضل الدعم (الدبلوماسي والسياسي) الروسي والصيني؛ ولقد أصبحت إيران الآن (ومعها روسيا والصين) فاقدةً لِجُلِّ رصيدها الشعبي العربي؛ فمواقفها ضدَّ ثورة الشعب السوري على نظام حكم بشار جعلها (وجعل روسيا والصين أيضاً) في عزلة شعبية عربية لا مثيل لها من قبل؛ وهذا يمكن أنْ يجعل ضربها أسهل وأيسر كثيراً من ذي قبل.
إيران خسرت، وخسرت كثيراً، وخسَّرت حتى "حزب الله" الذي يُشْهَد له بالمقاومة البطولية ضدَّ إسرائيل، إذ وقَفَت إلى جانب نظام حكم بشار الدكتاتوري ضد ثورة الشعب السوري عليه، وإذ تدخَّلت في البحرين بما شوَّه وأفسد الطابع الديمقراطي للحراك الشعبي فيها؛ أمَّا روسيا والصين، وبسبب مواقفهما السيئة من ثورتي الشعب الليبي والشعب السوري، فتعانيان الآن من تراجع كبير ومتسارِع لنفوذهما الاستراتيجي في العالم العربي؛ ولا بدَّ لنا من الإشارة في هذا السياق إلى أنَّ الصين، التي هي في أمسِّ الحاجة إلى النفط، والتي هي الآن قاب قوسين أو أدنى من الدخول في حرب تجارية ضروس مع الولايات المتحدة، ستكون الخاسر الدولي الأكبر من "الربيع العربي"، الذي تجتهد الولايات المتحدة، وتجاهد، مع حلفائها الأوروبيين، من أجل تسيير رياحه بما تشتهي مصالحها وأهدافها الإستراتيجية في العالم العربي.
وهذا إنَّما يرتِّب على الثورات العربية مسؤولية أنْ تُثْبِت بالقول والفعل أنَّها لن تبادِل إيران وروسيا والصين عداءً بعداء إلاَّ في سياق عدائها لأنظمة الحكم الدكتاتورية العربية ولإسرائيل وللقوَّة الإمبريالية العظمى في العالم؛ فهذه الثورات أعظم، ويجب أنْ تظل أعظم، من أنْ توظَّف، وتُسْتَغل استغلالاً رخيصاً، في المساعي والجهود الإمبريالية للولايات المتحدة، إقليمياً ودولياً.
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حتى يُزْهِر الربيع العربي الدولة المدنية!
-
من اقتحام -السفارة- إلى هدم -الكنيسة-!
-
هذا -الخَلْط- بين -الجاذبية- و-التسارُع-!
-
-ربيع عربي- يَقْرَع الأجراس في -وول ستريت-!
-
الرداءة.. كتابةً وكاتباً!
-
هل يفعلها التلفزيون السوري؟!
-
-يَسْقُط- الضوء!
-
خيار نيويورك!
-
دفاعاً عن -مادية- المادة.. في الفيزياء!
-
-سؤال الهوية-.. أُردنياً وفلسطينياً!
-
كمال أردوغان!
-
لو زار غزة مصطحباً معه عباس ومشعل!
-
-التدليس اللغوي- عند العرب!
-
شعب مصر يَحُكُّ جلده بظفره!
-
رحلة شيِّقة مع د. همام غصيب في عوالم -النسبية-!
-
إشكالية -حُرِّيَّة الإرادة-.. إسلامياً وماركسياً!
-
من نيويورك يبدأ -الربيع الفلسطيني-!
-
الولايات المتحدة تكيد ل -الربيع العربي-!
-
كيف نفهم -توقُّف الزمن-؟
-
-حزب الله- خَلَع -الغار- ولبس -العار-!
المزيد.....
-
-مشهد مخيف هناك-: مراسل CNN يصف ما سببه تحطم الطائرة بمركز ت
...
-
حافلات تقل 50 جريحا ومريضا فلسطينيا تصل معبر رفح في طريقها إ
...
-
بينهم 18محكوما بالمؤبد.. دفعة جديدة من السجناء الفلسطينيين ا
...
-
تساؤلات.. صحة ومهظر مقاتلي حماس والرهائن الإسرائيليين بعد عا
...
-
شاهد لحظة إطلاق حماس سراح المواطن الإسرائيلي الأمريكي كيث سي
...
-
تسليم الأسير عوفر كالدرون إلى الصليب الأحمر في خان يونس
-
يعود إلى إسرائيل دون زوجته وطفليه.. الإفراج عن ياردين بيباس
...
-
ماذا نعرف عن تحطم الطائرات في الولايات المتحدة؟
-
مأساة في سماء فيلادلفيا: انفجار طائرة إسعاف طبية بعد إقلاعها
...
-
لحظة إفراج -القسام- عن الأسير الإسرائيلي الأمريكي كيث سيغال
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|