|
نحنُ والأنظمة النفسية القسريّة
جودت شاكر محمود
()
الحوار المتمدن-العدد: 3510 - 2011 / 10 / 8 - 14:53
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
مصطلح الأنظمة النفسية القسرية Coercive Psychological Systems يستخدم بوصفه مصطلح عام يشمل تحت مظلته كل أنواع السيطرة الغير أخلاقية على العقل مثل غسيل الدماغbrainwashing ، إصلاح الفكرthought reform، الإقناع ألتدميريdestructive persuasion، والإقناع ألقسريcoercive persuasion. هي محاولة للسيطرة على العقل Control Mental . ومفهوم السيطرة على العقل يشير إلى جميع النظم النفسية القسرية. أن سياسات السيطرة على العقل هي قديمة قدم البشرية ذاتها. وطوال التاريخ، هناك ملاحم من الصراع لا تنتهي، مجموعة من الأفراد تريد السيطرة على مجموعات أخرى. إلى جانب مرارة الصراع على العبودية، وامتلاك الأرض، والوصول للسلطة، والانتخاب، والحقوق السياسية والمدنية، والصراع على النفوذ وثروات الشعوب، والصراع من أجل الاستقلال وتعزيز الوطنية. وقد استخدم أسلوب السيطرة على العقل أثناء الحملات الصليبية على الشرق وخاصة في عام 1735 فقد أشار Jonathan Edwards إلى ذلك، فقد طبق لإثارة التوتر والقلق والمخاوف لدى الأفراد المذنبين، وضعيفي الإيمان، والمتشككين، ودفعهم لأتون الحرب من أجل التكفير وطلب الغفران. أن عملية إقناع الشخص لتبني فكرة أو أداء مهمة غير مألوفة وارد وفي كل الأسرة. ونتيجة لذلك، يبدأ الأطفال في تعلم مهارات الإقناع في سن مبكرة. فالصغار والمراهقين يبدأوا بصقل هذه المهارات من أجل السيطرة على العائلة والأصدقاء وزملاء العمل وبوقت مبكر. هذه النظم تستخدم وفق مصطلحات مختلفة وفي سياقات مختلفة أيضاً، كان من الضروري اختيار مصطلح واحد عام يشمل جميع الأنواع ويشير إلى الخطر المتزايد من جراء استخدام هذه الأنظمة. وسائل الإعلام والجمهور العام يطلق عليها "السيطرة على العقل" أو "غسيل دماغ". وعلماء الاجتماع يستخدموا مصطلحي "إصلاح الفكر" و "الإقناع القسري"، في حين هناك آخرين، وخاصة في المحاكم، قد يتم استخدام كل هذه المصطلحات بشكل منفصل أو مجتمعة وفقا للشروط القانونية التقليدية مثل: الاحتيال، والسجن الكاذب، والتأثير لا مسوغ له، والاستعباد القسري، وتعمد الاضطراب العاطفي، والسلوك الشائن، أو أعمال قصرية أخرى. علما بأن هناك اختلافات تقنوية مهمة في التعاريف المستخدمة من قبل المتخصصين في علم النفس والطب النفسي، وعلم الاجتماع. ويتم استخدام جميع المصطلحات المستخدمة حاليا لوصف هذه التكتيكات النفسية القسرية وأنظمتها، سواء في الحياة السياسية، أو تطبيقاتها الدينية والاقتصادية، والشخصية. ويمكننا أن نعرف النظم النفسية القسرية بأنها محاولة تشكيل مواقف وسلوكيات ومعتقدات الفرد دون المعرفة المسبقة منه أو موافقته على ذلك. وتتم من خلال المخادعة الخفية. وهو عمل جماعي يقوم به أفراد متخصصين ضمن فريق مؤهل ومدرب من اجل تحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية. ومن خلال العمل التدريجي وممارسة السيطرة المتزايدة على الأفراد عبر تقنيات متنوعة، مثل التكرار المفرط للأنشطة الروتينية، والإذلال الشديد، أو الحرمان من النوم. وهي سلوك مدمر تضر بالفرد والمجتمع على حد سواء لأنها تسهم في إضعاف العقلانية والحد من التعاطف. حيث لا غنى عن العقلانية والتعاطف في اتخاذ القرارات السليمة والنافعة للشخص والمجتمع. والتاريخ مليء بالكوارث الشخصية والاجتماعية حيث انعدام العقلانية وعدم التعاطف كانت الأسباب الأساسية لذلك. الأنظمة النفسية القسرية هي برامج لتغيير السلوك تستخدم القوة النفسية بطريقة قسرية لتحدث تعلم ما، تعتمد أيديولوجية معينة أو مجموعة من المعتقدات والأفكار والمواقف، أو السلوكيات. والإستراتيجية الأساسية المستخدمة من قبل مشغلي هذه البرامج، والتي يتم اختيارها بشكل منظم، ومتدرج، ومنسيق. لعدد من الأنواع مختلفة من التأثير القسري، وإحداث القلق والإجهاد، ووفق تكنيكات مستمرة على مدى فترات من الزمن. وفي مثل هذا البرنامج يجبر الشخص على التكيف مع الموضوع وفق سلسلة من الخطوات الصغيرة "غير المرئية". يتم تصميم كل خطوة صغيرة لكي تكون صغيرة بما فيه الكفاية بحيث إن الأشخاص موضوعي التأثير لن يلاحظوا التغيرات في أنفسهم أو تحديد طبيعة العمليات القسرية المستخدمة. حيث أن الأشخاص ضمن هذه التكنيكات لا تصبح على بينة(مدركة) من الغرض الخفي من البرنامج التنظيمي النفسي القسري. حتى وقت لاحق بكثير من ذلك. كما أن للإيحاء الفردية، ونقاط القوة النفسية والفسيولوجية، وضعف الشخصية والتي تكون في حالة تطرف بين السلب والايجابي، وغياب الوعي العقلاني. كل هذه تتفاعل مع درجة من الشدة والاستمرارية والشمولية التي يتم فيها تطبيق هذه التكنيكات المختلفة مع وضوح مضمون برنامج الإقناع القسري وأهدافه. والإقناع القسري "coercive persuasion" هو تكنولوجيا تعمل على تقييد فعالية الشخص وعرقلة تفكيره، ومحاولة إقناعه من خلال تطبيق تدريجي للقوة النفسية. وبرنامج الإقناع القسري تكنولوجيا مطبقة على تغيير السلوك من خلال التعلم واعتماد مجموعة من السلوكيات أو أيديولوجيات أو المعتقدات في ظل ظروف معينة. عادة يتم تطبيق هذه الأساليب ضمن فريق معد بشكل جيد وبالتعاون مع "الأصدقاء والحلفاء" لخداع الضحية. هنا لا يمكن للضحية من استخدام الميكانزيمات الدفاعية للأنا والتي تستخدم في حالات تعرض الأنا للمواقف الغير مرغوب بها. هذه البرامج تهدف إلى التغلب على قدرات الفرد على التفكير النقدي والعقلاني، وحرية الإرادة لديه، وبصرف النظر عن أي استثناء لتحكيم العقل. فان الضحايا تفقد تدريجيا قدرتها على اتخاذ قرارات مستقلة وممارسة الموافقة الواعية والمستنيرة. كما يتقوض تفكيرهم النقدي، والدفاعات النفسية، والعمليات المعرفية، والقيم والأفكار والمواقف والسلوك والقدرة على التفكير من خلال عملية تكنولوجية منظمة. بدلا من الاختيار الحر ذو مغزى، والعقلاني، أو جدارة أو قيمة متأصلة في الأفكار أو تقديم الاقتراحات، والذي كانوا يمارسونه سابقاً. فهي تحاول تعديل كبير في مفهوم الشخص عن الذات، وتصوراته للواقع، والعلاقات بين الأشخاص، ومع سلطة الأسرة والمجتمع والدولة.
كيف تعمل هذه التقنيات ؟ أن هذه التكنيكات تمستخدم لخلق تأثير لا مسوغ له نفسيا واجتماعيا، وفي أغلب الأحيان باستخدام وسائل لإثارة القلق والإجهاد، والتشويش العقلي للفرد أو الأفراد، بما يدفع الفرد لتغيير موقفه ومن ثم سلوكه بما يساعده على التخلص من تلك المواقف أو الأعراض النفسية والعقلية، وتقع هذه التكنيكات في سبع فئات رئيسية، هي: الوسيلة الأولى: زيادة قابلية الإيحاء و"تليين" الفرد من خلال تقنيات إيحائية أو غيرها من تقنيات المساعدة لزيادة قابلية الإيحاء مثل: الصوت قوي، أو الإيحاء المرئي، أو الإيحاء اللفظي، أو توقف اللمس، والتكرار الدقيق المفرط في الأنشطة الروتينية، وتقييد النوم، وتقييد التغذية. الوسيلة الثانية: أقامة سيطرة على البيئة الاجتماعية للشخص: من وقت، ومصادر الدعم الاجتماعي، من قبل نظام غالبا ما يكون مفرط بالمكافآت والعقوبات. ويتم تشجيع العزلة الاجتماعية. والاتصال مع العائلة والأصدقاء يكون مختصراً، وكذلك الاتصال مع الأشخاص الذين لا يشاركون مجموعة المنتخبة المواقف. وتعزيز التبعية الاقتصادية وغيرها على الجماعة. الوسيلة الثالثة: منع دحض المعلومات والآراء غير المؤيدة داخل مجموعة التواصل. وإيجاد قواعد حول المواضيع التي يجوز مناقشتها مع الغرباء. كما يتم التحكم بشدة بالاتصالات. وعادة ما تشيد لغة خاصة "في المجموعة". أو استخدام مصطلحات معينة. الوسيلة الرابعة: جعل الشخص يعيد تقييم الجوانب الأكثر مركزية لديه أو تجربتها ذاتيا من خلال القيام بالسلوك مسبقا ووفق طرقا سلبية. وتصمم الجهود لزعزعة وتقويض الموضوع الأساسي للوعي، ووعي الواقع، ووجهة النظرة العالم، والسيطرة العاطفية وآليات الدفاع. ويوجه لإعادة تفسيره الشخصي أو تاريخ حياته واعتماد صيغة جديدة من السببية. الوسيلة الخامسة: خلق شعور بالعجز عن طريق إخضاع الشخص إلى اتخاذ إجراءات مكثفة ومتكررة من المواقف تقوض فيها ثقة الشخص في نفسه وقدرته العقلية على إصدار الأحكام. الوسيلة السادسة: خلق إثارة عاطفية قوية ومنفرة(مكروه) لدى الشخص عن طريق استخدام العقوبات الغير جسدية مثل الإذلال الشديد، وفقدان الامتيازات، والعزلة الاجتماعية، وأحداث تغير في الوضع الاجتماعي، والشعور بالذنب الشديد، والقلق، والمناورة وغيرها من التقنيات. الوسيلة السابعة: إثارة الخوف لدى الشخص بقوة التهديدات غير النفسية التي تقرها مجموعة الردع. على سبيل المثال، قد يقترح أو يشار ضمنيا إلى أن اعتماد موقف، أو معتقد، أو سلوك محبذ سيؤدي ذلك إلى عقاب شديد أو عواقب وخيمة، مثل: مرض جسدي أو عقلي، وظهور أمراض بدنية سابقة، وإدمان المخدرات، وانهيار اقتصادي، وفشل اجتماعي، والطلاق، والتفكك، والفشل في العثور على شريك، أو قتل وموت لاحق، اغتصاب وهتك للعرض، فقدان للحرية، ضياع شيء عزيز أخ صديق قضية وطن. وغيرها الكثير. في ذات الوقت يمكن لتحفيز نوازع الأنانية وإطلاق عملية إشباع الرغبات المحرمة أو الممنوعة والحاجات المحروم منها، ودفع للتصرف وفقا لها الأثر الأكبر أو العامل الحاسم لسلوك هؤلاء الأفراد(أو الفرد) وفق للسلوك النمطي الذي تم إعداده والتخطيط له أو برمجته لكي يتصرف وفقا له. وأن ما يحول دون تطبيق هذه التكنيكات، القوة النفسية للفرد، حيث أن قدرة الفرد على اتخاذ خيارات مدروسة وصحيحة وحرة، وإبداء المقاومة من خلال استخدام استراتيجيات عقلية معرفية من ضمنها استراتجيه التفكير الناقد، إلى جانب امتلاكه لمفهوم عن ذاته ايجابي وغير مرضي، تكون المانع أو الجدار الصلب الذي يمنع من التوصل إلى نتائج تؤدي إلى عزل وتقيد الفرد، وبما يؤدي إلى القبول بالأفكار والقيم والمشاعر التي تفرض عليه، والطاعة والخضوع لأوامر القائمين على هذه التقنيات وتنفيذه لأجنداتهم. في حين أن ضحاياهم من ذوي الشخصيات المهزوزة الثقة بنفسها، ذات التفكير الببغاوي التلقيني. فإنها تصبح غير قادرة على اتخاذ القرارات العادية أو الحكيمة أو المتوازنة والطبيعية، والتي من المرجح أو من شأنها أن تصبح عادة، أو سلوكا عاديا للفرد، والتي لم تكن قد تم ممارستها قبل تعرضه لتقنيات هذه العمليات المنسقة. وقد يكون الأثر التراكمي لهذه العمليات أكثر فعالية من تأثير ما يتعرض له من الألم، وتعذيب، ومخدرات، أو استخدام القوة البدنية والتهديدات الجسدية والقانونية. علما بأن هؤلاء الأفراد لا يعترفون بأنهم قد خدعوا، كما يعتقدون بعدم مسؤوليتهم عن كل ما حدث ويحدث من سلوك ضار، لكونهم يعتقدون بأنهم يفعلون شيئاً آخر، شيئا مفيدا ومجديا لهم ولمجتمعهم. كما أن الاندفاع في الخطوة الأولى قد يجعل الشخص يشعر بأنه غير قادر على العودة إلى سلوكه أو طبيعته التي كان عليها قبل تعرضه لهذه التقنيات، فيدخل في دوامة أو دائرة من السلوك الشائن، والتي لا يمكنه الخروج أو الفكاك منها. ويشير Robert Jay Lifton إلى أن كثيرا ما يستخدم الدين والمعتقدات الدينية إلى جانب هذه التقنيات وبشكل فاعل ومؤثر. أن هذا كثيرا ما نلاحظه في محاولة إسباغ نوع من القدسية على الأعمال التي يراد لهؤلاء الأفراد القيام بها، والذين تم تطبيق هذه التقنيات عليهم. فمن خلال نصوص الكتب المقدسة والتي توظف بشكل يحقق ذلك، أو أحاديث لرموز وشخصيات دينية، أو صدور فتاوي وتعليمات من بعض رجال الدين والذين لهم شهرة عالية. من اجل إعطاء الشرعية للإسهام في خداع وتظليل المغرر بهم. إلى جانب نشر النقائص والشكوك والأفكار الهدامة حول مواضيع أو شخصيات قد يكون لها تأثيرا ما على هؤلاء الأشخاص، دينية أو سياسية أو اجتماعية. وإثارة المذهبية أو عنصرية أو المناطقية عندما لا تتعارض مع أهدافها الخفية أو استخدامها كعوامل مساعدة على سرعة تبني المواقف ألمُظلِله، وتعميم كليشهات أو شعارات تتميز بالتفكير المتحيز والأفكار السوداوية حول الآخرين. النظم النفسية القسرية بارزة في التعلم الاجتماعي السليم والجيد والعلاج النفسي، وهي كثيرا ما تسمى بالإقناع السلمي أو غير القسري حيث يتم تحت ظروف محددة وتطبق أساليب المعالجة البيئية والشخصية التي استخدمت لقمع سلوكيات معينة، وتحت إشراف المدربين أو المعالجين الجيدين. هذه الشروط تشمل عدد من الأنواع من الأساليب النفسية غير القسرية المستخدمة، وبالرغم من بساطتها، منها: التلاعب الشديد بالبيئية والشخصية، ومقدار من القوة النفسية تستخدم لقمع السلوكيات غير المرغوب فيها خاصة، والتدريب على سلوكيات معينة. والقوة القسرية هو تصور تقليدي من الناحية المادية. في هذا النموذج يمكن تحديدها بسهولة، فهي واضحة ولا لبس فيها. القوة النفسية القسرية للأسف لم تكن من السهولة رؤيتها وتعريفها. أن الفلسفة الأخلاقية لكثير من العلوم قد سمح باستخدامها، ولكن يجب أن لا تنطوي على القوة والإكراه البدني. واعترفت بأنه لا يمكن أن يهدد الفرد بالإكراه النفسي، وذلك بسبب كونها قد تكون خطرة، كما اعترفت بأن قانون العمل بها لا يلزم أن يكون التهديد ماديا. ويقر بان كل التهديدات من خسائر اقتصادية، وعزلة اجتماعية، والسخرية، وهي من بين أمور أخرى، بموجب القانون، وفق سياقات مختلفة، تعتبر قوى نفسية قسرية، يجب عدم تطبيقها على الأفراد. وتعتبر النظم النفسية القسرية ضارة لأنها تنتهك معظم مفاهيمنا الأساسية لحقوق الإنسان. أنها تنتهك حقوق الأفراد التي تكفلها الدساتير والقوانين وأكدته العديد من التصريحات رجال السياسة والعلم والقانون والدين ومن مختلف أنحاء العالم ومختلف التوجهات الدينية والفلسفية. ومن حيث المبدأ، فبواسطة التشويش، والتخويف، وإسكات ضحاياهم، يستفيدون هؤلاء من هذه النظم ويتهربون من التعرض لإجراءات الملاحقة القضائية المعترف بها. ويمارسون أساليبهم الضارة والتي تعتبر غير قانونية في معظم البلدان والتي هي مثل: الدفع إلى القتل، أو السرقة، أو الخيانة، أو الغش، أو السجن كاذب، أو التأثير ألا مبرر له، أو الاستعباد(العبودية) القسري، أو إحداث الاضطراب العاطفي، أو السلوك الشائن، وغيرها من الأفعال المضرة الأخرى.وهناك قسرية نظام العملCoercive Labor System، والتي هي: العبودية، مؤسسة على أساس علاقة الهيمنة والخضوع ، حيث يملك شخص واحد شخص آخر أو آخرين. إن استعمال الأنظمة النفسية القسرية لم تعد مشكلة صغيرة أَو معزولة. تنحصر فقط في أسرى الحروب أَو المجموعاتِ المتطرفة جداً. هناك ما يقرب بين( ثلاثة آلاف إلى خمسة آلاف) من المجموعات والمنظمات في الولايات المتحدة الأمريكية يستخدمون الأنظمة النفسية القسرية. وفي الولايات المتحدة وخلال العشرين سنة الماضية عانى حوالي(20 مليون شخص) وبشكل مباشر أو غير مباشر من عمل هذه الشركات والمنظمات. هذه المنظمات تعمل بشكل سري، وترصد بلايين الدولارات من اجل ذلك. بعض هذه المنظمات أو المجموعات ذات صفة دينية أو إنها منظمات غير ربحية. والأمر لم يقف فقط عند حدود هذه المنظمات والجمعيات وإنما هناك دول عظمى وتحالفات تستخدم هذه التقنيات وبشكل بشع في تمرير سياساتها من اجل السيطرة على الشعوب وثرواتها، وجعلهم وقود بل سماد لمزروعاتها. كما يتوافر قليل من الوعي لدى الجمهور العام عن طبيعة وخطر هذه التقنيات. علما بأنها أكثر خطورة واحدث تطورا. لديها القدرة على تجاوز وعي الضحية. وهم يعملون من خلال الأصدقاء، أو الأشخاص المؤتمنين على الصغار والأحداث منهم، و"القادة" أو "الزعماء" لبعض التجمعات السياسية، أو "المفكرين" وأصحاب ما يسمى بالرأي الحر، ودعاة "اليمقراطية". تتميز بخطوات سرية وذات هندسة تنظيمية عالية ودقيقة. ويكون العمل مع المجموعات إضافة إلى الأفراد. يقوضون قدرة الفرد على التفكير العقلاني، والاختيارات الحرة. وطبقا للدكتورة (مارجريت ثالر سنكرMargaret Thaler Singer) إحدى الخبراء في الأنظمة النفسية القسرية، في إنها قامت بدراسة(3500) ضحية من ضحايا هذه الأنظمة خلال (40) سنة من البحث. وهذه الأساليب تستخدم وبكثرة من قبل منظمات وجمعيات ودول، وحاليا ليس هناك قوانين تعترف وبشكل محدد أو تمنع عمل هذه الأنظمة. ومن الضروري أَن يجدد المجتمع وبسرعة معلوماته عن هذه الأنظمة أو التقنيات، وأن يتعرف على التقنيات المستحدثة في هذا المجال. هذه التقنيات لا تختلف عن التقنيات الأخرى لكنها أكثر تطورا فنحن نعيش الجيل الثالث أن لم يكن الرابع من هذه التقنيات. هذه الأنظمة الأكثر خطورة والأحدث، إذ يمكنها من تعديل الموقف بالإضافة إلى السلوك والعقيدة. أنك بتقنيات الجيل الثالث المتطورة، يمكنك أن تغير موقف الشخص دون معرفته وإرادته. حيث يمكنك من خلق مواقف جديدة تجعل الضحية يعمل أشياء وبرغبته، علما بأنه كان يكره ويرفض القيام بها سابقا. من خيانة الأهل والأصدقاء، أو انتهاك القوانين. والقدرة على تغيير الموقف(الذي يغير السلوك عادة) بدون معرفة وإرادة هو الهدف الرئيسي لهذه التقنيات. لأن الموقف يمكن أن يتضمن مظاهر الإخلاص والالتزام والحماس للفكرة أو العقيدة أو للمنظمة والإخلاص والالتزام بمواقفها. لذا فانه يمكن أن يتأثر بهذه التقنيات. وهي تستخدم لصناعة المجندين والمتعصبين والقتلة والجواسيس. والآن تستخدم لصنع الثوار. كذلك فأن التأثيرات اللاأخلاقية لهذه التقنيات تهدد وبشكل خطير حقوق الإنسان الأساسية. فتحرمه من الاختيار الجيد، وتمنعه من التفكير العقلاني. وهي بذلك تعمل بالضد من النظام الديمقراطي الذي يدعو له الغرب والدول المتقدمة. فكيف لنا أن نريد من امة لا تمتلك حق اتخاذ خياراتها، ولا تمتلك القواعد المعرفية لكي تفكر تفكيرا عقلانيا. أن تكون حرة وديمقراطية. أن قدرة الفرد على ممارسة التفكير العقلاني واتخاذ قرارات سليمة يعتمد على توفر المعلومات والمعرفة الحقيقة الغير محرفة أو مزورة(الكاذبة)، والتي تؤدي بنا في حالة غيابها إلى خيارات سيئة، نتائجها هو أن نؤذي أنفسنا هو أهلنا أو أصدقاءنا أو مجتمعاتنا بتلك القرارات "السيئة" أَو "الغير معروفة" من قبلنا. وبذلك تُقوض الأنظمة النفسية القسرية الشروط الضرورية لبناء الكيان الذاتي للفرد(شخصيته)، كما إنها تؤدي إلى غياب الديمقراطية والعدالة بين أبناء المجتمع، بل تؤدي إلى إحداث الفوضى داخل المجتمعات. أن غياب التفكير العقلاني والاختيار الصحيح والحر هو الطريق إلى العبودية التلقائية وعبودية التقنية في هذا العصر، الذي هو عصر انتشار المعلومات، في حين تغيب المعلومات الحقيقية عن الفرد. وبذلك تسرق حريتنا وإرادتنا، وضميرنا الفردي وإرادتنا الجمعية، والاعتقاد العقلاني السياسي أو الديني. هذه هي الطريق التي توصلنا إلى المجتمع الاستبدادي، ونشر الفوضى في المجتمعات من خلال خلق المتطرفين، والأنظمة الهزيلة التي يتفشى بين أروقة سياساتها ومسئوليها ألرذيلته والغش والرشوة والفساد والسرقات والمليشيات وحروب الطوائف وغيرها الكثير الكثير. وهي بمجموعها تقنيات ضد إنسانية الإنسان. وحينما نفقد كل ذلك، نصبح فئران في مختبر كبير تُفرحنا قطعة الجنة ويؤلمنا صقع التيار الكهربائي، وهكذا نبقى ندور وندور، وندعي بأننا أحرار وقادرين على اتخاذ قراراتنا السليمة بوعينا وبإرادتنا. أن الإيمان بقدرة العقل البشري وبالعقلانية وحرية الإرادة، دفعت الإنسان لمقاومة النظم الاجتماعية والسياسية ذات الطبيعة الاستبدادية، والدعوى للحرية والكرامة الإنسانية. ومنذُ فجر التاريخ سجل هذا الكائن ملاحم من النضال والتضحية. ولم يتوقف هذا فقط في جوانب التحولات السياسية، وإنما ترافق ذلك مع جهوده في الإنعتاق من قبضة قوانين الحتمية الطبيعية والنفسية والاقتصادية والتاريخية والعقلانية والمنطقية. وذلك من خلال اكتشاف القوانين في كل مجال من هذه المجالات، والعمل على تسخيرها لحريته وكرامته وتطوره المعرفي. ولكن هذا التطور الهائل في الجوانب المعرفية والمعلوماتية والتكنولوجية، رافقه تطور في هذه الأنظمة النفسية القسرية وأدخلت إليها التكنولوجيا الحديثة كي تطور من هذه الأساليب وتصبح أداة لها. وبذلك توسعت قاعدة الأفراد أو المجتمعات بل الدول التي تطبق عليها هذه التقنيات وبشكل سريع ومباشر ووفق أجندات عالمية، شعارها الإعلام الحر، والرأي والرأي الآخر. مع استغلال سيء لنقاط الضعف في هذه المجتمعات إلى جانب نقاط الضعف في شخصيات أفراد هذه المجتمعات النفسية والفكرية والفلسجية. واليوم فان وسائل الأعلام المرئي بقنواته الفضائية يدخل كل بيت، وها هي تتعامل معنا وكأننا قطيع من الأغبياء، تدفع بهم كيفما تريد والى أين تريد. لان من يحجب عنك الحقيقة ويقدم لك الزيف فهو على قناعة تامة بأنك شخص غبي وسوف تصدق ما يقول هو، وبان الحقيقة فقط لديه وعليك تصدقها وبدون تفكير بالرغم من أنه يكذب. وبالمقابل، نحن فرحين مستبشرين مزغردين، بكل ما تقدمه لنا من أكاذيب، وكأنها تقول "ليصدقوا ويموتوا هؤلاء الأغبياء من اجل أن يقفز بعض الجبناء والمتخلفين والمرضى النفسيين والمنحرفين والقتلة إلى السلطة". لان مثل هكذا أجندات وتقنيات لا تنفذ لا مع هكذا أشخاص، أنظمتهم النفسية والعقلية والقيمة هشة متفككة ولهم تاريخ مخفي من السلوك الشائن. ونحن لا نشعر بهول الكارثة إلا بعد فترة قد لا تكون بالقصيرة، ولكن حين نستيقظ تكون القيامة قامت ويوم الحشر قد آذن بموعده. وها هو العراق النموذج الحي على ذلك. فالدعاية هي السبيل لتحقيق السيطرة على العقل من خلال الإعلام والتي تأتي بثلاث نكهات،هي: حقائق بيضاء أو صحيحة، حقائق رمادية، حقائق سوداء. هدفها هو الرأي العام وهذا هو ما مورس مع العراق من 1990 وحتى 2003. أو ضد أنظمة عربية، في محاولة لشيطنة هذه الأنظمة، في حين أن أنظمة تلك الدول ليست بالنظم الملائكية. إنها حرب عالمية ثالثة تستخدم فيها أسلحة اشد فتكا وتدميرا من عشرات بل مئات القنابل التي وألقيت على اليابان. إنها ساحة لمعركة قادها وصنعها المستفيدين منها، وهم قابعون في عالما مخفي افتراضي يقودون معركة في ساحة مخفية افتراضية هدفها السيطرة على العقول الأفراد، وهؤلاء الأفراد الذين هم في عالم الواقع بدلاء عنهم أو كومبارس، يؤدون أدوار خطرة وحقيقية على أرض الواقع، على الأرض أو الميدان الذي لا يستطع هؤلاء القادة أو جنودهم القيام بممارساتهم فيها. أذن ليقتل هؤلاء أو ليقتلوا ما شاؤا ذلك. ولكن في نهاية سيصلوا هم إلى ما يريدون، وبدون خسائر كما قلنا فالأغبياء هم الخاسرون. وما أكثر الأغبياء في بلداننا العربية، في حين أن العملاء أو من يكون حليفا للقائم بهذه التقنية وضمن فريق تطبيقها، فهم قليلون وقليلون جداً.
#جودت_شاكر_محمود (هاشتاغ)
#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا العنف ؟ كيف يصبح الناس فجأة أكثر عنفا ؟
-
سياسي الألفية الثالثة
-
اتفاق أَنصاف الرِجالْ
-
غزة والأصنام
-
قولٌ في الميزان
-
أنا والعراق والدجال
-
حذاء ولكن !!!!!
-
تكريم عراقي
-
الثورية على الطريقة العراقية
-
رحلةٌ مع نون
-
إبحار
-
محمد الهاشمي وحلم الوهم
-
أنتِ النصف الآخر
-
البصرة بين الإقليم والجيب العميل
-
العراق بين هلالين
-
أخرجوا من ظلام قواقعكم إلى النور
-
بصمةُ العار
-
رحيلُ الروح
-
صور من زمن الاحتلال
-
رحيل الروح
المزيد.....
-
مكتب نتنياهو يعلن فقدان إسرائيلي في الإمارات
-
نتنياهو يتهم الكابينيت بالتسريبات الأمنية ويؤكد أنها -خطر شد
...
-
زاخاروفا: فرنسا تقضي على أوكرانيا عبر السماح لها بضرب العمق
...
-
2,700 يورو لكل شخص.. إقليم سويسري يوزع فائض الميزانية على ال
...
-
تواصل الغارات في لبنان وأوستن يشدد على الالتزام بحل دبلوماسي
...
-
زيلينسكي: 321 منشأة من مرافق البنية التحتية للموانئ تضررت من
...
-
حرب غزة تجر نتنياهو وغالانت للمحاكمة
-
رئيس كولومبيا: سنعتقل نتنياهو وغالانت إذا زارا البلاد
-
كيف مزجت رومانيا بين الشرق والغرب في قصورها الملكية؟
-
أكسيوس: ترامب فوجئ بوجود أسرى إسرائيليين أحياء
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|