أسعد البصري
الحوار المتمدن-العدد: 3513 - 2011 / 10 / 11 - 19:56
المحور:
الادب والفن
عن ابن عباس: ( وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ) يقول: آخر يوم من أيام الدنيا، وأول يوم من أيام الآخرة ، فتلتقي الشدة بالشدة إلا من رحم الله.
الدنيا تختلط بالآخرة ليس في آخر يوم فقط ، بل أحياناً لسنوات طويلة ، تلتفّ الساق بالساق يعني العثار والتوقف ، هذا بداية الحكمة والعُزلة . العُزلة هي أيضاً اختلاط الدنيا بالآخرة .
فلا أنت تخرج ولا أنت تدخل . من هذا المكان فقط يخرج الأدب القهّار . حين تختلط لغة الدنيا بلغة الآخرة . من العجز عن المشي تنبت الأجنحة و يُحلّقُ الإنسان . الموت فيلسوف رائع فهو أحياناً يكون ديمقراطياً إذا أعجبه الهالك ويبدأ بحواره سنواتٍ عددا حتى يُقنعه فيجعله بَدَدا . يقولون الجاحظ أُصيب بالشلل آخر أيامه و رامبو بُترتْ ساقه قبل موته والسياب يصرخ
هو المرضُ تفكّكَ منه جسمي وآنحنتْ ساقيْ فما أمشي
السياب أيضاً يقول ( ما أمشي) ، لا تستطيع أن تحمل الكلام وبدنك معاً ، لا بدّ أن ساقك ستلتفُّ بساقك . آخرتك توجعُ دنياك . لا أعتقد أن المتنبي واجه (فاتك) بسبب الكبرياء بل أعتقد أنه أراد أن يموت لأنه تعب من المشي وشعر بألم في ساقه . الدّابّة تدبّ على الأرض بلا كلل ، والنمل يدبي بلا مَلَلْ. وحده الكاتب يحطُّ عليه طائرٌ ثقيل يأكلُ كبده ، كالنسر الذي يأكل كبد برومثيوس .
إنه ملعون حقاً . القليلون فقط يُدركون ما أعني . بل لا يفهمني سوى من آلتفّت ساقه بساقه . العاجز عن مساعدة نفسه لَن يستطيع مدّ عونه لي بكل تأكيد . يُصوّر فرانز كافكا هذه المأساة في رواية ( المسخ ) إنه الشعور بالبشاعة والتحوّل إلى دودة عملاقة والرغبة بالظلام . موت المسخ هو خروجه . تلتفُّ ساقي بساقي ، وتوجعني دنياي بسبب اشتباكها مع آخرتي . هذه شدّة تلتقي بشدّة . فهل هذا بداية النجاة ؟ . لا أشتاق إلى أحد كآشتياقي إلى ربّي . يالي من علماني فاشل . لأنّ الله جمالٌ مُطلق وأنا مجرّد بشاعة . المشكلة أن الإنسان يزداد بشاعةً حين يُدركُ حقيقته . الجاهل عليه ملامح ربّه . والعالم عليه ملامحه هو
#أسعد_البصري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟