جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3510 - 2011 / 10 / 8 - 13:26
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
شو الموضوع؟
أو أين المشكلة؟
إذا لم يكن هنالك مشكلة تبحث عني فإنني حتما سأبحثُ أنا عنها, ذلك أن لكتابة عندي مشكلة واضحة كل الوضوح مثل عين الشمس, ولا يمكن أن أعتبر نفسي كاتبا بدون ما أكون كاتب..ْ صاحبَ كثير من المشاكل التي تؤلم القلب والعين واليدين والرجلين والرأس بأكمله فأحيانا أصابُ بصداعٍ اسمه صُداع الكتابة وأستهجن كثيرا حينما يراسلني أي كاتب ويطلب مني الحوار على الشات, أستغرب منه كيف يكتب وليس عنده مشاكل أو إشكالية في اللاشعور, ومرة من ذات المرات حضرت أمسية قصصية كان في القاص يقول أي كلام وحين انتهى وفتح باب النقاش سألته: هل يؤلمك شيء؟ وهل تشكو من أي شيء؟ هل أجرى أحدهم لك عملية جراحية وسرق من جسمك عضوا؟ أو هل تعاني من مشكلة عاطفية, فأجابني على كل أسئلتي بكلمة واحدة وهي(لا) فصحتُ به قائلا: إذاً كيف تريد مني أن أصدق بأنك كاتبا؟!.
فالكاتب يجب أن تكون عنده مشكلة إما في حسه ووعيه وإما في العقل الباطن خلف اللاشعور, وما عدى ذلك يصبح الكاتب مثله مثل غيمة أرعدت ولم تمطر لا رمانا ولا عنبا ولا ماءً نسقي به العنب بعد طول غياب, والكتابة عندي مشكلة,أو المشكلة عندي هي الكتابة وبنفس الوقت الكتابة عندي هي المشكلة الغامضة وهي عميقة الغور في أعماق النفس الإنسانية, وهي من بابٍ آخر مشكلة مستعصية ليس لها أي حل, والكتابة عندي إشكالية نقدية وإشكالية فكرية ومعضلة قوية من معضلات الفلسفة والسؤال الذي يهمني هو نفس السؤال الذي كان يسأله (أمنوائيل كانط) وهو نفس السؤال الذي ألح على هيغل من ناحية وعلى (فخته) من ناحية أخرى, من الذي يسبق الآخر الوعي أم الثورة؟, وحتى أنكم ترونني هكذا نصفي هيغيلي حين تنتابني المُثل العليا ونصفي الآخر أرسطوطاليسيا حين أحذائي,ود المادة في حياتي أكثر من وجود الروح نفسها, وكل يوم يمر عليّ لا بد وأن أقع في مشكلة مع الذين من حولي وبالذات مع الدائرة الضيقة من أقربائي وهم أمي وزوجتي وأولادي وأخواتي , ودائما بحاجة إلى رجل آخر أو إلى امرأة أخرى تحل لي مشاكلي ولو كان على حساب جسدها أو عقلها حين يفسد العقل الجسد أو حين يفسد الجسد العقل, ومن هذه الناحية أنظر دائما إلى جسد المرأة فأكتشف أن به سحرا خدع العقل وأحيانا عقلا خدع السحر, أي أن المرأة إما طاغية بأنوثتها وإما طاغية في عقلها, وحين لا أجد أمامي أي مشكلة أجلسُ لوحدي ألوم نفسي على أشياء كثيرة منها تعلقي بالحب وخداع الجوهر للمنظر أو خداع المنظر للجوهر وفورا أفتعل مشكلة وأحاول البحث عن حلها ومن هنا ومن هذه النقطة أخرج بعنوان مكتوب بالخط العريض يكون بداية الانطلاق,وحتى الحجارة التي في الطريق في كثيرٍ من الأحيان (أتكامش معها) كما أتكامش في بعض الأيام مع معدتي أو مع أنفاسي أو مع دقات قلبي وأبذل قصارى جهدي في الانتصار على المشكلة ولكن هيهات أن تنتهي حتى وإن ربحت معها بعض الجولات, وأحيانا أخلق المشكلة مع نفسي فتجدونني مشلبكاً وفي متاهة لا أعرف من أين دخلت ولا أعرف من أين سأخرج من مشكلتي منتصرا على الشك وعلى الوهم وعلى الحقيقة, والانتصار على الحقيقة أسهل عندي بكثيرٍ من الانتصار على الوهم أو على عقلي الباطن, وأنا الآن مدين للنسيان لأنه ينسيني بعضا من آلامي , وأنا بدون مشاكل حقيقية أو وهمية لا أستطيع أن أعيش حياة طبيعية كالتي يحياها المهووسون والمولعون بالثقافة وبالمشاكل العالقة بين الكاتب وبين المشكلة المطبوعة على رقاقة الكترونية أو على ورق أصفر وصحيفة صفراء أو بيضاء ناصعٌ لونها لا يسر الناظرين,وأجمل شيء في مشاكلي أنها قريبة جدا من أرض الواقع وبنفس الوقت أُحلق فيها بعيدا عن أرض الواقع وهذه المشكلة مشكلتي أنا وليست مشكلة القراء والقارئات, فمرة تجدوني هنا ومرة أخرى تجدونني هناك وكأنني جسم طائر مع الريح مثل الصحن الطائر الذي نشاهده في أفلام الخيال العلمي, ولو توصلت إلى حل مشاكلي بالطرق السلمية فهذا معناه أنني سأتوقف عن الكتابة لذلك أنا حريص على المشاكل وعلى البحث دائماً عن الشرارة التي تشتعلُ منها كل مشاكلي الشخصية والخاصة بالثقافة وهذه الخاصية لا أمتازُ فيها لوحدي بل يمتاز بها معظم الكتاب الواقعيون أو الفانتازيون ,ودائما المشاكل هي التي تبحث عني وتلاحقني أينما أذهب وأينما أجلس وأينما أكون حتى لو كنت نائما مثل طفل رضيع في حضن أمي ودائما ما أُحاول الابتعاد قدر الممكن عن المشاكل ولكن دائما ما تسيطر المشاكل على طبيعتي العقلية فأرقد صريع الوهم على الأرض وصريع خيالاتي ووسواسي, وأحيانا حين أكتب عن مشكلة الدين أو السلوك الجمعي أو الأدب نقدا وتحليلا وتفكيكا للنصوص أقف دقيقة صمت وأنا أقرأ في المشكلة وأقول بيني وبين نفسي:هل صحيح هذه المشكلة موجودة أم افتعلها العقل الباطن عندي؟, كيف كتبت هذا وكيف التقيت بهذا في السوق, وكيف تعاملت مع ابن رشد كما أتعامل مع خياط يخيط لي حذائي, يا للهول!!كيف نسيتُ بأنه فيلسوف؟؟؟!!...من المؤكد أنني رجل مصاب بالوهم أو أن عقلي الباطن فعلا أقوى من عقليتي الظاهراتية, وكيف مثلا حاورت المتنبي علما أنني لم أخرج من باب الدار؟!, صدقوني يا أصحابي أنا في مشكلة عويصة وأريد الخروج منها مهما كلفني الثمن.
وإذا صادف وأن هربت من المشاكل بكل جدعنه وشطاره, فإنني فورا أشعرُ بأنني كاذب لا أستطيع التخلي عن المشاكل وأحيانا كل أصدقائي من معشر الكتاب يسلمون عليّ في الأمسيات الثقافية بجملة(إنت صاحب مشاكل) وأحيانا يداعبني كبار السن منهم بجملة(إنت ولد مشكلجي أكثير زيادة عن اللزوم) فأقول بكل خجل أنا الصياد وتصبح الكتابة قائلةً: أنا الفريسة, وهنا عليّ أن أحدد أولا من هو الصياد الذي سيبقى دائما صيادا ؟ومن هي الطريدة التي ستبقى طوال عمرها طريدة وشريدة متشردة على الهامش هنا وهناك, واليوم بالذات صحوتُ من نومي دون أن أجد أي مشكلة أمامي والكل يتمنى رضابا فقلت:شو هذا اليوم المقرف؟ليش ما فيش حدى يزعلني؟ وذهبت إلى المركز الطبي في البلدة وأحضرتُ لأمي دواءها الشهري ,الضغط,القلب.السكري, ولم يضايقني أي أحد ولم يزعجني أي أحد والكل يرحب بي وهذا ما دفعني إلى أن أعود إلى البيت للبحث عن مشكلة حتى لو كانت مع مصارين بطني , والطامة الكبرى أنني لم أجد عندي أي مشكلة لذلك أنا أبحث عن مشكلة أكتب عنها ولم أجد أفضل من مشكلة الكتابة التي لا تقدم ولا تؤخر, والدليل على ذلك أنني أكتب عن طبيعة مشاكل كتب عنها غيري مئات بل ألوف المرات وتركوا المشكلة قابعة بمكانها لم يجد لها معظم الكتاب حلا يرضيها أو يرضي القارئ, وهذا أجمل ما في الكتابة وهي أنها بدون أي حل وعندي دليل آخر على أن المشاكل طبيعتها غير قابلة للحل نهائيا وذلك الدليل ترونه في المؤتمرات العلمية ومخرجات المؤتمرات بحيث ينتهي الموضوع أو المشكلة هكذا: (المشكلة معقدة ولا يمكن حلها في مؤتمر علمي واحد بل هي بحاجة إلى مئات المؤتمرات) ونخرج من المؤتمرات مثلما دخلنا وعلى الغالب أننا نخرج معنا فوق المشكلة الأصلية مشاكل جديدة معقدة الفهم والتركيب مثل مشكلة النص والتناص وطبيعة الإبداع العام والخاص, ومهما بحثنا عن حلول لمشاكلنا فإننا لن نجد حلا لها إلا بإبادة الجنس البشري أجمعه لنبدأ مرحلة جديدة وهي الهدم ثم البناء من جديد.
عمري اليوم 40 عاما أو واحدٌ وأربعون عاما ومع ذلك ما زلت أبحث عن معنى وجودي وعن معنى الكتابة حين أكتبُ وأكتبُ وأكتبُ دون أن أجد حلا لمشكلتي ولمشكلة الفلسفة بشكل عام,وأغلبية الكتاب يمارسون نوعاً من النقد الاجتماعي هم أصلا من يرتكبه أكثر من الناس الذين ينتقدونهم بشكل سلبي وهذه أهم مشكلة في الكتابة وبالذات أغلبية اليساريين إذ نجدهم يمارسون الأخطاء التي يجدونها عند الناس العاديين سواء أكانت تلك الأخطاء قد وقعت سهوا أو عامدا متعمداً دون أن يلتفتوا إلى ما تركوه خلفهم من سلبيات.
ولماذا نكتبُ ؟ولمن نكتب؟ وبعض الكُتّابِ يقولون بأنهم يكتبون للجيل القادم أي أنهم يعتبرون أنفسهم سابقين لعصرهم.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟