|
المسؤولية وأثمانها الباهظة
لينا سعيد موللا
الحوار المتمدن-العدد: 3512 - 2011 / 10 / 10 - 17:46
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إذا كان منصب رئاسة الدولة في الدول الديمقراطية يرتب على صاحبه أعباءاً تنئى بحملها الجبال، من رقابة مؤسساتية ومحاسبة دقيقة ومستمرة ، ومعارضة تترصد أي خطأ، وخطر دائم من وقوع الفضائح من كل نوع، وإرهاق جسدي وفكري دائمين واستنزاف اجتماعي، وحرب إعلامية مشهرة على الدوام ، إلى استبيانات رأي جماهيرية ممتالية ومحبطة . فإن قيادة الثورة وحتى العمل فيها، لا يقل عبئاً على الإطلاق، فهذه ترتب بمواجهتها كم هائل من الأعداء المتربصين بها من كل مكان وصوب . فمن الداخل نظام يشن بمواجهتها حرب وجود، يترصد قادتها ورموزها ملاحقاً إياهم بهدف تصفيتهم جسدياً أو اعتقالهم وتعذيبهم، إلى التضييق على أهلهم وذويهم وحتى محاربتهم في لقمة عيشهم . وفي الخارج تدعي أغلب الدول مناصرتهم والاعتراف بهم في العلن، لتقوم بالحفر من تحتهم بغية إسقاطهم في السر . ويبدو للمراقب أن أعداء الثورة في الخارج ليسوا أقل شراسة ممن هم في الداخل ولو لبسوا ثياب الملائكة . فالثورة تبدأ طرية العود ولا تلبث أن تقوى تدريجياً بحكم بسالة جماهيرها وتضحياتهم واتحادهم وذوبانهم ببعضهم، لأجل تحقيق أهداف ينادون بها، فإن مطامع أغلب الدول تدفعهم منذ بدايتها إلى تطويعها لمصلحتها، فمقابل مساعدة بسيطة كاستضافة رموزها أو تسليح عناصرها المسلحة تملي اشتراطاتها وتطالب بأثمان باهظة . فإيران من خلال حكم الملالي ودور المرشد العام للثورة، تحرك المقاومة الإسلامية اللبنانية وحماس في غزة لتشكل منهما ذراعها الطولى في منطقتنا، وتحركهما عبر دعمهما المالي والسياسي وفقاً لمصالحها وأجندتها الخاصة . وتركيا اليوم وعن طريق ضغطها على المعارضة السورية لخلق دور محوري لحزب الإخوان المسلمين، تحاول أن تصنع لنفسها زعامة ومرجعية إسلامية سنية في المنطقة . ونتفهم أن تدخل جميع الدول الأجنبية لدعم الثورة ينطلق من مصالح ذاتية تتعارض في الأغلب مع هدف الثورة ذاته . ونتفهم أيضاً أن الدول الأجنبية تخشى تاريخياً من وجود تكتلات عربية قوية، لا بل أنها تخشى حركة شعوب هذه المنطقة المتطلعة للخلاص من الأنظمة الاستبدادية، أنظمة ضمن على الدوام للدول الطامحة تحجيم الحراك الشعبي لا بل قمعه وإزهاق أي أمل بالتحرر من الطغيان . وليس هناك مثالاً أبلغ من ثورة الشعب المصري على كافة رموز الدولة العبرية كردة فعل عفوية على قتل الجيش الإسرائيلي لخمسة جنود مصريين في سيناء، حينها أقدم عشرات الألوف من المصريين على تطويق وحصار السفارة الإسرائيلية محطمين جميع تحصيناتها، متسلقين لجدران بنائها، حيث أنزلوا العلم الإسرائيلي وأحرقوه، وحطموا أبواب السفارة واقتحموا مكتب السفير الإسرائيلي وكتبوا على جدرانه عبارات مذلة ومهينة . هذه الهبة الشعبية ما كان لها أن تكون لولا نجاح الثورة المصرية بالإطاحة بالديكتاتور مبارك ونظامه . ولنتذكر جميعاً أنه لم تخرج أي ردة فعل دولية تحمل عبارات الشجب وتدين ما حصل . لا بل تتالت الإعتذارات الغير مسبوقة من الدولة العبرية، والسبب أنه من غير الممكن لأي دولة انتقاد شعب عريض انتفض معبراً عن إرادته الحرة . من هنا تأتي قوة الدول الديمقراطية . ولنتخيل اليوم سيناريو نطمح له جميعاً في نجاح الثورات العربية في دولها قاطبة . ماذا يمكن لأميركا وإسرائيل الفعل إذا قامت هذه الجماهير الحاشدة بمحاصرة السفارات الأميركية مطالبة قيادتها السياسية بطرد السفير الأميركي لأن دولته رفضت الاعتراف بالدولة الفلسطينية ؟ لن تستطيع حينها استعمال الفيتو أو الالتفاف على القرار الأممي بالاعتراف، لأنها ستكون عاجزة عن تحمل الضغوط الهائلة مهما ضغطت إسرائيل عن طريق لوبيها الفاعل . فأميركا لن تضحي بمصالحها الكثيرة في العالم العربي، مصالح لم تعد مرتبطة بحاكم فرد مستبد يسهل التعامل معه والضغط عليه، وإنما بشعوب عنيدة أبية لديها مطالب تحترم . من هذا السيناريو علينا أن نعي أن جل ما تخشاه الدول الأجنبية هو تمكن الشعوب العربية وعن طريق مؤسسات منتخبة أن تعتلي السلطة، وهي بالتالي لن تهلل لنجاحها وديمومتها . بل ستحاربها في السر وبشتى الطرق .. وما حصل البارحة في القاهرة، هو إشارة ذات دلالة بالغة الوضوح، بأن الدول الخارجية قد بدأت تحركها في مواجهة الثورة المصرية لتقويضها وإفشالها، رسالة أخرى موجهة منا نحن الغيورين عليها لكي تتصرف هذه الثورة بالسرعة القصوى في معالجة اسباب هذا الحراك الشعبي البالغ الخطورة . فالثورة المصرية التي قامت باشتراك جميع المصريين من أقباط ومسلمين قد نادت بالمساواة بين جميع مواطنيها، ولأن للأقباط في مصر مظالمهم المتعلقة بالنسبة المتدنية في التمثيل السياسي في جميع إدارات الدولة، كما من تهميش وإهمال لأغلب مطالبهم، وهو أمر ينطبق على شيعة البحرين وأغلب دول الخليج، كما أغلب الأقليات في العالم العربي . فإننا نناشد هذه الثورات قطع الطريق على المتآمرين ومعالجة هذه المظالم بالسرعة القصوى، والوقوف عند أسبابها لابتكار حل ناجع ومرضي للجميع ودون أدنى تلكؤ أو تباطؤ . ولتدرك أن القوى الخارجية ستستفيد من الثغرة الموجودة في نسيجها الاجتماعي لضرب الوحدة الوطنية العماد الأهم في نجاح أي ثورة . إن العجز في تحقيق مبدأ المساواة الكاملة بين جميع المواطنين لضيق نظر ناتج عن تعصب غير مفهوم أو اختراق أمني لصالح القوى الأجنبية سيقوض وبلا شك أحلام المصريين وسيلغي جميع تضحياتهم الثمينة . فضمير الثورة هو أن تقوم بالتغيير الكلي للواقع الذي ثارت عليه, والتأخير غير مقبول .
وفي عودة للثورة السورية، فإن المتربصين بها في الداخل والخارج يخططون لتأخير حراكها المنشود، يزرعون لها العراقيل ويصنعون لها المطبات كي ينقضوا عليها . فهم جميعهم أخروا ما استطاعوا ظهور المجلس الوطني، ولولا الضغط الهائل للشعب السوري لما وجد هذا المجلس النور، واليوم يقدم النظام على عمليات الاغتيال لرموزها ومحاولة تقسيم الشارع عبر إشاعة الكثير من المخاوف المذهبية، واليوم يلجأ إلى التفاوض مع بعض أسماء المعارضة لأجل تبني استراتيجيات مخالفة لإرادة الشارع السوري العريض . وأخلص بأن على الثورة السورية مسؤوليات طاحنة، مسؤولية تتوازعها مع كامل أفراد الشعب في خلق وعي جماهيري بأهمية الالتفاف حول أهداف معينة وخلق أدوات واضح وشفافة لتنفيذها . إن الثورة اليوم تسابق الريح في انتزاع اعتراف دول ستكره على الاعتراف بها، مضطرة لأن تقدم مواقف دعم في العلن وتؤسس لأعمال تؤدي إلى إفشالها . ولأن المجتمع السوري بأكثريته يتابع وبحذر ما يجري في الخارج، مدركاً لماهية النظام الذي قام مطالباً بإسقاطه، فقد عاهد نفسه بأن يقف ملتفاً حول قيادته التي بايعها مخلصاً في مظاهرات حاشدة يوم الجمعة الماضي، رافعاً شعارات كثيرة يحذر فيها بعض الرموز من الانزلاق في تواطؤ مع السلطة، وهو بذلك أثبت أنه قادر على المضي وبخطوات ثابتة إلى تحقيق هدفه وهو التحرير . لا نحسد رجالات الثورة على حجم مسؤولياتهم ونعاهدهم بأن نكون معاً على الدوام، فنحن بوعينا وتماسكنا سنثبت لأنفسنا وللعالم أجمع أننا جديرون بالحرية التي نرفع شعراتها ، وأهل لتحمل كامل المسؤولية . قادمون لينا موللا صوت من أصوات الثورة السورية
#لينا_سعيد_موللا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أين المفر ؟
-
ثورة سورية وفق طلب الجماهير
-
كيف تنجح الثورة السورية
-
تركيا والعالم العربي مفارقات وإنسان عربي مغيب
-
الشعوب العربية وبداية التحولات الكبرى
المزيد.....
-
تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
-
ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما
...
-
الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي
...
-
غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال
...
-
مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت
...
-
بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع
...
-
مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا
...
-
كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا
...
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|